|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين 6/8/ 2012                                   د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

تعلم من دروس الماضي يا رئيس وزراء العراق!!

كاظم حبيب

يشكل تاريخ بلد مثل العراق , كحال بقية بلدان العالم , وحدة واحدة مترابطة عضوياً ومتفاعلة في العلاقة الجدلية بين الماضي والحاضر والمستقبل , رغم إن الماضي بأحداثه السالفة أصبح في خبر كان , ولكن نتائج أو عواقب السياسات والإجراءات والسلوكيات والطباع المتأصلة , إضافة إلى التقاليد والعادات الموروثة , تبقى فاعلة ومؤثرة في الحاضر وتتجلى بوضوح في حياة وسلوك الفرد والقوى والأحزاب السياسية والمجتمع. كما لعبت الأيديولوجيات دورها البارز في الماضي , فإنها تلعب دورها في الحاضر وستمارس دورها وتأثيرها في المستقبل أيضاً.

والماضي بأحداثه الفائتة يمكن أن يساهم في تجنيب الفرد والقوى والأحزاب والحكومات والمجتمع في الحاضر والمستقبل حين يدرس بعناية وموضوعية كبيرتين وحين يتم وعي واستيعاب دروس الماضي وعبره ويستفاد منها في وضع السياسات واتخاذ الإجراءات على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية. ويحتل أهمية استثنائية وعي الدروس والتعامل معها بعناية كبيرة حين يكون هذا الفريق السياسي أو ذاك يمسك بزمام الحكم في البلاد.

التجارب المنصرمة تشير بما لا يقبل الشك بأن النزوع إلى السلاح لحل المشكلات القائمة والمستعصية أو ممارسة القتال وخوض الحرب على الصعيدين الداخلي والخارجي لن يعالج المشكلات القائمة بل يزيدها تعقيداً ويخلق مشكلات إضافية للدولة والحكومة والمجتمع , في حين أن الجلوس إلى طاولة الحوار والتفاوض بروح سلمية وديمقراطية وباستعداد كامل ومتبادل للمساومة لصالح الجميع هو الدرب الوحيد المفضي إلى نتائج جيدة ويبعد عن المجتمع العواقب السيئة.

وحين يعود الإنسان إلى أحداث العقود الخمسة المنصرمة على أقل تقدير, دع عنك عقود العهد الملكي , سيتيقن من هذا الدرس المهم. وهذا الدرس يمس بالدرجة الأولى الموقف من القضية الكردية ومن نضال الشعب الكردي في سبيل حقوقه القومية المشروعة. فسياسة شن الحرب ضد الشعب الكردي لم تنته بالفشل الذريع فحسب بل وقادت إلى ثلاث عواقب سيئة جداً هي:

1 . المزيد من القتلى والجرحى في صفوف الشعب الكردي وفي صفوف قوات الجيش العراقي من جهة ومزيد من الدمار والخراب الاقتصادي وتعطل التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتنامي البطالة والفقر وتدهور الخدمات العامة من جهة أخرى , وخسارة المليارات من الدولارات الأمريكية في الصرف على تلك الحروب من جهة ثالثة.

2 . سقوط النظم السياسية التي شنت الحروب أو تسببت في نشوبها , لأن تلك الحروب لم تكن غير عادلة ولا معبرة عن مصالح الشعب العراقي ولا مجسدة لطموحاته وتطلعاته فحسب , بل وكانت ظالمة وحملت الشعب العراقي كله ما لا طاقة له.

3 . تفاقم المشكلات التي كانت قائمة وتعقدها أكثر ونشوء مشكلات جديدة قادت إلى مطالب وشعارات جديدة واستحقاقات جديدة.  

والسؤال العادل هو: هل تعلم رئيس الوزراء العراقي الحالي من هذه الدروس؟

إن السنوات الثلاث الأخيرة , والأشهر الأخيرة بشكل خاص , تؤكد بما لا يقبل الشك إن رئيس الوزراء العراقي لم يتعلم من دروس الماضي ليس في مجال العلاقة مع الشعب الكردي فحسب , بل ومن مجمل دروس الماضي بما في ذلك الموقف من الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان , ومن التداول السلمي والديمقراطي للسلطة ... الخ , وأنه لا يريد أن يتعلم حتى الآن رغم كل الكوارث السابقة!

فمنذ سنوات لا يتشبث رئيس الوزراء بالسلطة فحسب , بل يسعى بكل السبل إلى محاولة صرف الأنظار عن المشكلات الداخلية المتفاقمة في محافظات الوسط والجنوب وبغداد والموصل وكركوك وعجزه عن حل عملي لأبرز تلك المشكلات والتي يعاني منها المجتمع الأمرين من خلال إثارة الصراع وإشاعة التوتر السياسي مع إقليم كردستان العراق وإرسال بعض الوزراء والنواب والشخصيات السياسية من حزب الدعوة الإسلامية لإثارة الشعب ضد حكومة إقليم كردستان العراق. وآخر إجراء قام به هو إرسال وحدات من الجيش العراقي إلى منطقة الحدود العراقية السورية في إقليم كردستان العراق لأخذ مواقع لها دون التنسيق المتفق عليه مسبقاً منذ العام 2007 مع حكومة الإقليم وقوات البيشمركة التي هي جزء من القوات العراقية. لقد كُلفت قوات البيشمركة بمهمة حراسة الحدود وهي تقوم بذلك على افضل وجه ممكن منذ سنوات وبالتالي لم يكن ضرورياً إرسال تلك الوحدات دون الاتفاق المسبق مع المسؤولين هناك حول مدى الحاجة إلى تعزيز تلك القوات بقوات عراقية إضافية أو بالسلاح.

لقد أشرت في مقال سابق لي إلى ملاحظاتي النقدية حول سياسة حكومة الإقليم ولست بحاجة إلى تكرارها. إلا إن هذه المشكلات لا تعالج بالعفترة والاستفزاز وإرسال القوات المسلحة , بل بالجلوس إلى طاولة المفاوضات وإيجاد حلول عملية للمشكلات القائمة بدلاً من تصعيدها , وإلى عقد المؤتمر الوطني الواسع , الذي دعا له الحزب الشيوعي العراقي أولاً ثم جرى تبنيه وطرح بشكل مستمر من جانب السيد رئيس الجمهورية , إذ يفترض في هذا المؤتمر أن يجد الحلول المناسبة للمشكلات القائمة مهما كانت معقدة وإرساء الوضع على اسس أفضل , بما في ذلك قضية المحاصصة الطائفية المقيتة التي يراد الآن تشكيل المفوضية "المستقلة" للانتخابات" على غرار ذات المحاصصة السيئة الصيت , فماذا يبقى من استقلاليتها يا سادة المحاصصة! 

إن هدف رئيس الوزراء العراقي بإرساله القوات المسلحة العراقية إلى الحدود العراقية السورية هو ممارسة دور القوات السورية في منع الهاربين من طغيان النظام السوري وأجهزته العسكرية القمعية من دخول الحدود العراقية من جهة , ومنع المناضلين الكرد أو العرب السوريين من الدخول إلى سوريا لمساندة نضال شعبهم هناك من جهة أخرى , وهي مهمة غير مشرفة في كل الأحوال لا لرئيس الوزراء العراقي ولا للجيش العراقي , في حين احتضن الشعب السوري المعارضة العراقية طيلة عقود الطغيان البعثي في العراق واحتضن حزب الدعوة ورئيس الوزراء العراقي الحالي أيضاً.

إن رئيس الوزراء ورئيس حزب الدعوة الإسلامية يرتكب أفدح الأخطاء ويلحق أكبر الضرر حين يوافق على تنفيذ السياسة الإيرانية إزاء الشعب الكردي في العراق أولاً , وإزاء الوضع في سوريا وضد إرادة الشعب السوري ثانياً , وحين يحاول تصريف أزمته الداخلية وتراجع شعبيته ودوره ومكانته في التحالف الوطني من خلال إثارة الزوابع ضد إقليم كردستان العراق والتورط بتأييد الدكتاتورية البعثية المجرمة في سوريا.

إن من يحلم بتحقيق التحالف مع إيران لضرب الفيدرالية في إقليم كردستان وتصفية الحركة التحررية الكردي ينتهي إلى ذات المصير الذي أنتهى إليه صالح مهدي عماش الذي قال حينها بأن الحرب في كردستان ليست سوى نزهة ربيعية لا غير, وإلى ما انتهى إليه صدام حسين وعلي حسن المجيد وكامل الرهط البعثي القيادي المجرم.

إن على رئيس الوزراء أن يعي الحكمة القائلة : "ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع" , و "لو دامت لغيره لما وصلت إليه" , عليه ان يعي بأن المشكلات كافة يمكن حلها بالطرق السلمية والتفاوضية , وعليه أن يعي أيضاً بأن سياسة المحاصصة الطائفية التي ينتهجها لن تقود إلى صلاح المجتمع والبلد وتقدمهما بل إلى المزيد من المشكلات والعثرات والأزمات ومن ثم الهرولة للحاق برئيس حزبه السابق إبراهيم الجعفري الذي تجبر ومارس الطائفية بأسوأ وأفدح أشكالها وكانت الحصيلة إجباره على ترك سدة الحكم , وعليه أن يعي ايضاً بأن شعار "أخذناها بعد ما ننطيها!" سينتهي لصالح الشعب والمواطنة كما انتهى قبل ذاك شعار"القائد الضرورة!" صدام حسين حين هّرج قائلاً "جئنا لنبقى!".     

 

2/8/2012              

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter