| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

khabib@t-online.de

 

 

 

 

الأثنين 24/7/ 2006

 

 

الاستقرار وقوى الإسلام السياسي في إقليم كردستان العراق !

( 1-3 )

كاظم حبيب

بدأت الصحافة العالمية تكتب من جديد عن أوضاع كردستان العراق وعن مدى متانة حالة الأمن والاستقرار السائدتين حاليا في الإقليم, إضافة إلى كتابات جديدة حول قوى الإسلام السياسي واتجاهات تطورها. جاء ذلك, على سبيل المثال لا الحصر, في مقالين مهمين, أولهما بحث في الوضع العراقي عموماً والوضع في كردستان للكاتبين الألمانيين توماس أوفر وتوماس فون دير أوستن-ساك. والمقال الثاني لمراسل "كريستيان ساينس مونيتور" في أربيل بالعراق, جيمس براندون. وكلا المقالين يتضمنان معلومات قيمة وتحليلات مهمة يفترض الإطلاع عليهما لمعرفة المشكلات التي تواجه العراق عموماً وكردستان على وجه الخصوص. ومن زار كردستان في الفترة الأخيرة يستطيع أن يقدر مدى أهمية هذين المقالين وغيرهما من المقالات التي تنشر في الصحافة الغربية, إذ أنها تعبر بعمق عن قلق هذه الأوساط من الاتجاهات السلبية في تطور الأوضاع, بغض النظر عن العوامل الكامنة وراء هذا القلق, إذ أنها سريعة في التقاطها لما يمكن أن يقع مستقبلاً, إن لم تتخذ الإجراءات الكفيلة بمواجهة السلبيات من جانب النخب الحاكمة.
لم يعد البحث في هذا الموضوع شائكاً على صعيد منطقة الشرق الأوسط, فالمعلومات المتوفرة كثيرة, كما أن قوى الإسلام السياسي, سواء أكانت المتطرفة والمتشددة منها أو القوى المعتدلة, لم تعد تخفي الأهداف التي تسعى إليها أو العلاقات التي تربط في ما بينها على صعيد المنطقة والعالم.
فالمعلومات المتوفرة بالنسبة للعراق أو لإقليم كردستان العراق تشير إلى أن مثل هذه الروابط قائمة على مستويات مختلفة وقوية ومنظمة بشكل جيد وفعال. ويفترض أن أشير على ما يلي:
1. أن قوى الإسلام السياسي المتطرفة والمحلية ترتبط ترتبط بأواصر وعلاقات متينة على الصعيد العالمي تقوم على أساس التنسيق وتبادل الخبرة والمعلومات واللقاءات, كما تستفيد من كوادر بعضها لدعم البعض الآخر, أو يوفر بعضها المساعدات المالية والسلاح لبعضها الآخر. وهي تنتقل وفق الحاجة من منطقة إلى أخرى أو حتى في ما بين البلدان, فالساحة السياسية والعسكرية مفتوحة لنشاطها ووفق الحاجة التي تمليها عليها قياداتها.
2. إن هذه القاعدة العامة المعمول بها من جانب قوى الإسلام السياسي المتطرفة تأخذ ببعضها المهم قوى الإسلام السياسي المعتدلة والتي ترتبط إما بقوى الإخوان المسلمين أو بحركات مقاربة سنية أو بحركات شيعية بالنسبة إلى قوى التركمان والعرب من أتباع المذهب الشيعي, وهي تحاول أو تقوم فعلاً بالتنسيق وتتجاوز الحدود القومية في الغالب الأعم لأنها لا تؤمن بالقضية القومية أساساً, إلا في حالات تكتيكية فقط ومؤقتةً.
3. إن هذا القول يشمل قوى الإسلام السياسي الكردية والتركمانية أيضاً في كردستان العراق, بما فيها كركوك, لا يمنع من وجود قوى قومية كردية ذات نزعات دينية أيضاً تتصرف وفق نهج قومي سياسي أكثر مما تتصرف وفق نهج ديني سياسي. ويمكن في حالات معينة أن ينقلب أحد الاتجاهين لصالح الثاني ويتغير في فترة أخرى وفق موازين القوى السياسية في المجتمع ودور الدولة والقوى السياسية الأخرى.
هذا المدخل المحدد يضعني أمام المسألة التي أحاول معالجتها بشأن كردستان العراق.
منذ أن توقف القتال بين الحزبين الرئيسيين الحاكمين في إقليم كردستان, الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني, واتفاقهما منذ العام 1998 على معالجة المشكلات بينهما بالطرق السلمية وبآليات ديمقراطية تفاوضية وتوافقية, بدأ هذا الإقليم ينعم بالهدوء والأمن والاستقرار. وتعزز هذا الاتجاه, رغم كل المصاعب, في أعقاب سقوط النظام الاستبدادي وتوفر إمكانيات أفضل لمعالجة أوضاع المجتمع الكردستاني. إلا أن هذا الاستقرار وسيادة الأمن بشكل عام واطمئنان الناس للوضع لم يمنع من تنفيذ عمليات إرهابية انتقامية بشعة بين فترة وأخرى من جانب بعض الانتحاريين الأوباش أو محاولات الهجوم على دار هذا المسؤول أو ذاك أو بعض الاغتيالات المحدودة بقرارات من قيادة تلك التنظيمات المتطرفة والإرهابية, وخاصة أنصار الإسلام السنة الكرد وبأسمائها السابقة (جند الإسلام, أنصار الإسلام). وقد توجهت بالأساس ضد الناس الأبرياء وبينهم مجموعة من الكوادر السياسية القيادية والمتقدمة في الحزبين الحاكمين.
إن أمنية أن يتوطد أمن إقليم كردستان ويتعزز الاستقرار وطمأنينة الناس هي القاسم المشترك بين جميع الناس. ولم يأت هذا من مجرد الرغبة بل نتيجة نشاط واسع للقوى السياسية في كردستان العراق منذ سنوات كثيرة. وحالة الآمن والاستقرار في كردستان تختلف كلية عن حالة الفوضى والعبثية والقتل والتدمير وغياب الاستقرار والأمن في العاصمة بغداد والبصرة وغيرها من العراق, وهي نتيجة منطقية للصراعات السياسية الطائفية بشكل خاص الدائرة هناك من جهة وضعف القوى الديمقراطية واللبرالية والعلمانية فيها من جهة ثانية.
تسنى لي خلال زيارتي المتكررة سنوياً إلى كردستان أن أدرس عن قرب الواقع الكردستاني وأن أتبين بعض الزوايا التي ربما لا يراها من هو دائم الإقامة هناك أو من هو مسؤول ولا تصله كامل المعلومات عن كردستان العراق, أو أنه يعرفها ولا يمكنه أن يغير من الواقع القائم شيئاً, أو لا يجرؤ على الكتابة عما يراه يومياً دون مجهر, رغم وجود حرية نسبية تساعد على الكتابة عن السلبيات التي تواجه المجتمع ونشرها في الصحافة المحلية. وخلال الفترة الأخيرة بدأت تبرز كتابات تشير إلى السلبيات بشكل واضح وملموس, وهي ظاهرة إيجابية يفترض أن تتعزز بهدف البناء وجلب الانتباه لمواطن الضعف والنقص والأخطاء وليس بقصد الإساءة للوضع القائم.
إن الأمن والاستقرار والسلام الاجتماعي مسائل نسبية ويصعب قياسها بسهولة, ولكن مع ذلك يمكن الوصول إلى مؤشرات غير قليلة تفصح عن ذلك وعن التغيرات المحتملة على هذا السبيل. من يتابع الوضع في كردستان ومن يحتك بالأوساط العشبية السياسية منها وغير السياسية وبالمثقفين الكرد يمكنه أن يشخص بدون جهد كبير مجموعة من الظواهر السلبية, (لا يشمل مقالي هذا الجوانب الإيجابية التي تحدثت عنها أكثر من مرة), التي إذا ما تواصلت وتفاقمت ستقود إلى زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد, عندها لا يمكن لأجهزة الأمن ضبط الأمور إلا بالقوة التي تزيد من خراب العلاقة بين السلطة والمجتمع, إذ أن القضية ليست إرادية, بل هي عملية اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وأمنية في آن واحد لا يمكن مواجهتها ما لم تطرح المعالجات لها قبل تفاقمها وقبل تحولها إلى نزاعات اجتماعية تتخذ أساليب وصيغاً مختلفة, ومنها صيغة العنف.
الظاهرة الأولى: التداخل والتشابك غير المناسب وغير السليم بين أجهزة الفيدرالية والأجهزة الحزبية, وهيمنة الثانية بشكل مطلق على الأولى. وتقسيم الدوائر والمسؤوليات الأساسية بين الحزبيين على نحو خاص. وهي ظاهرة سلبية تقود إلى استبعاد العناصر المستقلة التي يفترض أن تشعر بأنها تمتلك ذات الحقوق والواجبات وأن وطنيتها لا تقل عن وطنية الحزبيين في الإقليم, وأن هناك ثقة بها, ولا تقتصر الثقة على الحزبيين فقط.
الظاهرة الثانية: التضخم الهائل وغير المعقول في أجهزة الإدارة الحكومية والإقليم بما يقود إلى بروز فئة اجتماعية تكون مرتبطة بالحكومة وبالحزبين الحاكمين من جهة, واستنزاف موارد مالية كبيرة جداً من خزينة الإقليم بدلاً من توجيهها نحو عملية التنمية ودفع الناس للمشاركة في العملية الإنتاجية وليس في الإدارة الحكومية. إذ أن هذا التوجه يساهم في تشويه بنية المجتمع بدلاً من إعادة تكوينها من خلال تنشيط العمليات الاقتصادية الإنتاجية الصناعية والزراعية والنشاط الخدمي الحديث المستند إلى تقنيات حديثة.
الظاهرة الثالثة: تفاقم حالة الفساد المالي والإداري في أجهزة الأحزاب ومؤسسات الإقليم وفي المجتمع والشركات الأجنبية العاملة في الإقليم. وهي ظاهرة يصعب وضع اليد عليها بسهولة نتيجة الخبرة المتراكمة لدى المتعاملين بها, ولكن المجتمع والمسؤولين في كردستان يتحدثون عن هذه الظاهرة باعتبارها مشكلة فعلية بصوت مرتفع دون أن تتخذ إجراءات كفيلة بردعها, ويمس أحياناً بعض المسؤولين المتقدمين في الحزبين أو بقية الأحزاب وفي أجهزة الإقليم.
الظاهرة الرابعة: تفاقم الفجوة بين الغنى والفقر في المجتمع وتنامي عدد الفقراء والمعوزين في مقابل تنامي غنى الأغنياء واتساع نسبي في قاعدتهم, وتنامي حجم ممتلكاتهم والعقارات والشركات التي بحوزتهم.
الظاهرة الخامسة: رغم التوجه صوب الإعمار والتنمية, فأن هناك مناطق متخلفة لا يشعر الإنسان بوجود اهتمامات بها, رغم ضرورتها, مما يقود إلى تنامي التذمر وعدم الثقة لدى الأوساط الشعبية والفقيرة التي كانت باستمرار جنود الثورة الكردستانية وقاعدتها الاجتماعية ومعينها الذي لم ينضب. ويزداد التذمر بين ضحايا الأحداث المأساوية التي تسبب بها نظام الاستبداد الصدامي على امتداد الفترات التي سبقت العام 1992, وخاصة ضحايا الأنفال وحلبچة وكركوك.
الظاهرة السادسة: غياب المنافسة الحقيقية في العملية الانتخابية وفق أسس ديمقراطية والتي تبرز في التوزيع الحزبي والإداري الملزم لمقاعد البرلمان بين الأحزاب بطريقة غير مشجعة على المشاركة في التصويت أو الترشيح للانتخابات. إذ رغم أهمية تشكيل قائمة موحدة تضم جمهرة الأحزاب الكردستانية, إلا أن هذا يفترض أن لا يخفي القدرة عل ى المنافسة وتقديم الأفضل للناس والصراع السياسي الديمقراطي والسليم بين الأحزاب.
الظاهرة السابعة: الضعف الملموس في عملية التنوير الاجتماعي والديني من جانب الأحزاب السياسية الديمقراطية واللبرالية والعلمانية, في مقابل تزايد نشاط وهمة قوى الإسلام السياسي لجر الناس إلى مواقعها الفكرية والسياسية.
إن هذه الظواهر السلبية وغيرها إذا ما تفاقمت ستوفر الأرضية التالية:
1. نشوء أو اتساع الفجوة بين قيادات الأحزاب وفئات المجتمع المختلفة وخاصة الكادحة والفقيرة, وكذلك بين الحكومة والمجتمع.
2. تنامي حالة التذمر وعدم الارتياح التي يمكن أن تتحول في لحظات معينة إلى حالة سلبية يصعب مواجهتها والتصدي لها.
3. استثمار حالة التذمر من علاقات وعوامل فعلية قائمة على ألأرض من جانب قوى معارضة أو حتى من مشاركين في الحكم باتجاهات مختلفة: بناءة تسعى إلى تحقيق تغيير إيجابي في الوضع, وتلك التي تريد الاستفادة منها لصالح تعميق الفجوة واستثمارها لدفع الإقليم باتجاهات أخرى. وهنا لا بد من التذكير بحدثين يمسان إقليم كردستان عموماً وهما أحداث حلبچة وأحداث البنزين في السليمانية حيث تدخلت قوى الإسلام السياسي المتطرفة في الحدث الأول لتستثمره في التخريب والتدمير.
4. وكل الدلائل المتوفرة تشير إلى أن المستفيد الأول جدياً من وجود تلك الظواهر السلبية هي قوى الإسلام السياسي المتطرفة والمعتدلة التي لا تمتلك أكثرية في المجتمع وفي الحكم, ولكن يمكن أن تنشأ لها قاعدة اجتماعية جديدة من المتذمرين. ومن المفيد أن نلاحظ أن الاتحاد الكردستاني الإسلامي كيف انفصل عن قائمة التحالف الكردستاني ليخوض الانتخابات ويشكل منبراً خاصاً به ويضاعف عدد ناخبيه وعدد المقاعد في برلمان كردستان والبرلمان العراقي.
5. إن الإشكالية التي يفترض أن لا يغض النظر عنها هي أن عملية التحول من عدم الارتياح من سياسات حكومة معينة إلى التذمر أولاً, ومن التذمر إلى أعمال سلمية واحتجاجات شعبية مناهضة للحكم ثانياً, ومنها إلى أفعال ونزاعات سياسية تتخذ أبعاداً عنفية أو مسلحة ثالثاً, لا تبدو قصيرة, وأحياناً طويلة, بسبب نشاطات أجهزة وقوى الأمن والشرطة أو غير ذلك, ولكن هذا لا يعني أن تلك العوامل لا تشكل تراكمات كمية لتتفجر في لحظة معينة لتقود إلى عواقب وخيمة لا يعرف الإنسان مداها ويصعب تقدير عواقبها.
هكذا تشير تجارب الكثير من دول العالم وتجارب العراق بالذات. لهذا أرى ضرورة التوجه صوب معالجة المسائل وفق خطة خماسية الأبعاد: خطة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وأمنية في آن واحد. على أن تتخذ الأبعاد الأربعة الأولى موقع الصدارة في العملية المنشودة.
إن هذه الخطة تستهدف البدء وإشعار الناس بأن الحكومة مدركة للأوضاع الراهنة وأنها بدأت باتخاذ ما هو ضروري لمعالجة الإشكاليات القائمة وبالتعاون مع المجتمع, وهي ابتداءً يمكن أن تبوش الأرضية التي تقف عليها المعارضة السلبية والقوى المتطرفة من مختلف الاتجاهات التي تسعى إلى استثمار الوضع ضد التطور الديمقراطي للإقليم.