|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  29 / 7 / 2016                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

وماذا بعد الانتصار والتحرير بالعراق....؟
(7)

كاظم حبيب
(موقع الناس)

هل يمكن توقع عودة داعش أو نشوء منظمات إرهابية مماثلة بالعراق؟

بعد أن تفاقم دور تنظيم القاعدة الإرهابية في مواجهة القوات العراقية والقوات الأمريكية بالعراق، وسعيها للهيمنة على منطقة غرب العراق، تمكنت القيادة العسكرية الأمريكية بالعراق توقيع الاتفاق مع العشائر العراقية بتشكيل قوات الصحوات من أبناء العشائر العراقية لتواجه قوات تنظيم القاعدة الإرهابي وتصفية وجودها بالعراق. وقد التزمت الولايات المتحدة دفع رواتب لمنتسبي الصحوات. وقد بلغ تعدادها عام 2012 وقبل البدء بحلها عملياً وتحويلها لمسؤولية العراق 103 ألف مقاتل، في حين بلغ عددها في نهاية العام 2012 بحدود 34 ألف مقاتل، وتحول دفع رواتبهم من الخزينة العراقية.

استطاعت هذه الصحوات وبدعم وتدريب القوات العراقية توجيه ضربات قاسية لقوات القاعدة الإرهابية وإيقاف الكثير من عملياتها الانتحارية والإرهابية ضد القوات الأمريكية والقوات العراقية والمجتمع العراقي. وكان هذا نجاحاً كبيراً للعراق وللمجتمع.

إلا إن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وحزب الدعوة الذي يترأسه وكذلك التحالف الشيعي وجدوا في قوات الصحوة منافساً طائفياً سنياً لهم ولمواقعهم في السلطة العراقية. وحين تم توقيع الاتفاقية الأمنية مع الإدارة الأمريكية وبدء انسحاب القوات الأمريكية من العراق، تحولت مسؤولية قوات الصحوة إلى الحكومة العراقية وكذلك دفع رواتبهم. فبدأ نوري المالكي بعدم دفع رواتب الكثير من أفراد الصحوات الذين أجبروا على ترك مواقعهم والالتحاق بجماعة داعش التي بدأت تنشط بالعراق في هذه الفترة وتهدد أفراد الصحوات بالقتل وقتلت فعلاً مجموعة غير قليلة منهم. ولهذا السبب تقلص عددهم إلى 34 ألف مقاتل في نهاية العام 2012 وبداية 2013، إلى أن تبخرت قوات الصحوة نهائياً، وهو ما كان يسعى إليه نوري المالكي وحزبه وتحالفه.

إن هذا الموقف الطائفي المخل باستقرار العراق أدى إلى تقوية مواقع تنظيم داعش، وهو الوليد الشرعي للقاعدة، وتعزيز دوره وزيادة تعداده وتعاظم خطره وعدوانيته، خاصة بعد أن رفض المالكي تنفيذ مجموعة من المطالب العادلة لأبناء الأنبار وصلاح الدين وديالى والموصل.

هذه التجربة الغنية في مواجهة قوات الإرهاب الدموية المتطرفة، والتي نشاهد مثلها اليوم في تشكيل قوات أبناء العشائر، التي تكافح مع القوات العراقية والمتطوعين في مواجهة داعش في الأنبار وصلاح الدين، كما ستقاتل بالموصل، يمكن أن تنتكس حين تبدأ الحكومة العراقية و"الحشد الشعبي" بالإخلال بأسس التحالف الوطني وتهميش دور سكان المناطق الغربية ونينوى، أو الإساءة لهم، أو مواصلة اعتقال وتعذيب وقتل المزيد من أبناء هذه المحافظات، بذريعة تعاونهم مع داعش. كما يمكن بعد تحقيق الانتصار والتحرير أن تعود بقايا هذه المنظمات الإرهابية إلى العمل في صفوف المتذمرين والناقمين على سياسات التمييز والتهميش والإقصاء ضدهم. ومن المشكوك فيه جداً أن يتمكن النظام السياسي الطائفي القائم أن يمارس سياسة جديدة ضد التمييز والتهميش والإقصاء، لأن هذه الأحزاب الإسلامية السياسية قائمة على أساس طائفي من حيث المبدأ والواقع العملي، وعلى أساس الانتقام مما لحق بالشيعة من مظلومية في فترة حكم البعث، وكأن أتباع المذهب السني هم المسؤولون عن تلك المظالم التي لم تلحق بالشيعة فحسب، بل وبكل الشعب العراقي.

ما هي السبل لتجنب ذلك ووضع العراق على الجادة السليمة؟ وما هي تلك الجادة السليمة؟

لقد ارتكبت الإدارة الأمريكية بفرض احتلالها على العراق أولاً، وإقامة قاعدة المحاصصة الطائفية والأثني في بنية النظام السياسي الطائفي والأثني بالعراق ثانياً، إذ إنه أسست بذلك لكل الصراعات والنزاعات الدموية اللاحقة والجارية حتى الآن. كما أن الدكتاتور الأهوج نوري المالكي خلف تركة ثقيلة جداً في الصراع الطائفي ونشر الكراهية والأحقاد وتكريس وتوسيع الفساد، وممارسة أنواع التمييز التي أضيفت إلى تركة نظام صدام حسين الاستبدادي الشوفيني. وأكثر الإضافات الجديدة إساءة للدولة والمجتمع تتجلى في وقوع احتلال نينوى ومحافظات غرب وشمال العراق والنزوح والهجرة الواسعتين لبنات وأبناء تلك المحافظات من مسيحيين وإيزيديين وشبك وتركمان ومسلمين عرب وغيرهم، وبشكل خاص ما تعرضن له نساء الإيزيديات من سبي واغتصاب وبيع بالمزاد العلني وفي سوق النخاسة "الإسلامي" السيء الصيت.

إلا إن من تسلم الحكم من بعده، ورغم الوعود التي قطعها على نفسه أمام الشعب، فأنه لم يخط ولو خطوة واحدة حقيقية على طريق الخلاص من النظام والنهج والسياسات الطائفية المقيتة. لقد أخل حيدر العبادي بكل الوعود والعهود والقسم الذي قطعه على نفسه، فهو من قادة النحبة الإسلامية السياسية الطائفية ذاتها التي تسلمت السلطة في أعقاب الاحتلال وتشكيل مجلس الحكم المؤقت، وهو المشارك الفعلي في كل ما واجه ويواجه العراق من مشكلات ومأسي وكوارث خلال السنوات الـ 13 المنصرمة. وبالتالي، فأن مطالب الشعب كانت وستبقى كما كانت عليه في فترة حكم المالكي المعتم، وخاصة في دورته الثانية 2010-2014. فالشرط الأول والرئيس لمنع عودة قوى الإرهاب بمختلف صنوفها إلى العراق يكمن عضوياً بعملية التغيير في طبيعة النظام الطائفي المحاصصي صوب نظام مدني ديمقراطي يعترف بهوية المواطنة العراقية الموحدة والمتساوية، وليس بالهويات الفرعية المتنافسة والمتصارعة والقاتلة. إن الضمانة الوحيدة للخلاص من الصراع الديني والمذهبي يكمن في إقامة دولة مدنية ديمقراطية علمانية ومجتمع مدني ديمقراطي حديث بالعراق، يستند إلى مؤسسات دستورية نزيهة، ودستور ديمقراطي علماني يرفض التمييز بين أتباع القوميات والديانات والمذاهب والاتجاهات الفكرية والسياسية الوطنية، ويعاقب على ممارسة العنصرية والشوفينية والتمييز الديني والطائفي والتهميش لأي إنسان أو جماعة بالعراق، ويعترف ويمارس حقوق الإنسان وحقوق القوميات وحقوق المرأة كاملة غير منقوصة. إنها القضية الجوهرية والأساسية الأكثر تعقيداً والأكثر تشابكاً داخلياً وإقليمياً ودولياً، والأكثر أهمية للمجتمع العراقي ومستقبل تطور وتقدم أجياله الجديدة ووضع ثرواته في خدمة التنمية الاقتصادية والبشرية، وإعادة إعمار البلاد وتخليصها من كل الرثاثات التي لحقت بها وبالمجتمع والدولة العراقية نتيجة هيمنة القوى السياسية ذات الفكر والممارسة السياسية الرثتين.

كيف الوصول إلى ذلك؟

ندرك جميعاً بأن السياسة علم وفن، وهي لا تخضع للإرادات الذاتية، بل ترتبط بالواقع الموضوعي وخصوصياته وموازين القوى الاجتماعية والسياسية وإمكانيات المجتمع على التغيير المنشود. والسياسة كما هو معروف فن الممكنات والتي لا بد من تشخيصها ليتسنى للمجتمع والعاملين على التغيير استيعابها وقيادة العملية السياسية صوب التغيير.

تؤكد معطيات الواقع الراهن بأن ميزان القوى الاجتماعي والسياسي ما يزال يميل لصالح القوى الحاكمة، ولكنه في حراك مستمر ويسير صوب التغير الملموس، رغم سير العملية ببطء، لصالح القوى والاتجاه المناهض للطائفية السياسية والفساد والعنف ومصادرة سلطات الدولة والهيمنة على المجتمع وإرادته والاستمرار في افقار الفئات الكادحة والمتضررة من وجود هذا النظام السياسي الطائفي والعمل ضد مصالح الشعب.

وعملية التغيير في ميزان القوى لا تنشأ عفوياً ودون عمل الإنسان ذاته وعلى وفق مصالحه المغيبة والمصادرة. فعملية التغيير تفعل على وفق عاملين داخليين اساسيين هما:

العامل الأول: السياسات المناهضة لمصالح الشعب ووحدته والأخطاء الفادحة التي تمارسها وترتكبها النخب الحاكمة بالبلاد، وهي كثيرة جداً، سوف تسرع عملياً من نهاية وجود هذه النخب البائسة فكرياً وسياسياً في الحكم.

العامل الثاني: يرتبط بقدرة القوى المعارضة على تقديم البديل الناضج والواعي والمقنع لما ينبغي عليه القيام به أولاً، ومن ثم مدى قدرتها على الاستفادة من أخطاء وسياسات النظام المناهضة لمصالح الشعب في تعبئة أوسع الجماهير المتضررة من الوضع القائم والراغبة في التغيير ثانياً.

ولا شك في أن أي تغيير حقيقي في ميزان القوى لصالح القوى الديمقراطية واللبرالية العراقية، يمكن أن يضعف إلى حدود بعيدة التدخل الإقليمي في شؤون العراق الداخلية.

إن مهمة تعبئة الجماهير الواسعة تستوجب رؤية انفتاحية على المجتمع كله وعلى كل القوى القادرة على تقديم العون والمشاركة في توعية وتعبئة الجماهير الشعبية لتحقيق التحولات المنشودة، وعلى أفكار هذه القوى ونشاطاتها والتحري عن سبل التعاون والتنسيق معها، سواء أكان هذا التعاون قصير الأمد ولأهداف محددة أو متوسط وبعيد المدى على وفق برامج تلك القوى وأهدافها ومصالحها الملموسة.

وبشكل ملموس نشير إلى أن ما يجري اليوم بالعراق يحتل أهمية استثنائية في عملية ووجهة التغيير اللاحقة، خاصة في مدى استيعاب القوى الفاعلة في الحراك الشعبي المدني والديني لتجارب السنوات المنصرمة، وخاصة منذ أحداث العام 2011 ودور السلطة التنفيذية من حركة الجماهير وضربها بقسوة وضد الدستور، وكذلك التحركات اللاحقة في أعوام 2013 و2015 حتى الوقت الحاضر، في نضالها الراهن من أجل التغيير والإصلاح الجذري.

شهد المجتمع العراقي بين 14/2/-6/5/2011 بروز حركة احتجاجية تضامنية رفع رايتها اليساريون والمدنيون الديمقراطيون واللبراليون العلمانيون وطرحت المهمات الشعبية الأكثر إلحاحاً وضرورة للمجتمع والتي تبلورت في النقاط التالية :
1. خروج القوات الأمريكية من العراق وإنهاء الاتفاقية الأمنية.
2. محاربة الفساد الذي عم البلاد ومكافحة المفسدين والتصدي لنهب النفط الخام العراقي.
3. التصدي لقوى الإرهاب الدموي المنتشر في البلاد وإيقاف نزيف الدم المستمر.
4. التصدي لمشكلة البطالة المتفاقمة وإيجاد فرص عمل للعاطلين وتحسين مستوى حياة ومعيشة الكادحين وذوي الدخل المحدود والفقراء المتزايد عددهم بالبلاد.
5. توجيه موارد البلاد صوب التنمية الوطنية الاقتصادية والاجتماعية وإيقاف التفريط بأموال الشعب.
6. رفض النظام الطائفي والمحاصصة الطائفية.
7. أطلاق سراح المعتقلين بتهم زائفة، والكف عن الاعتقال غير القانوني وإيقاف التعذيب أثناء التحقيق وفي السجون العراقية.

لم تتحقق هذه المهمات الجوهرية خلال الفترة المنصرمة بل زاد الأمر سوءاً مما استدعى نهوض جديد للحركة المدنية الشعبية تحقق في آب/أغسطس من العام 2015، وهي امتداد طبيعي لحركة 2011. وقد أثرت هذه الحركة الجارية باتجاهات عدة نشير إلى أبرزها فيما يلي :
1. تحريك المزيد من الجماهير الشعبية وخاصة الفئات الكادحة المرتبطة بالسيد مقتدى الصدر والتي اقترن عملها قبل ذاك بالصراع ضد قوى الاحتلال وبعض القوى الشيعية المشاركة في البيت الشيعي، وخاصة بجناحها العسكري المدعو بجيش المهدي، والذي يسمى اليوم بسرايا السلام. حيث بدأ هذا التيار الديني الشيعي يتحرك باتجاه مطالب المنتسبين إليه والداعمين له والمرتبطين بدور العائلة الديني (تقليد والده ومن ثم تقليده من حيث الفتاوى الدينية لأتباعه). وبدأت مطالبة مقتدى الصدر، وتحت ضغط أتباعه إلى محاربة الفساد ومحاسبة المفسدين والإرهاب وضد المحاصصة الطائفية والحكم الطائفي. وكان هذا الموقف يسجل تحولاً ملموساً في صفوف التيار الصدري (الأحرار) التابع له والممثل في مجلس النواب، إضافة إلى بعض التوجه صوب ضرب بعض الفاسدين من أتباع التيار البارزين في التيار الصدري. ولا شك في أن عمق وسعة وأهمية هذا التحول ستبرز في الفترة الجارية وفي النضال من أجل الدولة المدنية وضد المحاصصة الطائفية والفساد...الخ.

2. تحريك للحوزة الدينية الشيعية المتمثلة بالسيد علي السيستاني الذي وجد الحوزة في وضع غير مناسب جماهيرياً بسبب تأييده المستمر للأحزاب الإسلامية السياسية المتحالفة في الائتلاف الوطني أو البيت الشيعي، والتي انتشر في صفوفها ليس الفساد والرثاثة فحسب، بل والصراع على السلطة والمال والنفوذ إلى أقصى الحدود وتركت الجماهير تعاني الأمرين، إضافة إلى ما تسببت به من احتلال لمناطق العراق الغربية ونينوى. وبالتالي طالبت الحوزة الدينية الساستانية بتنحية المالكي بشكل غير مباشر فحسب، بل وبمحاربة الفساد والمفسدين وبالدفع صوب الدولة المدنية ولأول مرة في تاريخ السيد علي السيستاني.

3. اتساع قاعدة النشطاء من المدنيين في الحراك المدني الشعبي والناس المتضررين الذين شعروا بعمق الأزمة التي يعيش تحت وطأتها العراق، والعواقب الوخيمة التي جرها النظام السياسي الطائفي على المجتمع العراقي.

4. وقد أدركت النخب الإسلامية الحاكمة بأنها لم تعد قادرة على الحكم على وفق السياسات والوسائل أو الأدوات والأساليب السابقة، مما فرض عليها الحديث عن الإصلاح الجزئي، والمقصود الشكلي، لكي تستطيع البقاء في الحكم. ولم يكن تنكيس الرؤوس إلا لتجنب العاصفة، والذى تجلي بالموافقة على تغيير نوري المالكي بحيدر العبادي، وهي الطريقة المثلى لها لتجنب التغيير الجذري الذي بدأت الحركة المدنية الشعبية والجماهير الغاضبة، والمتزايد عدد المشاركين في الاحتجاجات، تفرضه على القوى الحاكمة.


وماذا بعد الانتصار والتحرير بالعراق....؟ (6)

وماذا بعد الانتصار والتحرير بالعراق....؟ (5)

وماذا بعد الانتصار والتحرير بالعراق....؟ (4)

وماذا بعد الانتصار والتحرير بالعراق....؟ (3)

وماذا بعد الانتصار والتحرير بالعراق....؟ (2)

وماذا بعد الانتصار والتحرير بالعراق....؟ (1)


 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter