|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  22 / 2 / 2016                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

ما الموقف من المتطوعين والحشد الشعبي بالعراق؟

كاظم حبيب
(موقع الناس)

جُرحي هو العراق وليس جرحاً آخر       كيف السبيل إلى شفاء جراحي

من تابع اللقاء الصحفي مع السيد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على قناة العراقية لوجد مسائل كثيرة تستوجب مناقشته بشأنها والتمعن والتدقيق في إجاباته، سواء أكان ذلك بشأن العلاقات الدولية وزياراته لدول أوروبية غربية، أم موقفه من المشكلات الداخلية، كالتغيير الوزاري ومواقف القوى والأحزاب منه، وسد الموصل، والموقف من المناطق المحررة من عصابات داعش، والعلاقات مع رئاسة وحكومة الإقليم وإهماله دور البيشمركة في القتال ضد داعش، وإبرازه دور الحشد الشعبي، ثم دور المتطوعين وتحرير الأراضي، التي وفَّرَ رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، بسياساته الطائفية البائسة والمدمرة، الأرضية الصالحة ومستلزمات احتلال الأنبار وصلاح الدين وأجزاء من ديالى ومن ثم الموصل وأجزاء من ديالى، ثم الموصل ونينوى وأجزاء من كركوك، وكل ما حصل بالعراق منذ توليه السلطة في 2006 حتى انسحابه من رئاسة السلطة التنفيذية في 2014. وكان هذا "الرجل" صادقاً وللمرة الوحيدة مع نفسه ومع الشعب العراقي والعالم حين قال في لقاء له مع قناة آفاق [موقع آفاق 1/4/2015]، أن “هذه الطبقة السياسية، وأنا منهم، ينبغي أن لا يكون لها دور في رسم خريطة العملية السياسية في العراق، لأنهم فشلوا فشلاً ذريعاً”..

وحين سأله الصحفي المحاور: وأنت منهم، أجاب المالكي بكل ثقة: نعم وأنا منهم!!! ولكن هذا الرجل الفاشل والمسؤول ما يزال يسرح ويمرح ويمارس ما يشاء دون حساب أو عقاب!  

سأناقش في هذه المقالة واحدة من القضايا المهمة، التي يمكن أن تشكل خنجراً مميتاً مصوباً إلى ظهر الدولة العراقية التي يسعى الشعب إلى إقامتها، الدولة المدنية الديمقراطية، ويمكن أن يغرس في كل لحظة، تماماً كالخنجر المسموم المغروس في ظهر الدولة اللبنانية بحزب الله بهويته الإيديولوجية الطائفية الإيرانية، وليس بالهوية الوطنية المدنية اللبنانية الأصيلة.

نشأت بالعراق، في أعقاب سقوط الدكتاتورية البعثية الغاشمة، مجموعة كبيرة من المليشيات الشيعية والسنية المسلحة، نشأت بدعم من قوى وأحزاب سياسية عراقية من جهة، ولكن بتوجيه ومساعدة وتأييد ودعم بالمال والسلاح والخبراء والمقاتلين من الدول والقوى الإسلامية المجاورة للعراق، وخاصة، من إيران والمملكة العربية السعودية وقطر وسوريا، إضافة إلى قوى وأحزاب سياسية إسلامية من داخل منطقة الشرق الأوسط وخارجها، وبدعم دولي مخابراتي غير منظور. وإذ شكلت التشكيلات السنية المسلحة، كالقاعدة وأخواتها الأساس الذي اعتمدت عليه بعض القوى السنية المحلية المغرقة بطائفيتها المقيتة، مثل هيئة علماء المسلمين السنة، لصاحبها حارث الضاري، فأن تنظيماتها المحلية لم تكن بذات القوة، بما في ذلك قوى البعث المسلحة المتعاونة مع القاعدة وهيئة علماء المسلمين وأنصار السنة، ولكنها تميزت بالإرهاب والشراسة والدموية المريعة.

في حين توزعت المليشيات الشيعية على عدد غير قليل من القوى والأحزاب والمنظمات الشيعية الطائفية، ووجدت الدعم الكامل من سلطة الدولة، التي كانت بيد الأحزاب الشيعية، وخاصة حزب الدعوة، في فترة حكم رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم الجعفري، ومن إيران والحرس الثوري والمرشد الأعلى الإيراني وحزب الله بلبنان. وقد أججت جميع هذه التنظيمات الطائفية المسلحة خارج قيادة ورقابة الدولة الصراعات والنزاعات الطائفية وأدت إلى موت مئات الآلاف من الناس الأبرياء، وإلى القتل على الهوية الدينية والمذهبية والفكرية والمهنية، وإلى خراب العراق وإلى سيادة الفساد والإرهاب في كل العراق، عدا إقليم كردستان العراق، الذي نجا من هؤلاء الأوباش نسبياً.

على رئيس الوزراء الحالي أن يتذكر ما فعله النظام السياسي الطائفي والمحاصصة الطائفية في الحكم والدولة والمجتمع من جهة، وهو جزء من القوى الحاكمة والنظام ذاته، وما فعلته المليشيات الطائفية المسلحة خلال الفترة بين 2005- 2016، أي حتى الآن، من جهة ثانية، وما نشأ عن كل ذلك من موت وخراب وفساد شامل ونهب النفط والأموال وإرهاب اقتصادي متعدد الجوانب والأشكال من جهة ثالثة، لا أن يختزل الأمور، وكأن الذاكرة العراقية مصابة بالعطب أو العطل الكلي. وإذا ما تذكر ذلك، كما عاش الكوارث والمآسي بنات وأبناء الشعب، لأدرك الموقف أولاً ولتبين له إحجام المرجعية الشيعية عن تسمية المتطوعين للقتال، على وفق جهاد الكفاية الذي دعت له المرجعية، بالحشد الشعبي، بل ما زالوا "متطوعون". 

إن المليشيات الطائفية الشيعية المسلحة موزعة اليوم بكل تنظيماتها على مجموعتين: المجموعة الأولى تعمل في المدن العراقية في الوسط والجنوب وبغداد بشكل خاص، وهي تمرغ يومياً كرامة الإنسان العراقي بالتراب وتسلبه حقوقه وتسرقه وتستنزفه وتمارس كل المفاسد ضده، كتلك التي مارسها الحرس القومي ضد الناس، ولديها الكثير من الفضائيين، القديمة المشبعة ذاتها المصابة بروح الكراهية والحقد والثأر الطائفي، تشكل في الواقع الهيكل العظمي وعضلات الحشد الشيعي الضاربة، في حين لا يشكل المتطوعون الأبطال سوى القسم الذي ينفذ ما يأمره به قادة الحشد الشعبي، وبتعبير أدق، قادة المليشيات المعروفة لنا جميعاً.

إن ما أشار إليه رئيس الوزراء من تجاوز قادة الحشد الشعبي على رواتب المتطوعين وباسم الكثير من الفضائيين. وأن هذا الحشد، عدا المتطوعين، ليس سوى قوات مسلحة داخل القوات المسلحة العراقية، وهي التي ستكون أداة مركزية للحكم الطائفي المحاصصي التمييزي بالعراق ما لم يتم تدارك الأمر. ولكن هل في مقدور من يشكل جزءاً من الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية أن يرى هذه المخاطر أم سيردد بأن من ينتقد الحشد الشعبي ليس وطنياً!!!    

لا شك أن في قوى الحشد الشعبي من غير المتطوعين أناس طيبون ووطنيون ومخلصون لشعبهم، ولكنهم محشورون بالطائفية السياسية وهم حلقات صغيرة في سلسلة من التنظيمات الطائفية المسلحة التي أصبحت كالمافيا التي لا يهمها غير المال والجاه والسطوة، سواء عبر السلطة أم بدونها أم بالاثنين معاً، ولا يمكن لأعضائها الانسلاخ منها، إذ ينتظرهم الموت المحتم، إنهم بيادق مستسلمة لقاداتهم، لهذا لا بد من فعل شيء لخلاصهم من هذا النكد الذي يعيش فيه المخلصون منهم لوطنهم وشعبهم.

الحشد الشعبي بقياداته السابقة خطر كبير قائم وداهم والقادم أخطر ما لم تعالج الأمور على وفق مبادئ المجتمع المدني الديمقراطي والدولة المدنية الديمقراطية.

إن من لا يريد أن يدرك الحقيقة الآن، سيكون قد تأخر، وسيعاقبه الوقت والتاريخ والمجتمع.  
 

 

 17/2/2016



 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter