|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الخميس 4/10/ 2012                                 موسى فرج                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

قصة الفساد في العراق ...
( صفحات من كتاب تحت الطبع )
(1)

موسى فرج

مقدمة ...

الفساد في العراق ليس كالفساد في غيره من الدول ولا يشبه بقية الفسادات لا من حيث الكم ولا من حيث الوزن ولا من حيث الفاعل ولا من حيث النوع ولا من حيث الأسباب ولا من حيث الموقف منه..

ـ فالفساد في العراق ما عاد حالة استثنائية إنما بات القاعدة.

ـ والفساد في العراق يُمارس لذاته ويُمارس كسلاح في الحرب المحتدمة على الحكم ..

ـ والفساد في العراق يقاس بالمليارات وليس بالمفرد .

ـ والفساد في العراق من فعل كبار المسؤولين والساسة ونواب الشعب ، فكانوا القدوة لغيرهم ومعلماً لكنهم ليسوا الذين ينبغي القيام لهم تبجيلا.

ـ والفساد في العراق ليس من جراء إساءة استعمال السلطة للحصول على مزايا شخصية كما تقول عنه منظمة الشفافية الدولية إنما من خلال توظيف السلطة لممارسة الفساد وتوظيف الفساد لبلوغ السلطة..

ـ وسبب الفساد في العراق فساد الساسة ، والفساد السياسي في العراق هو أبو الفسادات جميعا ، وهو اختصاص حصري للطبقة السياسية المتنفذة فهي المحتكر الوحيد لهذا النوع من النشاط في العراق وليس أولائك المغمورون في حافات الجهاز الحكومي .

ـ والفساد في العراق لم يعد مخجلاً فقد بات يشرعن ويقنن والذين يمارسونه لا يرمش لهم طرفٌ حياءً ، بعد أن بات الأمر مغانما بدلا من أن يكون تفانيا...

ـ والفساد في العراق يستخدمونه في السراء والضراء فهم يغرفون منه في الألفة وعندما يحتدم الخصام فان.. الكل يشن حرب الملفات ضد الكل والكل يزعق في وجه الكل : أطلّع ملفاتك..؟ فيجنحوا للسلم لأن لكل منهم ملفاته..

ـ والموقف من الفساد مختلف في العراق عن غيره من الدول أيضاً ، فالناس هنا تتوزع في ثلاثة خنادق : خندق ينكر وجود الفساد ويتهم من يثيره أو يواجهه بـ الأجندة !.. ، والثاني افسد من الأول لكنه يسعى لغاية في نفسه وهي التسقيط والإسقاط سعيا للعودة بالأوضاع إلى ما كانت عليه قبل عام 2003 ، أما الثالث فيواجه الفساد التزاما بالمبادئ والمثل العليا ذوداً عن الشعب ومن أجل بناء نظام الحكم الصالح في العراق لكنه أعزل وقليل الخالات ومقطوع من شجره ، فهو بين الخندقين مثل هاجر.. هذا يقول عنه معاد للحزب والمذهب ، وذاك يقول عنه عميل الاحتلال..! لكنه في حقيقة الأمر معاد للفساد مثلما كان قبل ذلك معاديا للاستبداد، وان كان ولابد من العمالة فهو عميل للشعب ، ألا يستحق هذا الشعب منكم عميلا..؟..

ـ وفي العراق عندما يحتدم الجدل بين أثنين فان أحدهما يقول للآخر : (أنت سامع لو متلمس ..؟..) وأنا أيها الأحبة من الصنف الثاني متلمس ومتلمس بعمق .. ويدي دخلت في جعبة الفساد ليس للمرفق إنما حد الإبط..! فقد عاصرت عهود الاستبداد والفساد في العراق وطال تطلعي إلى عهد الرخاء والديمقراطية في أرض السواد.. لكن تحقق ذلك بات يقينا خارج عمري الزمني .. ربما يشهده أحفادي من بعدي.. من يدري..؟ لكن موضوع أن يستسلم المرء لأن لا شيء يلوح في الأفق ؟.. فان ذلك قرارُ من به خورٌ وخيار الذي يبحث عن معاذير، فهل عرفتموني من هؤلاء...؟

العبرة عندي أن يبذل المرء قصاراه كي يشكل ذلك حافزاً للأحفاد ليسجلوا تقدماً ولا يكونوا عبئاً شأن هذا الجيل ، ولن أشعر بالغبن لأن الحلم لم يتحقق فان مت قبل ذلك فعلى بنيتي أن ترثيني بما أراده أبو فراس من بنيته أن ترثيه به ، فانا لم أمتع بتحقق الحلم في الحكم الصالح والنزيه بين ظهراني سكان بلاد ما بين النهرين ، وعزائي في ذلك هو أني لست الوحيد في هذا، فنحن جميعا فيه سواء ، حتى إخواننا في الربيع العربي خيبوا آمالنا فقد أفضى ربيعهم إلى أن الذي يخرج مظاهرة على الرئيس فإنما خرج على الله ورسوله ، أحنا أحسن ،على الأقل مامنا علماني ولم يقتف أثر المرحوم الوالد..

ـ واجهت الفساد في العراق عن قرب وعرفته عن كثب وخلافاً لغيري في عهد المحاصصة والفساد.. لم أضع درهما في جيبي عدا راتبي، ولم أعين ابناً أو أخاً ، ولم أقايض منصباً بالخضوع أو إخضاع هيئة النزاهة للأمريكان أو الحكومة أو الأحزاب خلافا للدستور ، ولقاء ذلك حظيت برضا أناس طيبين كثر، وما كتبه كتاب ومثقفون عن سيرتي شرفني كثيراً ، لكني لم أفز برضا الأمريكان ولا الحكومة ولا الطبقة السياسية في العراق.. ولست بآبه فذاك يسجل لي وليس عليّ..

ـ كان لزاما علي أن أروي قصة الفساد في العراق كما عشتها وكما لمستها لمن أتعبتهم آثارها واكتووا بأضرارها لكنهم سمعوا عن خفاياها مجرد سماع .. وكانت مبادرة مؤسسة وصحيفة (المثقف) بشخص رئيسها الصديق ماجد الغرباوي وزميلاته وزملائه في المؤسسة كريمة معي بإتاحة الفرصة لي لأن أروي بعضا من فصول تلك القصة من خلال الحوار المفتوح الذي تم أجراؤه معي والذي استمر 19 حلقة أو يزيد ، وكانت مشاركة لفيف من الكتاب والمثقفين والأدباء كريمة للغاية من خلال المشاركة الوجدانية الفاعلة في حلقات الحوار والتفاعل معه ، وأنا مدين للأصدقاء الذين حثوني على الكتابة عن تجربتي في مكافحة الفساد ..

وفي الوقت الذي أحتفظ فيه في وجداني بملفاتهم واحداً واحداً معطرة بالحب والتقدير خلافا لملفات الفاسدين العطنة فاني متيقن أن معركة مواجهة الفساد لا يبلي فيها غير ذوي السجايا النبيلة الذين لا يطلبون عليه أجراً إلا المودة بالشعب في حكم صالح رشيد يضمن حقوقه في مقدراته ، ويحفظ وحدة العراق وسيادته ويقدس حقوق الإنسان وكرامته ، فخلاص الشعب العراقي من التخلف والفساد وفوضى الحكم أمر معقود على نواصيهم ..

أدرك يقيناً أن معركة مواجهة الفساد في العراق مفتوحة وواسعة وقد دخلها المبدئي مثلما دخلها المرتزق ، ومثلما بات الفساد في العراق يتم تعاطيه تارة لذاته وأخرى سلاحاً في الحرب الطاحنة بين الساسة العراقيين بقصد إفشال الآخر والانفراد بالحكم .. فان الدعوة لمواجهة الفساد تنطلق من بواعث ونوايا صادقة تارة وتارة أخرى مجرد غطاء لنوايا أخرى تستهدف التنكيل بالآخر بقصد السعي لإزاحته والإحلال مكانه في سدة الحكم.. ولا اعترض على ذلك إذا كان الأمر يتعلق بالأفضل ، لكن الطرفين عصفور وزرزور واثنينهم مكّاره ..!، أنا تعنيني الصادقة منها لأنها تصب في مصلحة الشعب فأنا كما تعلمون أنتمي للشعب وليس للمكّاره ...

ـ لقد شكل الحوار المفتوح مع مثقفي وكتاب صحيفة المثقف محورا آخر لروايتي لقصة الفساد في العراق أتوقع أن يصدر لاحقاً ، وهو ليس الرواية كلها والتي قررت أن احكيها لكم أنتم ، وليس لشهريار لأني لا أملك ملاحة شهرزاد ، ولأني لست من الصنف الذي يقف بين يدي أمثاله ليحكي لهم .. إنما أقف بينكم انتم فأقص عليكم قصة الفساد في العراق .. وأضعها بين أيدي أولادنا وأحفادنا كي يتسلحوا بها في مواجهة أبناء وأحفاد الفاسدين.. المكّاره ، فان تفاخروا بأسلافهم وقال القائل منهم : كان أبي ..! قال له أحفادنا: من أبوك يا هذا ..؟ ما كان أبوك إلا فاسداً لغّافاً ولا تستحق صورته أن تعلق فوق الرؤوس .. لقد سلب ونهب واغتصب حق الشعب في التمتع بموارده ومقدراته ، واستأثر بالمناصب والمال ، وفي عرفنا ليس بالدنانير وحدها يسمو الإنسان ، انزل صورته وإلا فتحنا ملفه.. فقد ترك لنا آبائنا ملفات آباءكم وهي تنز بما يزكم الأنوف .. وفي هذه الحالة لن يغلب أحفادهم أحفادنا مثلما غلبونا هم يوم قالوا : كان أسلافنا ...! وأسلافهم ما كانوا سوى شويخات وإقطاع ومطايا للاستعمار..

ـ صحيح قد يقول قائل : إن موسى فرج وهيئة النزاهة لم يبطشا بالفاسدين ولم يستردا الأموال المنهوبة .. وفي هذا القول الكثير من الصحة ولكني أقول : أن الهيئة تتحمل نصف الوزر في هذا فان في بعض إداراتها هنات ومن به هنه لا يصلح هنات الآخرين ..

ولكن النصف الآخر من وزر الإخفاق تتحمل مسؤوليته بيئة مكافحة الفساد في العراق .. فلو كانت الهيئة مرتبطة (بالفيفا) لحققت شيئاً ولكن أن يكون مراجعها واحدا .. كان كل ثلاثة أيام يأتيك مقبلا مدبراَ وهو يتأبط حضن فايلات صفر يسعى لتعيين أبناء عمومته الأقربين من السواعد بوظائف (بودي كاردات) في الهيئة وكأن لديها عسكر أبو حنيج ، فترمى تلك الفايلات في المكان الذي تستحقه ، والآخر يرفع عقيرته ويتآمر ضدك كلما هممت بقطع الطرمبة الخاصة بشفط النفط والثالث يقول لك : ما لكيت غير جماعتنا ...؟ والرابع إذا تنطخ بواحد من جماعته يتهمك بتهديد المشروع الوطني ..؟ والخامس بس تتقرب من كردي يصدح بالنشيد القومي القائل بان العراق لم يعد من زاخو إلى جنوب الكويت إنما من عفك للرزازه .. والتاجر العراقي يستورد مواد ملوثة بالإشعاع القاتل لكنه يحرص على أن يمضي نصف يومه بالبحث عن مطعم يقدم لحما مذبوحا على الطريقة الإسلامية..!.

وإذا تشتكي عند المراجع الدينية على أمل تقويم سلوك أتباعهم فالمرجع أول شيء ينظر إليه في وجهك هو ذقنك .. محلوق بالموس لو بالمكص .. ولا يقر بالذي سمعناه من : أن المرء بأصغريه قلبه ولسانه.. وبعضهم يشكو همه قائلا : بس أحجي يستوردون بديل من دول الجوار.. (هذا ليس تعميماً ، وتوجد استثناءات..) ، وان ذهبت إلى شيخ العشيرة سألك : أنت من يا عمام ..؟ فان قلت : من عمام الشعب العراقي .. صعّر خده تيها فهو يحمل هوية مجالس الإسناد في حين انك لم ترتق إلى هذا المقام ...

في بيئة كهذه كيف تحقق نتائج في مواجهتك للفساد ..؟ أليس هؤلاء هم من ألجأ النبي (ص) لأن يقول لهم : لست أبا أحد منكم ، ولست عليكم بوكيل..! أليسوا هم من اضطر الإمام علي (ع) لأن يقول لهم : ما ترك لي الحق من صديق ..!!.

في بيئة كهذه تريدون من موسى فرج أن يجعل العراق خاليا من الفساد..؟ لازم أكرر تجربة هيروشيما وناكازاكي .. تقبلون ..؟.

أقول لكم سر مضمونه الآتي : إن تحقيق نتائج حاسمة في مواجهة الفساد يتطلب رأي عام عامر ، فهل يوجد في العراق شيء من هذا...؟ ، ابحثوا عنه أو عمرّوه واجتهدوا في ذلك عندها تضعون حدا للفساد في العراق ، ودون ذلك لن تفلحوا..

ـ حكايتي مع قصة الفساد في العراق .. لم أعتمد فيها المنحى النظري والأكاديمي الصرف إنما تم التركيز فيها على الجانب الميداني لمجريات الصراع مع الفساد والفاسدين والمفسدين أتمنى أن تتاح لي الظروف في أن أُلحق ذلك بمؤلف تكون فيه حصة الجوانب الأكاديمية 51 % على الأقل.. آمل أن أكون قد وفقت في روايتي لقصة الفساد في العراق كما جرت ودون أساطير ولا تلميع لصورة هذا أو ذاك كي أأتمنكم عليها ليتوزع عبء حملها على الذين يشيلون الحمل عن الشعب... . . . .

 

أيلول 2012 ..
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter