|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأثنين 24/9/ 2012                                  د. مؤيد عبد الستار                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

أدب الكدية  و بخل الحكومة والحكام  

د. مؤيد عبد الستار

بين يوم وآخر نقرأ او نسمع عن شاعر او أديب او فنان يصبح  ضحية  المرض او الفاقة  فيتطلع الى معونة حكومة بلاده ولكن دون جدوى ، فالاسماع لا تستجيب لمن يقرع اجراس الحاجة والعوز ، وانما تطرب لرنين الذهب والفضة التي تتساقط كالثمار اليانعة من بساتين نفط البصرة وكركوك والعمارة وواسط وغيرها .

الامر المؤكد  ان الحل لا يكمن  برعاية من هذا الحاكم او ذاك الوزير ، وانما الحل الامثل يكمن في تشريع قوانين تسمح للعراقيين سواء في الداخل او الخارج ممن قدموا خدمات متميزة لوطنهم  ان يحصلوا على  العلاج او ما يقيم اودهم بكرامة ، لا بالكدية والتسول .

إن أدب الكدية باب  يتسلى فيه القراء رغم معاناة  الشعراء والكتاب والفنانين من مصائب اجبرتهم على التسول  من امير او الوقوف على باب  حاكم او سلطان كي يمنّ عليهم بخلعة او صلة او جائزة تسد رمقهم او تقيم اودهم او تنقذهم من فاقة المّت بهم.

 اشتهر العديد من  الكتاب و الشعراء في هذا المجال الخصب والكوميدي احيانا، حتى اصبحوا من اعلامه منهم :

 ابو دلف الخزرجي وابو العيناء وابن سكرة الهاشمي وابو المخفف .

مقامات الكدية

يحفل الادب العباسي بامثلة كثيرة لاعلام الكدية ، واشتهرت المقامات بعرض فنون وطرق المكدين الذين استخدموا شتى الحيل لنيل مبتغاهم ، ولا يستطيع قارئ او متذوق للادب تجاوز مقامات الهمداني وحلاوة المقالب التي صورها في مقاماته عن الكدية وابطالها ، كما ابدع الحريري في مقاماته  في هذا الباب ايضا ، ومن الجدير بالذكر ان الكدية في العصر العباسي اصبحت ظاهرة بارزة ولكنها انقسمت الى نوعين ، الكدية العربية والكدية الاعجمية ، فالمكدي العربي يعتمد في تسوله الفصاحة والبلاغة لينال من الامير او الحاكم مبتغاه من مال و صلات و جواري ، والمكدي الاعجمي يلجأ الى الحيلة اللطيفة من خفة حركة وسحر وغناء وانشاد وصنعة كي ينال مبتغاه ، حتى كلمة الكدية يردها البعض لاصول اعجمية .

في خضم تشرد العراقيين في اصقاع الدنيا، لجأ بعضهم الى ادب الكدية  عسى ان ينالوا مبتغاهم ، فعرفوا  بكتبهم وموسوعاتهم  واعمالهم الادبية كي تكون شفيعة لهم  في نيل صلة او جائزة او هدية  ، ولكنهم نسوا  امرا هاما هو  ان الذين  يطلبون  منهم الاحسان لا شغل لهم بالبحث والتأليف ، وانما هم منشغلون بالمال واشياء اخرى لا يعلمها الا الله والراسخون في العلم  ، وليست لهم فسحة من  الوقت يطلعوا فيها  على ما يكتب  ابناء الوطن في  الداخل  او في المنفى من علوم وادب .

 ان العلم والادب  يا سيداتي وسادتي  لا يساوي بعرة عنز في عرف من يتعبد لشيطان المال ليل نهار .

لذلك فان طلبات  فرسان الكدية  سوف تحفظ على  الرفوف العالية  ما دام  فرسان المال والجاه والسلطان  اصبحوا من اعلام الجاحظ في البخل ، فها نحن نسمع باستمرار ان الفنان الفلاني او الاديب الفلاني بحاجة الى علاج  ودواء ويرجو من معالي الوزير او الامير ان يمن عليه – بحفنة من الدولارات – ليتطبب بها  في الخارج او الداخل ، فالامر سيان لان تكاليف العلاج حتى في قرية عفك اصبحت فوق طاقة الادباء والفنانين والصحفيين والعلماء والرياضيين ... ، ولكن مع ذلك لا نسمع من يلبي النداء حتى ان أحد كبار الفنانين ظهر على الشاشة الفضية وقال بصريح العبارة انه تلقى وعدا  في مساعدة مالية من مسؤول كبير  ولكن سكرتير المسؤول  يتهرب من الوفاء بالوعد ، فضاعت المعونة بين المسؤول والسكرتير  كما ضاع كأس ابي نؤاس في حضرة الرشيد وخالصة ،  إذ قال بعد ان هدده الرشيد في البحث عن كاسه التي اخفتها خالصة في حجرها :


قصتي أغرب قصة             صارت الظبية لصة
سرقت كأس مدامي             وامتصاصي منه مصة
خبأته في مكان                  في فؤادي منه غصة
لا اسميه وقارا                   للخليفة فيه حصة

اقتصاد الكدية

هنا  لابد من ذكر اطرف ما نقله الثعالبي في كتابه التمثيل والمحاضرة  من اقوال عن الكدية  فبزّ  ادم سميث في الاقتصاد  في مقولة   :  الكدية ربح بلا راسمال 

اتمنى للمرضى الشفاء العاجل،  وان لم تسعفهم  معونة الوزارة او السفارة عليهم  بجرعة من دواء العم سام او دواء ابو ناجي المجرب ، وحذارِ ان يكون ماركة جوني ووكر لان فيه اثم الدنيا الفانية ، ولنا  بقول الشاعر تذكرة حين قال  :

ما أجمل الدين والدنيا اذا اجتمعا               وما اقبح الكفر والافلاس في الرجل

 

 

 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter