|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  18  / 9 / 2016                                 د. محمود قبطان                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

استراحة الصيف وغسل عارهم السياسي

د. محمود القبطان
(موقع الناس)

في كل عام اقضي اكثر اجازتي الصيفية في بودابست على الاقل 3 أسابيع لكن في هذا الصيف الساخن استمرت خمس اسابيع بسبب وضع صحي لم اتوقعه ولكن الامور اصبحت تحت السيطرة. حاولت ان اقرأ بالرغم من ذلك ونجحت.

تحديت وضعي الصحي وسافرت الى بحيرة البلاتون بسفرة ساعتين في القطار,جلست امامي شابة عشرينية لم اكترث لها لاني كنت مشغولا بالقراءة بعد فترة صعد شاب مجري اربعيني وبدأ الحديث مع الشابة ودخل في تفاصيل حياتها الخاصة وهي تجاوبه على استفساراته...بعد ساعة من اللغو صعد رجل ستيني ودخل في نقاش مع الشاب حول قضية الغجر والحداثة والموبايلات والتطور وصولا الى النظام الجديد وما موجود من انتشار ظواهر لم تكن موجودة في النظام السياسي الاشتراكي السابق,هنا لم استطع عدم المشاركة فقلت هل كانت ظاهرة الدعارة موجودة في النظام السابق؟الم يكن تسجيل مكان السكن والعمل اجباريا حيث كان توفير السكن والعمل اجباريا لكل مواطن؟كان الرجل الستيني واضحا وقال انه يعيش برفاهية الان لكنه كان يرى الامن والعمل متوفر للجميع في النظام السابق وحيث انتشرت الان المافيات والعصابات وكل انواع السقوط الاجتماعي اضافة الى الهجوم على الاجانب والمهاجرين من قبل الحكومة اليمينية والتي في كل فترات الاخبار لقنوات الحكومة المرئية لا يقل عن 40 دقيقة حول التصويت بنعم او لا بقبول شروط الاتحاد الاوروبي بتقسيم عدد اللاجئين على دول الاتحاد حيث الحكومة ضد هذا القرار وجندت كافة الامكانيات لهذا الغرض وتقول احدى شعاراتها انه قُتل اكثى من 300 مواطن اوروبي خلال الفترة الاخيرة على يد المهاجرين...في ذكرى الثورة المضادة للنظام الاشتراكي في اكتوبر 1956 والتي يسمونها الان الثورة (كل ينطلق من خلفياته السياسية) كانت هناك محاضرة في مدينة أكر وفي احدى المداخلات قال رينينر يانوش ان من ترك المجر في تلك الاحداث كان هناك بحدود 5% ممن حملوا السلاح بوجه النظام والباقي كانوا بدافع الهجرة وتساءل ماذا كان يحدث للهاربين او المهاجرين لو إن النمسا كانت قد وضعت الاسلاك الشائكة امامهم وغلقت الحدود؟ الم يكن وارداً ان يقتل عددا كبيرا منهم؟هذا الحديث كان اشارة صارخة بوجه الحكومة التي تضع الاسلاك الشائكة امام المهاجرين لتمنع عبورهم الى المجر ومن ثم الى اوروبا شمالاً. بالمناسبة مازالت الكوادر العلمية وغيرها من العمال المجريين يهربون من المجر الى اوروبا الغربية وتحديدا الى الدول الاسكندنافية.وفي الصفحة الثانية من جريدة حرية الشعب (1) التي نشر فيها الخبر اعلاه في 10 ايلول كانت السيدة شموك اليزابيت من حزب ل.أم.بي تقول: الحكومة المجرية لا تشغل نفسها بجذور مشكلة اللاجئين واسباب الهجرة وانما بمصالحها فقط,لان ايقاف الهجرة عبر ايقاف مسبباتها ولذلك الحكومة تستغل هذه الظروف لانتخابات 2 اكتوبر من اجل مصالحها وسياستها وتهدر حوالي 4 مليارد فورنت لها.وهنا يأتي نوع من العار السياسي الجديد متمثلاً بحزب الحكومة فيديس ضد قبول المهاجرين "للحفاظ على مستقبل المجر" وآخر ضد الحكومة وثالث بين بين.كل هذا وانا اقرأه في الجريدة بينما وصلت الى البحيرة وتحديدا منطقة بلاتون فورَد حيث مررت بهذه المنطقة مرة في 1972 وأخرى في 1974 حيث كنت في الصف الرابع في جامعة طب بودابست ووقتها كان قد وصل الى بودابست حبيب الشباب الراحل حبيب العاني ابو حسان للعلاج بعد ان اراد النظام القضاء عليه حيث اصيب بجلطة قلبية عبر غلق الاوكسجين لولا عناية الرفاق في مدينة الطب آنذاك.وصل ابو حسان برفقة زوجته وكنت مترجما له,وقد اصبح العلاج الطبي مرافقا للعلاج النفسي حيث توافد الرفاق عليهم في كل اسبوع والتنزه بجانب ساحل البحيرة...أنا اسير اليوم بجانب الساحل وتمر امامي تلك الذكريات والصور الجميلة التي التقطت حينها مع الراحل ابوحسان.التقيت الراحل آخر مرة في بودابست بعد رجوعي من اليمن الديمقراطية في مصح حيث كان يُعالج من اثر القصف الكيمياوي في زمن النظام السابق.

نوع آخر من العار السياسي هو تجميل صور باهتة سياسياً عبر دعوات وضيافات للاكل والشرب والنوم ومن ثم تأتي المنغصات والشكاوى بالتعب من الضيوف,والطريف ان الجميع يأتون فقط للاكل والشرب والنوم وليس هناك من له المام سياحي او ثقافي بهذ البلد أو ذاك وليس هناك من يزور متحف او مكان تأريخي.عند السقوط السياسي ,مهما كان نوعه, يحاول صاحبه مسح هذا العار بطريقة غبية,واشُبّه هذا السقوط ومحاولة مسحه مثل مرض جلدي اسمه داء الصدفية فهذا الداء وان كانت اسبابه غير معروفة لكنه يزداد في حالات العصبية والضغط النفسي فمن الحكة الى البثور وتساقط القشور التي تشبه الصدف السمكي الى الاحمرار ويصيب اية منطقة في الجسم وتأتي حالات الراحة من الاعراض في فترات...وهنا السقوط السياسي بعد وخز الضمير "ان وجد" والاختفاء الى حالات الظهور والتملق والعزائم والدخول لمعترك "السياسة" من الشباك ولكن تخريبياً في اقلها عبر ادوات معروفة ومن الجانب الآخر يحاول العاطلون عن التفكير والعمل تبييض العار السياسي للخائبين كعملية تبييض الاسنان ومن ثم الرجوع الى التدخين والاسراف في شرب القهوة لتتسوّد الاسنان مرة اخرى وكأن شيأً لم يحدث فهناك من يريد تبييض صفحات الخجل والعار للبعض عبر هذه الرحلات المتكررة ولنفس المكان ولكن هل هذا ينفع ان لم يعتذر الساقطون سياسياً عن فعلهم وامام الجميع؟

رجعت الى عائلتي لفترة قصيرة جداً لاشدّ الرحال الى الوطن الاُم مرة اخرى لانني لا استطيع التنفس بدونه.



(1)
جريدة حرية الشعب كانت الناطقة باسم الحزب العمال الاشتراكي المجري في حقبة النظام الاشتراكي ومن ثم انقسم الحزب الى احزاب بعد تغيير النظام وقد استولى الحزب الاشتراكي "اسميا" على الجريدة والان هي بيد المستثمرين ولا علاقة لها بالحزب الاشتراكي الحالي.بالمناسبة هذا الحزب هو من اوصل المجر الى عضوية حلف الاطلسي.
 

20160918
 

 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter