|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  6  / 4 / 2018                                 محمد علي العامري                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

أبنــاء الآلهــــة

محمد علي العامري
(موقع الناس)

إبتلى العالم الإسلامي برجال الدين ووعاظ السلاطين وفقهائهم ، من الذين يتكلمون بإسم الله الذي تجسد فيهم لينطقوا بلسانه .. هم وليس سواهم من يعلم ما يفكر به الله ، وما ينوي ، وما يبطن من شؤون وأعمال النفس البشرية المسلمة ، فتراهم يتدخلون بكل صغيرة وكبيرة بأدق خصوصيات الإنسان المسلم ، من الملبس والمأكل ، والقيام والجلوس ، ودخول الحمام والخروج منه ، ويتدخلون حتى في شؤون العائلة بمواعظهم وخطبهم التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، سوى الضجيج والهذيان المكرر وخلق المشاكل داخل المجتمعات منذ مئات القرون .

هؤلاء هم أبناء الآلهة الذين لبسوا الكهنوت المقدس ، ورسموا على وجوههم هالة نورانية ربانية عن طريق فلسفة الملابس واللحى ، وطريقة وضع المحابس في أصابع اليد لتتناسب مع حركاتهم أثناء مشيتهم ذات التواضع المصطنع ، وأسلوبهم المسرحي أثناء حديثهم الذي يوحي للمستمع والمشاهد المسكين بأن الله هو الذي يتكلم من كُثْرة الآيات القرآنية المنتقاه التي تتخللها عدة بسملات وحوقلات ، وتعويذات من شرور الشياطين والأبالسة . وكما قال الدكتور علي الوردي في كتابه القيم وعاظ السلاطين : إنها مهنة سهلة على أي حال ، فهي لا تحتاج إلاّ إلى حفظ بعض الآيات القرآنية والأحاديث ثم إرتداء الألبسة الفضفاضة التي تملأ النظر وتخلبه ، ويستحسن في الواعظ أن يكون ذا لحية كبيرة كثة وعمامة قوراء .

أبناء الآلهة ، لا يمسّهم القانون لا من قريب ولا من بعيد ، ولا يحق لأيِ كائن أن يسائلهم ، مهما فسدوا ، ومهما إرتكبوا من فواحش ضد الإنسانية . تراهم دائماً يتظاهرون أمام الناس بالتعبد والخشوع الى الله ، والخشية من الله حد البكاء والإغماء ، معترفين بذنوبهم ، ومعلنين توبتهم ، وبعدها يعملون ما يشاءون وينهبون ما يشاءون ، لأن الناس أصبحوا لا يبالون عندما ينهب أبناء الآلهة أموالهم ويتجاوزون على حقوقهم مادام يغمى عليهم من خشية الله . تراهم يعبدون الله وينهبون عباد الله .

أبناء الآلهة ، وبسبب أطماعهم في كسب ألمغانم ، قد إحتكروا تفسيرات الآيات القرآنية ، وأختلفوا فيما بينهم حول هذه التفسيرات والتأويلات . هذا الأختلاف ساعد على تفتيت وتفكيك المجتمعات الإسلامية الى مذاهب ومِلل ونِحل وفُرَقْ متناحرة متقاتلة ، تكره بعضها البعض ، دون أن تعي هذه المجتمعات بأن هناك خديعة كبرى قد إنطلت عليها في غفلة من الزمن ، وتغلغلت وإستفحلت فيها ، وتعقدت بالشكل الذي نراه اليوم من الحال المزري والتخلف الى مستويات مخيفة في مجالات التحضر والتمدن والرقي والتطور في العلوم الطبيعية والتكنولوجيا ، والإكتشافات والإختراعات التي تتمتع بها الشعوب المتقدمة الأخرى .

أبناء الآلهة ، قد خدعوا المسلمين عندما فضّلوا العلوم الشرعية على العلوم الطبيعية ، وقالوا لهم : أن العلوم الشرعية تزيد إيمانكم وتقربكم من الله ، وتنقذكم من عذاب الآخرة ، وتوصلكم الى جنات الخلد { وللآخرة خير لك من الأولى } سورة الضحى ، أما العلوم الطبيعية قد تبعدكم عن الله وتؤدي بكم الى الكفر ، وتوصلكم الى جهنم وبئس المصير { فاليُقاتل في سبيل الله الذين يشْرَوْن الحياة الدنيا بالآخرة } سورة النساء .. لكننا نرى الحكام والأغنياء والمترفين يغدقون الأموال والهبات لأبناء الآلهة الواعظين المؤمنين ما يجعلهم مترفين مثلهم ، سعداء في الدنيا ويتمتعون بكل ملذاتها ، لكنهم حرّموها على بسطاء الناس ، وهذه هي الخديعة الكبرى .



26 آذار 2018























 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter