| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

khabib@t-online.de

 

 

 

 

الأربعاء 2/8/ 2006

 



ما هي أبعاد الجانب السياسي في خطة التنمية في إقليم كردستان العراق؟

( 3-3 )

كاظم حبيب

قبل أن أبدأ بطرح تصوري عن هذه الجانب السياسي في الخطة ذات الأبعاد الخمسة, أود أن أشير إلى أن ما ورد حول الاتحاد الإسلامي الكردستاني كان بمثابة توضيح للعلاقة بين السلطة وقوى الإسلام السياسية بشكل عام, إذ أن الاتحاد الإسلامي الكردستاني يعتبر من أقرب القوى السياسية الإسلامية إلى مفهوم وممارسة الديمقراطية في كردستان, وهو أقرب إلى المجموعة التي خرجت من حزب الدعوة الذي يقوده الدكتور إبراهيم الإشيقر الجعفري في العراق وعلى رأسهم الشيخ ضياء الشكرجي. ولكن لا يعرف الإنسان التحولات المحتملة التي يمكن أن تطرأ على هذه الأحزاب في مجرى العملية السياسية أولاً, ومع التغيرات التي يمكن أن تحصل في موازين القوى السياسية والاجتماعية في إقليم كردستان العراق ثانياً, إضافة إلى مدى الأخطاء التي ترتكبها الأحزاب السياسية العلمانية الحاكمة حالياً التي يمكن أن تشجع المزيد من الناس إلى التحول صوب قوى الإسلام السياسي.
أشرت في الحلقتين الأولى والثانية إلى أن إقليم كردستان بحاجة إلى خطة ذات خمسة أبعاد, وهي الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية-الإعلامية والأمنية, مع ضرورة معرفة مدققة بواقع الحال في كردستان واتجاهات تطور الأوضاع في العراق عموماً وفي الدول المحيطة بكردستان ومنطقة الشرق الأوسط.
لقد اطلعت على البرنامج المكثف الذي عرضه السيد رئيس وزراء الإقليم على مجلس النواب الكردستاني, مؤكداً بأنه سيطرح البرنامج التفصيلي بعد شهر ولم يظهر حتى الآن, حسب علمي ومتابعتي, ولكن يمكن أن يكون قد فاتني.
سأطرح في هذه الحلقة بعض الأفكار المكثفة التي يمكنها الإسهام ولو بقسط بسيط في بلورة وجهة التطور المنشودة في إقليم كردستان العراق في الجانب السياسي منها فقط لأهميته في مجمل العملية الديمقراطية ولصعوبة الحديث عن بقية الجوانب والأبعاد في هذه الحلقة, إذ ربما سأعالجها في مقالات أخرى لاحقاً.
من يعرف الأوضاع في إقليم كردستان العراق يمكنه أن يؤكد وجود العديد من المسائل التي تخضع لمبدأ النسبية, بسبب حداثة التجربة والواقع الاقتصادي المعقد وطبيعة علاقات الإنتاج السائدة وطبيعة البنية الاجتماعية أو الطبقية للمجتمع الكردستاني وأسلوب الحكم الراهن. وبصدد الجانب السياسي من عملية التنمية, أود أن أطرح الملاحظات التالية:
• تحيط بإقليم كردستان العراق بعض الدول والقوى السياسية التي لا ترغب في رؤية شعب كردستان يقيم فيدراليته ضمن الجمهورية العراقية الاتحادية, وأن هذه الدول والقوى تتحين الفرص لإشاعة الفوضى وعدم الاستقرار تماماً كما هو سائد في بقية أنحاء العراق, وهو غير بعيد عن دور لها في كل ذلك. وهي مسألة تفرض على المسؤولين ممارسة سياسة تضعف إمكانية الاختلاف والصراع والاحتراب والنزاع السياسي أو المسلح من جهة, وتتحرى عن مساومات تساهم في تحقيق التعاون والائتلاف. وهذا يعني أن الحرية ستكون مقيدة بجانبين, بقضية الأمن والاستقرار من جهة وبالائتلاف السياسي للقوى السياسية من جهة أخرى, إذ أن الحرية وأمن المواطنين هما وجهان لعملة واحدة فلا حرية دون الأمن ولا أمن دون الحرية.
• ولكن هذه الحقيقة النسبية تفرض من جانب آخر أن ترتبط الحرية بالديمقراطية التي تستوجب تنشيط الحياة السياسية والمشاركة الفعالة للسكان بالحياة العامة وفي البناء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي, كما تستوجب تنشيط روح النقد لسياسات الإقليم, إذ أن النقد هو الضوء الذي ينير طريق الحكومة ويبعد الفردية والتسلط عن المسيرة السياسية ويعزز المشاركة في مجمل العملية الجارية. فالحرية المقيدة نسبياً بسبب الأمن يفترض أن لا تقود إلى ديمقراطية مقرّمة ومنقوصة ومفصلة على مقاس الحزبين الحاكمين لا غير, عندها ستؤثر سلباً على مجمل العملية السياسية في الإقليم وعلى العلاقة بين الفرد وحكومة الإقليم والأحزاب السياسية الحاكمة. ليست الديمقراطية بكثرة الصحف والمجلات والكتب والنشرات والندوات الصحفية والتلفزيونية فحسب, بل وبنوعية ومضامين كل ذلك من جهة, وبقدرتها على التعبير عن سياسات مستقلة عن الحكومة والأحزاب الحاكمة وبقدرتها على ممارسة النقد البناء لتلك السياسات إيجاباً أو سلباً من جهة ثانية, وبمدى استعداد السلطة عل القبول بذلك أو تحمله واحترام الرأي الآخر والسعي للاستفادة منه من جهة ثالثة, وليس اللجوء إلى محاسبة الكاتب أو الجريدة أو المجلة, بسبب ممارسته النقد في إطار الحياة الديمقراطية والدستورية.
• يعرف الجميع أن الديمقراطية ليست سوى عملية سياسية اجتماعية ثقافية واقتصادية وأمنية في آن واحد, وبالتالي فهي متلازمة مع بقية الجوانب بقوة وتتأثر بها وتؤثر فيها وعليها في آن واحد. وبالتالي لا نتوقع أن تنتعش الديمقراطية دفعة واحدة, ولكن النهج الذي تسير عليه سياسة الإقليم هو الذي يفترض أن يكون سليماً معافى. فالفساد المالي حين يسود مثلاً تنشأ عنه عواقب سيئة ومحبطة, منها احتمال تراجع الأمن وتراجع الديمقراطية وانكسار الحرية وتراجعها وبروز ظواهر للإرهاب السياسي أيضاً, إذ تتراجع ثقة الناس بالحكم وبالقوى الحاكمة والأحزاب السياسية الفاعلة وتنتهي إلى نشوء عدم ثقة وتذمر واحتجاج ورفض ...الخ. وهو ما يمكن أن تستفيد منه القوى المناهضة للتجربة الكردستانية الداخلية منها والخارجية.
• والديمقراطية لا يمكن أن تميز بين الناس, سواء أكان على أساس حزبي ضيق أم قبلي أم إقليمي أم ديني أم قومي, في مجالات التوظيف والدراسة والزمالة الدراسية أو الحصول على عقود المقاولات أو التمييز بين المرأة والرجل في تلك المجالات وفي الحياة العامة عموماً, إذ أن ممارسة التمييز بحد ذاته يعتبر تجاوزاً فظاً على حقوق الإنسان وحقوق القوميات المتعددة وعلى التعددية ويساهم إلى أبعد الحدود في إضعاف التفاعل بين الحكومة والأحزاب السياسية الحاكمة والمجتمع, الذي في غالبيته غير حزبي ومن قبائل مختلفة ومن عوائل كثيرة ومدن ومحافظات مختلفة وأديان وقوميات متعددة.
• الديمقراطية لا تضعف القدرة على حماية الأمن بل تعززها وتكشف عن العورات الموجودة في الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والأمني وتساهم في سد الثغرات وتعزيز وحدة المجتمع وتساعد الحكومة عل ى تعديل مسيرتها, وهي الطريق للعدالة الاجتماعية النسبية المنشودة في ظل العلاقات الإنتاجية التي يراد إقامتها في البلاد, وهي لا تخرج عن كونها علاقات إنتاجية رأسمالية ضرورية لعملية التغيير الاقتصادي والاجتماعي في الإقليم وفي عموم العراق.
• والديمقراطية تعني بناء المجتمع المدني على أسس جديدة غير التي عرفها المجتمع الأبوي أو الإقطاعي والعشائري, وبالتالي يفترض وجود عشرات المنظمات غير الحكومية التي تساهم في دعم جهود المجتمع لضمان حقوقه ومساعدة الإقليم في الوصول إلى الأفضل في تحقيق مصالح المجتمع, فهي أداة بيد المجتمع لصالحه, ولكنها ليست بالضرورة ضد الحكم, بل تسعى من خلاله لتحسين حياة المجتمع وضمان ممارسة حقوقه وواجباته. فالديمقراطية ليست حقوقاً فحسب, بل وواجبات أيضاً. والمنظمات غير الحكومية في ظل سيادة الديمقراطية أن تكون الوسيط الفعال بين الحكومة والمجتمع.
• وديمقراطية الحكم لا تقوم بأي حال على المناصفة في توزيع الحكم, بل يفترض أن تكون صناديق الاقتراع الطريق العملي للحكم وللمعارضة الديمقراطية. أي التداول الديمقراطي البرلماني للسلطة. مع معرفتي النسبية المتواضعة بتعقيدات ماضي العلاقات بين القوى السياسية في إقليم كردستان العراق, وخاصة بين الحزبين الرئيسيين الحاكمين, فأن الطريقة المتبعة في المناصفة تغمط حقهما في المنافسة من جهة, وحقوق الأحزاب والقوى السياسية الأخرى من جهة ثانية. كما أن التحالف السياسي لا يعني بالضرورة إنزال قائمة واحدة تستند إلى المناصفة وإلى منح عدد من المقاعد البرلمانية والوزراء لبقية الأحزاب والقوى السياسية, إذ يمكن إيجاد صيغة أخرى للمنافسة في ظل التحالف السياسي الديمقراطي.
• يشد الحرية بالديمقراطية حبل صري, فهما لا ينفصمان, وبالتالي فأن الإخلال بفعل أحدهما ينعكس مباشرة في فعل الثاني. وهو ما يفترض الانتباه إليه. فحق التظاهر والإضراب والتعبير عن الرأي والنشر وما إلى ذلك يفترض أن يسود وأن ينظم كل ذلك بقوانين عقلانية تسمح للمجتمع دون عقبات بممارسته, ولكن في إطار القوانين, وإلا جمحت السلطة من جهة, وجمح المجتمع من جهة أخرى, باتجاهين متعارضين والعاقبة سيئة بطبيعة الحال للطرفين, وخاصة في ظروف إقليم كردستان المعقدة.
في أحدى الاجتماعات التي عقدت في الخارج طرح أحد الحاضرين السؤال التالي:
هل يستطيع الناس في كردستان أن يتظاهروا ضد سياسة الحكومة, أو ضد الفساد المالي والمحسوبية والمنسوبية, أو ضد بعض سياسات السيد مسعود البارزاني, رئيس الإقليم, أو السيد مام جلال الطالباني, رئيس الدولة؟
كان جواب المحاضر, وهو من مؤيدي وأصدقاء الشعب الكردي, لا يعتقد بإمكانية ذلك. وأراد المحاضر أن يكون صادقاً مع نفسه, وهي إشكالية كبيرة. أرجو أن ينتبه لها المسؤولون في كردستان إذ أن عيون الناس مفتوحة على ما يجري في إقليم كردستان من منطلق الحرص على التجربة, ولكن هناك من ينتظر أن تفشل هذه التجربة أيضاً. وغياب العلاقة المتطورة والمغتنية باستمرار بين الحرية والديمقراطية من جهة, وبينهما وبين حماية الأمن والاستقرار والسلام من جهة ثانية, لا يساعد بأي حال على تعزيز التجربة وتكريسها بقوة والتفاف الجماهير في كردستان, سواء أكانوا من الكرد أم من بقية القوميات, وعندها لا يمكن أن تكون أحد النماذج الجيدة في المنطقة وفي العراق بالذات. وهو ما يفترض تجنبه.

برلين في 26/7/2006

¤ الجزء الثاني

¤ الجزء الأول