|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  16 / 3 / 2016                                موسى الخميسي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



سينما سكولا رسمت {بورتريه} لإيطاليا القرن العشرين

موسى الخميسي - روما
(موقع الناس)

مرت قبل ايام اربعينية المخرج والسيناريست الإيطالي إيتوري سكولا ، الذي توفي في روما تاركاً وراءه عشرات الأفلام، بينها (41) حملت توقيعه كمخرج، وأكثر من (90) نصا، ككاتب سيناريو. ولد آخر معلمّي السينما الإيطالية عام 1931 في مدينة تريفيزو بالقرب من نابولي، وتعود بداياته في عالم السينما إلى عام 1953، من خلال كتابة السيناريوهات، صحيح أنّه كان ينوي السير على خطى والده في دراسة الطب، إلا أنّه تحوّل إلى القانون، ثم إلى صناعة الافلام.أخرج سكولا فيلمه الأوّل “ لنتحدث عن النساء” 1964 ، لينضم إلى صف المخرجين الإيطاليين العالميين عبر فيلمه، كم أحببنا بعضنا، “وفيلم الشرفة, وفيلم العائلة.

في عام 1976، حاز على جائزة أفضل مخرج في “مهرجان كان السينمائي الدولي” عن فيلمه “قبيح، قذر وسيئ”، قبل أن يحصل في السنة التالية على أوسكار أفضل فيلم أجنبي عن شريط “يوم خاص” الذي كتبه وأخرجه بنفسه.

لائحة أفلام إيتوري سكولا المميّزة تضم عناوين كثيرة، بينها “ليلة في فارين” (1982)، و”كم الوقت الآن؟” و”رحلة القائد فراكاسا “ في العام 1990.

لم يبرع أحد في تجسيد إيطاليا على مدى نصف قرن بدءاً من الحقبة الفاشية حتى بداية القرن الحادي والعشرين، كما فعل هو. إيتوري سكولا الذي كان يطلق عليه بـ” المايسترو” المعلم، الذي رسمت أفلامه “بورتريه” لإيطاليا القرن العشرين، والتفاوت الطبقي، والمعاناة والندم، وأوهام اليسار الذي انتمى إليه، انسحب نهائيا الى الموت “ بعدما تعب قلبه من الخفقان” وفق ما قالت زوجته وابنتاه لإحدى الصحف المحلية.

قبل ذلك، وتحديداً في عام 2011، انسحب “الرفيق” من صناعة الأفلام لأنّه “ يعجز عن التأقلم مع عالم سينما اليوم، كما كان يفعل في السابق بحب وفرح وخفة، اذ هناك منطق للإنتاج والتوزيع لا يشبهني البتة”.

الفتى الساحر

معلم السينما الإيطالية منذ الستينيات حتى نهاية القرن العشرين، يعد من الأوائل الذي صنّفوا ضمن فئة «الفتيان السحرة» في الفن السابع الإيطالي. عكست أفلامه التأثيرات الاجتماعية في أعمال عمالقة السينما الإيطالية ما بعد الحرب مثل فيتوريو دي سيكا، وفيدريكو فيلليني وروبرتو روسيليني وأنطونيوني، فطعّم أسئلته حول السياسة والإنسانية والسينما بالكوميديا التي رافقت معظم أفلامه ؛ “ لقد أحببنا بعضنا كثيراً” 1974 ،و”سيزار” أفضل فيلم أجنبي عام 1977 مع نينو مانفريدي، ستيفانيا سانديريلي، فيتوريو غاسمان، وستيفانو فلوريس روى ثلاثين عاماً في تاريخ إيطاليا (1945 ــ 1975)، ويعد بحثاً في التيارات الاجتماعية التي أنتجتها الحرب، ووجّه من خلاله تحية إلى السينما الإيطالية المشغولة بتحولات ما بعد الحرب العالمية الثانية. وفيلم” قبيح، قذر وسيئ” جائزة أفضل مخرج في “كان” عام 1976) وهو كوميديا فجّة تدور في إحدى عشوائيات روما في السبعينيات المهددة بالتوحش العمراني الزاحف. أما سكان الحي، فيسترزقون من السرقة والدعارة ويقعون تحت رحمة الأزعر المستبد والأعمى الذي يجسده نينو مانفريدي أيضاً. أما فيلم “ يوم خاص” (1977) مع الرائعين صوفيا لورين ومارشيللو ماستروياني، فيذهب بنا إلى ذروة الفاشية في إيطاليا.

مخرج عضوي

في مقابلة مع هذا المخرج العملاق، نشرت في صحيفة “ لو موند” الفرنسية، قال سكولا: أصنع الأفلام ذاتها تقريباً. لطالما انشغلت بنظام العزلة والتفاوت الطبقي. أنطلق دوماً من فكرة وليس فرداً لأحولها إلى كوميديا فجة لأنني أرى أنّها طريقة نبيلة وتراجيدية في عكس مشكلات مجتمعنا المعاصر.

كان ايتوري سكولا «مخرجاً عضوياً” على القياس الغرامشي، لا مخرجاً عادياً. وعلى عكس كثيرين من صناع السينما الإيطالية الكبار من أصحاب “ الحساسية اليسارية” ، لم يهاجر بأفلامه إلى أميركا، كبرتولوتشي وكوبولا، أو تورناتوري، وإن كان ذلك لا يعيب كثيراً المخرجين الذين حملوا أنفسهم على تلك الهجرة.

لكن سكولا من طينة الراحل بيير باولو بازوليني الذي اغتالته الفاشية عام 1975في السياسة، وإن كان في السينما مزيجاً فريداً من مجموعة مخرجين إيطاليين لا يمكن الحديث عن واحد منهم من دون الحديث عن الآخر، رغم الاعتراف بوجود سحنة استثنائية تميّز أعمال كل واحدٍ منهم. وكما في فرنسا، في إيطاليا، الحديث عن “موجة جديدة” في السينما، قد يقود في نهايته إلى البحث عن هوية فلسفية للمخرجين، فإن كان المخرج الفرنسي جان لوك غوادر (مثلاً) نسوياً كسيمون دو بوفوار، أو برتولوتشي فوكوياً يقيم وزناً لتأثير السلطة والذات والمعرفة، فإن سكولا كان غرامشياً قطعاً، وليس شريطه “يوم خاص”، إلا تجسيداً سينمائياً فاتناً لرسائل أنطونيو غرامشي من سجنه في تورينو شمال إيطاليا.
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter