|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأثنين  23 / 6 / 2014                           أ.د. محمد الربيعي                             كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

عرض كتاب "التلوث الاشعاعي في العراق" للمؤلف الاستاذ الدكتور كاظم المقدادي

أ.د. محمد علي الربيعي

عندما استلمت نسخة من هذا الكتاب كهدية من الكاتب لم يكن لي تصور عن مدى علمية وغنى ودقة معلومات الكتاب رغم كون الكاتب معرفا لي باكاديميته وعلميته ورصانة كتاباته ومؤلفاته البيئية السابقة لسبب بسيط هو اني لم ارى لفترة طويلة بالعربية كتاب علمي رصين يبحث بموضوع مثير للجدل يتضمن دراسة علمية وتحليلية وتوثيقية لمشكلة راهنة تتعلق بحياة الملايين من ابناء شعبنا العراقي.

البحث في التلوث الاشعاعي في العراق امر شغلت به الاوساط العلمية والبيئية والصحية والمعادية لانتشار الاسلحة النووية منذ استخدام امريكا لذخائر اليورانيوم عام 1991 في حرب الخليج يدفعها اليه شعور بان تداعياته البيئية والصحية تم التغطية عليها عمدا لتخوف مرتكبيها من الادانة بجرائم حرب وما يتبع ذلك من تعويضات مالية هائلة. وسواء كنا على اطلاع بالمصادر العلمية او الاصوات االتي تدعي بوجود او عدم وجود اضرار صحية لذخيرة اليورانيوم المنضب فان الكاتب لا يخفي انحيازه العلمي عبر تكريس الكتاب لتوضيح الادلة والوقائع والاثباتات والتقارير الطبية والعسكرية التي تؤكد اضرار استخدام هذه الاسلحة وتسليط الضوء على التداعيات الصحية في العراق.

وهذا ما دفع المؤلف الاستاذ الدكتور كاظم المقدادي المتخصص في طب الاطفال وطب المجتمع والخبير بالصحة والبيئة وبالتلوث الاشعاعي والاضرار الصحية والبيئية لاستخدام اسلحة اليورانيوم لوضع هذا الكتاب للقارئ العربي، سواء كان عاديا او متخصصا. وبينما يعالج الكاتب مسائل علمية في الاشعاع والتلوث الاشعاعي ، تراه يطلعك على اخطار التعرض لليورانيوم ودرجة التلوث به ومن امور اخرى ما كانت تخطر لك ببال.

كتاب "التلوث الاشعاعي في العراق" كتاب علمي قبل كل شئ، اذ يعالج مسائل تخص الاشعاع واضراره وطبيعته وخصائصه ويسلط الضوء على مصادر الاشعاع والجرعة الاشعاعية والتأثيرات البيولوجية ومبادئ الوقاية وطرق كشف وقياس الاشعاع، ولكنه بسط هذه المسائل العلمية لدرجة تقربها من ذهن كل قارئ، ومن عجبي انه استطاع ان يستعوبها في هذا الكتاب، وان يعرضها بشكل جذاب. ضم الكتاب على مدخل وثلاث وعشرين فصل وملحق. نقرا في المدخل تعريف بالكتاب وتأكيد على ما يطرحه المؤلف بالنسبة للكتاب من انه "موقف معري للتضليل، ونهجه المناؤئ لاسلحة اليورانيوم، معرفا بها وباضرارها الصحية، مركزا على الواقع البيئي والصحي الراهن في العراق، مستعرضا بشكل واف كم هائل من الادلة والمؤشرات، الغنية بالجداول والاشكال الاحصائية وبالصور الحية، كي يتأكد كل مهتم موضوعي ومنصف كم الوضع خطير، ولماذا يلح المؤلف وزملائه منذ سنين طويلة على ضرورة اتخاذ الاجراءات والمعالجات والحلول المطلوبة". ويختم الكتاب بعرض صور كثيرة للامراض الخبيثة والتشوهات الخلقية ولركام الحرب، ولعمليات الكشف عن الاشعاع، بالاضافة الى اشكال توضيحية هامة.

ويبحث الكاتب في عدة فصول من الكتاب عن اجابات لعدة اسئلة مهمة وهي لماذا يتم تجاهل مخاطر اسلحة اليورانيوم على البيئة والصحة والحياة، ولماذا لا توجد دراسات اشعاعية ميدانية، ولماذا يتم التستر على التسرب الاشعاعي والسكوت على جريمة اسرائيل في ضرب المفاعل النووي العراقي عام 1981، ويستغرب من تبريرات المسؤولين العراقيين لتقصيرهم في مثل هذه المهمة، وعدم مطالبتهم بحق العراق بالتعويضات المشروعة. كما يتسائل عن سبب تجاهل سلطة الاحتلال تحذيرات العلماء العراقيين وسماحها بنهب مركز هيئة الطاقة النووية العراقية، وعدم تقديمها خرائط للمناطق التي تعرضت الى القصف باستخدام ذخيرة اليورانيوم وذلك لغرض المساعدة في الكشف عن مصادر التلوث ومعالجته.

الكتاب يسلط الضوء على كم كبير من التقارير العلمية والعسكرية والمسوحات الميدانية وبضمنها عدد كبير من الدراسات التي اجراها علماء عراقيين ودوليين حول التلوث الاشعاعي والتي تؤكد صحة استنتاجات الكاتب حول المستوى العالي للتلوث بالاشعاع والمواد السامة خصوصا في محافظات البصرة وميسان وذي قار والمثنى وبابل والنجف وكربلاء وواسط والانبار وديالى وبغداد، ويخصص الكاتب فصلا يتناول النفايات المشعة ومصادرها ومعالجتها وطرق التخلص منها، كما يتناول الاجراءات التي اتخذتها السلطات لتنظيف البيئة العراقية من النفايات المشعة. يذكر الكاتب استنتاجا مهما للعالمة الهولندية ريان تولي التي تفقدت التويثة حول مقدار استلام الفرد الساكن في المنطقة من الاشعاع في نصف ساعة ما يعادل الحد الاقصى الذي يستقبله الفرد الاعتيادي خلال عام كامل، ويذكر رأيا خطيرا للعالمة الامريكية لورين موريه وهو ان البيئة في الخليج اصبحت مشعة بالكامل وانها سوف تضل مشعة الى الابد.

الكتاب ثمرة عمل كبير و"مؤلف العمر" كما وصفه الكاتب، احاط بكل ما له علاقة بالاشعاع وتأثيراته، ويمثل طرحا موضوعيا للاشكاليات التي سببها استخدام اليورانيوم المنضب من خلال اطلاع الدكتور المقدادي على العديد من المراجع، وميله الى الدقة والعمق والتحليل العلمي لكل قضية من قضايا الاشعاع. وفي نهاية الكتاب يطرح الكاتب سؤال وجيه هو "الى متى يستمر التخبط وسوء الادارة والتبريرات الواهية، بينما كل يوم يمر والتلوث الاشعاعي موجود يسقط المزيد من الضحايا الابرياء؟". انه كتاب ثمين انصح بقراءته، وادعو وزارت البيئة والصحة والتعليم العالي الى دراسته والاستفادة من المعلومات المتوفرة فيه.

 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter