| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

 

 

 

                                                                                  الأحد 8/5/ 2011


 

مصر: الصراعات المريرة وإصرار الشعب على التغيير
(3)

كاظم حبيب 

مستوى ومدى التغيير وقواه الفعلية
قطعت الانتفاضة الشعبية شوطاً متقدماً في العملية الثورية الجارية في مصر التي تميزت بالفعل السلمي من جانب الشعب وبالعنف والعدوانية واستخدام السلاح والقتل من جانب قوى النظام فسقط الرأس المخرف وتساقطت رؤوس أخرى ولم تنته بعد عملية تغيير النظام جذرياً. وقد كلفت هذه الانتفاضة الشعب المصري حتى الآن 846 شهيداً وأكثر من 6467 إصابة على وفق ما جاء في تقرير تقصي الحقائق من بين المتظاهرين غير المسلحين, وهي مجزرة وجريمة بشعة ارتكبها رئيس النظام المخلوع ووزير داخليته وبقية النخبة الحاكمة. (
راجع: جريدة الأَهرام. الأربعاء 20أبريل 2011. المشهد السياسي, ص 4 , وكذلك جريدة المصري اليوم. التاريخ نفسه).
لقد تزعزعت أركان النظام وتهشمت بعض جوانبه وتداعت قواه ولكنها لم تفقد كل ما لديها من قوى وقدرات على التخريب والتآمر والتعويق من خلال قوى لها في أجهزة الدولة والحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية, إذ بدأت, بعد أن صحت من هول الضربة التي أطاحت بالرئيس وأبنائه ومن هم حوله ومثولهم أمام التحقيق والحبس على ذمة التحقيق, بإعادة تنظيم صفوفها والتحول التدريجي صوب التخريب من الباطن ومحاولة تجزئة القوى المناهضة للحزب الوطني الحاكم الذي حل أخيراً بقرار من محكمة مصرية, وهي ما تزال قادرة على فعل الكثير ضد منجزات الانتفاضة الشعبية السلمية. وفي هذا الصراع الجاري يطرح المشهد السياسي والاجتماعي المصري الكثير من الأسئلة التي تستوجب الإجابة من قوى الثورة في مصر, منها مثلاً:
** كيف يمكن الحفاظ على زخم الفعل الثوري وتطويره وتحقيق تفوق في ميزان القوى لصالح قوى الثورة؟
** كيف يمكن إعادة قوات الجيش إلى معسكراتها بعد الانتهاء من مهمتها الانتقالية؟ وهل يمكن إقامة مجلس مدني – عسكري لإبعاد الجيش عن الجوانب السياسية وتركيزه حالياً لضمان على حماية الوطن والحدود باعتبارها المهمة المركزية والوحيدة التي يفترض أن يلتزم بها الجيش؟
** كيف يمكن تنظيم قوى الثورة وإبعادها عن تأثير القوى القابلة للمساومة والمستعدة للتراجع خشية تجذير الانتفاضة إلى ثورة شعبية ذات تأثير عميق على المجتمع المصري؟
** كيف يمكن الحفاظ على سقف معين للأهداف القابلة للتحقيق لكي لا ينشأ أي إحباط لدى الشعب حين لا يمكن الوصول إلى ذلك السقف العالي الذي يطرح في الشارع من بعض القوى السياسية؟
** كيف يمكن تلبية مطالب الفئات الكادحة والمسحوقة التي شاركت في هذه الانتفاضة الشعبية وتريد قطف ثمار لها باعتبارها جزءاً من حقوقها المشروعة والعادلة والتي حرمت منها طويلاً, ومنها التشغيل ومكافحة البطالة والفقر وزيادة الأجور والرواتب والعناية الصحية وتسيير معاملات الناس ومكافحة الفساد والفاسدين...الخ؟
** كيف يمكن إنهاض وإنعاش الفئات الوسطى في المجتمع لتشارك في بناء المجتمع والنظام السياسي المدني والديمقراطي الحر المنشود, وهي التي عانت بدورها من التدمير والإجهاز عليها من جانب قوى النظام وقوى الكومبرادور المصري والقوى الأجنبية المتحالفة معهم؟
** كيف يمكن مكافحة الفساد السائد في البلاد كنظام قائم معمول به على مستوى الدولة وكافة السلطات والأجهزة التابعة لها؟
** وقبل هذا وذاك كيف يمكن لجم قوى الثورة المضادة دون إراقة الدماء بعد أن سالت دماء الأبرياء؟
إن هذه الأسئلة وغيرها لا بد للقوى الاجتماعية الجديدة أن تجيب عنها ليتسنى لها مواجهة الوضع الناشئ والمعقد والمتشابك في المصالح والعلاقات الاجتماعية ولا بد أن تلعب دوراً تنويراً متعاظماً لتغيير ميزان القوى لصالحها.

الأحزاب المصرية قبل وبعد الانتفاضة
إن اللقاءات التي أجريتها في القاهرة مع قوى شاركت في الانتفاضة الشبابية مباشرة والمحاضرات والمناقشات التي استمعت إليها وشاركت فيها في المقر الرئيسي للمنظمة العربية لحقوق الإنسان واستمتعت بها, وخاصة محاضرة الأستاذ الأمين العام السابق للمنظمة الأستاذ محسن عوض والحوار المفتوح حول الإصلاح والفعل الثوري في الدول العربية ومشاركتي كمراقب ومشارك في عدد من الاجتماعات الفكرية والسياسية لمفكرين وسياسيين مصريين وعرب من دول أخرى في القاهرة والأحاديث التي جرت مع سياسيين وصحفيين عراقيين بارزين في مصر, ومتابعة العديد من الصحف اليومية والكتب الجديدة التي تتحدث عن "ثورة 25 يناير" 2011 جعلتني أتيقن من وجود إجابات مشتركة ومتباينة حول الحلول, وهي ناشئة عن زوايا الرؤية والخلفيات الفكرية والسياسية والمصالح المتباينة. ولكنها كلها متفقة على إن هناك مخاطر جمة تحيط بالثورة المصرية الشعبية وتستوجب بذل الجهود الحثيثة والكبيرة والمشتركة لحمايتها والدفاع عنها من خلال تعجيل حركة التغيير والإصلاح بعد أن تحقق الفعل الثوري في التغيير الرئيسي لقوى النظام والتصدي لمحاولة التأخير في اتخاذ الخطوات الضرورية لكي لا يصاب الشعب بالإحباط.

إن المتتبع للأحداث في القاهرة والإسكندرية وفي بقية المدن المصرية الكبيرة يستطيع أن يلاحظ عدة مسائل جوهرية في الحياة السياسية الحزبية, وهي:
1 . وجد في مصر قبل الانتفاضة الشعبية 24 حزباً سياسياً متبايناً في مواقفه, بعضها كان معارضاً للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم الذي تأسس في العام 1978 في فترة حكم أنور السادات. وبعضها الآخر كان مهادناً ومساوماً وساكتاً عن أوضاع مصر البائسة. وأغلب هذه الأحزاب كان قد تأسس في التسعينيات من القرن الماضي ولكن بعضها تأسس في السبعينيات مثل حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي (1976) بقيادة خالد محي الدين, وحزب الوفد الجديد (1978) والحزب العربي الديمقراطي الناصري (1992), كما تأسست أحزاب أخرى انشقت عن الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم مثل حزب الجبهة الديمقراطية للدكتور أسامة الغزالي حرب (2007) الذي استقال من قيادة الحزب وشكل حزبه الجديد. وفي أعقاب الانتفاضة ظهرت أحزاب أخرى كثيرة يصل عددها إلى 20 حزباً سياسياً. (
راجع: د. عمرو هاشم ربيع, ثورة 25 يناير (قراءة أولية ورؤية مستقبلية), مطابع الإهرام التجارية-قلوب- مصر. مارس 2011. الفصل الثالث. موقف الأحزاب السياسية. بقلم هاني الأعصر. ص 65-78. راجع أيضاً: جريدة الشروق, الموقع الإلكتروني. مصر ما بعد 25 يناير 2011).

اختلفت مواقف هذه الأحزاب من الانتفاضة الشبابية ومن الدعوة للتظاهر في يوم 25 يناير. ففي الوقت الذي أيد حزب الجبهة الديمقراطية وحزب الغد وحزب العمل الاشتراكي الدعوة وشاركت مجموعات من أعضاء هذه الأحزاب في التظاهرة, وقفت ضدها بعض الأحزاب السياسية المعروفة مثل حزب الوفد وحزب التجمع الوطني والحزب الناصري بذرائع مختلفة, رغم تأكيدهم على إنهم يؤيدون من حيث المبدأ المطالب التي يطرحها الشارع المصري ولكنهم يخشون من الفوضى التي يمكن أن تسود في البلاد, إضافة إلى إن يوم 25/1/ هو يوم ذكرى المعركة التي خاضها بعض أفراد الشرطة المصرية ضد قوات الاستعمار البريطاني. أما المجموعة الثالثة من الأحزاب التي اتخذت موقف المعارضة من الدعوة للتظاهر فكانت عديدة وذات نفس مهادن مع السلطة بشكل واضح.

ورغم إن مواقف الأحزاب المعارضة للنظام قد تميزت بالقلق والتردد, فأنها قد اتخذت موقفاً واضحاً في أعقاب أحداث 25/1/ و28/1/ على إثر "موقعة الجمل", ولكن بعضها بقي حريصاً على التفاوض مع السلطة, سواء أكان ذلك قبل تنحي مبارك عن السلطة أم بعده, في حين رفض هذا الموقف من المنتفضين في ميدان التحرير بالقاهرة وفي سائر المدن المصرية الأخرى. وتؤكد المعلومات إلى أن حزب الجبهة الديمقراطية وحزب الغد وحزب العمال الاشتراكي, الذي كان مجمداً, وكذلك حزب التجمع الوطني وحزب الوفد قد فتحوا مقراتهم لاستقبال المصابين والمتظاهرين, إذ أن أعضاء هذه الأحزاب قد شاركت بوضوح في أعقاب المرحلة التي أعقبت 28/1/2011. إن صلابة الشباب المنتفض استطاعت أن تفرض نفسها في الشارع على مواقف بقية الأحزاب السياسية وأن تجرها بهذا القدر أو ذاك على مواقعها, ولكن هذه الأحزاب لم تكن بالثورية والتصميم والإرادة الفعلية على التغيير التي كانت وما تزال لدى القوى الشبابية والشعبية المنتفضة في يوم جمعة الغضب, يوم 25/1/2011. (
راجع في هذا الصدد: بحث هاني الأعصر, مصدر سابق).

2. أما جماعة الأخوان المسلمين فقد رفضت المشاركة في اليومين الاولين في ميدان التحرير, وان صرحت بأنها لن تمنع أعضاءها الأفراد من المشاركة، وكان هذا الموقف مماثلا لمواقف الكثير من الأحزاب الأخرى. ولكن الجماعة أيضا, مثل بقية الأحزاب, غيرت موقفها في اليوم الثالث- بعد انضمام فئات شعبية واسعة للاحتجاجات. وفي هذه المشاركة لم ترفع الجماعة شعاراتها الخاصة ولم تتحدث عن مشاركتها المنظمة فيها وتحدث بعض قيادييها عن ضرورة إقامة نظام ديمقراطي في مصر. وإذا كانت لمشاركة جماعة الأخوان المسلمين دورها الملموس في تعزيز التظاهرة وفي مواجهة قوى الأمن والشرطة والبلطجية في يوم 28/1/2011 بشكل خاص,فإنها وفي أعقاب تنحي مبارك عن السلطة وتشكيل حكومة جديدة برئاسة الدكتور عصام شرف تغير موقف القيادة السلبي السابق تماماً ففي الوقت الذي ادعت أثناء انتفاضة بأنها لا تسعى ولا تريد شيئاً, تحل الموقف بعد ذاك إلى المطالبة بكل شيء. وبعد الحديث عن نظام ديمقراطي, بدأ الحديث عن نظام إسلامي وأن "الإسلام هو الحل" وإقامة "الدولة الإسلامية" و"تطبيق الحدود", وهو الأمر الذي بدأ يثير قوى الشعب الأخرى, والتي تشكل الغالبية العظمى من المجتمع, إضافة إلى إثارة فعلية للقوى الشبابية التي بدأت بالانتفاضة الشعبية. علماً بأن في مصر أربع قوى إسلامية سياسية متصارعة في ما بينها في الوقت الحاضر, ولكنها تحاول أن تتوحد في مواقفها لفرض هيمنتها على الثورة والحصول على الأكثرية في الانتخابات القادمة, وهي: قوى الأخوان المسلمين التي غير بعضهم اسم الحزب إلى "حزب الحرية والعدالة" على غرار الحزب الإسلامي "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا, في حين رفض آخرون هذا التغيير واعتبروه تنازلاً ومساساً بتاريخ ومبادئ وجهاد هذا الحزب, ثم القوى السلفية, والقوى الجهادية, وأخيراً الجماعات الصوفية. وكل من هذه الأحزاب له منهجه واتجاهه وأساليب عمله. إلا إن ما أثار الاستفزاز والغضب في أوساط القوى اليسارية وأتباع الديانات الأخرى, وخاصة في أوساط المسيحيين, ذلك التصريح العدواني الذي نطق به الدكتور محمود عزت, نائب المرشد العام, والمهندس سعيد الحسيني, وهو قيادي أيضاً في جماعة الإخوان المسلمين إذ قالا في مؤتمر إمبابة بتاريخ 14/4/2011 ما يؤكد سعي "الإخوان لإقامة الحكم الإسلامي مع تطبيق حدود الشريعة الإسلامية في مصر داعين جميع التيارات الإسلامية إلى "عدم النوم" حتى إعلان مصر دولة إسلامية ." (
راجع: جريدة المصري اليوم, العد 2499, الأحد المصادف 17/4/2011, ص4). وهكذا كشفوا ومن جديد عن نيتهم الفعلية في رفع شعار أن "الإسلامَ هو الحل !". وأضاف نائب المشد العام "حول موقف الجماعة من تطبيق الحدود في الشريعة الإسلامية، إن هذا الأمر يأتي بعد «امتلاك الأرض»، فلا بد أن تقام الحدود بعد أن يكون الإسلام في حياة الناس وأخلاقهم وتعاملاتهم ".

3 . القوى الشبابية التي شكلت العمود الفقري للانتفاضة الشعبية والتي استطاعت أن تحقق ما عجزت عنه الأحزاب السياسية التقليدية المعارضة لنظام حكم حسني مبارك ورهطه والقوى الاجتماعية التي ساندته واستفادت منه. ومن الجدير بالإشارة إلى إن الجماعات الشبابية تسعى اليوم إلى بلورة أهدافها ومواقفها والدفع باتجاه تشكيل تنظيم أو أكثر لصالح الدفاع عن المكتسبات التي تحققت وتطوير الثورة والحفاظ على زخم المنجزات, ومنها محاكمة الفاسدين وتطهير أجهزة الدولة من القوى المضادة للثورة. كتب السيد عصام عبد العزيز في مقال له نشر في جريدة الشروق حول الخارطة الحزبية لمصر قبل وبعد ثورة 25 يناير مشيراً إلى ما يلي:
"وبينما يتواصل نشاط شباب الثورة في الشارع تسعى مجموعة من الشباب وقادة الثورة إلى تأسيس حزب سياسي خاص بهم، يمثل قطيعة مع ميراث أحزاب المعارضة التقليدية التي يراها الشباب «شريكا للنظام السابق». وكان حزب «جبهة التحرير والتنمية والدفاع عن مكتسبات الثورة» الذي وقع بيانه التأسيسي نحو 30 ألف شاب ممن شاركوا في الثورة أول حزب تم الإعلان عن تأسيسه من قبل شباب ميدان التحرير، كما بدأت «جبهة التحرير» التي تضم عدداً من شباب الثورة إجراءات لتأسيس حزب سياسي، وأعلن الإعلامي وائل الإبراشي ومجموعة من شباب ثورة 25 يناير تأسيسهم حزبا سياسيا يحمل اسم «شباب التحرير».
وأعلنت مجموعة أخرى من الشباب المشاركين في الثورة تأسيس حزب «25 يناير»، بينما قرر شباب آخرون من المشاركين في الثورة، ينتمون لتيارات سياسية مختلفة، جمع التكتلات السياسية الكثيرة الناشئة عن شباب التحرير في حزب واحد باسم حزب «التحالف»، محذرين من تشرذم الثورة وانقسام الشباب. (
راجع: جريدة الشروق, الموقع الإلكتروني. مصر ما بعد 25 يناير 2011). وأغلب هذه القوى تريد دولة مدنية علمانية ديمقراطية تتخذ موقف الفصل بين الدين والدولة والسياسة.

4 . شاركت عناصر من قوى اليسار الديمقراطي في مصر مع بقية قوى الثورة منذ اليوم الأول وتفاعلت معها. واتسعت مشاركتها منذ 28/1/2011, وهي التي تسعى اليوم إلى التفاعل في ما بينها وتشكيل تنظيم جديد يعبر عن رؤيتها للثورة وسبل تطويرها وتعزيز مكتسباتها. إلا إنها ما تزال مختلفة على بعض الشعارات التي تمس السياسة العربية وخاصة حول القضية الفلسطينية.
إن أهم وأكبر أحزاب اليسار الناشئة هو "حزب التحالف الشعبي الاشتراكي. ونشأ هذا الحزب من اندماج قوى يسارية عديدة أهمها مناضلون من "حزب الشعب الاشتراكي" السابق واليساريون الذين استقالوا من حزب التجمع، ومناضلون يساريون من مجموعات أخرى. والمنسق العام لهذا الحزب د. إبراهيم العيسوي ومنهم د. عبد الخالق جودة (حاليا وزير الشئون الاجتماعية) وعدد من الشخصيات السياسية والعلمية والنقابية والكاتبات والكتاب البارزين في مصر.
وذكر السيد عصام عبد العزيز في مقاله المشار إليه سابقاً حول الحزب الشيوعي المصري ما يلي: "وفي خطوة مهمة في مسيرة الحزب الذي ظل محظوراً منذ عام 1924، قرر الحزب «الشيوعي المصري» ممارسة نشاطه بشكل علني لأول مرة، وأصدر الحزب بياناً يكشف فيه وبشكل علني عن عقد اجتماع موسع لهيئاته المختلفة واتخذ قراراً باستئناف نشاطه العلني. (
راجع المصدر السابق نفسه). ويعاني الحزب الشيوعي المصري من تخلي بعض كوادره عنه بسبب تحالفه مع الدكتور رفعت السعيد والمجموعة التي يطلق عليها بقوى اليمين في حزب التجمع الوطني.
ويشير السيد عصام عبد العزيز إلى "تأسيس حزب جديد يحمل اسم الحزب «المصري الديمقراطي الاجتماعي»، ويجمع بين التيار اليساري الديمقراطي والليبرالي الملتزم بالعدالة الاجتماعية." (
نفس المصدر السابق). وكما يلاحظ فهي قوى مدنية أو علمانية تطمح إلى إقامة مجتمع مدني علماني في مصر يفصل بين الدين والدولة وبين الدين والسياسة, ويأخذ بقاعدة "الوطن للجميع والدين لله".

5 . أما الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم, الذي صدر حكم قضائي بحله ومصادرة مقراته وممتلكاته بسبب مسؤوليته عن الفساد والإفساد, فقد اتخذ منذ البدء موقفاً مناهضاً للانتفاضة, ثم حاول جاهداً أن يقيل بعض رموزه لتخفيف الضغط عليه, ولكن الشعب قد أدرك بضرورة التخلص من هذا الحزب الذي عث قادته والكثير من البارزين فيه فساداً في أرض الكنانة. والكثير من هؤلاء القادة يقدمون إلى القضاء المصري لينالوا الجزاء العادل لممارساتهم المناهضة لقوى الشعب.

6. لقد اتخذ العديد من الأحزاب المحافظة موقفاً مناهضاً لحركة الشباب وانتفاضة الشعبية منذ البدء واعتبروا ذلك فوضى وشغب يقود إلى عواقب وخيمة ودافع عن وجود محمد حسني مبارك على رأس الدولة باعتباره منتخباً. وبعد تنحي مبارك تغير موقف البعض منها وبعضها الآخر سعى لإبقاء حكومة أحمد شفيق لتفادي تطور الأحداث وانتصار الانتفاضة. ولكنه في المحصلة النهائية وجد نفسه مجبراً على مسايرة الأوضاع الجديدة. ومن بين هذه الأحزاب نشير إلى حزب الغد وحزب الجيل الديمقراطي وحزب مصر العربي الاشتراكي وحزب المحافظين, وكان مجمداً ..الخ, التي وجهت تهنئة للشعب المصري بسبب تنحي مبارك عن رئاسة الجمهورية والتغيرات التي حصلت في البلاد. (
راجع: بحث السيد هاني الأعصر, مصدر سابق). وقد أدرك المجتمع الموقف الانتهازي لهذه القوى السياسية ذات القاعدة الجماهيرية الهزيلة.

7 . الهيئة العسكرية الحاكمة التي تحاول إيجاد طريق وسط بين الاتجاهات المختلفة لقوى الانتفاضة والقوى الأخرى, وإذا كانت قبل ذاك في انسجام تام مع سياسات ومواقف رئيس الجمهورية الذي ينتمي للطاقم العسكري, فإنها لم تكن تؤيده في موضوع توريث رئاسة الجمهورية لابنه جمال مبارك, إذ إنها ربما كانت تريد ان يكون الرئيس الجديد عسكرياً أيضاً. وبالتالي فهي من حيث المبدأ لا تمتلك أجندة خاصة بها للتغيير. ويبدو للمتتبع ومن خلال الخطوات التي قطعتها حتى الآن إنها ليست في انسجام تام مع قوى الثورة ولا مع الحكومة الجديدة, ولكنها أقرب إلى الحكومة منها إلى قوى الثورة, كما إن الحكومة الحالية هي أقرب إلى قوى الثورة منها إلى الهيئة العسكرية. وفي هذا يمكن أن يبرز الصراع بين هذه الأطراف الثلاث وبتأثيرات من أطراف أخرى محلية وعربية ودولية. ويبدو لي أن الهيئة العسكرية, وهي مشدودة إلى الوراء بخيوط قوية, تتطلع بهذا القدر أو ذاك إلى حصول تغييرات معينة, ولكن ليس في مقدورها السير بنفس النهج الثوري وبذات السرعة التي تريدها قوى الانتفاضة الشعبية, وخاصة الشبيبة المصرية التي قادت الفعل الثوري في مصر. ولا شك في أن الجيش المصري قد لعب دوراً مهماً في حسم الموقف, إذ كان يرفض التمديد والتوريث, كما رفض توجيه النار ضد الشعب, وبالتالي لعب دوراً مهماً ومباشراً في تحقيق مطلب الشعب في تنحي مبارك عن السلطة, ويبدو واضحاً إن الهيئة العسكرية هي التي صاغت بيان التنحي الذي قرأه عمر سليمان .

لقد أمكن حتى الآن خلع الرئيس ونائبه والحكومة المصرية السابقة والحكومة المؤقتة برئاسة أحمد شفيق وتشكيل حكومة جديدة برئاسة أحد المشاركين في الانتفاضة الشبابية والشعبية هو الدكتور عصام شرف تضم عناصر وطنية وديمقراطية ومن اتجاهات سياسية عديدة. كما جرى اعتقال وحبس تقديم مجموعة كبيرة من الحكام السابقين ابتداءً من مبارك ومروراً بولديه ورئيس الحكومة السابقة ورئيس مجلس النواب وبعض الوزراء, ومنهم وزير الداخلية, ومجموعة من النواب السابقين وأصحاب الأعمال وحبسهم على ذمة التحقيق حيث كشفت التحقيقات الجارية عن كم هائل من الفساد والاغتناء غير المشروع, إضافة إلى اتهام رئيس الدولة السابق ووزير داخليته بإصدار الأوامر بضرب المتظاهرين. كما جرت سلسلة من التغييرات في إدارة المحافظات وفي المسؤولين عن أجهزة ومؤسسات الإعلام الحكومي. ولكن كل ذلك ما يزال بحاجة إلى مزيد من الجهد لاستكمال عملية التحول في النظام السياسي والحياة الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والثقافية المصرية, وهي الإجراءات التي يمكنها تنشيط عملية التصدي لقوى الثورة المضادة وتعجيل عملية التحول من الانتفاضة الشعبية إلى ثورة فعلية تجري تغييراً كاملاً في حياة ومستقبل الشعب المصري. إن ما حصل في مصر حتى الآن يعتبر البداية الجادة والقادرة على التقدم وتحقيق التغيير المنشود.


القاهرة في 21/4/2011
 

مصر: الصراعات المريرة وإصرار الشعب على التغيير (2)
مصر: الصراعات المريرة وإصرار الشعب على التغيير (1)


 

free web counter