|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  17  / 11 / 2020                                 خالد جواد شبيل                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

التربية العلمانية الغائبة

خالد جواد شبيل
(موقع الناس)

أول الكلام:
في هذه الفرزة التي بلغت المائة أريد أن أختصر ما وسعني الاختصار..
يأتي المولود الى الحياة دون إرادة منه، يأتي صفحة بيضاء ثم تبدأ هذه الصفحة تفقد نصاعتها وبراءتها لكثرة ما يسجل فيها من عقود عائلية ومدرسية ومجتمعية! الطفل يمتلك بالفطرة عقلاً استكشافياً ذكيا عن طريق الأسئلة التي يفصح فيها عمّا يدور في تفكيره، ولأجل هذا وصف ماركس ببلاغة متناهية مرحلة الفلسفة الأغريقية بأنها مرحلة طفولية في تاريخ الفكر الإنساني..لأنها فجرت أسئلة عن المحظور وعن المسكوت عنه..وكشفت عن وهم ملابس الامبراطور الجديد!!
***
أحسب أن أوربا تقدمت لأنها أخرجت الطفل من سطوة الكنيسة ومن سطوة المجتمع وعاداته وكان عصر التنوير قد أنار عقول الكبار والأطفال.. وقد كان لكتاب المفكر المجدد جان جاك روسو واعني بالكتاب هو "إميل أو التربية" أهمية بالغة لتأسيس علم تحرير الطفل وأعني به علم التربية الذي مهّد لعلم آخر هو علم نفس الطفولة والمراهقة أو ما يسمى ب "علم النفس التكويني"..

وأهم ما يعنى بتحرير الطفولة هو السماح للطفل بالأسئلة أي بإقرار حقه في السؤال، والإجابة علي أسئلته بصدق.. أهم سؤال يسأله في الغالب لأمه: كيف ولدتُ؟ من أين أتيت؟ لماذا النساء المتزوجات يُولِدن؟ ولماذا لم تولِد غير المتزوجات؟! من هو الله؟ كيف يكون شكله؟ إذن من خلق الله؟! لماذا تختلف البنت عن الولد.؟. لماذا تحمل المرأة وتولد ولا يحمل الرجل ولا يولِد؟!

ينتقل الطفل الى المدرسة وسيرى الطفل أن حصة الدين يخرج بعض الطلاب من درس الدين، لأنهم غير مسلمين.. سيعرف الطفل أن هناك أديان: مسيحية ويهودية وصابئة؟ سيسأل الطفل المعلم: لمّا نعلم إن الله "أحد" يعنى واحد لماذا لا يجعل الدين واحداً لكل البشر؟! سيجيبه المعلم بحِدّة..وسيقول له أن الإسلام هو آخر الأديان وهو أحسنها وإن نبينا هو أحسن الأنبياء...

واحدة من علامات ذكاء الطفولة أيضا بل أهمها هو الخيال الواسع الذي يريد الطفل أن يعبر عنه في رأسه الصغير.. فيرى ما لا يراه الكبار..فعندما يروي أنه رأى أسدا صغيراً في غابة وغلب الأسد الذي فرّ مذعوراً.. سيوصم بالكذب وسيقال له أن الله يعاقب الكذاب ويرميه في النار.. ومع ذلك سيروي لهم المعلم قصصاً على ألسنة الحيوانات وسيحب القصص هذه التي توسع خياله وذاكرته ولكن ما يقلقه أنها كاذبه لأن الحيوانات لا تتكلم..

سيعلم الطفل أن السرقة حرام، حيث تقطع يد السارق، وعندما تُسرق،سترته الجديدة التي خلعها في حملة تلقيح ضد الجدري .. يتساءل بقلق هل ينبغي قطع يد السارق.. ويكتشف أن الأسئة تولد أسئلة ..حتى يصل الى سؤال: لما كان الله عادلاً لماذا لم يخلق الناس متساويين حتى لا يضطر الفقير أن يسرق ولا يعاقب بقطع اليد في الدنيا ولكي لا يلقى في جهنم؟!

يتعلم في درس الدين إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولكنه يعرف فلانا توضأ على عجل ليلحق بالصلاة وترك معطفه في المصلى وعندما ارتداه وجد أنه افرغ مما فيه من مبلغ غير قليل! أما سرقة النعل في الجوامع فهي عادة شبه جارية !! وسيحجم عن سؤال المعلم عن إن الله يغفر ذنوب من استطاع سبيلا للحج الى بيته أم من لم يمتلك المال ليحج هل سيواجه الله مع ذنوبه؟!!

قبل أن يبلغ المراهقة سيبدأ بقراءة قصص الحب الذي يصوّر أنه جميل .. بالتوازي مع الغناء الذي يمجد الحب ويبدأ يشعر بأحاسيس سارة لمشاهد الحب وما يقرأ .. الكل يمجد الحب، وليلى مراد تغني صراحة: الحب جميل للي عايش فيه..لكنه يعرف فلانة قد قتلت لأنها أحبت ومارست الحب مع من تحب؟! ويسمع عن التلميذة فلانة نبذت لأنها استلمت رسالة ممن تُحب...والحديث يطول!!

كل الذي ذكرت هو غيض من فيض يجعل الطفل قلقاً مطوق الذكاء وعندما يكبر يصبح مزدوج الشخصية، خائفا وجلا يكتم الكثير المقلق ولا يبوح به..

نحن بحاجة الى تربية تُفهم وتُعلم أن الدين هو حالة شخصية لا علاقة لها بالمدرسة، علينا أنفهم أن السرقة عمل لا أخلاقي يتنافى مع الضمير ويرفضه العقل.. نأباه لأنه يتضمن اعتداء على حق الغير.. وليس مخافة من نار..علينا ان نفهم إن الحب حال إنسانية وجمالية تنشأ بين طرفين متراضيين بشكل متكافىء ولا علاقة لها بالدين..وإن مساعدة الآخرين لا لكي نثاب عليها بل إنها حالة إنسانية ووجدانية ترفع من شأن الإنسان وتخلصه من الأنانية، وقد يحتاج أي إنسان لمساعدة الآخر حتى تصبح قانوناً..وعلينا أن نفهم إن الحرية والديمقراطية شأنان متلازمان وهما حق من حقوق الإنسان.. ونرى أن ممارسة الإنسان الحرية تصبح حقاً له مع الأخرين كي تصبح نظاماً نطلق عليه الديمقراطية تضمن تداول السلطة بشكل سليم لا غش فيه ..تجعلنا أحراراً في من نتوسم به الكفاءة والنزاهة وليس لها علاقة بالدين، فإن تدخل بها الدين أفسدها وأفسدته..

ومثلنا واقعنا الحالي حينما مورس الفساد بأسم الدين وبأسم الدين اصبحنا عنصريين لا نحب ابناء ديننا فحسب بل نحب ابناء طائفتنا ونراهم خير الأبناء وهم أسوأ من حكم العراق..

نحن بحاجة الى تربية علمانية تخرّج جيلاً معافى لا ينحاز لطائفة او دين او قومية.. وليبقَ الدين في المعبد بعيداً عن المدرسة وبعيدا عن الدولة ومصالحها؛ وشفيعي ودليلي في ما أزعم وأقول هو ما حلّ بالعراق.. لقد صادر الدين الوطنية وبهذا المصادرة بزغت ظاهرة الذيول حين صار المذهب أهم من الوطن وصارت العشيرة أهم من الشعب.. وهنا تكمن العلل...


17ت2/نوفمبر 2020




 


 



 







 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter