|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  29  / 6 / 2024                               موسى فرج                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

شيوخ العشائر في العراق، ثلاثية النضج والمسخ والانفلات...

موسى فرج *
(موقع الناس)

اتقوا الله يا أهل العماره...
ايام زمان توفى شواي الفهد شيخ أزيرج وكان المرحوم اقطاعي بارز والأراضي التي يملكها مترامية الأطراف والطريق الموصل وآخر نقطة يمكن أن تصل إليها السيارات طويل جداً، "الجنانيز" الذين يحملون التابوت على أعتاقهم تعبوا وهم يحملونه فأشار لهم الذي يحمل إحدى دفتي المقدمة إن توقفوا فتوقفوا وطلب من أحد الماشين أن يحل بمكانه وتقدم عليهم مطلقاً العنان لصوته مصحوباً بضرب الأرض بقدميه بعنف وحرقه وهو يهوس "يهزج" : "شواي الله ونمشي بكَاعه...! "، "شواي الله ونمشي بكَاعه...! "، هلكَد ما الكَاع مالته چبيره...هاي الهوسه فتحت قريحتهم على أمر آخر فهم ما مصدكَين شواي يموت لأن الزمن بوجوده بينهم يمر بطيئاً وتذهب كل دعواتهم بالخلاص منه أدراج الرياح ، فاعتبروا انتقاله للرفيق الأعلى مجرد ايفاد ويرجع بعد ما يشوف الله شمحتاج منه فهوسوا الثانيه: "إعتازه الله وودا عليه...! " شواي... "إعتازه الله وودا عليه...! "

بني لام أخوان أزيرج ومو أقل منهم شأناً اليوم استقبلوا زلمتهم أبو درع وهو عائد من الحج بزفه واكثر من 60 تاهو وجي كَلاس وجكساره بهوسه عصماء مفادها:
"الله الراده يحج بيته...!".الله الراده ...يحج بيته"، عاد ما أدري همين فرشوله سجاده حمرا...؟ وسجل بسجل التشريفات لو لا...؟

على كيفكم أهل العماره... هاي لو عدكم مفتاح الكعبه أو منكم سادن الروضه الحيدريه... چان كَلتوا: الله زرع سدرة المنتهي حتى نكَعد بفيها...!

شيوخ العشائر ...ملاحظات لابد أن تقال....
استكمالاً لما ذكرته عن قضية شيوخ العماره والذي لم أقصد منه النيل من العماره الكريمة وناسها وشيوخها ولا وردتني ملاحظة تشير الى ذلك، لكني فعلاً اردت منه التنبيه لظاهرة الانفلات في اضفاء صفات غير معقولة ولا منطقية من قبل بعض المهاويل "شعراء الأهزوجة الشعبية" على شيوخ العشائر بما يُتجاوز على المقدسات وحتى الذات الإلهية، والذي لولا تشجيع بعض الشيوخ والساسة لما تحول الى ظاهرة واسعة الانتشار بحيث بات من العرف السائد ان يستقبل الشيوخ في مناسباتهم وزياراتهم البينية لبعضهم بما يشبه سوق عكاظ شعري يتبارى فيه المهاويل في مدح القادم منهم وفي الغالب يجنح بهم الخيال والرغبة في الانتشار والقبول وربما المكافآت من قبل الذين يمدحونهم الى مديات غير مقبولة تؤشر مدى الغلو والإفتئات الذي قد يتوجب التعامل معه رسمياً في وقت ما بنفس الصيغ التي يتم التعامل بها مع موضوع المستوى الهابط.

المشيخة بدأت أبوية يتعامل الشيخ بمقتضاها مع أفراد عشيرته من منطلق أبوي يرعى الضعيف منهم ويرد عنه جور القوي ، يسوسهم بالرأي السديد والنصيحة ويلزمهم بقواعد السلوك العامة ويدير أمرهم ككتلة في مواجهة التحديات من خارج القبيلة لحمايتهم وتقوية شوكتهم ويلعب دور القدوة لهم في مكارم الأخلاق ، هذه هي القاعدة العامه لكن ذلك يتحمل النقيض أيضاً فيحصل أن يكون الشيخ فاسد وجبار وأناني فتتحمل عشيرته من عسفه وجهله الأمرين...هذا ما طبع المشيخة طيلة العصور السابقة يوم كانت متنقلة أو متوطنة في الفلاة لكن وبمجيء الحكم العثماني للجزيرة العربية ونظراً لسعة رقعة الإمبراطورية وتحديد علاقة السلطة العثمانية ونظرتها اليها باعتبارها مجرد خزين لمدها بالرجال لتجنيدهم في حروبها وصومعة غلال لرفد الخزينة بالأموال فقد تغيرت الحالة خصوصاً عندما وزع الحكم وقتها الأراضي بين شيوخ العشائر وحدد واجباتهم تجاهه بتجنيد أفراد عشائرهم للمشاركة في حروبه وبجباية الضرائب منهم لرفد خزينته عندها تحول الشيوخ لشرطة وجباة ضرائب على عشائرهم لصالح الحكم، فبدأ تعسف الشيخ واتخاذه السجون والإثراء على حساب العشيرة...

انا شخصيا عاصرت 3 أجيال من الشيوخ في محافظتي:
1. شيوخ الستينات: بالرغم من حداثة سني "كنت في المتوسطة والثانوية" لكني سمعت منهم وجالست بعضهم وعرفتهم عن كثب ذاك الجيل من الشيوخ، كانوا رجال مرموقين بمعنى الكلمه فهم: لم يكونوا اقطاعيين مثل شيوخ في محافظات أخرى ولم يتضرروا إلا جزئيا من قانون الاصلاح الزراعي، ولم تكن لهم صلة تخادم مع الحكومة وهذا مهم جداً ، ولم اسمع ان واحداً منهم لقب نفسه بلقب شيخ ولا سمعت واحد خاطبهم بشيخ فلان وانما ابو فلان أو حجي فلان، ولا واحد منهم ظهر بمظاهر استعراضية كالتي نراها اليوم.

2. شيوخ حقبة صدام: عندما فرض البعث سطوته على السلطة بات الشيوخ امام حالتين أما منتمي للحزب ويؤمر من قبل الأعلى منه بالحزب حتى لو كان عربنچي ،أو موالي للسلطة ويستلم مكافآت من روكان "ابن عم صدام وأحد مسؤولي حمايته" وفي هذه الحالة الطرفين مسخوا مسخاً بالرغم من حملهم هويات شيوخ واصدقاء صدام... أو أن يكون مشاكساً للسلطة وهؤلاء عانوا الأمرين وبشكل مزدوج: من عسف السلطة، ومن الفقر المدقع جراء الحصار وماتوا كمداً.

3. شيوخ حقبة ما بعد 2003: لأن السلطة بات طريقها صناديق الانتخابات ولأن الحكام بحاجة لأصوات أكثر لهم في تلك الصناديق فقد كنت شاهد عيان على نصيحة أحد الشيوخ لأحد ساسة المحاصصة بأنك إن اردت الحصول على كم هائل من الأصوات فنظم مؤتمر لشيوخ عشائر العراق في فندق الرشيد وأجزل عليهم وعندها ستكون أصوات ابناء عشائرهم في صندوقك بسبب انقياد ابناء العشائر لشيوخهم بسبب ضعف الوعي الجمعي...وهذا ما حصل فعلاً وصادفت الناصح فقال متباهياً: أرأيت...؟ قال ذلك وأشار الى صدره: أنا رئيس مجلس شيوخ عشائر العراق...! قلت: لثلاث ساعات لكنك ستسن سنة سيئة عليك وزرها ووزر من اتبعها...وهكذا كان، فقد أغدق ساسة المحاصصة على الشيوخ بصيغ متعددة نفوذ وحكم ومجالس اسناد ومشاريع ومقاولات ومناصب لأبنائهم وهنا حدث المحذور على الدولة والمجتمع فتسيد السلاح غير الرسمي وتبددت الأموال وشاعت قيم المحسوبية والمنسوبية بدلاً من النزاهة والكفاءه...

شيوخ هذه الحقبة يتصفون بصفات في مقدمتها:
1. البذخ اللاعقلاني للأموال والمظهرية المفرطه...
2. التلقب بلقب شيخ والقفز عليه للتلقب بلقب أمير، وتحويل صفة العشيرة الى أماره.
3. تأكيدهم على ذواتهم هم وانسابهم هم على حساب العشيرة.
4. اتخاذ بعضهم تسميات طاووسية من قبيل: أبو قَصّوَرَه وأبو فَسّوَرَه وأبو نَحّوَره، وأبو مصادم وأبو مرادم ، وأبو اللات وأبو العزى، وأبو بايدن وأبو ترامب...
5. واتخاذ بعضهم في بيوتهم مقصورات وارائك وعروش سلطانية وشاهنشاهية وأطقم لبس تتناغم فيها الساعة مع الحذاء مع الصايه والعباءة مع تبديل تلك الأطقم مثل مذيعي الفضائيات...
6. تجنيدهم العشرات من مهاويلهم لينفخوا في قربهم من أهازيج تتضمن أوصاف وألقاب ما أنزل بها من سلطان على غرار ما تقدم و"شويه أضبط"...
7. لكنهم رغم الإثراء والبذخ المفرط وأرتال السيارات الحديثة والمظاهر الاستعراضية لم يتمكن منهم الا ربما الاستثناءات أن يبلغ كاحل أبوه أو جده من شيوخ الستينيات، ومن يدعي غير ذلك فليدلنا على الساف الذي أزاد به السياج الذي بناه جده أو ابوه ارتفاعاً...

الدكَه العشائرية والفصول...
وبهذه المناسبة أرجو أن ألفت انتباهكم الى قضية مؤسفة برزت في السنوات الأخيرة وهي ان الوظيفة الأساسية للشيوخ باتت تنحصر في قضيتين:
الأولى: الدكَة العشائرية ...
وهي الهجوم المسلح لعشيرة على أخرى تستخدم فيه الأسلحة بأنواعها الخفيف والمتوسط والثقيل، بس F137 ما عدهم رغم انهم قادرون بحكم مواردهم المالية من سرقة النفط وتجارة المخدرات وما يتسرب لهم من موازنات الحكومة تغطية تكاليف شراءها.

والثانية: هي الفصول العشائرية...

وفي المهمتين المار ذكرهما فإن شيوخ حقبة ما بعد 2003 باستثناء القلة منهم لعبوا دوراً أقل ما يقال بشأنه أنه غير ناضج، ونفعي وألحق ضرراً بالمجتمع والدولة وراح ضحيته مئات بل قل آلافاً من الأرواح البريئة مما اضطر الدولة ان تتعامل مع القضية الأولى بوصفها من جرائم الارهاب.

أما القضية الثانية فالمفروض والمفهوم أن يكون دور الشيوخ فيها تطويق الحادث ومنع امتداده او استمراره ليفضي عن ضحايا آخرين، ولكن دون اهدار لحقوق الضحية وحقوق عائلته في الديه ودون أن يؤدي ذلك الى تشجيع الاستهتار بأرواح الناس وانتشار مؤسف ومخجل لقضايا القتل والجريمة الذي تشهده الساحة العراقية في السنوات الأخيرة وتصاعد بشكل كبير ... كيف يتم التعامل مع هذه القضية اليوم...؟ تعالوا معي:

- في السابق ورغم وجود عيب واضح في "السواني" لأنها ميزت في الدية بين الضحايا فدية الشخص العادي غير دية الشيخ والشخص المعروف ، ودية المرأة غير دية الرجل وفي ذلك تعارض مع القانون والشريعة والمنطق الذي يعتبر الناس متساوون ، لكنها أقصد السواني القديمة كانت تميز في الدية بين القتل العمد والقتل غير العمد ، وتميز في الدية بين "وليه" بمعنى استقواء وتجبر وبين القتل مع تكافؤ الفرص، وتميز بين القتل العادي والقتل مع التمثيل فالأخير ديته مربع، في هذه الحالات الأمر يقترب مع ما يقابل الظروف المشددة في القانون...

الآن كيف يتم الأمر...؟
- يفرش شيخ عشيرة المقتول طبعاً بعد اعتراف عشيرة القاتل بمسؤوليته عن القتل وطلبها للصلح...
- ينهض شيخ عشيرة المقتول فيطلب دية مغالى فيها مليار أو نص مليار دينار مقابل عدم قيام ذوي الضحية بتقديم شكوى للمحاكم وفي حالة قيامهم بذلك يتم التنازل عنها...!
- يبدأ مهرجان المزاد فيقوم احد الشيوخ القادمين مع المشية او ما تسمى الجاهه في بعض الدول العربية فيستعرض حسبه ونسبه ومكانته بين الشيوخ ويطلب تخفيض مبلغ الدية بما يتناسب مع قدره ومكانته، فيتم هدر مئة أو مائتين مليون إكراماً له ...وينهض الثاني والثالث والخامس وهكذا...تنتهي دية المليار الى 50 مليون أو أقل...!
بل والأنكى من ذلك أن شيخ المقتول يظهر كرمه إكراماً للقادمين فيهدر الدية بكاملها...! ولكن ماذا عن عيال وأيتام الضحية ...؟ هل يقوم بدفع الدية لهم من جيبه أو خالص حلاله ...؟؟؟

لو كان الأمر بيدي لقلت أثنين لا ثالث لهما:
1. أن يواجه القاتل ومن شاركه تخطيطاً وتنفيذا مسؤوليتهما الجزائية أمام المحاكم دون أي تنازل من قبل المدعي بالحق الشخصي ودون اهدار للحق العام ...
2. وإن أريد دفع دية لذوي المجني عليه فإنها تدفع كتعويض لعائلته عن الضرر الذي تسبب لهم بفقدانه على أن لا يمس العقوبة الجزائية المترتبة على الجاني وفق القانون ولا يشكل تنازلاً عنها، وعلى أن يتم احتساب مبلغ الدية بما يساوي المبالغ التي تدفعها الدولة لعيال الشهيد زائداً مجموع ما يحسب من رواتب تقاعدية لعياله. اذا كان القتل عمداً ويخفض اذا كان القتل قد تم بغير عمد ...مقابل أن يضخم اذا رافقته أي ممن يعتبرها القانون ظروف مشدده.

وفي هذه الحالة ينحصر دور الشيوخ بإجبار عشيرة القاتل بتسليم الجاني لأجهزة تنفيذ القانون ودفع الدية... واجبار عشيرة القتيل بعدم توسيع الأمر لقضايا الثأر والثأر المقابل حقناً الدماء، دون إجبار ذوي المجنى عليه بعدم تقديم شكوى أمام المحاكم أو إجبارهم على سحب الشكوى إن لم يتم تقديمها، وعدم تعطيل تنفيذ العقوبة على الجاني من قبل المحاكم ...

 


* رئيس هيئة النزاهة في العراق (سابقاً).

 

 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter