|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس 2/8/ 2012                                   د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

العراق: الحريات الديمقراطية أولاً ...و فاقد الشيء لا يعطيه!!
 

كاظم حبيب

هذا هو الشعار المركزي الذي رفعته الحركة الشعبية العراقية التي انطلقت في شهر شباط/فبراير 2011, "الحريات الديمقراطية أولاً". بادرت جريدة المدى إلى رفعه لأنها أدركت منذ البدء مخاطر السقوط في مستنقع معاداة الديمقراطية والتجاوز على حقوق وحريات الشعب, ثم ارتفع هذا الشعار في ساحة التحرير وفي ساحات مدن عراقية كثيرة أخرى منذ الخامس والعشرين من شهر شباط/فبراير 2011. ولا شك في أن عشرات الشعارات الأخرى ترتبط وتقترن عضوياً وبصورة مباشرة بهذا الشعار المركزي, إذ حين تغيب الحريات الديمقراطية العامة تغيب معها مصالح الفرد والمجتمع والوطن عموماً, وحين تسود الحريات الديمقراطية يبدأ الشعب وعلى أسس سليمة تحقيق بقية الشعارات التي تمس مصالحه اليومية الحياتية. ولم يكن اعتباطياً او عفوياً أو عبثياً حين ارتفع هذا الشعار في ساحة التحرير وعلى صفحات جريدة المدى وبعض الصحف الأخرى والمواقع الإلكترونية, بل جسد حينها وما يزال يجسد حاجة وضرورة موضوعية للشعب العراقي بكل قومياته, إذ لا يمكن العيش الطبيعي بدونها من جهة, ولأن الكثير والكثير جداً من بنات وأنباء الشعب بدأوا يشعرون بالتراجع المنظم للحريات العامة التي انطلقت وفرضت نفسها في أعقاب الحرب وفرض الاحتلال على العراق من جهة أخرى, ولأنهم يدركون بأن الاستبداد المنظم يبدأ بمثل هذه السلوكية والإجراءات القمعية من جانب الحكم وأجهزته الأمنية حيث تبدأ بمصادرة تدريجية للحريات العامة ثم تتفاقم بمنع وضرب المظاهرات والاعتصامات والإضربات وتنفيذ عمليات اعتقال كيفية للمشاركين في تلك المظاهرات بعد التقاط صور المتظاهرين ونشر العيون والجواسيس في صفوفهم ثم تتواصل بممارسة التعذيب والقتل ثم تنتهي بالحاكم الفرد المطلق. وتجربتنا مع عدد غير قليل من حكام العراق في الماضي وفي الوقت الحاضر تؤكد هذه الحقيقة المرة.

لم يكن عفوياً ولا سبق لسان, بل قالها بوعي وإصرار تامين علي الأديب, نائب رئيس حزب الدعوة الإسلامية ووزير التعليم العالمي حالياً, حين أكد في لقاء تلفزيوني مع قناة الحرة بأن حزب الدعوة الإسلامية لا يؤمن بفلسفة الديمقراطية بل يعتبرها أداة سياسية للوصول إلى السلطة. إن هذا يعني بوضوح تام بأن حزب الدعوة وقادة حزب الدعوة ومنهم على الأديب ونوري المالكي وإبراهيم الجعفري وغيرهم لا يؤمنون بالديمقراطية بل هي مجرد أداة يصلون بواسطتها إلى السلطة, ثم تتحول إلى هذه الأداة إلى المقولة الشهيرة لنوري المالكي حين طمأن بعض الشيوخ الخائفين من فقدان السلطة السياسية إذ أكد لهذا البعض ولحزبه "أخذناها بعد ما ننطيها!". ومن هنا تنطبق الحكمة المتداولة في العراق والعالم العربي بأن "فاقد الشيء لا يعطيه". إذ لا يمكن لرجل غير ديمقراطي أن يحكم العراق ويمنح الشعب حريته وحياته الديمقراطية.

إن السياسات التي يمارسها نوري المالكي على صعيد الوطن كله, وإجراءاته الزجرية والإرهابية في المحافظات المختلفة, كما حصل ويحصل في البصرة والديوانية مثلاً, وكذلك ما يجري اليوم من تدخل فظ ومخالف للدستور العراقي في النقابات العمالية وتجاوزات السلطة وأجهزتها الأمنية وشبيحتها على حرية الانتخابات وحرية العمل النقابي يؤكد بما لا يقبل الشك بأن العراق يسير على طريق أعوج , "درب الصد ما رد" إذ سينتهي, ما لم تبادر القوى الواعية لهذه المسيرة الخطرة في التصدي للمالكي وقادة حزبه الذين يصرون على سلوك الدرب نفسه الذي قاد العراق إلى كوارث مروعة وكلف العراق أكثر من مليون إنسان وإلى الخراب والدمار الشاملين وإلى خسارة مئات المليارات من الدولارات الأمريكية, إلى دكتاتورية طائفية سياسية مروعة.

يقول المثل العراقي "لا تنتظر من بارح مطر ولا شفاثة عافية", وهو ما لا ينتظره الناس من تحول حزب طائفي وقائد طائفي ين ليلة وضحاها إلى شخصية لا تؤمن بالطائفية وغير متعصبة لمذهبها ضد المذاهب الأخرى ولا تكافح العلمانية والحداثة والماركسية ولا تذكر بـ "أمجادها" في محاربة عبد الكريم قاسم والنظام الجمهوري الأول والتعاون التام لإسقاطه.

إن البعض من الديمقراطيين العراقيين واهمون حقاً حين يحولون أوهامهم إلى رغبات وتمنيات والتمنيات إلى تصريحات وشعارات تشير إلى احتمال كبير في أن يتحول نوري المالكي إلى رجل ديمقراطي ويؤمن بالمواطنة العراقية ويشكل حكومة غير طائفية وبعيدة عن المحاصصة الطائفية, وهذا البعض لا يختلف بل يماثل تماماً ذلك البعض الذي توهم وحول وهمه إلى شعار أكد فيه: تحول صدام حسين إلى فيدل كاسترو, والسير معاً لبناء الاشتراكية!! فجاءت الكوارث تلو الكوارث لتؤكد صحة هذه المقولةّ الشوهاء!

علينا ان نتعلم من دروس الماضي وأن ندرك صحة الحكمة القائلة بأن "فاقد الشيء لا يعيطه" و "لا تنتظر من شفاثة عافية", ولا تنتظر من طائفي يميز بين الطوائف والأديان في السياسة والحكم أن يتحول إلى مجسد للهوية الوطنية ومفهوم المواطنة. لقد كان صدام حسين يقول بصراحة تامة ومن دون لف أو دوران إنه على استعداد لركوب أي موجة كانت, يسارية أو أقصى اليسار أو يمينية أو أقصى اليمين ليكون بطلها لكي يبقى في السلطة. وأخونا المالكي قد اقسم أغلظ الإيمان بأنه "أخذها بعد ما ينطيها" ومستعد أن يمارس كل أنواع "التقية" لكي يبقى في السلطة!! ولا يقول صراحة ما قاله صدام حسين ولكنه يمارس ذلك تدريجياً.      

 

 1/8/2012
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter