|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  14 / 10 / 2020                                موسى الخميسي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

كتاب " سيزان... حياة"
الكاتب اميل زولا والانطباعيين.. كم من سوء فهم!

روما: موسى الخميسي
(موقع الناس)

واخيرا لقد نشر في ايطاليا كتاب "بول سيزان... حياة " لجون رِوالد: يسرد لنا قصة علاقة صعبة بين الكاتب الفرنسي اميل زولا والرسامين. فواقعية الاول شيء اما انطباعية الاخرين، فهي امر آخر غير الواقعية.

"عزيزي اميل لقد تلقيت العمل الذي ارسلته الي واشكر كاتب "روغون مكّارت" على ذكراه العزيزة اياي واستسمحه في ان احييه مذّكّرا السنوات التى امضيناها معا. باندفاعات ذاك الماضي البعيد صديقك الاكثر ودا بول سيزان» هكذا كتب الفنان بول سيزان الى صديقه أميل زولا في 04 ابريل 1886 اثر تلقيه نسخة من الرواية فور صدورها، قصة كلود لانتيي، فنان عاجز عن الابداع ينتحر شنقا امام عمله الاخير، الكبير والغير كامل. وتظهر من كلمات سيزان القطيعة الباردة حتى وان احال فقط بعبارة "السنوات التى امضيناها" الضديدة للصداقة بين الكاتب أميل زولا، والفنان وبول سيزان في الحال وان عبرت عنها في الماضي ذلك ،ان صداقتهما ابتدأت في فترة شبابهما والتي جمعت بينهما بتجارب، احلام وبنضالات خاضاها معا اولا في محافظة "اكس ان بروفانس" ثم في باريس؛ وبالفعل لقد كانت نضالات لاجل اثبات الذات، الا انها تتعدى هذا الغرض الى اخر مصاحب للاول؛ اعني انها كانت نضالات لاجل اكتشاف صورة جديدة لما هو واقعي.

واخير ظهر الان في ايطاليا كتاب " بول سيزان... حياة" والذي نشرته دار " دُنْزالّي"بـ 842 صفحة حجم كبير وهو لجون رِوالد الذي نشره بدوره سنة 1948 ثم اعيد طبعه لاحقا العديد من المرات في الولايات المتحدة وفي بلدان اخرى كذلك. وهذا الكتاب يعالج مشكلا حاسما: مشكل العلاقة بين كاتب القصة السارد والفنانين الانطباعيين بعامة واساسا الفنان الفرنسي الخالد بول سيزان.

ولنبدا من الدلالة الحقيقية للقطيعة بين سيزان وزولا: وهنا لا يكمن التفسير فقط في وجه الشبه بين سيزان و"كلود لانتيي" سيما وان أميل زولا قد جمع في لانتيي نموذجين؛ سيزان و (مانيه) . كما لا يكفي التفسير بالاغاظة التي اصابت كرامة سيزان ؛ ذلك ان سيزان كان يريد بناء حوارا جديدا مع الطبيعة. كل هذا لا يمكننا من فهم قطيعة الفنان مع زولا، قطيعة دامت الى موت هذا الاخير سنة 1902 بينما سيزان توفي عام 1906. ولذلك يجب ان يكون ثمة امر اخر. والعلل الحقيقية تطفأ على سطح نص الحكاية الحية التي يرويها ريوالد، نص يفسر موقف زولا من مبحث الانطباعيين. لقد كتب زولا في هذا الشان قائلا. "المصيبة الكبرى هي انه ولا واحد من فناني هذه المجموعة حقق بطريقة قوية ونهائية الصياغة الجديدة التي يشاركون فيها كلهم، والتي جزّؤوها في اعمالهم الفنية... انهم كلهم سابقون ممهدون لها اما العبقري (الذي سيحققها) لم يولد بعد. ما يريدونه يُرى بوضوح، ويمكن ان يكونوا محقين في ذلك؛ بيد انك تبحث من دون جدوى عن العمل (الفني) الاساسي الذي يفرض الصياغة (المطلوبة من جميعهم) ويرغم جميع الرؤوس على الطأطأة. لاجل هذا فان صراع الانطباعيين لم ينته بعد: يظلون دون العمل (الفني) الذي يحاولونه، يتمتمون لكن ليس في امكانيتهم ان يجدوا سبيلا الى كلمة " .

لكن كيف يمكننا ان نجمع بين قراءة " صالون المرفوضين" والتي كتبها زولا سنة 1863 للاشادة بعمل (مانيه) "فطور على العشب" وبين ما كتبه بعد عشرات السنين؟ لقد كتب جورج مور في كتابه " ذكريات الرسامين الانطباعيين" (1906) ناقلا موقف أميل زولا الذي مؤداه "ان لا احد من الرسامين الناشطين في الحركة الحديثة تمكن من التوصل الى نتيجة مكافئة للنتيجة التي توصل اليها ثلاثة او اربعة كتاب مشاركين في نفس الحركة. الذين تحركهم نفس الرؤية الاستيطيقية" ثم يضيف مور على لسان أميل زولا هذه الكلمات : "لا يمكنني ان اقبل بان رجلا قد حبس نفسه طيلة حياته لرسم راقصة الفنان (ديغاDegas) له كرامة وقوة الروائي فلوبيرFlaubert اوالكاتب غونكور (Goncour» هذا علاوة على ان كلود لانتيه، بطل قصة العمل (المنشورة في ايطالبا عبر دار غارزانتي في سلسلتها( الكتب الكبيرة) ، " له من الصفات التي هي اكثر بروزا من الصفات التي وهبتها الطبيعة الى ادوارد مانيه" .

وفي هذه القصة يبين أميل زولا الحد الذي ظل بحث الانطباعيين دونه لان الانطباعيين عجزوا عن بناء علاقة مع الواقعي جنيسة لعلاقة القصاصين الروائيين معه، وذلك لان الانطباعيين كان يعوزهم استثمار ثمرات الابحاث التي كان يقوم بها أميل زولا في رواياته اذ يحلل مواقع العمل، الطبقات الاجتماعية، التوترات، المجابهات وتطور العلاقات بين الشخصيات. ومن ثمة فان الكتابة من حيث هي التزام مدني، حب للبحث والتحقيق وتأكد دائب من الحق هي خاصية للقصاص (أميل زولا) ولكثير اخر من الروائيين معه البعيدين كل البعد عن الانطباعيين وعن سيزان.

والحقيقة ان الانطباعيين بعد ان قرأوا "العمل" فهموا دلالته وتحيروا. فكتب مونيه الى الفنان بِسّارّو "هل قراتم كتاب أميل زولا؟ انا اخشى ان يلحق بنا جميعا ضررا كبيرا" اما بِسّارّو فأجابه قائلا "لقد قرات نصف القصة. ليس الامر كما تقول. انه كتاب رومانسي؛ لا ادري كيف ستكون نهايته. لا يهم" . وكتب مونيه الى أميل زولا " لقد كنتم متنبهين غاية الانتباه بحيث لم تجعلوا احدا من شخصياتكم يشبه واحدا منا بيد انه بالرغم من كل ذلك فاني اخشى ان اعداءنا من بين الجمهور او من الصحافة يمكن ان يلصقوا بمانيه او باخرين منا إتيكيت الفاشلين، وكون هذا لم يدر بخلدك يعسر علي التصديق به " . اما أميل زولا فهو فعلا قد فكر بالانطباعيين كحركة واقعية موازية لكتابته عله كان يحيل في الاصل على فنانين يسيرون على خط الفنان كوربيه Courbet او الفنان بِسّارّو Pissaro او على خط الفنان مانيه Manet في فترته الاولى، ومن هنا جاء عدم احترام أميل زولا للحركة بأكملها الذي تشهد له به رسائله وروايته. وهذا الامر هو ما فهمة الفنان مونيه والفنان سيزان.

وفي الختام يمكننا القول انه فعلا لمن دواعي الاسف ان يمر وقت طويل كي نقرأ بالايطالية نص ثري، مكثف واخاذ. جون ريوالد (1912-1994) الاميركي واستاذ تاريخ الفن، المناهض للنازية ، وقام باطروحة دكتوراه عن سيزان وأميل زولا بالسوربون عام 1936. ثم اعاد الكاتلاوغ العام للفنان سيزان بتوسيع حجمة والذي نشره ليونالّو فانتوري المناهض بدوره هو الاخر للنازية في نفس العام (1936) بباريس.

وفيما بعد ذلك تكلف بوكالة ستديو الرسام . وهو الذي حض فيما بعد جامعة "اكس ان-بروفانس" على شرائه والتي تخلت عنه لاحقا الى بلدية المدينة. ولما توفي ريوالد دفن بمقبرة اكس الى جانب صديقة سيزان الفنان الذي خصص له الناقد الالماني، الذي صار امريكيا فيما بعد، كل حياته.

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter