|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  30  / 4 / 2017                                 لطيف نعمان سياوش                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

قطعوا لسانه لأنه قال نحب السلام !!

لطيف نعمان سياوش
(موقع الناس)

في رحلة ملؤها الوجع ، وفي طريق شائك حلق خالد أحمد مصطفى في سماء عنكاوا بجناحين ، أحدهما النص المسرحي الذي أعده وأخرجه للأب الراحل العلامه د. يوسف حبي ، وآخر لفريق العمل المكوّن من أربع ممثلات وثلاث ممثلين ..

فرقة مسرحية قدمت من بغداد تحمل على رأسها حب العراق وجرح الوطن ، وحقائبها تحتوي على أوراق وأفكار لتخوض (رحلة في الاعماق)..

أعماق النفس البشريه منذ أعياد ديموزي وعشتار من زمن سومر وبابل وآشور ولغاية الساعه ..
رحلة في سماء وادي الرافدين ، ومن رحم تاريخها الخصب والى يومنا هذا الحافل بكل انواع الوجع الممرغ بالدم ورائحة البارود ..

 * * *
تتنافس مشاهد العرض المسرحي مرارتها ، لكن بعضها لم يكن يخلو من المفارقه التي جعلتنا نضحك من شر البلية فعلا على ذلك البرلماني التافه الذي يخطب وهو يعجز أن يلفظ كلمات (العولمه - التقشف - الطحين) وغيرها ، وفي الطرف الاخر البرلماني الذي لا يستطيع نطق كلمة (الشفافيه) .. وهذه اشارة واضحه لوجود نماذج عديده في البرلمان العراقي التي لايعوّل عليها ، وتحوم حولها الشبهات ..

* * * *
أما ابراهيم الحي الميت الذي يأس من الحياة الدنيا لما آل اليه وضعه وهو يقول :-
لم أعد أطيق ما يحدث في هذا العالم ..
ثم ينقلنا المعد المخرج بطل العرض المسرحي خالد احمد مصطفى في ليلة العيد الى الكراده في بغداد ، وهو يحتضن ابنه فادي ذي العشر سنوات بفرح كبير .. فأذا به يفقده على حين غره كالحلم اثر تفجير قوي ..

يبحث عنه بين الناس والماره المرتبكين دون جدوى .. يصرخ بأعلى صوته ، ويملأ الدنيا بكاءا وتساؤلات غزيرة :-
أين أنت يا ولدي ؟..أين أنت يا فادي ؟.. من منكم رأى فادي ؟.. من منكم شاهده ؟..
لم يفوّت المخرج المعد الممثل فرصة الا وأصطادها وفاز بها وامسك بتلابيبها .. هاهو الآن يتخيّل بأنه يلاعب فادي في البيت بعد أن أضاعه ، ثم يعتلي فادي تارة ظهر ابيه ، واخرى رقبته ، وثالثه يحتضنه .. حالة تراجيديه فعلا تجسد هستيريا الاب الذي يفقد فلذة كبده ..

* * * *
لم ينس المعد أن يعرّج على ما تعرض له المكوّن المسيحي وغيره من ظلم التهجير القسري ، والنزوح الاجباري ، عندما يلتقي ابراهيم بتلك السيده المهّجره من نينوى التي تخبره :-
السيده : صدر مرسوم بألغاء مدينتنا من خارطة الكون !!
ابراهيم :مرسوم يمحوا المدينة .. يمحوا التاريخ .. لماذا ؟..
السيده : لأن الحب قد مات فيها ..
ابراهيم : عن أية مدينة تتحدثين ؟
السيده : عن موطن أجدادي .. لقد اقتّصوا جذورك ، وما عاد لك قلب ايها الانسان !..وأنت يا سومر يا أعظم بلد ما معنى أن أكون حيا ؟.. وما نفع الوجود ؟..
الجميع : آه يا نينوى الحزينة ..
ويختتم ابراهيم المشهد وهو يندب حظه لأنه خسر عياله ، وماله ، وبيته ، ومدينته ، وكتبوا على باب وحائط بيته (ن) ..

* * * *
ثم يحلّق بنا المخرج الى فانتازيا اخرى ، الى الاهوار ، ودجلة ، والفرات ، وبين النجوم والاقمار والشموس ، وأطياب أشجار النخيل وثمارها في بلاد سومر واور ..

* * * *
لعل أكثر المشاهد إثارة وألما ذلك الذي يصطحب رجلا صاحبه الذي ما عاد يطيق الكلام ، وعندما يصادفه ابراهيم يسأله :-
ابراهيم : ما خطب صاحبك ؟..
الرجل : لقد قطعوا لسانه !
ابراهيم : قطعوا لسانه ؟.. لماذا ؟..
الرجل : لأنه قال نحن نحب السلام !!
هذا المشهد كان كافيا ليوضح مقدار الظلم الذي تعرض له ابناء شعبنا وبعض المكونات الاخرى ..

* * * *
انطلق المعد الفنان الدكتور خالد أحمد مصطفى من نظرية موت أو غياب المؤلف (في الادب) في تعامله مع النص الذي شاهدناه اليوم 29/4/2017، وتمكن بذلك من توظيف العامل الزمكاني بنجاح ، وأفلح في عصرنة الحدث ، وربط التاريخ بالحاضر ، لاسيما عندما أدار وجهه الى تفجير الكراده ، والتهجير القسري لأبنا نينوى ، وهمجية الدواعش ووحشيتهم في التعامل مع الانسان ..كيف لا وان المعد له باع وارث جيد في المجال الثقافي والفني يؤهله بأن يخوض غمار هكذا تجربه بنجاح مضطرد ..

* * * *
ليت المخرج أسند دور البطوله (شخصية ابراهيم) لممثل آخر بدلا من أن يؤدي الدور بنفسه ليتسنى له التركيز بشكل أفضل على أداء الممثلين والممثلات ..
قد يكون انصراف المخرج لتمثيل دور البطوله قد فوّت عليه اصطياد العديد من الهفوات عند الممثلين والممثلات ...

* * * *
برغم النجاح الكبير الذي حققه العرض المسرحي لكن للاسف الشديد فأن الجمهور كان يجب أن يكون أكبر بكثير .. لقد كان عرضا مسرحيا وليس أوبريت كما أصرّ البعض على وصفه كذلك .. لو قورن يوم العرض بيوم الافتتاح الذي كانت القاعه فيه مكتظه بالمشاهدين عن آخرها ، وكان حرّي بالاخوة منسقي فقرات مؤتمر كلية بابل للاهوت والفلسفه في يوبيلها الفضي أن يضعوا فقرة العرض المسرحي في مقدمة برنامجهم بدلا من جعلها مسك الختام ..

اضافة لما ورد فأن الدعايه لهذا العرض لم تكن بالمستوى المطلوب حيث غاب مثقفوا عنكاوا والمثقفين المهّجرين وهم كثر لعدم معرفتهم بمكان وزمان العرض ..

قبل أن أختم لابد من ذكر أن هذه الفرقه المسرحيه جاءت من بغداد ، وقدمت عرضها مجانا ، وكانت الدعوة عامة للجميع ..
لقد اعجبت كثيرا وتشرفت في تعرفي على فريق العمل لاسيما الفنان الرائع الدكتور خالد احمد مصطفى لما يحمل من تواضع ، وبساطه ، ودماثة خلق ..

انتهى العرض ولكن ستبقى صوره تتراقص امام الاعين ، وحواراته ترن في الآذان ..
نعم سيظل صدى الكلمات التاليه :- (إننا نقرأ التاريخ ، وهم يستقرؤون التاريخ) وغيرها الكثير يرّن في اذهاننا ..
كلت سواعدنا من التصفيق الحاد الذي جاء اعجابا بما شاهدناه وتمتعنا به خلال ساعة كاملة من الوقت دون ان نشعر بلحظة من الملل ..
تحية لكم لقد امتعتمونا .. رافقتكم السلامه ..

 



 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter