|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين 16/7/ 2012                                   د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

المأساة والمهزلة في سوريا اليوم!

كاظم حبيب

نحن اليوم أما لوحة دراماتيكية , كارثة إنسانية , مجزرة بشرية , حمامات دم , هجرة مستمرة صوب تركيا ولبنان , نحن اليوم أمام عمليات تدمير هائلة للتراث والحضارة الإنسانية وما بنته الأجيال السابقة في سوريا , نحن أمام حالة مرعبة لا يمكن ولا يجوز أن تستمر بهذه الصورة المتوحشة المتناقضة مع ما تحقق للإنسان من حقوق في هذا العصر الجديد الذي نعيش فيه , عصر الإنفوميديا وعولمة الحياة والمجتمعات على الكرة الأرضية في القرن الحادي والعشرين , نحن أمام دولة همجية ونظامٍ بعثيٍ متوحش ومستهتر يواجه شعباً أعزل , يمارس معه القتل اليومي بالمئات دون رادع أو وازع من ضمير. كما نقف اليوم أمام معارضة ما تزال متصارعة رغم الوحدة الشكلية الراهنة على السلطة , رأيناهم بالأمس وفي آخر اجتماع لهم في القاهرة يتصارعون كالديكة على الكعكة السورية. ونحن أمام "أخوة مسلمين!" يتطلعون للقفز على السلطة والهيمنة على الحكم كما جرى في مصر , وصراخ بعضهم اليومي بـ "الله اكبر" لا يجسد إيمانهم بل رغبتهم في الهيمنة ودليل توحش وليس دليل وعي بالخسائر الفادحة التي تسقط يومياً في سوريا. ونحن أمام مجتمع دولي يتصارع في ما بين دوله الكبرى على مصالحه "الحيوية" في المنطقة المليئة بالذهب الأسود الذي يتحول فيها بفعل جشاعة المتصارعين إلى دماء الناس الأبرياء التي تعود إلى الأرض بدلاً عن نفطها المستخرج , يستبدل النفط بالدماء المسفوحة في المنطقة بدلاً من الخير العميم الذي يفترض أن يعم شعوب المنطقة. مجتمع دولي يتفرج بسخرية قاتلة على مئات الجنائز وهي تنقل إلى مثواها الأخير في العديد من المدن السورية , ومبعوث دولي وعربي يتأرجح بين مدينتي "نعم" و "لا", بين الفشل والإدعاء بإمكانية الحل السلمي! نحن أمام مأساة يعيشها الشعب السور ومسخرة يمارسها المجتمع الدولي. 

إن من يتحدث بأن الكارثة محدقة بالشعب السوري , نقول له قف وافتح عينيك جيداً فالكارثة قائمة ومستمرة وليست محدقة بالمجتمع السوري , وهي إن لم يتوقف القتل الجماعي , سينتشر سعير هذه الحرب التي يشنها النظام البعثي الشمولي ضد الشعب السوري إلى مناطق أخرى من الشرق الأوسط.

إن واجب المعارضة السورية الديمقراطية يتكثف في مسألة واحدة هي وحدة المعارضة الديمقراطية  وأن يكون لها تكتيك موحدة وإستراتيج مشترك واحد لا ينتهي بسقوط النظام الشمولي فحسب , بل يمتد ما بعد هذه المهمة لكي لا تسرق الثورة الشعبية من قوى لا تريد الخير والتقدم لهذا الشعب. لن ينفع الاعتماد على السعودية وقطر , فهما دولتان دخلتا في مساومة دولية جائرة لا تعود لحضارة وعصر القرن الحادي والعشرين , أقطابها الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية وقطر وجماعة " الأخوان المسلمون " الدولية للسيطرة على المنطقة بأسرها , لمصادرة الديمقراطية وحقوق الإنسان باسم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان على النمط الأمريكي – السعودي - القطري – القرضاوي , لإقامة دولة ثيوقراطية مناهضة لبقية الديانات والمذاهب الدينية ولكل فكر حر وديمقراطي.   

إن واجب المعارضة السورية الديمقراطية ومنذ الآن أن تنتبه لما يراد لسوريا في الوقت الحاضر وفي المستقبل من تأجيج للصراع الطائفي العلوي – السني والصراع القومي العربي – الكردي, وضد أتباع بقية الديانات , وخاصة ضد المسيحيين , وضد الكُرد , إنها محاولة جادة لتنشيط الهويات الفرعية القاتلة , الهوية الدينية والطائفية على  حساب الهوية الوطنية السورية , هوية المواطنة السورية الحرة والمتساوية المشتركة.

لنعمل من أجل دعم نضال المعارضة الشعبية السورية في الداخل والخارج , لنعمل من أجل وحدة المعارضة السورية الديمقراطية المناضلة في سبيل حياة حرة وكريمة , ودولة مدنية ديمقراطية دستورية حديثة تفصل بين السلطات الثلاث وتحترم استقلال القضاء والرأي العام والإعلام , وتفصل بين الدين والدولة والدين والسياسة في آن , وحكومة تلتزم بالحياة الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية ومساواة المرأة التامة بالرجل والتنمية الاقتصادية وتكافح الفساد السائد والمفسدين وتقلص الفجوة المتسعة بين مدخولات الأفراد السنوية وتكافح الفقر وعدد الفقراء المتزايد في سوريا.

إن القوى الديمقراطية في العالم العربي تتطلع لأن تكون الثورة السورية في طليعة الثورات العربية التي تؤسس للحياة الآمنة والديمقراطية والتقدم الاجتماعي وتكون نموذجاً لبقية دول المنطقة.

 

15/7/2012        

 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter