| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كاظم حبيب

khabib@t-online.de

 

 

 

 

الأثنين 15 /1/ 2007

 

 

هل سينجح المالكي في مواجهة التحديات الطائفية السياسية؟
(2-2)

 

كاظم حبيب

الطائفية المقيتة وهيئة علماء المسلمين في العراق
يتطلب من العراقيين أن يكونوا صادقين مع أنفسهم, إذ أن الصدق والصراحة والجرأة على قول الحقيقة على نسبيتها والتخلي عن الازدواجية التي تهيمن على سلوكنا بسبب الدكتاتوريات التي سادت في بلادينا منذ قرون وقرون, هي القادرة على معالجة مشكلاتنا الراهنة. فالطائفية السياسية لم تغب عن بلادي من جانب الحكومات المختلفة وسلوكها العملي أولاً, ومن جانب غالبية رجال الدين وجميع الأحزاب الإسلامية السياسية التي تشكلت في العراق على امتداد القرن العشرين حتى الوقت الحاضر على أسس طائفية ثانياً. مع العلم أن الناس الاعتياديين وجمهرة كبيرة من المثقفين كانت بعيدة عن الجو الطائفي السياسي المقيت وكانت تتفاعل في ما بينها على أساس أنها عراقية لا غير ولا تحمل الهوية الطائفية القاتلة. وكان الناس الطبيعيين من مخحتلف الأديان والمذاهب يتهمون ويدينون الحكومات المتعاقبة على طائفيتها المقيتة. وكانت فترة حكم الطاغية صدام حسين هي الأكثر في فترات تاريخ العراق الحديث التي تميزت بتفاقم النهج الحكومي الطائفي, إضافة إلى قوى دينية مؤيدة لهذا النظام من جهة, ومن ثم نهج الكثير من قوى الإسلام السياسي المعارضة للنظام من جهة أخرى.
وحين سقط النظام الدكتاتوري تحت ضربات القوات الأجنبية شعرت تلك القوى الدينية السنية المساندة للنظام المخلوع أنها خسرت مواقعها في الحكم والدولة وخسرت امتيازاتها وأن الحكم سيكون بيد الشيعة. فبدأت بهذا الشعور حملة شعواء ضد الحكم الجديد ودفعت باتجاه الاستقطاب والاصطفاف الطائفي السياسي في مواجهة قوى الإسلام السياسية الشيعية التي عمدت بدورها إلى تعزيز مواقعها في الحكم الجديد والحصول على حصة الأسد فيه ومحاولة طبع النظام السياسي الجديد بطابعها الطائفي السياسي. وقد عمدت الأحزاب والقوى الإسلامية السياسية في الجانبين إلى تشديد الاستقطاب وإلى إشراك رجال الدين والمؤسسات الدينية في المعركة الطائفية الشرسة التي تصاعدت خلال السنة الأخيرة والتي تمركزت حول الانتخابات, ولكنها تجاوزتها إلى جميع مرافق الحياة اليومية للمجتمع.
لقد لعبت هيئة علماء المسلمين في العراق دوراً سلبياً جداً في تشديد الصراع والنزاع الطائفي السياسي وسعت إلى نقله إلى الشارع العراقي وإلى جماهير المسلمين السنة. وكان أخطر جوانب نشاط هيئة علماء المسلمين قد برز في الاتجاهات التالية:
1. رفض المساومة على الحكم واعتبار الحكم الجديد حكماً شيعياً ينبغي أن يسقط وبالتالي قاطعت كل الانتخابات وكل المفاوضات المهمة بخلاف بعض القوى السنية التي وافقت على دخول العملية السياسية, رغم وجود خيوط لبعضها مع قوى العنف السياسي.
2. عبأت القوى القومية وتحالفت من جديد مع قوى حزب البعث من أتباع صدام حسين على صعيد العراق والدول العربية, كما توجهت لإثارة الدول الإسلامية ضد الوضع القائم في العراق.
3. أقامت منذ منذ البدء علاقات تعاون وتنسيق ودعم وعمل مشترك مع الجماعات التكفيرية في العراق, وخاصة جماعات القاعدة والجهاد وأنصار الإسلام السنة, وهي كلها تفرعات عن جماعة الأخوان المسلمين, إضافة إلى تعاونها مع أعوان صدام حسين الذين مار سوا ولا زالوا يمارسون الإرهاب في العراق. ورغم أنها لم تعلن عن تأييدها للقاعدة وبن لادن صراحة إلا في الأونة الأخيرة وعلى لسان الشيخ حارث الضاري, فإنها كانت ذات علاقة مفضوحة ومستفيدة من وجود ونشاط الجماعات الإرهابية في العراق للتشويش على الحكم والسعي لإسقاطه وتعبئة الناس حولها ورفض العملية السياسية ورفض مبدأ المصالحة الوطنية.
4. أعلنت وبصراحة تامة أنها تريد الإطاحة بالحكم الجديد وتسعى للحصول على دعم من جانب القوى العربية التي ترى في وجود الشيعة في الحكم خطراً عليها وعلى إسلامها. والنداءات الأخيرة توجهت بها في ذكرى تأسيس الجيش العراقي إلى الجيش تطالبه بإسقاط الحكم وإقامة نظام حكم جديد خاضع لها. أي أنها تدعو إلى انقلاب عسكري في البلاد والعودة بذات القوى العدوانية إلى حكم العراق من أتباع صدام حسين والتكفيريين.
إن المجموعات الإرهابية الإسلامية السياسية المتطرفة والصدامية وجدت الدعم والحماية والتغطية المستمرة من هيئة علماء المسلمين السنة, كما أن الأخيرة حصلت على تأييد ودعم بعض الحكومات العربية, تماماً كما حصلت بعض قوى الإسلام السياسي الشيعية على دعم وتأييد إيران لها.
إن الجولة التي قام ولا زال يقوم بها الشيخ حارث الضاري لا تقود إلى حل المشكلات الداخلية بين القوى السياسية العراقية وفق اسس التوافق السياسي ونبذ الطائفية السياسية والتمسك بمبدأ المواطنة العراقية, بل تساهم في تأجيج الصراع الطائفي والنزاع بين الناس من سنة وشيعة. إن الحكومة العراقية ملزمة لا في مواجهة القوى الشيعية المتطرفة المتمثلة بجماعة جيش المهدي ومن يقودها في العراق, بل وكذلك ضد المتطرفين السنة الذين يسعون إلى مواصلة الاحتراب وتعميق القتل المتبادل من الجانبين ضد الناس الأبرياء.
إن الطائفي المتمرس بممارسة سياسة التمييز الطائفي ونشر الكراهية بين السنة والشيعة, وأعني به الشيخ حارث الضاري, قد جمع حوله في هيئة علماء المسلمين مجموعة من الشيوخ الذين لا يختلفون عنه في الطائفية, وبالتالي نحن أمام تيارين طائفيين شيعي وسني حصيلة نشاطهما هو الموت المتواصل لمزيد من البشر العراقي البرئ من هذه الطائفية المقيتة, وكذلك المزيد من الخراب والدمار والبؤس والفاقة والبطالة للناس.
إن التحدي الذي تواجهه حكومة المالكي كبير حقاً ولا يمكن الانتصار فيه دون عملية عزل الطائفيين المتزمتين وتحييد البعض الآخر وكسب القسم الأكبر من الناس الاعتياديين من مختلف الأديان والطوائف لصالح بناء عراق اتحادي ديمقراطي مدني مستقل. ولا يمكن السير على هذا الدرب بسياسات طائفية تمارسها أطراف مشاركة في الحكم حالياً, سواء أكانت تمارسها عبر التصريحات النارية أم بالإساءة لهذا الطرف أو ذاك أم بتأييد قوى إرهابية متنوعة لا تريد الخير والتقدم للعراق.
إن خطر الضاري, ومعه هيئة علماء المسلمين ومليشياتهم غير المعلن عنها التي تمارس نشاطها بفعالية كبيرة, كبير ولكنه لا يقل قطعاً عن خطر مقتدى الصدر, ومعه تياره الصدري وجيش المهدي "العقائدي" المتطرف, فكلاهما يسعى للهيمنة على الحكم في العراق وعلى تحويل العراق إلى دولة دينية متطرفة وطائفية لا تختلف عن أي نظام سياسي متطرف, كما كان في أفغانستان أو إيران مثلاً. وكلا المجموعتين تمتلكان قوى سياسية مؤيدة وبعض الحكومات في الدول المجاورة التي تقوم بتزودهما بالمال والسلاح والمؤيدين وتشجعهما على أفعالهما الإر هابية لقتل أمل العراقيات والعراقيات بحياة هانئة ديمقراطية وحكم دستوري ديمقراطي مدني مستقل.

منتصف كانون الثاني/ يناير 2007

¤ الحلقة الأولى (1-2) جيش المهدي والخراب الفكري والروحي