يعيش العراق حالة كارثية في المفاهيم والاساليب والاليات، خاصة المنتجة في المجتمعات الغربية، فالديمقراطية مثلا حوربت من قبل الاحزاب الاسلامية بعد سقوط الدكتاتور على يد قوات الاحتلال، بطريقة لا يمكن وصفها بغير المفتعلة والفاقدة للمنطق والفهم الصحيح للمصطلح، ثم عادت نفس الاحزاب بعد ان حققت لهم الديمقراطية عبر آلياتها تصدر مواقع السلطات التشريعية والتنفيذية، الى مدحها والتمسك بها، ليس حبا بها بل للاستمرار في حكم العراق.
اذا ما اخذنا مفهوم منظمات المجتمع المدني، كمدخل لموضع زيارة السيد المالكي الى امريكا، فقد تعاملت الاحزاب العراقية الحاكمة بعد السقوط مع المصطلح بطريقة مشوهة مقصودة، عمدت بها الى اختراع منظمات مدنية هدفها ملئ الفراغ بتوجهاتها الدينية والسياسة، في حين منظمات المجتمع المدني لا بد لها ان تاتي تلقائية، من قبل مجاميع بشرية لها توجهات وهوم مشتركة في جانب معين من الحياة، ان كان اجتماعي او علمي او مطلبي او ديني او سياسي، اما ان يكون تشكيل تلك المنظمات بلون واحد ومفتعل وبلا قاعدة جماهيرية وبلا فعاليات حقيقية داخل المجتمع، انما هو تشويه للمفهوم.
اليوم وقد زار السيد المالكي الولايات المتحدة الامريكية والقى كلمةً في المعهد الامريكي للسلام، فقد وقع في مشكلته ومشكلة القادة السياسيين العراقيين الجدد، عندما دعى الى حرب عالمية ثالثة وهو في معهد يعمل على نشر السلام في العالم، ان استخدام كلمة حرب مهما كان الهدف منها تشكل حالة نفور لاعضاء هذا المعهد، فما بالك وهي تطلق بطريقة علنية في كلمة لقائد دولة تعاني من الحروب والارهاب. اراد السيد المالكي ان يصف رغبته في نشر السلام في العراق والتضامن مع مفاهيم معهد السلام الذي استضافه، في القضاء على التطرف والارهاب، بان يطلق حرب عالمية جديدة، لكن هذه المرة ضد الارهاب، وكأنه يدعو الى استخدام كل ما متاح في هذه الحرب وعلى مستوى العالم بما في ذلك اللجوء الى الحرب والعنف ضد الارهاب، وهذا يعكس طريقة تفكيره المختلفة تماما عن دعاة السلام، فهم يدعون الى نشر مفاهيم السلام بوسائل سلمية تشمل كل مجالات الحياة، رافضين بذلك اللجوء الى العنف كوسيلة لحل المشاكل، ولكي لا اكون مثاليا وادعو الى تبني مفاهيم تصلح ان تطبق في مجتمعات مستقرة، فاني اذكر السيد المالكي بما طرحه ويطرحه الحزب الشيوعي العراقي منذ سقوط الدكتاتور الى يومنا هذا، كوسيلة للقضاء على الارهاب، فقد دعى مرارا الى حل يشمل اعادة تأهيل البنى التحتية وتطويرها، اعادة تأهيل القاعدة الصناعية العراقية، دعم قطاع الزراعة والصناعة بقوانين تفعل على ارض الواقع، دعم القطاعات الاربعة في الاقتصاد العراقي، كل هذا وصولا الى توفير فرص العمل والقضاء على البطالة، مع تبني نظام الضمان الاجتماعي والصحي والتعليمي، حتى تتمكن الحكومة والمجتمع معا بدعم من قوات الامن والجيش والشرطة في توفير الامان، ومنع الارهاب من حصوله على موطئ قدم في العراق.
في عودة الى كلمة السيد المالكي في معهد السلام الامريكي، فقد جاءت الكلمة منسجمة مع جهل المالكي للمفاهيم والاساليب والاليات التي تتعامل بها المجتمعات الغربية مع منتجها الفكري، وهذا يؤشر الى مشكلة حقيقية ان رئيس الوزراء العراقي محاط بمستشارين يجهلون هذه المفاهيم مثلما يجهلها هو، وهذا لا يجعلنا نلتمس له العذر في انه لا يمتلك المعلومة او حتى الممارسة خاصة وقد قضى الرجل حياته مهاجرا في دول عربية واسلامية بعيدة كل البعد عن المجتمعات الغربية، فان كان يجهل هذه المفاهيم والاساليب والاليات، لماذا يختار مستشارين مثله يجهلونها، وان كان هو ومستشاريه من نفس الحال، لماذا لا يستمع لمن قدم له النصح، مثلما فعل الحزب الشيوعي العراقي في مرات عديدة.