|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  13  / 12 / 2017                                 لطيف نعمان سياوش                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

تهجير ثلاثي مزدوج

لطيف نعمان سياوش
(موقع الناس)

حكاية لا تصدق
هي ليست حكاية من حكايات الف ليلة وليلة، ولا أسطورة من اساطير تراجيديات سوفوكليس ويوربيدس وأسخيلوس ، ولا من حكايات هولاكو وجنكيزخان والسلطان العثماني ، ولا من نكبات الارمن والاشوريين بين الاعوام 1915-1920 .. انها حكاية حقيقية غارقة في الوجع لعائلة عراقية يتقاذفها الظلم من مدينة الى اخرى ليس لسبب الا لأنها كلدو آشورية ..

جلس القرفصاء ، قطب حاجبيه ، ونفث دخان سيكارته في الفضاء .
قال بألم :
لن أغوص في التفاصيل لأن ذلك يتطلب وقتا طويلا .. عليه سألخص لكم قصتني ..

منذ ستينات القرن الماضي اسكن وعائلتي في بغداد / منطقة الدورة – حي الآثوريين .. بعد تخرجي من الجامعه تم تعييني في وزارة الزراعه .. تزوجت وأستقريت ..كانت حياتنا حلوة .. رزقنا الله ثلاث بنات . شميران - نهرين - نوهدرا..

كانت منطقتنا تعج بالعوائل الاشورية .. لكن بعد السقوط تغيّرت كثير من الامور ، وتفشت الفوضى ، وغاب النظام ، وبدأت العديد من العوائل بالهجرة لتحل محلها عوائل غريبه ، بعضها جاءت من خارج المحافظه ..

أما نحن كنا مصرين أن نبقى مع كثير من العوائل برغم كل شيء ..عام 2005 في احدى الصباحات الشتويه تفاجأنا بوجود رسالة تهديد مرمية في حوش الدار تحتوي على اطلاقة مع ورقة مكتوبة بخط رديئ وعبارات مليئة بالاخطاء الاملائيه مفادها (اما أن نتصل بالرقم الفلاني لنسلمهم مبلغ 9000 دولار غدا ، أو مغادرة المنطقه خلال مدة أقصاها اسبوع .. بخلافه يختطفون بناتي الثلاث) !!

في بحر 10 ساعات أكملنا استعداداتنا لمغادرة الدار مع أول خيوط الظلام تاركين وراءنا كل شيء . البيت - الاثاث - الجيران - الاصدقاء .. حتى اننا لم نخبر احدا بالرحيل ، وأكتفينا بأخذ الحقائب والوثائق واجهزة الحاسوب وارشيف العائلة ، وبعض الخردوات الاخرى ..

كانت قبلتنا مدينة الموصل (مسقط رأسي) ..
وصلنا الموصل ، وكان اخي في استقبالنا .. وبعد ان بقينا عندهم مدة اسبوع وجدنا بيتا صغيرا مناسبا بالقرب من بيت اخي .. وفي فترة قياسية تمكنت من تأثيث الدار ، وأستقرينا تماما ..

في احد ايام ايلول من عام 2010 بينما كنا على مائدة الغداء ، وردتني مكالمة هاتفية من شخص غريب لا اعرفه كان يتكلم بأسلوب غير مهذب ، ويخيّرني بين (أن أترك المدينه خلال ثلاثة ايام ، أو أعرض نفسي وعائلتي لخطر الموت) !!

رزمنا أمتعتنا ، وشدينا الرحال في اليوم التالي من التهديد متجهين الى سهل نينوى ، تحديدا الى قضاء الحمدانية ..

تمكنت هناك من شراء هيكل قديم لدار صغيرة لم يكتمل بناؤها.. بذلت كل جهدي وما بقي عندي من مال الى أن أكملت بناء الدار ، كانت المحلة جميعها والجيران من ابناء شعبنا تدعو الى الاطمئنان والامان .. استقرينا هناك بضع سنوات الى أن أوشك الدواعش دخول المدينه في آب 2014..

أضطررت أن أهاجر نازحا مع عائلتي لنشارك جميع العوائل الاخرى محنة ترك الديار ، لكن عائلتي تختلف عنهم لأنها الوحيدة التي اجبرت على الهجرة لثلاث مرات ، وأتجهنا صوب دهوك ، وهناك ....

قبل أن يكمل حديثه سأله أحد الذين كان يصغي اليه بأهتمام كبير : هل لديك أقرباء خارج العراق ؟..
قال : كثر ..

أستغرب الجميع ، وسأله احد الذين كان يصغي اليه بأهتمام كبير : ما الذي يبقيك هنا يا أخي ما دام هذا حالك وحال عائلتك ؟ ولطالما أقرباؤك خارج العراق ..

صمت طويلا ، واخرج من علبته سيكارة اخرى ، واشعلها وقال بحسرة : لقد بلغ رصيد عائلتي من التهّجير ثلاث ، ولكن مع هذا وذاك بيني وبين الوطن حبل سري أرفض أن أنفصل منه ويأبى أن ينفصل مني ..


عنكاوا

 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter