|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  2 / 11 / 2016                                 خالد جواد شبيل                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

عن الابتسامة والحزن التايلندي!

خالد جواد شبيل
(موقع الناس)

مات ملك تايلندا (*) واسمه بوميبول أدوليادي عن 88 ثمانية وثمانين عاما.. حدث ذلك في 13 ت1/ أوكتوبر 2016، حين خرجت كعادتي فوجدت وجوه الناس قد غابت عنها الابتسامة في بلد يسمى بلد الابتسامة! إنما وجدت حزناً يغشى الوجوه، والناس تحيي بعضها بتحيتهم التقليدية صفق اليدين مع الإنحناء ورأيت السواد يغطي المباني والأعلام منتكسة والناس اتشحوا بالسواد!

وأود أن أقف عند هذه الابتسامة التي طالما يُخطيء فهما السائح حين يرى بنتاً جميلة تبتسم له فيساوره خاطر سريع ورد فعل قد يكون أسرع، ما جعل الابتسامة تتقلص دائرتها..

تدين تايلندا بعقيدة بوذا، وبذلك الجناح الواسع من البوذية التي هي البوذية الأصولية "تريفادا" التي تزعم أنها تبنت تعاليم بوذا وأنها تتمسك بكتاب "ترايبتكا" أي السلال الثلاث، فالسلة الأولى تحتوي على سُنّة بوذا في أقواله وتعاليمه وسيرته.. والسلة الثانية التي تضم أحكام وفلسفة ونظام الكهانة أي الجوانب التشريعية للكليرك البوذي.. أما الثالثة فهي التعاليم التي تتجه للناس وتنظم حياتهم مع بعضهم ومع الحيوان والنبات..

فالابتسامة يوصي بها بوذا حيث يقول: ابتسم للآخر فإن لم يبتسم لعله لم يرك، ولعله رآك بعينيه لكنه شارد الذهن مشغول الجَنان أو أي سبب كان؛ وإذا لم تجد عذراً تلتمسه له فلا شك إنه على خطأ وأنت على صواب!!

البوذية الأصولية ملحدة ولا تؤمن بجنة ولا نار وهي عقيدة (وليست ديانة) ليست تبشيرية، تحترم كل الأديان وهي متسامحة وبعيدة عن العنف! وهل استطاعت أن تقطع دابر العنف؟ بالتاكيد لا (ولا هنا تكون كبيرة) فأي عقيدة تتراجع أمام الصراع الطبقي والاجتماعي والسياسي! ولكنها استطاعت أن تحد من الظلم الاجتماعي وإن تحجم روح الكبرياء والغرور عند الإنسان العائش على الأصل والفصل وعند الإنسان مُحدَث النعمة!!

مات الملك التايلندي المحبوب يوم 13 كما أسلفنا، وبذلك سيزداد التوجس والتشاؤم لهذا الرقم في بلد لا تجد فيه 13 في المصعد ولا على بيوت الناس!! فالملوك في آسيا لهم مقام سام ولهم مَسحة إلهية وفق فرضية الفراغ الإلهي، ففي بلدان لا تقر الديانات السماوية ستضفي على ملوكها حالة تعوض فراغ الإله في المعتقد.. وهكذا تجد التقديس للأمبراطور في اليابان والصين قبل الثورة الماوية وفي تايلند وكمبوديا التي أعادت للأمير سيهانوك قدسيته التي ازدادت بعد سقوط بول بوت وشنائعه! بل الجذور ضاربة بعيداً لدى الفراعنة الذين اعتبروا رمسيس الثاني وأخناتون آلهة يُعبّدون!

مازال الناس كل الناس طلبة وموظفين وعامة الناس مجللين بالسواد، بل تجد الجدران للمباني الهامة مغطات بأقمشة سود صنعت منها ورود سود. وهل رأيتم زهرة سوداء؟ نعم رأيت ذالك في حديقة أودايبوري الشهيرة في الهند حيث تُخلَّق وراثياً غرائب الزهور!

بموت ملك تايلندا الشهير باسم رام التاسع لأن تسلسله الملكي التاسع في أسرة آل جوكري.. التي يشهد لها بملوكها الموهوبين.. الذين هم بين شاعر وعالم واقتصادي ورياضي وموسيقي و و و الذن كانوا قريبين من الشعب يفتحون قصورهم للناس إذا جدّ الجد.. وهذا ما حصل في مجزرة عام 1973 التي نفذتها الطغمة العسكرية بحق الانتفاضة الشعبية اليسارية التي قادها أساتذة وطلبة جامعة تاماسات حيث أمر الملك بفتح أبواب القصور الملكية لإنقاذ الطلبة. ومازال شاهد المجزرة ونصبها حيّا قرب نصب الديمقراطية.. ورام التاسع الراحل اشتهر بكونه موسيقاراً وعازفاً على البيانو والساكسفون ومصوراً حاذقاً، ومخترعاً لعدة آلات لتنقية المياه والمحافظة على البيئة وهو لغوي في لغته الأصلية ويجيد الفرنسية والانكليزية...

مات أطول حاكم على الإطلاق حيث اعتلى العرش ملكاً دستورياً سبعين عاماً ومائة وست وعشرين يوما.سيحرق جثمانه بعد عام على وفاته وسيباشر ابنه ملكاً على عرش بلاد الطاي!!


(*)
إن استخدام تايلندا بدلاً عن تايلند جاء على قياس فنلندا وهولندا وبولندا بالعربية.. وفقاً للأسماء الانكليزية فنلند و هولند وبولند/خ

 

رام كم هنغ 2ت2/ نوفمبر 2016










 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter