| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الخميس 8/11/ 2007

 

أوضاع إقليم كُردستان العراق الجديدة
الحلقة الثانية

كاظم حبيب

هل من جديد في كُردستان؟
بدأ الشعب الكُردي في إقليم كُردستان العراق منذ العام 1992, بعد إجراء الانتخابات البرلمانية وإقرار الدستور الكردستاني وإقرار تأسيس الفيدرالية الكردستانية عبر المجلس النيابي الجديد , بعملية إعادة الإعمار , ولكنها لم تكن سريعة , بل بطيئة لأسباب ثلاثة, , هي:
1. قلة الموارد المالية التي كانت تحت تصرف الحكومة الجديدة التي تشكلت بسبب الحصار الاقتصادي الدولي أولاً , وحصار الحكومة العراقية ثانياً , وكانت تعتمد على الموارد الداخلية غير النفطية وعلى الجمارك المحلية والمساعدات الشحيحة الخارجية.
2. الصراع والنزاع الذي تفجر في الإقليم بين الحزبين الحاكمين وما نجم عنه من عواقب سلبية على المجتمع والإقليم والذي توقف وفق الاتفاق الذي عقد بين الطرفين بتدخل مباشر من جانب الولايات المتحدة ومساعدتها في العام 1998.
3. حجم التركة الثقيلة التي تركها النظام العراقي خلفه في إقليم كُردستان من تخلف وخراب واسعين وخاصة في المنشآت الصناعية القليلة والتهجير القسري للفلاحين إلى مجمعات سكنية قسرية قرب المدن , حيث خلا الريف عملياً من الفلاحين المنتجين , وخاصة الشباب , والبطالة الواسعة والفقر الشديد الذي كانت تعاني منه الغالبية العظمى من السكان.
من هنا لم يكن التقدم كبيراً وسريعاً , رغم الحصول على حصة من موارد قرار "النفط مقابل الغذاء". كانت فترة صعبة , ولكنها كانت مهمة للشعب الكُردي في العراق حيث حصل لأول مرة على القدرة في التأثير على مسيرته واتجاه تطوره وعلى الشعور المتنامي بالكرامة التي كان الشوفينيون الحكام العرب يريدون تحقيرها والإساءة إليها.
ولكن بدأت مرحلة جديدة بعد سقوط النظام العراقي في كُردستان. وعمر هذه المرحلة حتى الآن أربع سنوات. وهي فترة قصيرة بطبيعة الحال لتحقيق ما يطمح إليه الشعب الكُردي من منجزات وتغيير في البنية التحتية والقاعدة الاقتصادية والبناء الفوقي في الإقليم , إضافة على الوضع العام الذي يسود العراق كله والذي يؤثر مباشرة على الوضع في كُردستان وعلى اتخاذ الكثير من الإجراءات لحماية الأمن في الإقليم. ولهذا لا بد من أخذ هذه الأسباب وغيرها بنظر الاعتبار حين البحث في ما جرى ويجري في كُردستان منذ العام 2003 حتى الآن.
تعيش كُردستان في حالة طيبة ومرضية للمجتمع من حيث سيادة الأمن والاستقرار نتيجة الجهود التي تبذل على هذا الطريق , وهو الشرط الأساسي لتأمين أجواء البناء الاقتصادي والتقدم الاجتماعي , وبالتالي يشعر المواطن والمواطنة بحرية الحركة والعمل والسلوك. ورغم المحاولات التي تبذلها قوى الإرهاب الدولي , فأنها عجزت حتى الآن عن ضرب هذا المكسب الوطني , وتمكنت قوى الأمن الكردستانية من وضع اليد بين فترة وأخرى على بعض القوى التي تحاول توجيه ضربات أو تفجيرات أو إشاعة الفوضى في البلاد , كما استطاعت بسرعة أن تعتقل من قام بتفجيرات سابقة أدت إلى استشهاد الكثير من الناس وجرح وتعويق آخرين.
من يدخل إلى كُردستان يعيش حالة الأمن والاستقرار مباشرة ويتمتع بها , سواء أكان ذلك في محافظات أربيل أم السليمانية أم دهوك. ولكن يعيش الإنسان أيضاً في مراكز هذه المحافظات وفي الكثير من مدنها حركة عمرانية نشطة وواسعة جداً , سواء أكان ذلك بإقامة العمارات والدور السكنية الخاصة , أم البنايات الحكومية ودوائر الإقليم والأسواق العصرية , أم بإقامة الشوارع والطرق الداخلية وفي ما بين المدن و نحو إيران و تركيا , وكذلك الجسور والقناطر.
حكومة الإقليم توزع وتمنح الأراضي إلى الشركات والأشخاص ليقيموا الدور والعمارات السكنية أو إقامة مناطق الاستجمام والراحة , كما في منتجع راوندوز ومصيف شقلاوة على سبيل المثال لا الحصر.
وفي الجانب الاقتصادي شكلت حكومة الإقليم لجنة واسعة لوضع استراتيجية التنمية والإعمار في كُردستان حيث تشترك فيها الكثير من الوزارات والمؤسسات والمختصين , ولم تنته من عملها. وهناك بعض اللجان التي تعمل على وضع القوانين الخاصة بالإصلاح الزراعي وحماية البيئة والطبيعة وحماية الثروة السمكية أو الموارد الطبيعية.
أقيمت في كُردستان الكثير من الجامعات والكليات والمعاهد , وهي ظاهرة إيجابية من حيث المبدأ , رغم ما فيها من نواقص جدية في الكادر التعليمي أو في توفير المختبرات والمناهج ...الخ. ويبدو أن هناك توجهاً لعقد مؤتمر علمي على مستوى العراق لأغراض تطوير المناهج التدريسية في وزارة التعليم العالي وفي الجامعات.
وفي مجال الثقافة أقيمت في محافظات كُردستان الثلاث الكثير من دور النشر الخاصة والحكومية أو الحزبية التي جهزت بأحدث وسائل الطباعة والتغليف. وقامت هذه الدور بنشر المئات من الكتب العلمية والأدبية والفنية والمجلات , سواء أكان ذلك باللغة الكُردية أم العربية أم باللغة الفارسية والتركية. ومنها ما تخصص بنشر التراث الكُردي وإعلام الكُرد , ومنها ما تخصص بالأدب , كالشعر والرواية والقصة , أو بالثقافة الكُردية العامة أو بأدب وثقافة الأطفال. كما يتم تشجيع الموسيقى والغناء والرقص الشعبي , حيث تشكلت الكثير من الفرق الفنية الجديدة والشابة , إضافة إلى وجود نهضة متميزة في مجال الفنون التشكيلية كالرسم والنحث بشكل خاص. وتبرز أمام الزائر الكثير من أعمال النحت الموزعة على ساحات المدن أو حدائقها ومنتزهاتها الكبيرة, كما في منتزه الشهيد سامي عبد الرحمن في أربيل على سبيل المثال لا الحصر. وتعيش أربيل منذ سنتين مهرجاناً كبيراً يساهم فيه المئات من المثقفات والمثقفين العراقيين من الداخل والخارج ومن العرب والكُرد ومن بقية القوميات هو مهرجان المدى الثقافي , وهو ظاهرة ثقافية متقدمة يمكن أن تتطور لتصبح مجالاً لنشر الثقافة الوطنية والقومية التقدمية والأعمال الفنية بين صفوف المجتمع الكردي وأن لا تبقى محصورة في النخبة المثقفة.
وتقيم الكثير من المؤسسات والنقابات مؤتمراتها واجتماعاتها ذات الوجهة التثقيفية والتربوية والتعليمية في محاولة منها لتعبئة الفئات المختلفة حول نشاطاتها وتنمية دورها في المجتمع , كما في عمل نقابة صحفيي كُردستان واحتفالها السنوي بصدور أول جريدة كردية في مصر ومشاركاتها في المؤتمرات الدولية.
تنشط في كُردستان الكثير من منظمات المجتمع المدني الجديدة , سواء أكانت متخصصة في شئون المرأة أم في مجالات الشباب والطلاب ومختلف مجالات العمل الاجتماعي والثقافي والفني والمهني الذي يمس حياة الناس. وهي تسعى إلى تكوين علاقات مع منظمات المجتمع المدني على المستوى العراقي أو مع الخارج. ولهذه المنظمات مستقبل جيد إن واصلت العمل بهذا الاتجاه , وخاصة في مجال حقوق الإنسان وحقوق المرأة والمجتمع المدني الديمقراطي الحديث والتصدي للمشكلات الكبيرة التي تواجه المجتمع , ومنها على سبيل المثال لا الحصر عمليات قتل النساء بذريعة غسل العار!, وأن تتمتع باستقلاليتها الضرورية لنشاطها عن الحكومة وعن الأحزاب السياسية , مع ضرورة التنسيق وتطوير علاقاتها باتجاه فئات المجتمع والحكومة في آن واحد لصالح تطور المجتمع مصلحة الفرد والإقليم.
تمارس حكومة إقليم كُردستان سياسة الباب المفتوح أمام التجارة الخارجية , وبالتالي تجد أسواق كُردستان مليئة بالسلع المختلفة, ولكن في الغالب الأعم نوعيات غير جيدة وذات عمر قصير , مع وجود نوعيات جيدة قليلة وذات أسعار عالية. السوق لا يعاني من اختناقات حتى الآن بسبب هذا الا نفتاح على العالم الخارجي وأغلب السلع تأتي من تركيا وإيران ومن دول الخليج وغالباً ما تمر على هاتين الدولتين وسوريا أيضاً. فتحت العديد من الأسواق العصرية التي تعرض السلع بأسلوب حضاري جديد , رغم أن العاملات والعاملين لا يحققون أجراً مناسباً في مقابل ارتفاع أسعار السلع المعروضة , مما يجعل العاملين والعملات غير وديين أو وديات مع الزبائن.
وعلى مستوى الموارد المالية تحقق كُردستان نسبة 17% من إيرادات العراق المالية التي يمكن وضعها في خدمة عملية التنمية وتعجيل تطورها وإعادة إعمار الإقليم , رغم ما يشار إلى أن الموارد المالية لا تصل من بغداد بالوقت المحدد. إلا أن هذه الظاهرة تعبر في الوقت نفسه عن الوضع العام الذي يسود العراق بشكل عام والفوضى التي تميز عمل الحكومة العراقية حتى الآن.
لا شك في أن الإقليم يتمتع بسيولة نقدية وبتحسن ملموس في مستوى حياة الإنسان بالقياس مع فترة الثمانيات والتسعينات من القرن الماضي , خاصة وأن هناك الكثير من الشركات الأجنبية التي تنفذ مشاريع خدمية كثيرة , وهي التي تساهم في التضخم ورفع أسعار السلع والخدمات , وخاصة الفندقة وإيجارات دور السكن . كما أن البطالة هي أقل بكثير من السابق , ولكن هناك بطالة مقنعة مجهدة لخزينة الدولة والمجتمع , خاصة وأن الرواتب تستنزف نسبة عالية من خزينة الدولة تصل إلى 75 % من إجمالي إيراداتها و كما صرح بذلك مسئولون حكوميون كرد. والسيولة النقدية لا تعبر بالضرورة وفي الحالة التي نتحدث عنها عن وضع صحي سليم , إذ أن لها جوانب سلبية خاصة في مجال توزيع وإعادة توزيع الدخل القومي وما ينشأ عن هذه الحالة من تضخم ومن ارتفاع غير مراقب للأسعار والخدمات التي سنتحدث عنها في مجال المشكلات التي تواجه إقليم كُردستان العراق حالياً.
أنجز إقليم كُردستان وضع الدستور الإقليمي وتوجد له رئاسة للإقليم وحكومة واسعة يصل عدد أعضائها 43 عضواً إضافة إلى رئيس الوزراء ونائباً لرئيس الوزراء , وهو تضخم غير معقول فرضه واقع معين لا بد من تغييره , كما توجد الكثير من المؤسسات الأخرى التي تعمل في كُردستان. ولدى الهيئات الوزارية , ابتداءً من رئيس الإقليم ورئيس الوزراء والكثير من الوزراء , الكثير من المستشارين والخبراء الذي لا يعبر بالضرورة عن حالة صحية أو يمتلك كلهم الكفاءة اللازمة. وهي حالة يشترك فيها العراق كله , وخاصة بغداد.
تعيش كُردستان أجواء من الحرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ففي الإقليم تصدر الكثير من الصحف والمجلات باللغة الكردية والتركمانية والسريانية , وهي تساهم بنشر الوعي الاجتماعي. ولكنها لا تساهم كلها في ممارسة النقد البناء , رغم وجود صحف تمارس النقد بجرأة وصراحة وروح بناءة , كما أن حديث الناس مليء بالملاحظات النقدية السياسية حول الكثير من القضايا الاقتصادية والاجتماعية.
كما توجد الكثير من الأحزاب السياسية التي تسير في الخط العام الذي يمارس من الحزبين الرئيسين , ونادراً ما تساهم في النقد العلني أو الصريح و في ما عدا الأحزاب الإسلامية السياسية , التي سأبحث في بعض جوانب عملها في حلقة خاصة.
وأخيراً فأن وجود فيدرالية إقليم كُردستان في إطار الدولة العراقية الموحدة هي ظاهرة إيجابية ومكسب كبير للشعب الكردي وللقوميات الأخرى المتعايشة سلمياً في كُردستان العراق , وهي المكسب الذي يفترض الحفاظ عليه وتطويره وتنميته.

يتبع

¤ الحلقة الأولى
 

Counters