| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الجمعة 6 / 9 / 2024 محمد جواد فارس كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
رواية (الوريث)
للكاتب المسرحي حازم كمال الدينمحمد جواد فارس *
(موقع الناس)لا يموت الإنسان إلى حين لا يتذكر احد
لا تخف كثيرا من الموت
بل من الحياة الناقصة
المحزن من الحياة
وليس الحياة قصيرة
و المحزن إننا بدأنا الحياة متأخرين
برتولد بريخت - الكاتب المسرحي الألماني
لرواية الصديق العزيز حازم كمال الدين أهمية من حيث انها ترتبط بشكل واقعي للأحداث عراقية ، يشير لها الموقف من خلال الشخصيات التي اتخذ منها أبطال لروايته ، و من المعروف أن حازم كمال الدين هو مسرحي ، كما عرفناه في دمشق عندما استضافتنا سوريا العروبة ، ونحن تركنا الوطن بسبب من الاضطهاد السياسي ، من قبل (الحليف) حزب البعث العربي الاشتراكي ، بعد فرط عقد الجبهة الوطنية و القومية التقدمية ، و التي للأسف وقعت حسب شروط الحزب الحاكم حزب البعث ، وهنا حلت المأساة ٠
حازم كمال الدين وعدد غير قليل من المثقفين و الكتاب و الصحفيين هجروا الوطن، و انبروا كل في مجاله ، و حازم و رفاقه اسسوا فرقة مسرحية ، وعرضوا اعمالهم على مسرح قاعة الحمراء في وسط دمشق، ولاقت مسرحياتهم النجاح في عروض دامت لاسابيع، حازم خريج معهد الفنون الجميلة في بغداد ولديه طموح في تطوير نفسه و هذا ما ظهر عندما توفرت الامكانيات له في بلد المهجر هولاندا بلد الزهور الجميلة ، لقد استفاد من خبرة اساتذته في مجال التمثيل والإخراج، من أمثال يوسف العاني و فخرية عبدالكريم (زينب) و سامي عبد الحميد ،جاسم العبودي ، صلاح القصب ، جعفر السعدي ، ابراهيم جلال ، خليل شوقي ، ، وقاسم محمد ، وبدري حسون فريد و غيرهم ممن شاركو في المسرح العراقي ، و الذي لعب دورا مهما في تطوير الشارع العراقي ، فمثلا مسرحية اني امك يا شاكر في الخمسينات من القرن الماضي وأيام الملكية ، لعبت دورا مهما في تثوير الشارع ورفع معنوياته ومطاليبه ، وفي الستينات عرضت مسرحية النخلة والجيران و هي رواية كتبها خالد الذكر غائب طعمة فرمان الروائي العراقي المعروف، كانت تتحدث عن طبيعة المجتمع العراقي و المعاناة التي يعاني منها في السياسة و الاجتماع و العيش في ظل الأنظمة السابقة ٠
أن أذكر هذه المقدمة لكون كاتبنا المسرحي حازم كمال الدين له باع طويل في تطوير منهجية المسرح مكتسب لتجارب كتاب المسرح من خلال تواجده اليوم في المهجر (هولاندا) و قد كتب عنه الكثير في مجالات عمله المسرحي المبدع ٠
و قد أطل علينا في روايته الجميلة : الورريث
عن البدء في قراءة الرواية ، يطل علينا د٠ فتحي بن معمر في تقييم هذه الرواية [هل اتاكم حديث من يستحق الحياة على تخوم الموت] ويستطرد قائلا : هذا العنوان مقتبس من عنوان مقالة ليسري الشيخاوي حول حازم كمال الدين فنان يستنطق الحياة على تخوم الموت ٠
يقول د٠ فتحي (الحقائق على الأرض تقول أ لا خيار سوى الاخيار في ظروف لا خيار فيه) صيحة تراجيدية متحشرجة تخرج من صلب (أيوب) احبه لتعلن عجزه وعجز بلاده و دكتاتوره و معارضيه بل وعجزنا جميعا إزاء النظام العالمي الجديد الما بعد عولمي والما بعد حداثي ، حيرة كبرى تنتابه ، كما تنتابنا كقراء فنقف محدودين أمام (فلسفة رعناء) - والعبارة له - تتسلط عليه و علينا في حوار حجاجي أقرب إلى السفسطائية بحثا عن إجابة تغدو بمجرد الوصول اليها معضلة لا تختلف عن معضلة أيهما أسبق البيضة أو الدجاجة ٠ نستطرد بمقاله الفلسفي عن رواية حازم كمال الدين كاتبا : ففي سابقة أولى من نوعها أقام حازم كمال الدين نصه على خمسة أقسام اخرج أحدثها و حرك شخصياتها أنطقها على أركاح (جمع ركح) عديدة تنوعت بها ومعها الأفضية و الامكنة كما تخاتلت و تبادلت الأدوار فلم تعدم الرواية بعضا من ساحاتها أثينا الاغريقية بما فيها من توضيح مسرحي ، ولم تخلو من بعض ملامح ساحات الجدل في روما ،كما رشحت في ثناياها ملامح بلاد وادي الرافدين و عكاظيات أسواق العرب و أيامهم انتثر في بعض طياتها عبير الحضارة الغربية صلف زمن ما بعد الحداثة في التصور القول الفعل و الممارسة ٠ فكان هذا النص عصيا على التجنيس و ان وسمه صاحبه برواية ، فبلغ التشويق ذروته و صار سلام الخير شاهقا ٠ و نص المقالة و سردية للرواية خاض فيها الدكتور فتحي بن معمر طريقين اولهما فلسفي و الاخر يدخل ضمن مفاهيم علم الاجتماع في تشخيصي لأبطال الرواية ٠ بدأ الكاتب روايته في القسم الأول تحت عنوان وادي الرافدين (القلعة المقدسة) نحتوا صخرة فصارت قلعة : خشبية عثيقة ٠ طرقها يصر إذا ارتفع و يخشخش إذا هوى ، نوافذها مشبعة بظلال ، ،زجاجها مضبب بغباء ملتحم بمعدن يستعصي تمييزه عن حائط كان في الأصل حجرا سحقته حقب سحرية و واقعية و غبارية و مطرية فاكتسى روحا هائمة الألوان و الأزمان و الاحساس ! من نافذة القلعة يلوح غصن زهرة عباد شمس كمن ينادي فجرا ستلوحه شمس فيتقطر على حافات السماء ٠ نسائم تربت على زهرة عباد الشمس الحمراء ، يفر من الزهرة خفق جناحي نحلة ، يصطفق بالنافذة فيتكسر ازيزه ٠٠ كوة تلوح داخل الزجاج ، صمت ٠ يصف الفجر تحت ضربات الشمس صمت ٠ الصباح المتعثر بألوان الفجر عازم على الظهور صمت ٠ صياح ديك يثلم الصمت طائرات إلى زهرة عباد الشمس مخلفا كوة في كلوس اب ٠ من كوة النافذة تتبين باحة كلوس اب٠ باح عتيقة صخرية رابطة الجيش تمركز في وسط القلعة ٠ كلوس اب ٠ في ركن من الباحة محراب ٠ في المحراب شبح إذا ما نظر حوله فسوف يوصف الفضاء هكذا : - هذا الفضاء زمن تحول أمواجا ثائرة تحجرت وهي في أوج الثوران و اذا ما ما تأمل الأمواج الثائرة غمغم : انها على اهبة الاستعداد لا تنكر لتحجرها و التحول ماء أجاجا ٠ كلوس اب ٠
من خلال هذه السردية القصيرة التي اتخذ المؤلف عنوان لها وادي الرافدين متحمسا للكتابة عن هذه الحضارة العظيمة التي سجلت في التاريخ ، و كأنها الجذر الأساسي الذي استمدت منها الحضارات في العالم بمشرقه و مغربه أولوياتها ومنها مسلة حمرابي واضع القوانين في العالم و كذلك الهندسة في ما سمي بالجنائن المعلقة وهي إحدى عجائب الدنيا السبع ، ولا ننسى كيف أن اشور بنيبال في الدولة الاشورية ، قام بإنشاء اول مكتبة في العالم المكتبة التي ضمت الكثير من المخطوطات من جلود الحيوانات ، ف المؤلف يريد أن يصف لنا و بشكل تصويري لبوابة عشتار بجمالها ورونقها و هي المدخل لشارع الموكب حيث تسير فيه مواكب ملكية عند انتصارات مملكة بابل على يد نبوخذ نصر ماسمي (بالسبي البابلي) ٠
و لمتابعة رواية الوريث وفي هذا المقطع يكتب الراوي في سرديته: في ليلة زاف غونريل من إسفاف وجد العريس نفسه في المخدع أمام عروس مستلقية مثنية الركعتين على وجها خمار خفيف ، فاتبع بسرعة وصية ابيه و كشف عن الشيء بين ساقيه و ارامى فوقها ٠ لكنه لم يعرف ما العمل! فقد عجز عن تحديد المكان الذي يولج فيه الشيء : (أهو الفتحة الصغيرة بحجم عين الإبرة، أم الفطر الطولي المسيجيد بما يشبه شفتين متهدلين تحت عين الإبرة؟) كانت تساؤلاته ضاربة في الاطناب ذاهبة حد الارتباك وقد قصد منها فتحة التبول و ما تحتاج ٠لمن يعرف كيف ينفذ وصية والده القاضية بايلاج الشيء في الشيء : تقصد الفتحة الصغيرة بحجم عين الإبرة، ام الفطر الطولي ؟ همس بعصبية لوالد العروس ،الملك لير ، الذي اجابه بهمس متواطئ (في الفطر يا يا ابني !) الأمر الذي جعله يرفع صوته : (الفطر الثأر و غسل العار ليس فتحة يا عمي ! الفطر الذي تقصده شق تطبق عليه شفتان ، و أبي أمرني أن أدخله في الفتحة ! ٠
حدث ذلك لما تأخر الوقت إبان انتظار والده هرقل بن ذي الجوشن و والد العروس الملك لير بصبر شب عن الطوق ظهوره المظفر من قبة الزفاف بشارة النصر على العروس : المنديل الخفاق الملطخ باللون الأحمر اللزج ٠
و إذ أعلن النفير نتيجة التأخير اقتحم الملك لير قبة الزفاف مرتعدا في صوته رئيس (هل يعقل أن تكون ابنتي فاقدة للعذرية ؟ ) و ما يترتب على ذلك الزئير من عواقب تلوث اسم العائلة الجليلة و توقظ حفلات الثأر و غسل العار ٠ و أصابه فرح بليد حين انجلت الأحجية ابان اندفاع الحوار السالف مع إسفاف الذي لم يتزحزح عن رأية قيد انملة : - لا يمكن إدخال الشيء في فتحة صغيرة بحجم خرم الإبرة !هل رأيت الفتحة يا عمي؟ تعال إريك اياها ٠ و سحب الملك لير بقوة صوب ساقي العروس التي شدت خمارها على وجهها بقوة و لمت ساقيها ففلقهما اساف عنوة : - " انظر بنفسك يا عمي ! لا توجد فتحة أخرى ! فقط الفطر الطولي المغطى بكتلة لحم تشبه الشفتين! ٠ و الحوار يطول .
و من هنا نستنتج ان ما أراده المؤلف في هذه السردية ، أن يقول ان المجتمع منذ عهود سالفة لم يجد ما يعلم الجنسين عن علم وظائف الذكر والأنثى وحتى الوظيفة التشريحية لكل عضو فيه ، أضافة الى العادات و التقاليد منها البكارة عند الزوجة و اشهارها بين المدعوين في حفل الزفاف ليؤكدوا طهرة وشرف الزوجة ٠
و انتقل إلى عنوان اخر وهو [مونولوخ أيوب] و قد اتخذ المؤلف من أيوب بطل لروايته مع أربعة اخرين لهم ادوارهم ٠ وعنوان الفصل (شهر الحرب الرابع، لسعة ضوء) يسرد فيه المشهد التالي : يوم قصف مصنع حليب الأطفال عصافير الجنة ٠ على الطاولة أمامنا أنا و اساف وجبة الظهيرة في مطعم قريب من يشق السماء من العدم ٠ شرعت بالتعليق: - هذه ليست طائرات حر٠٠٠ لكن تعليقي قاطعته قذائف فراغية التهمت بقية حروف كلمة حربية _بم بم بم بم بم ، في تلك الزلزلة ضاعت أيضا صرختي (يا أمي الحقيقي!) لم يسمعها أحد .
حتى انا ٠ هرع اساف بعيدا و صاح علي : - دعنا نجري خلف أولئك الناس! إلى أين؟ إلى المطبخ؟ صرخت بارتباك، لا ! إلى هنا ٠ صاح بيد اني لم أعد أراه، أين أختفيت يا اساف ؟ هنا في المخبأ! أسرع، تحت السلم ؟ نعم أركض، هذا ليس مخبأ ! إنه دورة مياه ! دورة مياه ؟! مرحاض ! ثم ماذا!؟ أنها مرحاض يا إساف! ادخل ! هذا هو الملجأ الوحيد في هذه الساعة أسرع! ادخل ! ادخل ! ، انهال القصف مجددا و ضاع التفكير ٠ هرعت تاركا ريحا مسكونة بلازمة، إساف: ادخل! أدخل ! ادخل ! أدخل ! ، محاطة بصرخات اخرين كفقاعات انفجرت و توقفت صورتها عن الحركة في الهواء ٠ دخلت التواليت، مرحاض من متر مربع ، أكثر من 12 شخص مكبوسين داخل المرحاض يتنفسون من رئات بعضهم يتلمسون ايدي من بجانبهم متوهمين انها ايديهم الشخصية، كتلة من لحم 12 شخصا انصهرت فكانت كائنا ب 48 من الأطراف و 24 من الأعين ما لانهاية من أصوات الاستغاثة و اللعنات و الآيات ٠ روائح الطعام ما تزال تخرج مع التنفس المنقطع لمن حط في التواليت وقد نسي البعض أن يمضخ لقمته او يبصقها ٠
هكذا يصف روائينا الحرب وما تجر من مآسي قاسية على الإنسان ، مخلفاتها ، القتل و الأسر و الدمار للمدن و تيتيم أطفال في العائلة و الأرامل ٠
ويستمر في سرد هذه الحرب التي تأكل الأخضر و اليابس لان القائد هكذا يريد ؛ يتابع ، صاح إساف : لم أعد أسمع شيئا عن طريق السماعة الإلكترونية يبدو أن الاتصالات الإلكترونية قصفت ٠ لم أفهم شيئا مما قال، ساد صمت جاف بللثه بتمتمته : ماذا قلت؟ فرد اساف دون فاصل المعتاد : كيف تجرؤ على شتم القائد إسماعيل يسن حفظه الله ورعاه ؟ أنعقد لساني من عبارة الرئيس القائد حفظه الله و رعاه : - وماذا تريد أن أقول؟ أدبج له قصيدة مدح؟ ! - انتبه لكلماتك! الرئيس القائد حفظه الله ورعاه يجب أن يحمي نفسه أسوة بأبناء شعبه ! باغتتني صحوة متأخرة ؛ [لا يمكن أن يتكلم أحد من اتحاد الرافدين الديمقراطي عن حق إسماعيل ياسين في الدفاع عن نفسه ، ولن يسميه الرئيس القائد حفظه الله ٠بلمح البصر استرجعت صورة الخط المائل في الصحراء و تمترست خلف أساليب العمل السري و أجبت ؛ يجب أن يحمي حضرته نفسه ، و لكن سيادته يقود عملياته البطولية من مكان تتعرض فيه حياتك و حياتي للخطر ، و شبكات تجسس الرجل الكاوبوي متغلغلة داخل كل اجهزته ! ٠
و يواصل السردية حول مأسي الحرب وما آلت اليه من الخسارة في كل شيئ حتى بالمال وشراء السلاح ذو التكنلوجية العالية أضافة للخسائر الاخرى من القتلى و الأسرى ٠ الرواية غطت مراحل من تاريخ وادي الرافدين في سردية تصلح لان تكون مسرحية خاصة و ان الكاتب لها هو رجل مسرحي و في فترة تواجده في المهجر (هولاندا) بعد أن ترك الوطن ليس اختيارا و إنما بسبب الاضطهاد و المعاناة نتيجة حكم الحزب الواحد و كذلك اضطهاد الرأي الاخر ، و الحروب التي تصدرت المشهد السياسي ، منها الحصار الجائر على الشعب ، و العدوان الأمريكي البريطاني الغربي على العراق بلد الرافدين و موطن الحضارات الأولى السومرية و البابلية والاكدية و الاشورية ٠
رواية الوريث جديرة بالقراءة ، وهي صادرة من دار الكتاب في تونس و يتضمن 376 صفحة ، اتمنى للعزيز الصديق حازم كمال الدين المسرحي و الكاتب ، المؤلف لهذه السردية الشيقة و المتضمنة في اسلوبها الاكاديمي ، الفلسفي و التاريخي ، في طياتها تاريخ أحداث بلد الرافدين، من أجل أن تكون هذه الرواية في المستقبل عمل مسرحي له النجاح و الموفقية دوم ٠
* طبيب وكاتب
جميع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لموقع الناس Copyright © 2005-2012 al-nnas.com - All rights reserved