| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

الخميس 8/11/ 2007



أوضاع إقليم كُردستان العراق الجديدة
الحلقة الأولى

كاظم حبيب

 المدخل
تحتل أخبار إقليم كُردستان العراق في هذه الأيام موقعاً واسعاً ومهماً في نشرات وتقارير الأخبار العالمية والإقليمية والمحلية وعلى صفحات الصحف والمجلات وفي الأحاديث العامة في الإقليم وفي المنطقة عموماً. ولم يكن شعب وحكومة إقليم كُردستان العراق السبب وراء هذا الاهتمام الدولي والشعبي , بل كانت الحكومة التركية وراء ذلك حين أثارت من جديد ضجة كبيرة ومتصاعدة ضد حزب العمال الكُردستاني وحشرت حكومة وشعب الإقليم في المشكلة , ثم حشدت القوات المسلحة وأنواع الأسلحة على الحدود العراقية التركية بحجة مطاردة قوات الپیشمرگة التابعة لحزب العمال الكُردستاني في تركيا , مهددة العراق بالويل والثبور ما لم تتخذ الحكومة العراقية الإجراءات الكفيلة بمطاردة وقتل واعتقال وتسليم هذه الجماعات المسلحة إلى الحكومة التركية, علماً بأن هذه الجماعات تقيم على الحدود بين تركيا والعراق وفي مناطق جبلية قاسية صعب على القوات التركية مطاردتها في تلك المنطقة خلال الأعوام العشرين المنصرمة , رغم زجها بالكثير من القوات المسلحة واستخدام مختلف الأسلحة لهذا الغرض, بل ازداد هذا الحزب قوة وجماهيرية وتعاطفاً من بنات وأبناء الأمة الكُردية , خاصة بعد أن تخلى الحزب عن بعض الأساليب غير المقبولة والمرفوضة التي كان يمارسها ضد سكان القرى الكُردية حين كانت لا تبدي تعاوناً معه. وقد كلفت الحرب ضد حزب العمال الكُردستاني الحكومة والخزينة التركية المليارات سنوياً ورفعت من مديونية الحكومة التركية الخارجية إلى مستويات عالية لا يستطيع الاقتصاد التركي على تحملها طويلاً.
كان ولا يزال في مقدور الحكومة التركية معالجة هذه القضية بالتي هي أحسن من خلال التفاوض مع حزب العمال الكُردستاني وبقية القوى الكُردية المنظمة سياسياً للوصول إلى حلول عملية في إطار الدولة التركية وليس خارجها , وهو ما دعا إليه السيد عبد الله أوجلان من سجنه في تركيا ولم تستجب له الحكومة التركية حتى الآن. إن مطالب الحركة السياسية الكردية ليست تعجيزية وليست انفصالية , بل هي حقوق إنسان وحقوق ثقافية وإدارية , إنها جزء من حق كل شعب وكل قومية أن تتمتع بذلك. لقد كان ولا يزال من المفروض أن تنتبه الحكومة التركية , وكذا حليفتها الأساسية الولايات المتحدة والدول الأوروربية , إلى أن حل المشكلة الكُردية في تركيا بالطرق الديمقراطية والسلمية هو الشكل الوحيد السليم لمعالجة القضية الكُردية في تركيا وهو لصالح تركيا أولاً وقبل كل شيء , كما أنه لصالح الشعب الكُردي فيها ولصالح الاتحاد الأوروبي , كما يبعد عن الجميع شرور الحرب والقتل والتعويق والخراب والخسائر المادية. إنه الطريق الوحيد حقاً لمعالجة المشكلات في هذا الزمن العولمي , سواء أكان من جانب الحكومة التركية أم من جانب حزب العمال الكُردستاني. وطريق القتال لن يجدي نفعاً ولن يوصل إلى ما هو منشود بأي حال. فقتل مئات المقاتلين منت حزب العمال لا يعني انتهاء الحركة السياسية الكردية المطالبة بحقوقها , بل سيظهر الكثير من المناضلين في سبيل حقوقهم المشروعة في كُردستان تركيا. إن الموقف المبدئي من القضايا القومية هو الذي يفرض طرح القضية القومية في تركيا بصورة صحيحة , مع المطالبة باستخدام أساليب كفاح تستجيب لظروف المرحلة التي يمر بها العالم.

كان هذا المدخل ضرورياً لثلاثة أسباب  :
1 . إن التحشيد العسكري للقوات التركية على الحدود العراقية يعتبر تهديداً مباشراً لاستقلال وسيادة العراق ويخلق أجواء التعبئة المضادة التي تثقل كاهل العراق حيث يتعرض لقوى الإرهاب الدولي ويكافح ضدها.
2 . القلق الذي يساور الناس في كُردستان العراق من التهديدات والتحشدات التركية على الحدود وما يمكن أن يتعرض له الأبرياء من المدنيين من عواقب وخيمة بسبب الطلعات والقصف الجوي أو القصف المدفعي أو الزحف البري إلى داخل الأراضي العراقية وما يمكن أن ينشأ عنه من مقاومة وتعقيدات جديدة ضد الجميع
3. وأن القلق الناشئ عن احتمال الحروب يعطل الكثير من الطاقات والقدرات البشرية والفنية والمالية عن التحرك العقلاني في البلاد ويعطل عملية التنمية المطلوبة , كما يعطل كل ما هو إيجابي يراد تطويره في الإقليم.
4. كما يمكن أن يحرك القوى الشريرة والنائمة حالياً لتعمل ضد الأمن والاستقرار والطمأنينة التي يتمتع بها إقليم كُردستان العراق حالياً , والذي لا يجوز فقدانه بأي حال.
5. ولا شك في أن إقليم كُردستان محاط بدول قد وزعت عليها أرض كُردستان وشعبها , وهي كلها تخشى من النموذج الذي يتحقق للشعب الكُردي في العراق , وبالتالي فهي لا تتخذ مواقف إيجابية إزاء الفيدرالية التي تعتبرها شوكة في ظهرها وسرعان ما تتفق في ما بينها لتشكل جداراً ضد الإقليم يصعب اختراقه ويشكل مثل هذا الجدار خطراً على الاقتصاد الكُردستاني الذي يعتمد حالياً بنسبة عالية جداً على الاستيراد من تلك الدول أو عبرها.
ومن هذا المنطلق يهم رئاسة وحكومة إقليم كُردستان العراق , كما يهم العراق كدولة وحكومة وشعب , أن تعالج المشكلة بالطرق السلمية وأن تتم التهدئة والمبادرة لاتخاذ إجراءات إيجابية وغير تعجيزية في هذا الصدد. ويفترض في مسلحي حزب العمال الكردستاني أن يراعوا الوضع الخاص الذي تواجهه حكومة إقليم كُردستان حالياً واحترام الدستور العراقي والعلاقات بين دول الجوار والكف عن الانطلاق من الأراضي العراقية لشن حملات مسلحة ضد القوات التركية , إذ أن ذلك يقود إلى عواقب وخيمة على الجميع في هذه المرحلة من تطور العراق والإقليم معاً.
في هذه الفترة بالذات , حيث بدأت التهديدات والتحشيدات التركية , قمت بزيارة شخصية إلى إقليم كُردستان العراق.
قبل انهيار النظام الصدامي تحت ضربات القوات الأمريكية والبريطانية وغيرها زرت إقليم كُردستان وشاركت ببحث علمي حول الطبيعة العنصرية والدموية لمجازر الأنفال البعثية الصدامية زجريمة الكيماوي في حلبچة أثناء انعقاد حفل التأبين لضحايا مجازر الأنفال في ذكراها الأليمة الرابعة عشر , أي في العام 2002. وقد استمرت أعمال المؤتمر ثلاثة أيام قدمت فيها الكثير من البحث القيمة ومن باحثين معروفين مثل الدكتور فالح عبد الجبار والدكتور جبار قادر والروائي المبدع زهير الجزائري. وكانت فيدرالية إقليم كُردستان العراق قد تحررت منذ عشر سنوات من نظام صدام حسين وتخلصت لعدة سنوات من حرب الأخوة الداخلية. ولهذا كان الوضع لا يزال صعباً والموارد شحيحة , ومع ذلك كانت المسيرة طيبة وبالاتجاه الصحيح.
زرت كُردستان العراق بعد ذلك عدة مرات سواء بدعوة لحضور مهرجان المدى الثقافي أو بزيارة شخصية أو مؤتمرات ديمقراطية عامة. وكنت كل مرة أسجل انطباعاتي عن تلك الزيارات المغنية لمعلوماتي ومعارفي وتجربتي الشخصية. وكانت اللقاءات بمختلف الأوساط الشعبية والحكومية والحزبية على تنوعها تساهم في تجديد وتحديث وزيادة معلوماتي عن الشعب الكُردي وعن قواه السياسية وعن طموحاته ومشكلاته. وكان سائقو سيارات الأجرة (التاكسيات) يضيفون الكثير من المعلومات القيمة والأخبار الجديدة إلى معلوماتي , حيث كنت أتيقن من صحتها من آخرين أيضاً , وكانت كلها دون استثناء صحيحة. وكنت أعبر عنها في كتاباتي محاولاً أن أكون أميناً لما أراه وصادقاً لما أنقله وأسمعه عن الواقع الذي أعيشه هناك , رغم أن الانطباعات الشخصية تبقى ذاتية, حيث يمكن أن تكون لدى الآخرين انطباعات أخرى غير ما اراها من زاويتي وقناعاتي وتحليلاتي. وفي لقاءاتي مع المسئولين في الإقليم كنت أتحدث معهم وأنقل لهم تلك الانطباعات بصدق وموضوعية وصراحة وباحترام معاً قبل أن اسجلها على الورق أو أنشرها , إذ كان يهمني أكل العنب وليس قتل الناطور, كما يقول المثل الشعبي العراقي , أي كان يهمني تطوير وضع إقليم كُردستان العراق وتحسين حالة الجماهير وتعزيز الفيدرالية والحرية والديمقراطية فيها وفي كل العراق. وكنت أستمع بإصغاء للملاحظات التي تقال لي عن اسباب ذلك وسبل الخلاص منها. وفي هذه السلسلة من المقالات سيكون ديدني ذاته حيث سأبحث في المواضيع التالية, وفق آخر زيارة شخصية لي مع زوجتي أم سامر إلى إقليم كُردستان العراق , التي هي الأخرى تكونت لها انطباعاتها الخاصة التي قررت تسجيلها ونشرها بعد أن كانت قد زارت إقليم كُردستان العراق لأول مرة في العام 1974.
1. هل من جديد في إقليم كُردستان؟ أو , هل من نجاحات تحققت في إقليم كُردستان العراق؟
2. ما هي المشكلات التي تواجه الإقليم حالياً على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية , الداخلية منها والإقليمية؟
3. ما هي ضرورات وإمكانيات معالجة تلك المشكلات التي تواجه المجتمع وحكومة الإقليم في إطار الدولة العراقية؟
 

يتبع


 

Counters