|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  26 / 4 / 2019                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

     

رؤساء الدول العربية لا يتعلمون ممن سبقوهم في الحكم: سيسي مصر نموذجاً

د. كاظم حبيب
(موقع الناس)

تشير قوانين التطور الاجتماعي إلى أن العالم كله يسير نحو التقدم بشكل عام، ولكن ليس بالضرورة كل أجزاء هذا العالم تحقق ما توصل إليه بقية العالم من تقدم حضاري، بل يمكن أن تحصل زگزگزات أو ارتدادات في هذا البلد أو ذاك أو حتى في مجموعة من الدول في هذه القارة أو تلك من قارات العالم الخمس. هذا الواقع نجد تجليه في حقيقة التطور الحضاري المستمر والتقدم العلمي المتواصل وما يطلق عليه بالثورة التقنية، أو الإنفوميديا، في حين يلاحظ إن العالم العربي في تراجع شديد، فيما عدا استهلاك بعض ما ينتج في العالم المتحضر، ولاسيما تلك التي تملك مواداً أولية ذات طبيعة استراتيجية كالنفط والغاز. أما الموقف من الدولة الديمقراطية والمجتمع المدني العلماني والحريات العامة والحياة الديمقراطية وحقوق الإنسان فهي في تدهور استثنائي مستمر، رغم الهبَّات والوثبات والانتفاضات الشعبية التي تنطلق من هذه الدول ضد النظم الحاكمة فيها، وضد الحكام المستبدين، وضد الأوضاع المأساوية والكارثية المشينة التي تعيش تحت وطأتها شعوب هذه المنطقة من العالم، وخاصة الدول العربية.

فلو أخذنا مصر كنموذج لما يرمي إليه هذا المقال، وهي الدولة التي كان ولا يزال العرب يعتبرونها "أم الدنيا" والدولة القادرة على أن تلعب دورها المهم في دفع الدول العربية إلى الأمام في مجال التقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والحضاري عموماً، يجد المتتبع إنها تعاني قبل غيرها من أقسى صور التجاوز على الحريات العامة والحياة الديمقراطية وحقوق الإنسان، كما إنها من الدول الأكثر معاناة من البطالة والفقر والحرمان بالنسبة للغالبية العظمى من سكانها، وبينهم عائلات كثيرة لم تجد مكاناً لعيشها سوى سراديب المقابر. في هذه الدولة العربية التي بلغ عدد سكانها في هذا العام (2019) أكثر من 98 مليون نسمة، عدا العدد الذي يعيش في الخارج والذي يقدر بـ 10 مليون نسمة، (
انظر: الإحصاء يكشف عدد سكان مصر الآن، موقع البوابة نيوز في 01/01/2019)، إذ "أن مصر احدى الدول التي تعيش هاجس انتشار الفقر بين المواطنين، حيث يرزح 30 مليون مصري تحت خط الفقر المدقع، إضافة إلى ارتفاع عدد العاطلين عن العمل إلى 3.5 مليون، وذلك وفق إحصائيات رسمية". (أنظر: ثوريا قاسمي، 30 مليون مصري تحت خط الفقر، موقع حيم في أكتوبر 2017). وفي واقع الحال فأن الفقر والبطالة أكثر من هذا العدد الرسمي بكثير. كما تشير الكثير من البيانات المصرية إلى أن عدد المعتقلين والسجناء السياسيين في مصر يزيد عن 60 ألف معتقل وسجين، ليس كلهم من جماعة الإخوان المسلمين، بل الكثير منهم ممن كان في مقدمة المناضلين لتغيير نظام الحكم في فترة حكم محمد حسني مبارك، أو في فترة حكم الإخوان المسلمين ورئاسة محمد مرسى لجمهورية مصر.

في عامي 1971 و1980 لجأ أنور السادات إلى إجراء تعديلات في الدستور المصري ليبقى في السلطة أطول فترة ممكنة. وفي فترة حكم محمد حسني مبارك عمد هو الآخر إلى إجراء تغيير في الدستور المصري مرة في عام 2005 وأخرى في عام 2007 ليورث أبنه أخيراً رئاسة الجمهورية من بعده. وكلاهما انتهيا إلى مزبلة التاريخ، أحدهما قتل، والآخر خلعه الشعب شر خلعة. وفي ليبيا سعى القذافي إلى توريث ابنه له في حكم ليبيا، وهكذا حاول صدام حسين قبلهم توريث ابنه قصي الحكم، بعد أن أصيب ابنه المدلل عدي بعاهات بعد محاولة اغتياله ببغداد. وهكذا حصل في سوريا أيضا، وما يجري فيها اليوم ما هو إلا التعبير الشنيع لغياب الشرعية والتعديلات الدستورية غير الشرعية ليعتلي بشار، أبن حافظ الأسد، عرش الجمهورية السورية وبمصادرة كلية للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. يضاف إلى ذلك فشل محاولة حاكم الجزائر تمديد ولايته للمرة الخامسة وهو الميت سريرياً تقريباً، إضافة إلى الدكتاتور الأهوج والإخواني عمر حسن البشير الذي أرد أن يحكم السودان حتى الممات وبدعم من الطغمة العسكرية المساندة له، والتي حاولت بانقلاب ضده تسلم السلطة وإنقاذ النظام من السقوط، ولكن الشعب والتجمع المهني وكانوا لهم بالمرصاد فاجبر ثلاث من أعوان عمر البشير إلى الاستقالة من المجلس العسكري الجديد، بأمل تشكيل مجلس مدني فيه بعض العسكريين لإقامة فترة انتقالية تؤسس لدولة مدنية ديمقراطية علمانية، ومجتمع مدني ديمقراطي في السودان.

لم يتعلم عبد الفتاح السيسي من حكام مصر السابقين ولا من الرؤساء العرب، بل يريد إعادة التجربة من جديد، فسقط في فخ اللاشرعية وإجراء التعديلات غير الدستورية في دستور مصري الجديد، لا ليصبح الحاكم المطلق في السلطة التنفيذية ويحكم حتى أبعد من عام 2030 فحسب، بل ليكون رئيس الدولة المطلق والمهيمن على السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضاء وعلى السلطة الرابعة التي تشمل الإعلام كله، الذي بدأ بغالبيته يسبح بحمد الرئيس الجديد، وربما سيجعل منه سليل النبي محمد، إن لم ينجحوا في جعله سليل الفراعنة والفرعون المطلق الجديد في مصر. لنتذكر كيف جعلت الصحافة المصرية الحكومية من الملك فاروق خليفة على المسلمين وسبح بحمده حتى الأزهر، الذي لا يزال يمتنع عن إدانة ما فعله داعش بالمسلمين وغير المسلمين باسم الإسلام، وآخر جريمة ارتكبها تنظيم داعش 365 قتيلاً من مسيحيي سيرلانكا من النساء والأطفال والرجال، إضافة إلى أكثر من 1200 جريح ومعوق!

في استفتاء غير شرعي شارك فيه 44،3% من الذين لهم الحق في التصويت، أي بمقاطعة 66% من الناخبين أولاً، وحصوله على 88،8% من الـ 44،3%. وهو فَرِحٌ ومزهوٌ بهذه النتيجة البائسة. ولكن هل سيحكم طيلة الفترة القادمة مصر فعلاً؟ هل سيسكت الشعب المصري على الضيم الجديد الذي يفوق ضيم كل الرؤساء السابقين؟ هل سيقبل أن يحكم بالحديد والنار، إضافة إلى البطالة والفقر والحرمان والاعتقال والسجون والتعذيب، وكذلك التآمر مع السعودية والإمارات ضد انتفاضة شعب السودان ضد النظام القائم وضد قوى النظام القديم في المجلس العسكري، الذين استقالوا أخيراً؟

التجارب المنصرمة تعلم الجميع إلا الحكام، بأن الحكام الدكتاتوريين يمكن أن يحكموا، وربما لفترة غير قصيرة، كما في أغلب رؤساء الدول العربية، ولكن خاتمتهم كانت باستمرار حزينة لهم ولعائلاتهم بشكل من الأشكال، ولكن في المقابل تعم الفرحة الكبرى في صفوف شعوب هذه الدول لطرد أحدهم من الحكم، كما حصل في مصر ذاتها وقبلها العراق. لن يسمع المستبدون إلا صوتهم، ولن يروا إلا صورتهم، حتى تهدر أصوات الشعب، كل الشعب، وترتفع صورة الشعب، كل الشعب، عندها لن يجد المستبدون سوى مكانهم الجدير بهم، في مزبلة التاريخ! فهنياً لهم في الموقع المحجوز لهم منذ الآن!



 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter