|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  16  / 10 / 2020                       محمد جواد فارس                            كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

العقيد غضبان السعد الانسان الشيوعي المقدام

محمد جواد فارس *
(موقع الناس)

الناس الذين يستحقون لقب إنسان هم أولئك الذين ينذرون أنفسهم من أجل تحطيم القيود التي تغل عقل الانسان .... مكسيم غوركي

عراقنا في التاريخ مر بانتصارات وانكسارات ، ولكنه لم يهزم وبقي رافعا راية الحضارات أكد وسومر واشور وبابل ، والعراق تمتع منذ ذاك التاريخ بموقعه الجغرافي كونه بلد الرافدين نهري دجلة والفرات وبنيت على ارضه الحضارات التاريخية منها اول من أسس المكتبة في العالم هو اشور بنيبال و حمورابي وشريعته في مجموعة قوانين بابلية يبلغ عددها 282 مادة قانونية له الفضل في صياغة القوانين لاحقاً في العالم ، وكذلك فن العمارة في الجنائن المعلقة في بابل وكذلك الزقورة السومرية ، هكذا كان شعبنا كما يطلق عليه شعب الحضارات .

وفي التاريخ الحديث منذ الاحتلال العثماني وبعده الاحتلال الإنكليزي وشعبنا يعاني من الاحتلالات التي كانت تفرض علينا من المحتل ، وبعد ثورة تموز المجيدة عام 1958 تنفس شعبنا الصعداء على امل بناء عراق يكون فيه المواطن آمن ويتمتع بخيراته وحريته ، ولكن للأسف بدأ التآمر على الثورة من قبل دول عربية واجنبية ، و اصبح العراق نصب أعين هذه البلدان لسبب انه ثاني اكبر خزان نفطي في المنطقة ، وفي السنوات التي سبقت احتلال العراق تحت حجج واهية اعترفوا لاحقاً انها كاذبة ومضللة من قبل عملائهم في العراق ، ففي عام 1978 وبعد استلام صدام حسين للسلطة راح يعمل من اجل ضرب الحليف في الجبهة الوطنية والقومية التقدمية ، لأنه وجد بالحزب الشيوعي منافس حقيقي لحزبه في الشارع العراقي وكان واضحا من خلال توزيع جريدة الحزب المركزية (طريق الشعب) وكسب المزيد من الرفاق والمؤازرين ، بدأ النظام بحملات اعتقالات شملت الكوادر الحزبية واعتقال شباب ممن كانوا يؤدون الخدمة العسكرية بحجة ممارستهم لنشاط حزبي داخل الجيش وهي اكذوبة لانهم حسب ميثاق العمل للجبهة كان عليهم ان ينهوا علاقتهم الحزبية وجرى إعدام 31 شاباً كانوا أشداء في تصديهم للقرارات الجائرة والاحكام الهزيلة ، وصدام لم يتوانى بكيل التهم زورا وبهتانا حتى مع رفاق دربه في قيادة البعث موجها لهم تهمة التآمر مع سوريا من أمثال عبد الخالق السامرائي و عدنان حسين ومحمد عايش ومحمد محجوب واخرين في محكمة حزبية صورية و بمسرحية هزلية كان بطلها محي عبد الحسين المشهداني والذي كان مديراً لمكتب البكر وهي الواقعة المعروفة بمذبحة قاعة الخلد عام 1979 حيث اعدم عدد من الكوادر الحزبية كانت تحمل توجهاً لإزاحة تسلط صدام وعائلته على الحزب والسلطة .

وقد وجه الحزب الشيوعي رفاقه وكوادره من المكشوفين للأجهزة الأمنية والمخابراتية للاختفاء او مغادرة البلد ، وفعلا وصل الكثير منهم الى الجارة سوريا التي كانت تضم المعارضة وكل الناجين من نظام صدام حسين .

ومن بين الرفاق كان العقيد غضبان حردان السعد (أبو سعد) وهو من الشيوعيين العسكريين المعروفين ، وغضبان السعد من عشيرة السعد وهي فخذ من قبيلة بني تميم جدهم الحجاج بن بدر التميمي ، وتسكن عشيرة السعد في قرية النهيرات إلى شمال مدينة القرنة بمحاذاة شط العرب ، وهي مدينة جميلة ببساتينها وكرم أهلها .

بعد حصار بيروت عام 1982 و صلت الى دمشق وباشرت عملي في جمعية الهلال الأحمر ، حينها تعرفت على الفقيد ابي سعد و وجدته انساناً رائعاً وشفافاً يتمتع بشخصية تدل على انه رجل عسكري ، وأصبحت بيننا علاقات وزيارات عائلية له أولاد (سعد وفهد وعلي) حدثني عن انتسابه للحزب الشيوعي العراقي ، وكيف انه ورفاق له كانوا معجبين بشخصية داود الصائغ ولذلك التفوا حوله ، وعندما صدرت الحقيقة وهي لسان حال الحزب الشيوعي العراقي تضمن العدد الأول منها أسباب تشكيل الحزب ولماذا حزب شيوعي الان ، وكانت لجنة تحريرها مؤلفة من هاشم الاعرجي وغضبان السعد وملا شريف ، وعلى اثر صدور الحكم على داود الصايغ وجماعته ، وقررت لجنتهم المركزية المؤلفة من الرئيس الركن سليم الفخري و جلال عبدالرحمن المحامي و غضبان السعد الانضمام الى القاعديين والتسمية جاءت من اسم جريدة (القاعدة) وهي جريدة الحزب بعد جريدة الشرارة ، وسليم الفخري كان ضابطا وعضو في اللجنة المركزية في رابطة الشيوعيين العراقيين (العمل) وكانت صلته مع رفاقه المحامي جلال عبد الرحمن و غضبان السعد . وهؤلاء من حملة الأفكار الثورية والتي سمتها قيادة الحزب باليسارية المتطرفة ، وكان الحزب يذكرهم بمقولة لينين (أذا ذهبت الى أقصى اليسار وجدت نفسك في اليمين) و هذه النزعة اليسارية غالبا ما تكون واضحة لدى العسكريين . وكان من رفاقه العسكري سلمان الحصان وله موقف مشرف من تظاهرة جرت في بغداد عام 1956 دعما للشقيقة مصر ضد العدوان الثلاثي عندما استلم امرا بتفريقها فألتحق وعساكره مع المتظاهرين دعماً لهم ومؤازرة هاتفين بنفس شعاراتهم ، وكان يتصل بغضبان السعد ايضا محمد عبد اللطيف وهو استاذ في كلية الهندسة ومن أهالي مدينة الحلة وكان كادراً متقدماً في الحزب الشيوعي العراقي وله تاريخ نضالي في مدينة الحلة عمل من اجل توسيع الخلايا الحزبية وتحريك الشارع بمطاليب جماهيرية .

في احد لقاءاتنا سألته عن احداث قطار الموت بعد انقلاب شباط الدموي وعلى اثر انتفاضة البطل حسن سريع في الثالث من تموز والتي سميت بحركة البطل الشيوعي الباسل حسن سريع .

يقول غضبان السعد وهو السجين في سجن رقم واحد في معسكر الرشيد حول تنسيقهم مع الحركة الانقلابية ، وكان من المقرر ان يلعب دورا محوريا.. "لقد ابلغ حسن سريع قيادة منظمة السجن بخطته الانقلابية ، بما في ذلك دور الضباط فيها ، وبعد فشل الحركة كان لدى حكومة عبد السلام عارف وحزب البعث قرار بنقلنا الى سجن نقرة السلمان الصحراوي في قطار للحمولة مخصص لنقل الأغنام والمواشي وهذا القطار ليست فيه أي تهوية و اخذونا بسيارات إلى محطة السكة الحديدية وأصعدونا في هذا القطار الذي سوف تنتهي حياتنا به ولم يعرف سائق القطار (عبد عباس المفرجي) الذي أتوا به وهو لا يعرف ان القطار محمل بالبشر ، ولكنه علم بعد ذلك ان حمولته (520) شيوعياً من العسكريين والمدنيين ومنهم قاسميين محسوبين على الزعيم عبد الكريم قاسم ، فأزاد سرعة القطار والوصول الى مدينة السماوة .

في السماوة كانوا في اسوأ حال علماً بانهم التزموا بتعليمات الطبيب الشيوعي رافد صبحي أديب وفقدوا شهيدا واحداً . و هب اهالي السماوة لاستقبالهم ومساعدتهم لانقاذهم ، بعدها نقلوا الى سجن نقرة السلمان الصحراوي .

كان أبو سعد يشيد بمواقف رفاقه من الشيوعيين العسكريين من أمثال سليم الفخري وخزعل السعدي ، ومسؤول التنظيم العسكري عطشان ضيول الآيزرجاوي وهو من عشيرة (ال ازيرج) في الناصرية واحد الشيوعيين الذين مارس المقبور بهجت العطية شتى أساليب التعذيب معه ، لكنه بقى صامدا وبسبب مسؤوليته عن التنظيم العسكري ، تخوفت المخابرات السوفيتية منه خشية الاقدام على إزاحة قاسم وتغيير النظام و طلبوا من الحزب ارساله الى موسكو لغرض الدراسة ، وفعلا سفر إلى موسكو ، وفي اخر حياته استقر به الامر في جمهورية المانيا الديمقراطية ووجد مقتولاً هناك .

العقيد غضبان السعد لقدراته العسكرية والفنية التي حصل عليها واخرها عندما ابعده قاسم الى موسكو ليكون ملحقا عسكريا وفعلا انجز الكثير في مجال التسليح من الاتحاد السوفيتي واستبدال تسليح الجيش العراقي ، وقد استفادت منظمة التحرير الفلسطينية من امكانياته حيث اصبح مستشارا لياسر عرفات وكذلك للدكتور جورج حبش الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وكان هو الأقرب لأفكار غضبان السعد .

وكانت لابي سعد امكانيات لشرح حرب العصابات من التجارب التاريخية في الحرب الفيتنامية والكورية .
واصدر كتاباً بعنوان (كوريا في موكب الحرية) عن الحرب الكورية 1950 -1953 وقد استنزفت هذه الحرب 5 ملايين من الكوريين .

يتحدث غضبان السعد في كتابه كيف ان الشعب الكوري ممثلا ب (الجيش الشعبي الكوري) وبدعم من السوفييت تمكن الجيش الشعبي الكوري في يوم 25 يونيو عام 1953 من التغلب على القوات الكورية الجنوبية تحت قيادة كيم ايل سونغ و وقف معهم الشيوعيين في اليابان والصين الذين تعلموا في الاتحاد السوفيتي .

عاش غضبان السعد في دمشق بكل بساطة وتواضع وكسب ود واحترام الكثير من الرفاق القياديين وحتى خصومه السياسيين كانوا يبادلونه الاحترام والمحبة ، وعندما اشتد عليه المرض نقل الى مشفى الأسد الجامعي بعدها بإيام توفاه الاجل المحتوم ، وبذلك كانت خسارة كبيرة لشعبه الذي احبه وناضل من اجله سنوات العسف والمرارة وقد شيّع بموكب مهيب من قبل رفاقه وأصدقائه من العراقيين والفلسطينيين الى مثواه الأخير في مقبرة شهداء الثورة الفلسطينية في اليرموك بدمشق وبالقرب من مقبرة صغيرة تضم جثمان زوجة الشاعر المناضل كاظم السماوي و ولده نصير ، سيبقى أبو سعد في ذاكرة الشيوعيين والوطنيين خالدا .
 

 

 * طبيب وكاتب

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

          موقع الناس .. موقع لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

             جميع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لموقع الناس                                                              Copyright © 2005-2012 al-nnas.com - All rights reserved         

  Since 17/01/05. 
free web counter
web counter