|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأثنين  16 / 12 / 2013                           أ.د. محمد الربيعي                             كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

إن لم نتغيّر فلن نتقدّم وإن لم نتقدّم فلن نعيش

أ.د. محمد الربيعي

العنوان للكاتبة غيل شيلي وهي صحفية ومحاضرة امريكية مشهورة كتبتْ سيرة حياة مارغريت ثاجر وهليري كلنتون وانور السادات وميخائيل غوربوجوف. ابتدأ بهذا العنوان للتأكيد على ضرورة اصلاح منظومة التعليم العالي في العراق كشرط أساسي لردم الفجوة بيننا وبين الدول الغربية، اصلاح حقيقي يوفر لنا مشروعا اكاديميا حديثا للجامعات للاندماج في عالمنا الجديد، عالم التقنيات الحديثة للتعليم والتعلم، ولبناء البنية المعلوماتية، والمعرفية، بحيث يصبح التعليم الجامعي انعاكس لسوق العمل وحاجة المجتمع ولتحويل المجتمع من سوق استهلاكي الى مركز للانتاج والابداع والابتكار، وبالتالي الى تجديد دعائم قوتنا، وترسيخ امننا الاقتصادي. الاصلاح لن يتم الا بتغير طريقة تفكيرنا عند النظر في مستقبل التعليم العالي وتحديد وجهته، وتوفير اجابة شافية لسؤال راود الكثيرين من المفكرين والتربويين والسياسيين وهو، هل التعليم العالي مجرد تعليم وتدريب لكل من طلبه، وهل هو حق شرعي لكل مواطن؟ لا اختلف مع احد في ان يكون التعليم العالي متاحا للجميع على قدم المساواة تبعا للكفاءة والاخذ بقدرة الدولة على توفير مستلزماته، الا انه يجب ان يستند توفره كما ونوعا الى حاجة السوق والمجتمع للاختصاصات المختلفة.

ان مسألة العلاقة بين التدريب وسوق العمل هي المسألة الاساس في اي مشروع للتغير والاصلاح الجامعي، وأن الاحتياجات الفعلية للسوق والمجتمع هي التي يجب ان تحدد عدد الطلبة في كل اختصاص وهي التي تحدد نوعية الاختصاصات وعدد الجامعات وسعتها. والتغيير الذي سأتحدث عنه يبدأ عندما تخضع عملية تأسيس الجامعات والكليات والاقسام الى هذه القاعدة سواء كانت هذه المؤسسات حكومية ام اهلية. الجامعات الحكومية قد تلتزم بهذه القاعدة بسبب خضوعها الى تخطيط الدولة الا ان الجامعات والكليات الاهلية قد تعتبر حاجة السوق هي مجرد الاقبال على التعليم العالي لذا ستستمر في اغراق السوق بشهادات لا فائدة منها. الشواهد كثيرة على ان الابتعاد عن هذه القاعدة يؤدي الى انشاء جامعات ضعيفة وتوسيع دراسات ليس لها اهمية واغراق مؤسسات الدولة بموظفين لا حاجة ولا دور لهم في تسيير هذه المؤسسات، مما يؤدي بدوره الى تضخم جهاز الدولة فيصبح تغيير النظام الادراي البيروقراطي اكثر صعوبة. كما ان الابتعاد عن هذه القاعدة يؤدي الى خفض مستوى الجودة في الجامعات نتيجة قبول اعداد كبيرة من ذوي المعدلات الواطئة فيها، وابتعاث طلاب للدول الاجنبية من غير افضل المتفوقين والنوابغ. وتبقى القضية الأهم والمتعلقة بالسوق هي توفير خريجين يمتلكون على معلومات كافية وقدرة على التفكير النقدي والإبداع وتوظيف المعرفة لاستمرار التعلم، ولهم من الجرأة الأدبية التي تمكنهم من التحدث بطلاقة علمية واحترافية، كما يمتلكون ثقة عالية بالنفس. ولا يحصل هذا الا بتكيف مؤسسات التعليم العالي مع البيئة المحلية والعالمية من خلال المنافسة والتميز وبتغير فلسفة التعليم العالي من التعليم الى التعلم.

سأحاول التركيز على دراسة عدد محدود من الاسئلة والتي اعتبرها ضرورية لتغيير طريقة تفكيرنا، والاسئلة هي:

1) ما هي العوامل التي تتحكم بمسيرة التغيير في التعليم العالي؟
2) كيف يتم للجامعات من إعداد خريجين ذوي مؤهلات عالية ومهارات مهنية وادارية وقيادية واتصالية لغرض اشباع حاجات السوق والمجتمع، كما توفر فرصا للتعلّم مدى الحياة؟
3) لماذا يجب تغيير الطرق البيداغوجية في التربية والتعليم؟
4) كيف يمكن تأمين الحفاظ على معايير مقبولة فيما يتعلق بالتعليم والتعلم والبحث العلمي؟
5) لماذا ضرورة ادخال تكنولوجيا المعلومات والاتصال وطرق التعليم عن بعد في التعليم العالي؟

محركات التغيير

كلنا نتحدث عن التغيير، وكلنا نريد التغيير نحو الاحسن، ولكن كيف يتم التغيير في ظل التحديات الامنية الكبيرة، وظروف عدم الاستقرار المحيطة، وندرة المبادرات التي تزيد من قدرة الجامعات على المنافسة؟

يعتبر تحقيق الامن والاستقرار والمنافسة من اهم العوامل المشجعة على التغيير. ويمكن القول ان التغيير يخلق حالة من الفوضى ويزيد من الصراع ولكنه في نفس الوقت يتيح للمؤسسات الجامعية فرصة لتحقيق رهانات التقدم واللحاق بالجامعات الغربية من خلال التركيز على اهداف ومهمات التغيير. والتغيير يحتاج الى قيادات تغيير ذات رؤى استشرافية للمستقبل ولها القدرة على تغيير النظم التقليدية في ادارة الجامعات كدمج الكليات او تبديلها الى فاكلتيات (Faculties)، ودمج الاقسام المتشابهة وجعل كل منها يشرف على اكثر من برنامج اكاديمي (أو شهادة)، وتنفيذ برنامج للجودة الشاملة، وتشكيل مجلس امناء للاشراف على كل السياسات والعمليات في الجامعة، وتدريس اللغات في كل البرامج والمراحل الدراسية العلمية والانسانية على حد سواء وغيرها من الاجراءات التي من شأنها تغيير الاطر التركيبية للجامعة بما يتناسب مع ما يحدث في الجامعات المتطورة.

ومن محركات التغيير المهمة توفر الادوات والمواد والمصادر ذات النوعية العالية على الانترنت والتي يمكن للطلاب من الحصول عليها بسهولة نسبية. لقد بدأت هذه المحركات بتغيير نموذج العلاقة بين الاستاذ والطالب في الجامعات الغربية فلم يعد الاستاذ وحده يحتكر المادة العلمية فهي في متناول الطالب مجانا او بتكلفة رخيصة في اي مكان وفي اي وقت، والتعلم عبر الانترنت اصبح شائعا بحيث يمكن تدريس كورسات ومواد بواسطة التلفون المحمول واسلوب "الفديو كونفرس". وتمثل البيئة التحتية الالكترونية المرتبطة بالاليات المتطورة في المؤسسات التعليمية الغربية مفتاح النجاح للجامعات العراقية في احداث نقلة نوعية في التدريس اذا ما تم اشاعة مثل هذه الطرق خصوصا في الاستفادة من خبرات العلماء العراقيين وغيرهم في الخارج . ويمكن الوصول الى كثير من التطبيقات ومنصات التفاعل عبر ما يسمى بالتكنولوجيا السحابية (Cloud Technology) والتي لم تكن تتوفر قبل خمس او عشر سنوات، ويمكن معرفة الكثير من تطبيقات هذه التكنولوجيا في التربية والتعليم بمراجعة موقع الاكاديمية السحابية لشركة اي بي ام (IBM Cloud Academy).

إعداد خريجين ذوي مؤهلات عالية

هل يمكن لخريج الجامعة في يومنا هذا من ممارسة مهنته بصورة متقنة او ان يتمكن من تنمية قدراته وقابلياته لكي يتقن مهنته؟ وهل تُقدم الجامعة هذا النوع من التنمية الفكرية والشخصية التي تمكن الخريجين من الازدهار في عالم يتغيير باستمرار وبوتيرة متسارعة، وفي عالم يتطلب الابتكار والقدرة على التكييف؟ وهل يمكن للجامعة ان تزرع اخلاق المهنة والنزاهة وازدراء الفساد المالي في عقول وقلوب الطلاب؟ ما هو معدل مستوى خريجينا مقارنة بخريجي الدول الغربية، وما هي اسس المقارنة؟ يجب ان اعترف بأني لا اعرف الاجابة على كل هذه الاسئلة، وببساطة لانه لا توجد معلومات او دراسة في هذا المجال. كل ما نعرفه هو ان معظم خريجينا، وخصوصا من الاطباء ينجحون في عملهم في الدول الغربية، وان طلبتنا في الدراسات العليا في الخارج يحققون ما يصبون اليه من شهادات عليا. فإذا كانت هذه الشرائح تقدم نموذجا على نجاح المؤسسة الجامعية العراقية في انتاج خريجين كفوئين فلماذا لازالت هذه الجامعات في مؤخرة السلالم العالمية لتصنيف الجامعات، ولماذا يمتلئ "فولدر الايميل" في حاسبتي برسائل الشكاوي والتذمر من قبل اساتذة الجامعات، ولماذا تنعدم الثقة بين العراقيين بأهلية خريجينا خصوصا في المؤسسات الحكومية كالتعليم والطب؟ ليس غريبا ان تدور بداخل المجتمع العراقي قصص حول عدم كفاءة المعلم وتخلف معلومات الطبيب. اليس من واجب الجامعات ان تكسب ثقة الناس بمنتوجاتها حالها حال اي شركة صناعية لانتاج البضائع الاستهلاكية؟ من المسؤول عن قياس جودة البضاعة؟ واذا كانت البضاعة فاسدة فمن المسؤول عن غلق المعمل؟ عمل الجامعات في المقام الاول هو في مجال التنمية البشرية حيث ان عليها التركيز على تطوير وتعزيز قدرات طلبتها في مجال المهارات بوضوح وعلى نحو فعال وليس فقط في مجال نقل المعلومات بالتلقين والاجترار. ان مسؤوليتها في مجتمعنا العراقي هو تعميق التفكير النقدي والثقة بالنفس وفي تطوير ذهنية الطالب التحليلية وقابلياته "كحلال للمشاكل" وفي التواصل والقيادة ، وهذا يتطلب اولا منع "الملازم" الدراسية منعا باتا واجبار الطلبة على استخدام المكتبة (طبعا ليس بالقوة وانما ستتطلب المناهج من الطالب البحث عن مصادر اخرى للتعلم).

ان الجامعات مطالبة بتكييف المناهج الدراسية على نحو ادق من اي وقت مضى لتلبية احتياجات اصحاب العمل سواء من الدولة او القطاع الخاص. وسيعتمد تقدمنا الاقتصادي والاجتماعي على درجة التفكير النقدي الذي يملكه خريجينا لان الجيل القادم من القادة سيكونون من الخريجين الجدد في مجتمع يحترم الشهادة الجامعية كقيمة اقتصادية مضافة ومهارات واسعة وليس كشهرة اجتماعية طنانة فارغة. وبهذا الخصوص فأني اقترح الاتي:

1- وضع استراتيجية للتوظيف وتشكيل مكتب للتوظيف في وزارة التعليم العالي والجامعات.
2- تحديد مهارات التوظيف وادخال مفرداتها بشكل واضح في جميع المناهج الدراسية.
3- تحسين فرص الحصول على تعليم متكامل للمهارات.
4- تعزيز مستوى تعليم وتقييم مهارات التوظيف.
5- تعليم الطلبة اساليب التقييم الذاتي لمهارت التوظيف.
6- تشجيع الدوائر الحكومية والشركات على تقديم مواصفاتها لمهارات التوظيف الملائمة.

بيدوغوجيا التعليم

تغيرت اليوم بيدوغوجيا التعليم فقد اصبحت مركزة على تعلم الطالب، وبدأ الاساتذة في تغيراساليب التدريس معتمدين على نهج جديد يضع الطالب في المركز ويهدف الى تعليمه مهارات التعلم والقابليات من خلال طرق حديثة كالتعلم المبني على المشكلة (Problem-Based Learning) والذي تتبناه كثير من الجامعات في العالم خصوصا في تدريس المواد الهندسية، ويحقق هذا النهج نجاحا هائلا ،خصوصا عندما يقترن بسياسة تثقيف الاساتذة بالطرق البيدوغولوجية الحديثة. النموذج البيدوغولوجي الذي تحّكم في اساليب التدريس في الجامعات العراقية منذ نشؤها هو انها مؤسسات وجدت لتدريس الطلبة بمعلومات مختصة، ولكن النموذج الجديد والذي بدأت جامعات العالم بالتحول له هو انها مؤسسات موجودة لغرض انتاج المعرفة عن طريق التعلم. هذا التحول سيغير كل شئ، من طريقة تفكيرنا الى اسلوب عملنا، فالتدريس والتعليم لم يعد غاية الجامعة فذلك مثله كمثل القول بأن غاية العناية الطبية هي لملء أسـّرة المستشفيات بالمرضى. ان غاية الجامعة اليوم هو تعلم وليس تعليم الطلاب وبأية طريقة يمكنها من تحقيق ذلك. احد الاسباب التي ادت الى هذا التغيير في بيدوغولوجية التعليم هو الازدياد الهائل في عدد الطلبة المقبلين على التعليم العالي والذي ادى الى زيادة هائلة في المصادر المالية والبشرية والتي بدونها تنحسر الجودة. وهذا ما يحصل في الجامعات العراقية، فبسبب زيادة عدد الطلبة تضطر الجامعات الى زيادة حجم الصف او نصاب الاستاذ او تعيين اساتذة غير كفؤئين او الاستعانة باساتذة من خارج الجامعة، وبحشر الطلبة في اقسام داخلية تفتقر الى ادنى الخدمات وبعدم توفير وسائل نقل كافية لهم. لذا يبدو أن بيئة التعلم لطلبة الجامعات والتي تعتمد ايضا على كون الاستاذ هو العامل الايجابي لانه يقوم بالقاء المحاضرة والطلاب يمثلون العامل السلبي لكونهم متلقين للمحاضرة، ولم تعد هذه البيئة مقبولة لانها تتعارض مع كل مبدأ مثالي لتعلم الطلاب. منهج التعلم (وليس التعليم) يحقق هدف كبير الا وهو ان كل دورة جامعية تتعلم اكثر من الدورة السابقة لها، وبعبارة اخرى، ان منهج التعلم يفترض ان الجامعة نفسها متعلم يتعلم اكثر واكثر بمرور الوقت وانها تتعلم باستمرار كيفية انتاج معرفة اكثر مع كل دورة ومع كل طالب متخرج. وبالرغم من ان هذه المقالة ليس هدفها تقديم شرح تفصيلي لنهج التعلم مقابل التعليم الا اني اقدم ادناه جدولا ملخصا للمقارنة بين المنهجين لمزيد من التوضيح :

نهج التعليم نهج التعلم
يدرس يعلم
ينقل المعلومات من الاستاذ الى الطالب يحفز اكتشاف واستنباط المعلومات عند الطالب
يقدم مقررات وبرامج يخلق بيئة تعلمية قوية
يهتم بتطوير نوعية التعليم يهتم بتطوير نوعية التعلم
يعتمد على مستوى طالب الثانوية المتقدم للدراسة يعتمد على مستوى الطالب اثناء الدراسة الجامعية
يعتمد على حجم ونوعية الموارد يعتمد على حجم ونوعية النتائج
ساعة تدريسية تساوي عدد من الوحدات بيئة التعلم اهم من ساعات التدريس
مدرس وقاعة تدريسية الخبرة المكتسبة من التعلم
امتحان في نهاية الكورس تحقيق نتائج تعلم محددة
الشهادة تعتمد على عدد الوحدات الشهادة تعتمد على المعلومات والمهارات المكتسبة
المعلومات تقدم بدفعات من قبل المدرس المعلومات تساوي خبرة الطالب
التعلم تراكمي وخط متواصل التعلم يشيد ويتكون
طبيعة الصف والتعلم هي الفردية والمنافسة بيئة التعلم تعتمد على التعاون والمشاركة
الاستاذ هو المحاضر الاستاذ هو مصمم طرق وبيئة التعلم

معايير التعليم والتعلم

تمثل معايير جودة التعليم الخصائص والمهارات والقدرات التي يتوقع ان يمتلكها حامل الشهادة وتشمل مخرجات التعلم وهي عبارة عن محتوى البرنامج والمقررات الدراسية بالاضافة الى اداء الطلبة. في جامعات المتطورة تتمحور مخرجات التعلم حول المتعلم اي الطالب، وليس حول الاستاذ، وتركز على التعليم الناتج عن فعالية ما، لا على الفعالية نفسها، وعلى المهارات والقدرات الرئيسية، كما تعبر عن الرسالة التعليمية للجامعة وعن القيم التي تمثلها. ويعبر عن هذه المخرجات افعال يجب على الطلبة تفعيلها فتقوم بعملية الربط بين الاهداف والنتائج ومنها يتم معرفة مدى تفهم الطلاب لمادة المقرر، ولربما من المهم هنا التأكيد على اهمية هذه المخرجات في توفير ادلة لغرض المسائلة وضمان الجودة والاعتماد. ويتطلب التغيير من الجامعات العراقية استخدام مخرجات التعلم لاجل تحويل العملية التعليمية من شأن خاص الى ملكية اجتماعية، ومن عملية عشوائية الى عملية تحتاج الى تخطيط وتصميم. والحوافز مهمة جدا لتحقيق الاهداف المتوخاة من مخرجات التعليم، فكما يقول المثل الانكليزي "يمكنك ان تقود الحصان الى النهر ولكنك لن تستطيع اجباره على شرب الماء"، فاذا لم تتوفر الحوافز للطالب فان تعليمه سيكون مضيعة للوقت. ومن الطبيعي ان تكون القدرة على تحفيز الطالب على التعلم احدى المهارات الرئيسية لكل مدرس، وتتبلور هذه القدرة في جعل المقرر ذات صلة وثيقة باحتياجات ومصالح الطلاب، ويتم ذلك بتشجيع الطلبة على تحمل مسؤولية تعلمهم ووفق اجراء تحليلي بمساهمة الطلاب انفسهم ومن خلال توجية الاسئلة مباشرة بهذا الخصوص او عن طريق استمارة تقييم الطالب للمقرر في نهاية السنة والتي بدأت بعض الجامعات العراقية باستخدامها، وكذلك عن طريق توجيه اسئلة للطلبة في بداية السنة كمثل: ما هي المهارات الجديدة التي ترغب في تطويرها خلال السنة؟ وما هي الصعوبات اللغوية التي ترغب في التغلب عنها؟ وما هي المواد التي تحظى باهتمام خاص لك؟

ان من اهم الاجراءات التي من شأنها اعتماد وتطوير معايير راقية للتعليم والتعلم ومراقبة تنفيذها هي اجراءات ضمان الجودة والاعتماد الاكاديمي للبرامج الدراسية وللجامعة ككل. تقدم هذه الاجراءات ادوات تقييم انتاجية للجودة والنوعية وغرضها توفير اجابات واضحة لما هي رؤية الجامعة والاهداف التي تسعى لتحقيقها؟ كيف يمكن قياس نجاح الجامعة؟ وماذا تحاول أن تفعل الجامعة؟ ولماذا تحاول أن تفعل ذلك؟ وما هي الطريقة التي ستتبعها؟ ولماذا تفعل ذلك وبهذه الطريقة؟ ولماذا تعتقد ان هذه هي الطريقة المثلى للقيام بذلك؟ وكيف يتم التحسين؟ لقد أدركت كثير من الدول في العقد الأخير، أهمية الأخذ بمعايير الجودة في جميع مؤسسات التعليم العالي، ومن أجل تحقيق هذا الهدف قامت هذه الدول بإنشاء هيئات او وكالات مستقلة للتقويم والاعتماد الأكاديمي يكون من أبرز مهامها مساعدة الجامعات في تطوير وتحسين الجودة. ولعل ابرز ما يمكن لوزارة التعليم العالي والدولة من تحقيقه في هذا المجال استنادا الى توجهات الاستراتيجية الوطنية لتطوير التعليم العالي 2009-2013 والتي تبنتها الوزارة هو استحداث "هيئة مستقلة لضبط الجودة والاعتمادية وألاداء الدولي تتولى مهمة تقويم جودة اداء المؤسسات التعليمية والبحثية وفقا للمعايير الدولية المعتمدة". ولقد اشرنا سابقا الى اننا في شبكة العلماء العراقيين في الخارج وبالتعاون مع اليونسكو على استعداد للمساهمة في انشاء مثل هذه الهيئة المستقلة ونتوقع استجابة من الوزارة لهذا العرض. كما انه من الضروري ولعدد من الاختصاصات المهنية كالطب وطب الأسنان والصيدلة والهندسة والمحاسبة والمحاماة ان تكون لها هيئات مهنية مستقلة تعني بممارسة المهنة وتنظيم آلياتها، فلا يسمح للخريج بممارسة المهنة الا بعد ان يمر بامتحان تقويمي يحصل من خلاله على اعتماد شخصي.

تكنولوجيا المعلومات والاتصال وطرق التعليم عن بعد

تتزايد بمعدلات كبيرة استخدامات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مجال التعليم العالي ويتضح دورها في احداث تغيرات جذرية في الممارسات التعليمية. وفي العراق حيث يواجه التعليم العالي تحديات كبيرة لازالت هذه التكنولوجيا محدودة الانتشار حتى في ابسط استخداماتها كالبريد الالكتروني وقواعد البيانات (Databases) والشبكات الالكترونية، ولا تشكل نسبة المواد التعليمية من محاضرا ت وغيرها في مواقع التعلم الالكتروني التابعة للجامعات الا جزءً صغيراً جداً مقارنة بعدد المحاضرات الصفية. ومع هذا يبدو ان هذه الطرق بدأت بالانتشار خصوصا بعد انشاء مراكز ابن سينا للتعليم الالكتروني بالتعاون مع منظمة اليونسكو في كل من جامعات بغداد والبصرة وصلاح الدين والكوفة والانبار، والتي قدمت فرص للعراق لاحراز التقدم المطلوب ومواكبة اساليب التعليم العصرية. ويشير موقع اليونسكو- العراق الى هذا المشروع بأنه يفتح " آفاقا غير محدودة لتصميم وإنتاج مواد تعليمية على شبكة الإنترنت وضمان الجودة العالية والفعالية من حيث تكلفة التعليم. من جهة أخرى، تتميّز المواد المنتجة بمرونة عالية من حيث الإستخدام والتعديل وإعادة التوزيع، وهي تعتبر قفزة نوعية في الجامعات العراقية، ليس فقط في مجال توفير التعليم العالي للجميع، بل أيضا من حيث تطوير المناهج وتحسين جودة البرامج الأكاديمية ". وتلعب البنية التحتية الالكترونية وشبكات الاتصال المتخصصة عالية السرعة دورا رئيسيا في التعاون بين العلماء والباحثين في الجامعات على المستوى المحلي والاقليمي والعالمي، ولابد ان يكون هدف ربط الجامعات العراقية بالشبكات الوطنية العربية للجامعات العربية وبشبكة البحث والتعليم الاوربية والشبكات الدولية المتخصصة الاخرى مهمة رئيسية، وارى ان توقيع العراق على اتفاقية مع المنظمة العربية لشبكات البحث والذي تم خلال الاسبوع الماضي وفي تونس ما هو الا خطوة في الطريق الصحيح. لقد استطاع مشروع الربط الاورومتوسطي والذي يدعمه الاتحاد الاوربي تسهيل مهمة تنسيق ومواءمة البنيات التحتية للشبكات الالكترونية للتعليم العالي في الجزائر ومصر والاردن والمغرب وغيرها من الدول العربية والتي لها ارتباط مع شبكات البحث الاوربية والامريكية وتستخدم في ادراة مشاريع تطوير التعليم العالي، بما في ذلك التعليم الالكتروني وادارة المكتبة الرقمية والمساهمة في المشاريع الاوربية والاتصال بين الجامعات الوطنية وتوفير خدمات البريد الالكتروني وتوفير خدمات الاتصال المرئي (الفديو كونفرس) والنظام العالمي للمعلومات والمواقع الالكترونية. ولابد للعراق من بناء ودعم بنية تحتية الكترونية لخدمة الجامعات والتي اعتبرها اساس لسد الفجوات التكنولوجية والعلمية ولتحقيق فوائد حقيقية من التعاون المشترك بين العلماء العراقيين وبينهم وبين علماء العالم.

ان الاستثمار في مجال التعليم عن بعد لهو ضرورة للجامعات وللمجتمع ككل، لان مصير الجامعات ككيانات هائلة قد تزول في المستقبل ومثلها مثل الكتاب الورقي، فالجامعات بتنظيمها التقليدي ستتهاوى تحت وطئة تكاليفها الهائلة وزخم الطلب عليها، بالاضافة الى ان التطور الهائل والسريع لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات سيحرر التعليم من قيود المكان والزمان، ومن قيود الاحتكار. اننا نرى في وقتنا هذا تغّير احتياجات المجتمعات المختلفة وواقعها الاقتصادي والتكنولوجي مما خلق قوى سوقية قوية بداخل قطاع التعليم العالي اضعفت من هيمنة الجامعات التقليدية وبدأنا نرى ايضا تفكك وبدء اعادة هيكلة منظومة التعليم العالي الوطنية لتتخطى صناعة المعرفة والتعليم الحدود وتصبح عالمية، ولربما ستصبح الجامعات "سيرفر Server" للمعلومات توفر خدماتها بأي صورة او شكل من الاشكال المجتمعية وستتحول كثير من المختبرات الى مختبرات ظاهرية (Virtual) والكتب الى معلومات الكترونية، والتعلم من تمحوره حول الاستاذ الى تمحور حول الطالب، والطالب من متلقي للمعلومات الى باحث فاعل عنها، وستلعب الحاسبات الالكترونية المنزلية والانترنت دورا رئيسيا في التعليم. السؤال الذي يجب على صانعي القرار والجامعات التصدي له هو: هل نحن مستعدين لمواجه هذا التحدي؟ او اننا سننتظر ما يذره علينا العالم الغربي من فتات محاولين تقليده والسير على خطاه.

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter