|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  22 / 1 / 2019                                                      د. لطفي حاتم                                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

 الرأسمالية المعولمة وبنيتها الايديولوجية

د. لطفي حاتم
(موقع الناس)
  

ــ يتسم الطور المعاصر من الرأسمالية المعولمة بكثرة تناقضاته المرتكزة على تفاوت تطور تشكيلته الاجتماعية العالمية وما ينتجه من حالات عدم اليقين بمستقبل العلاقات الدولية المبنية على احترام السيادة الوطنية والأمن والسلام الدوليين .
ــ يتجلى عدم اليقين في تباين وتطور النزاعات السياسية ــ الأيديولوجية بين مستويات التشكيلة الرأسمالية المتصادمة مع روح الهيمنة التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية والهادفة الى السيطرة الدولية على الدول الاخرى .
ــ استنادا الى تباين مستويات التشكيلة الرأسمالية العالمية تطفو تناقضات حادة بينها انطلاقا من مواقعها في التشكيلة الرأسمالية العالمية حيث يتبدى ذلك التفاوت بأردية كسموبولوتية وقومية وأخرى وطنية .
ــ انطلاقا من اختلاف تطور مستويات التشكيلة الرأسمالية العالمية نحاول رصد أبنيتها الأيديولوجية عبر الملفات التالية :
 
أولا ـ الدول الرأسمالية الكبرى وأيديولوجيتها الكسموبوليتية .
ثانياــ ـ الدول الرأسمالية المتطورة ونزعتها القومية.
ثالثا ـ الدول الوطنية ومنظومتها السياسية .

على اساس تلك العدة المنهجية نحاول تناول الملفات المعتمدة بكثافة شديدة .

أولا ــ العلاقات الدولية والأيديولوجية الكسموبوليتية ـ
تتطور العولمة الرأسمالية العالمية في اطار ميولها البنيوية المتناقضة التي تهدد سلام العالم والأمن الدوليين وتتبدى تلك الميول بصيغ مختلفة نجهد في تناولها عبر العناوين التالية :

العنوان الاول ـ ميول التبعية والتهميش
تهدف ميول التبعية والتهميش التي تحملها الكسموبولتية الأمريكية الى اضعاف مبدأ السيادة الوطنية وإفراغه من محتواه الفعلي الضامن لتطور التشكيلات الاجتماعية الوطنية. وبهذا المنحى تسعى الدول الكسموبوليتية الى بناء علاقات دولية متعددة الجوانب مع الدول الرأسمالية المتطورة والدول الوطنية على قاعدة التبعية والتهميش .

العنوان الثاني - فرض العقوبات الاقتصادية
فرض العقوبات المختلفة على الدول الوطنية بعيدا عن الشرعية الدولية بهدف تفتيت تشكيلاتها الاجتماعية ــ الطبقية وما يتضمنه ذلك من اضعاف الطبقات الاجتماعية الرافضة للوصاية الدولية .

العنوان الثالث - اقامة التحالفات العسكرية
اقامة التحالفات العسكرية مع الدول التابعة لها فضلا عن إبرام اتفاقات عسكرية مع الدول الديكتاتورية لغرض اقامة قواعد عسكرية فيها هادفة الى حمايتها من التغيرات السياسية الداخلية.

العنوان الرابع - تعميم قوانين الدول الكسموبوليتية الداخلية على دول العالم داعية الى تنفيذها في السياسية الدولية .

العنوان الخامس - مساندة الانقلابات العسكرية على الانظمة الوطنية الشرعية والتدخل في الشؤون الداخلية.

العنوان السادس - التدخل عسكريا في النزعات الداخلية وتعريض وحدة البلدان الوطنية الى خطر التمزق والحروب الاهلية.

العنوان السابع - مساندة الأحزاب اليمنية المتطرفة والانفصالية ودعمها على الساحتين الوطنية والدولية .

ثانيا - أ ـ الدول الرأسمالية المتطورة وروحها القومية .
تتميز دول المستوى الثاني من التشكيلة العالمية الرأسمالية بقوة احتكاراتها الوطنية وتحالفاتها الدولية ولكنها لم تصل الى المرحلة الكسموبولتية لأسباب تاريخية تشترطها توافق طبقات التشكيلة الاجتماعية الوطنية وبهذا الاطار نشير الى ان دول النزعة القومية ترتكز على منظومة سياسية تتسم بــ :
أ ـ سيادة التعارضات الطبقية في تشكيلتها الاجتماعية واعتمادها الشرعية الديمقراطية الانتخابية اساسا لحل تناقضاتها الاجتماعية .
ب - سيادة الروح التضامنية بين طبقات تشكيلتها الاجتماعية اعتمادا على نزعة التعارض والتضامن الاجتماعي .
ج - مناهضة النزعات الكسموبولتية التي تحملها الرأسمالية الامريكية والتركيز على النزعتين الوطنية والقومية.
د - اقامة اشكال اتحادية اقتصادية ـ سياسية بين دولها لغرض صيانة وتطور نهوجها الاقتصادية والسياسية على الساحة الدولية .

ثانيا - ب - دول (الاشتراكية) والنزعة الوطنية .
تسعى الكثير من دول العالم الاشتراكي السابق وفي مقدمتها روسيا الاتحادية الى تطوير الروح الوطنية لبناء سياج فكريـ سياسي تتمترس وراءه الدولة القومية لغرض الدفاع عن مصالح تشكيلتها الوطنية ضد الهيمنة الامريكية في العلاقات الدولية وبهذا الاطار يمكن تأشير سمات الوطنية الروسية بالركائز الآتية :
أولا - قيادة الدولة لأهم القطاعات الاقتصادية الوطنية بهدف صيانة ملكيتها الجماعية .
ثانيا - شد الروح الروسية الوطنية ـ القومية المناهضة للتدخلات الدولية عبر استنهاض تاريخها المناهض للغزوات الخارجية .
ثالثا - العمل على جر الكنيسة الأرثوذوكسية الى الصف الوطني وجعلها اداة من أدوات النزعة الوطنية.

ان عتلات الروح الوطنية ـ القومية الروسية تساهم في الظروف الراهنة بتطوير الدولة الروسية على قاعدة التضامن الاجتماعي المبني على السيادة الوطنية ومحاربة الروح الكسموبولتية للسياسة الامريكية .

ثالثا ـ الدولة الوطنية ومنظومتها السياسية .
ــ الدول الوطنية وخصائصها الفعلية
نشأت الدول الوطنية في المرحلة الثانية من التوسع الرأسمالي بمساعدة خارجية من الدوال الكولونيالية حيث امتاز بناؤها السياسي بسمات اساسية عامة يمكن تحديدها بـ ـ
ــ شروع الدول الاستعمارية بناء دول وطنية متفاوتة التطور ترتكز على تشكيلات اجتماعية طبقية جنينية جرى تطويرها لاحقا ارتباطا بتغلغل الرأسمال الامبريالي في مرحلته الكولونيالية .
ــ ادى نشوء وتطور طبقات اجتماعية مختلفة منها الطبقة البرجوازية الوطنية بفصائلها التجارية والصناعية ، والزراعية وتحالف بعض اقسامها مع الرأسمال الخارجي الى تبني شعار (الشرعية الانتخابية) ، وما نتج عن ذلك من تنامي حركات سياسية شعبية تعددت اشكال كفاحها الوطني تبعا لتطور قواها الاجتماعية وبنيتها الايديولوجية .
ــ افضى الاختلال الفاضح في مستويات الامن الاجتماعي ـ السياسي للدول الوطنية وتشكيلاتها الاجتماعية وضعف التيارات الليبرالية المعبرة عن مصالح الطبقة البرجوازية الى نهوض متواصل لحركات شعبية يسارية ديمقراطية معتمدة على (الشرعية الانتخابية) والوسائل الكفاحية الاخرى للوصول الى السلطة السياسية.
ــ وجود مؤسسات عسكرية قوية في بنية الدول الانضباطية شكلت عوامل مساهمة في شد دولها الوطنية رغم طابعها الاستبدادي وترابط مؤسساتها العسكرية مع جيوش الدول الكولونيالية .
ــ رسخ العديد من الدول الوطنية بعد انهيار الكتلة الاشتراكية انظمة سياسية ديمقراطية ترتكز على التفاهمات الطبقية وتشكل تجربة بعض دول امريكا اللاتينية تأكيدا فكريا للموضوعة المثارة رغم التدخلات الخارجية الأمريكية لإبقائها حديقة خلفية خدمة لمصالح شركاتها الاحتكارية.
ــ شكلت الايديولوجيا الوطنية الديمقراطية الناتجة عن تغيرات التشكيلات الاجتماعية الوطنية حاضنة فكرية لنشاط الحركات الديمقراطية بدلا من حاضنتها الفكرية السابقة المستمدة من تجربة الدول الاشتراكية ووجودها الفعلي.

الايدلوجية الوطنية وسماتها العامة
أدى انهيار المنظومة الاشتراكية وسيادة وحدانية خيار التطور الرأسمالي الى فتح الطريق امام فكر الوطنية الديمقراطية المتضمن بناء انظمة وطنية ـ ديمقراطية جديدة على قاعدة التفاهمات الطبقية والديمقراطية السياسية ورغم عدم تبلور البرنامج الفكري للأيدلوجية الوطنية إلا انني أجده في الموضوعات التالية :
أ ـ مناهضة الالحاق والتهميش
تحتل وحدة القوى الوطنية الديمقراطية موقعا مهما في النهوج السياسية الساعية الى مناهضة الالحاق والتهميش بما يعنيه ذلك من توفير مستلزمات نهوض الطبقات الاجتماعية المنتجة للقيام بدورها التاريخي خاصة بعد تحالف شرائح البرجوازية الطفيلية والكمبورادورية التجارية مع برجوازية الشركات الدولية المعولمة .

ب - صيانة مواقع الطبقات المنتجة
تجهد القوى الوطنية الديمقراطية بتحديد الآليات القادرة على دفع التطور نحو صيانة المصالح الاساسية للطبقات الوطنية المنتجة والتحالف بينها في الظروف التاريخية الملائمة ، والعمل على حل التناقضات الوطنية والطبقية بطرق سلمية.

ج ـ تحجيم وكالة الطبقات الهامشية
تشترط التغيرات الدولية بناء حركة اجتماعية واسعة مناهضة للفساد والتدخلات الدولية وذلك لمنع القوى الخارجية من التدخل لصالح الطبقات الساندة للرأسمال الدولي فضلا عن لجم القوى السائدة من التلويح بالانقلابات العسكرية.

د - مناهضة التدخلات الدولية
بناء سياسة ـ اقتصادية وطنية قادرة على منع التدخلات الدولية في الشؤون الوطنية الهادفة الى تعزيز المواقع الطبقية لقوى البرجوازية الطفيلية والكمبورادورية التجارية الراغبة في استمرار سيادتها الطبقية وهيمنتها السياسية.

ان مكافحة التهميش والخراب الاقتصادي تكتمل عبر المحددات التالية :
1ـ بناء الدول الوطنية على قاعدة الديمقراطية السياسية
يشكل البناء الديمقراطي لمنظومة البلاد السياسية عاملا اساسيا لوحدة البلاد الوطنية ويشكل قاعدة وطنية لرسم نهوج سياسية من قبل الاحزاب الوطنية تتضمن الكفاح من اجل تطور البلاد الاقتصادي والسياسي وصيانتها من التهميش والإلحاق وبهذا المنحى يمهد الطريق لتعزز الوحدة الوطنية المبنية على التفاهمات الطبقية والاجتماعية .

2 - التفاهم الطبقي
تتمتع موضوعة التفاهمات الطبقية بأهمية سياسية كبرى في منظومة البلاد السياسية وتستند موضوعة التوازنات الطبقية على التفاهم الوطني بين الطبقات الاجتماعية الوطنية المنتجه عبر إلغاء مبدأي الإقصاء والتهميش الذي شكل اساسا لتوجهات القوى الوطنية الديمقراطية والقوى الوطنية القومية في حقبة المعسكرين وتستند التفاهمات الطبقية في العولمة الرأسمالية على سيادة الشرعيتين الوطنية للحكم والانتخابية فضلا عن تأكيد شرعية الحكم الديمقراطية على رعاية المصالح الاساسية للقوى والطبقات الاجتماعية في الدولة الوطنية .

أخيرا لابد من التأكيد على ان الاجتهاد الفكري الوارد في البحث المكثف يشكل كما ازعم رؤية كفاحية لقوى اليسار الاشتراكي مشيرا الى أن النضال الذي تخوضه قوى اليسار الاشتراكي والقوى الوطنية الديمقراطية قادر على ابتداع أساليب نضالية جديدة تقود الى ترصين منظومته الفكرية وتثبيت مهامه الواقعية التي تشترطها التشكيلات الاجتماعية المتغيرة.









 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter