|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  24  / 1 / 2018                                 محمد علي العامري                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

لماذا ينتخب العراقييون من يسرقهم

محمد علي العامري
(موقع الناس)

في البلدان الديمقراطية العريقة ذات المجتمعات المتحضرة ، عالية الوعي والثقافة ، تجد الفرد عندهم يبحث عن أفضل البرامج الوطنية على الصعيد السياسي والإقتصادي والإجتماعي التي يطرحها ويتبناها هذا الحزب أو ذاك، ليتسنى له معرفة لمن يصوت وينتخب ، وأن لا يذهب صوته بدون مقابل من الإنجازات وتحقيق الطموحات ، بحيث يتلمس المواطن أن مطالبه قد تُرجمت كإنجازات على الأرض .

فالناخبون هناك لا يفكرون بدينهم ولا بمذهبهم عندما ييذهبون الى صناديق الإقتراع أثناء الإنتخابات ، فهم يصوتون بوعي وبإرادة ثابتة لكل من يحقق لهم طموحاتهم بحياة أفضل تكون على الأقل بمستوى ما يتمتع به غيرهم من إمتيازات في البلدان المتقدمة عليهم .

أما عندنا في العراق فالديمقراطية وتداعياتها حديثة العهد ، ونزلت على العراقيين بشكل مفاجئ دون مقدمات ، ولم تسبقها دراسات إحصائية علمية للمجتمع العراقي ، ولا حملة توعية لتهيأة المجتمع للتعامل والتفاعل مع الديمقراطية الجديدة بالشكل الصحيح . بل رأينا العكس تماماً ، فبدلاً من الأخذ بيد الإنسان العراقي وإنتشاله من وحل التخلف والأمية التي أنتجتها حروب البعث العبثية، وزادتها جهالة وتدميراً حملة صدام حسين الإيمانية سيئة الصيت ، جاءت الأحزاب الإسلامية لتزيد الطين بلّة ، فقد جاءت هذه الأحزاب بمشروعها الخطير الذي أعاد علينا إنتاج التخلف وكرس الجهل عن طريق دغدغة مشاعر الناس مذهبياً وطائفياً وحتى عشائرياً بل ومناطقياً ، وساهم بتغليف العقول بغشاوة المقدس وعمي البصيرة ، فضاعت البوصلة وأصبح المجتمع تائهاً حائراً ومغلوباً على أمره .

عام 2006 طرحت الأحزاب الإسلامية الشيعية منها والسنية شعاراً فضفاضاً " المذهب في خطر " كإنما هناك إتفاق غير مكتوب بين هذه الأحزاب الإسلامية لتقسيم المجتمع العراقي الى مكوّن شيعي ومكوّن سني ، وكل كتلة تأخذ مكوّنها لتتلاعب بمقدراته كيفما تشاء ، وقد نجحت بذلك نجاحاً كبيراً ، وإستلمت السلطة وثبتت أقدامها ، وتقاسمت هذه الأحزاب خيرات العراق فيما بينها ، وبفضلها أصبح الشيعي والسني خارج التغطية لا ناقة له فيها ولا جمل . ولكننا رأينا كيف أعاد العراقيون لثلاث دورات إنتخابية نفس الأحزاب ونفس الوجوه التي ذاقوا الأمرّين منها ، والسبب هو أن " المذهب في خطر " .

هذه الأيام وعند إقتراب موعد الإنتخابات ، إنتبهت هذه الأحزاب الإسلامية وتذكّرت شعارها الأول " المذهب في خطر " هذا الشعار السحري الذي مازال يلهم المشاعر ويدغدغ العواطف ويشعل الروح الطائفية والتعصب الطائفي ، ليذهب الشيعي والسني ويصوت وينتخب نفس الأحزاب التي لدغته من الجحر نفسه ثلاث مرات وسيلدغ للمرة الرابعة أو الخامسة . ورأينا كيف تورمت جلود الشيعة والسنة من اللدغات لأن " المذهب في خطر " .

لذلك إنقسم المجتمع الى سني وشيعي ، وكل طرف مازال يعشعش الذعر في دماغه من الطرف الآخر بسبب الخطاب المسموم للإسلام السياسي ووعّاظه المستفيدين الذين صدعوا رؤسنا بمواعظهم وخطبهم التي لا تسمن ولا تغني عن جوع ، بل تبشر بتمزيق النسيج الإجتماعي وبث روح الكراهية وزرع الفتنة الطائفية بين أبناء المحتمع العراقي . لقد زرعوا الخوف والذعر بين أبناء العراق من السنة والشيعة من أجل مشروعهم التدميري الذي لا نستطيع أن نبعده عن الأجندة الأمريكية والبريطانية .

ولهذا نرى غالبية الناخبين العراقيين يذهبون الى صناديق الإقتراع وهم ضعيفي القناعة والوعي ومسلوبي الإرادة لمن ينتخبون ، فهم ينتخبون المذهب المتمثل بالحزب حامل الراية التي ( إن سقطت سقط المذهب ) كما قالها خطيب حزب الدعوة الشيخ عامر الكفيشي على فضائتهم آفاق .

ولم يعر هؤلاء الناخبون أي إهتمام بالأشخاص الذين يصوتون لهم سواء إن كانوا فاسدين أو نزيهين ، المهم هم قد إقتنعوا بأن مصيرهم ومصير مذهبهم قد إرتبط بوجود هذه الأحزاب ، ولا خيار أمامهم سوى إعادة إنتخابهم .

ويمكننا القول أن الناخبين العراقيون مثل مشجعي كرة القدم ، لا يريدون ولا يطمحون بشيء سوى التهليل لفريقهم من أجل أن يفوز ، وبعد إنتهاء اللعبة يعودون الى بيوتهم " بخفّ حنين " صفر اليدين
 

21 كانون الثاني 2018
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter