|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  25  / 10 / 2018                               خالد حسين سلطان                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

قصة قصيرة لحدث كبير
قضية النفق والهروب من سجن الحلة المركزي في عام 1967

عملية هروب السجناء الشيوعيين من سجن الحلة المركزي عام 1967
الحلقة السادسة

خالد حسين سلطان
(موقع الناس)

بمناسبة مرور 51 عاما على عملية الهروب الكبيرة والشهيرة للسجناء الشيوعيين من سجن الحلة المركزي عام 1967 سننشر قصة ذلك الهروب على شكل حلقات يومية وبقلم الوالد الفقيد حسين سلطان صبي / أبو علي

... وأخذت اللجنة المشار اليها أعلاه تمارس مهماتها السياسية والتنظيمية في داخل السجن بعد الانشقاق ويبدو ان المنشقين أصابهم الغرور من ان كل كوادر الحزب والقاعدة معهم. والأمر الذي ساعدهم على هذا التصور ان بعض الرفاق أعطيت لهم مسؤوليات في ادارة شؤون الـسجناء قــبـل الانـشـقاق مثلا مظفر النواب ورفيق آخر لا أتذكر اسمه ــ وهو قائد نقابي ــ هو الآخر مسؤول أرزاق السجن في الادارة والتحق معهم أغلبية أبناء الموصل عدا عدد قليل بقى مع الحزب وهكذا أوحى لهم هذا الوضع ان جميع الأمور أصبحت بأيديهم وسوف يخضعون البقية الى ما يريدون ولكن الحقيقة غير ذلك . وفي اليوم الرابع أو الخامس لإعلان بيان الحزب في السجن وجهت دعوة الى جميع الكوادر الـحـزبـيـة لـعـقـد اجـتـمـاع لـــهـم على أن يكون جدول العمل نقطتين فقط : الأولى منها كل واحد منا يدلي بما عنده في المجالات الفكرية والـسـياسية والتنظيمية والأحداث الجاريــة بصورة حرة . والنقطة الثانية : بعد الاستماع الى ما يقدم يقرر كل واحد منا موقفه مع الحزب أو مع الانشقاق وبصورة حرة أيضاً وأما القاعدة الحزبية وبقية السجناء وهم الأغلبية كل واحد منهم يقرر موقفه دون اكراه مع هذا الجانب أو ذاك. ان هذه الدعوة استجاب لها الجميع عدا نـفر قليل حاولوا أن يعرقلوا مثل هذه الدعوة الا ان تلك المساعي باءت بالفشل وانعقد الاجتماع فعلاً وحضره جميع الرفاق بما فيهم أولئك الذين كانوا يسعون لعدم عقده وفتحت النقاش بكلمة مطولة تحدثت فيها عن أهمية وحدة الحزب وقلت ان الخطأ في السياسة يمكن اصلاحه بالنضـال الهادئ الصبور وتكلمت عن تجربتي في انشقاق راية الشغيلة وختمت كلمتي أنا مع وحدة الحزب ومع صيانة مبادئه التنظيمية والتي بواسطتها نعدل ان كان هناك خطأ في السياسة أو الفكر وعلينا أن ندرك ان الانـشقاق لا يؤدي الا الى خدمة أعداء الشعب والطبقة العاملة مهما كانت النوايا . وتعاقب المتكلمون مع التشديد على الشرط المسبق ، هو عدم السماح بالمقاطعة والمتكلم حر باختيار الجمل التي يعبر بها عن أفكاره وتكلم الجميع ومنهم من أطنب ومنهم من أخذ بقاعدة خير الكلام ما قل ودل . وبعد انـتـهاء الـنقاش اتفقنا على أن ينادى بالأسماء وكل من يرد اسمه يعلن انه مع هذه الجهة أو تلك وكانت النتيجة (8) مع الحزب و (8) مع المنشقين . واثنين رفضا اعطاء أي رأي بحجة لا نستطيع تحديد موقف في هذه الساعة وكان مجموعنا ثمانية عشر رفيقاً وبعد ذلك انتهى الاجتماع في ساعة متأخرة من تلك الليلة . ومع هذا الوضوح في الفرز خاصة في الكوادر الا ان المنشقين بقوا يدعون ان معهم الأكثرية من القاعدة الحزبية وينبغي أن يبقى كل شيء من الأعمال الادارية بيدهم وأسمعونا بعض التهديدات . وكان رد الفعل عندنا عنيفا قلنا لهم نحن مستعدون لكل طارئ ونرجوا أن لا تحملونا على الانفصال عنكم مكانياً ومعاشياً وفي كل شيء وهذا ما يفرح أعداءنا وأكدنا لهم في الحديث : لا تستطيع قوة في الكون اخضاعنا ونحن أحياء فكيف بوضعكم الهزيل . وأنتم منشقون تطمحون بذلك ، وبعد هذا اللقاء بـبـضـعة سـاعـات جـاء حـافـظ رسن وتحدث معي حديثا لطيفاً وليناً وقال : أن افترقنا الآن ولكن لا بد أن نلتقي ويجب علينا أن نبقى موحدين أمام إدارة السجن وكل أعداءنا . وحصة كل منا نصف واتفـقـنا على ذلك وشكلنا لجنة من الطرفين لبحث القضايا تفصيلياً وخلال اسبوع من الارهاصات ليل نهار . الا ان بعد هذا الاتفاق أخذت الأمور تهدأ تدريجيا وتعود الى وضعها الطبيعي عدا ان التنظيم الموحد صار تنظيمين منفصلين ورغم أحداث الاسبوع وما جرى فيها من تهديدات وارهاصات الا ان حافظ رسن بقي على عادته حول النفق يأتي كل صباح ويقدم تقريره كالسابق وكأنما لم يحدث شيء بيننا ومن سوء الصدف عند حدوث الانشقاق ذهب مع المنشقين اثنين من أصل ثلاثة من الرفاق الذين كانوا يعملون في النفق وهم حافظ رسن وفاضل ، بقى مع الحزب جدو فقط . وعند تقسيم قاعات السجن بين المجموعتين كانت القاعة الجنوبية الملاصقة للنفق للحزب والقاعة الشمالية الملاصقة لـلـنـفـق أيضاً للانشقاقيين. هذا وأكدت على حافظ رسن أن تبقى قضية النفق كما كانت سابقا محصورة بيننا وقرب التنفيذ يمكن أن نتفق على العدد وعلى الكيفية وكان حافظ متحمساً لهذا الرأي ولكن فيما بعد ظهرت الحقيقة ليست هكذا بل ان بعض الكوادر والعناصر الأخرى كان كسبها عن هذا الطريق ، طريق الاغراء بالتحرر من السجن في حيــــن من جانبنا بقينا محافظين على سرية العمل حتى إكمال النفق وبدأت التشاور مع كل رفيق من الكوادر على حدة لاختبار استعداده اذا توفرت الفرصة للهرب .

نعود قليلا الى الوراء أي قبل الانشقاق كنت وحافظ رسن ندرس قضية توفير الحد الممكن من الضمان في كراج السيارات الذي تكون فيه فتحة النفق دون احساس حارس الكراج أثناء العملية وتدارسنا ثلاثة حلول وفضلنا أحدهما والحلول هي :

1) أن تساعدنا منظمة الحلة بإيجاد علاقة مع حارس الكراج واقامة حفل شراب ــ كحوليات ــ في الوقت المحدد لبدء عملية الهروب .

2) أن تساعدنا منظمة الحلة بثلاثة رفاق مجربين اثنين منهم يلبسون ملابس شرطة والثالث يكون بهيكل مفوض أمن ويأتون في الوقت المحدد لا جراء التحقيق مع حارس الكراج عن سيارة ( وهمية ) تحمل أموالاً مهربة خرجت من الكراج في الساعة كذا والسؤال عن سائقها أما الشرطة أحدهم يلزم باب الكراج والاخر باب غرفة الحارس وأثناء التحقيق تبدأ عملية الهروب .

3) بعد استشارة الجهات المختصة قالوا عندنا مخدر ــ بنج ــ يمكن أن يخدر الشخص لمدة من الوقت بزرقه أبرة .

وكنا ميالين الى الطريقة الثانية وفعلا دفعنا مبلغا من النقود لأحد الرفاق أن يشتري لنا بواسطة أخيه مسدساً مع بدلتين رسميتين من ملابس الشرطة الا اننا لم نحصل على نتيجة بسبب وقوع الانشقاق . وفي أواخر تشرين ألأول أخبرني حافظ رسن من ان النفق أوشك على نهايته وان في المواجهة القادمة يجب أن نرتب أمورنا مع جماعتنا ونقرر سوية يوم العملية . واتفقنا على ذلك وقال : توفرت لدينا امكانية لعمل هويات شخصية ويمكن أن تعطينا صوراً شمسية لجماعتكم حتى نضعها على الهويات . وفعلاً في اليوم الثاني أعطيته خمسة تصاوير لتلك الهويات . وكان مسموحا لزيارة السجناء مرتين في الشهر : الأولى في بداية الشهر والثانية في أواسطه . وفي نهاية تشرين الأول جاءت الرفيقة وابلة الشيخ الى السجن لزيارة أخيها عزيز الشيخ وطلبت اللقاء بي . وعند المقابلة قالت : يقولون الجماعة ــ وهي تعني الحزب ــ انـــنا لا نستطيع إيواء الهاربين من السجن في المدن بل توجد امكانية لايوائهم في الريف وسألتها عن امكانية المساعدات الأخرى قالت : والله لم يذكروا شيئا آخر قلت لها : نحتاج الى بعض النقود واذا أمكن مساعدات أخرى . قالت : يمكن في المواجهة القادمة أجلب اليك شيئاً من النقود وأخبرك بما يتقرر من مساعدة . وانتهى الأمر عند هذا الحد . وفي عصر ذلك اليوم ــ يوم المواجهة ــ وهو على ما أظن الأول من تشرين الثاني ، جاءني حافظ رسن وقال : ان جماعتنا طلبوا منا أن نوقت يوم الهروب في مساء يوم المواجهة القادمة فما هو رأيكم قلت لـه : ونحن هكذا وسألته عن الكراج فقال لا يشغل بالك هذا الموضوع وقدرت ان هنالك عملاً للجماعة في هذا المجال . وبقينا في كل يوم نلتقي ويتحدث حافظ رسن عن النفق وما جرى فيه من تأسيسات مثل إنارته بالكهرباء وتغليف سقف النفق بالبطانيات لئلاً يقع التراب من السقف وغير ذلك من الأحاديث الشيقة . وحتى يوم السادس من تشرين الثاني جاء حافظ رسن وفق العادة ولكنه أول ما تكلم به قال لي : اننا في عصر هذا اليوم عندنا اجتماع في هذه القاعة ــ وأشار بيده الى القاعة الشمالية وهي قاعتهم والملاصقة لغرفة النفق ــ قلت له : هذا أمر يخصكم وتحدث عن النفق وأحاديث أخرى ولكن عندما أراد أن ينهض كرر القول ــ في عصر هذا اليوم عندنا اجتماع في هذه القاعة ــ قلت لـــه : هذا شأن يعود لكم الا اني ارتبت في الأمر وذهبت الى تفسيرات عدة وقدرت ان الحالة لم تعد طبيعية وانما لا بد أن يكون خلفها قــــصد ــ ولكن في الحقيقة لم أتوصل انهم يضمرون الغدر بنا والهروب من خلف ظهرنا ــ وكنت أقدر قد يكون لهذا علاقة بالاحتفال بذكرى ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى حيث كانت الاستعدادات . وبعد ذهاب حافظ رسن بساعة ونصف جاء مظفر النواب وجلس بقربي وبعد كلمات المجاملة انحنى نحوي وهمس باذني قائلاً : الرفاق أصحاب الصور للهويات من الأفضل أن يختاروا أسماءهم التي تدون في الهويات حتى لا ينسوها عند السؤال والـــجواب ، غداً أأتي لاستلامها منكم .

وفي ذات اليوم عصراً والساعة تقترب من السادسة مساءاً وأنا أتجول في جانب من ساحة السجن لاحظت بعض العناصر المنشقة تأتي مـــــن القلعة القديمة الى القاعة التي أشار لها حافظ رسن صباح ذلك اليوم باعتبار عندهم اجتماع فيها ولكن ما يجلب الانتباه ان القادمين الى تلك القاعة كل واحد منهم يحمل بيده كيساً من القماش أو من النايلون ومنهم من يحمل لفة ــ بقجة ــ والى هنا أخذت أقترب من هدف الجماعة وحيث كان يظهر الارتباك حتى في سيرهم وكانوا واضعين برنامجاً للدخول الى القاعة ، دقيقة بين واحد وآخر وحارس يقف على باب القاعة منهم وبقيت أراقب الحالة وجو السجن هادئ تماماً وقد دخل القاعة ما يقارب خمسة عشر شخصاً ومرت عدة دقائق ولم يأتِ أحد للدخول وخلال تلك اللحظات مر أمامي أحد الرفاق وهو شجاع وصدامي ــ مع الأسف لا أتذكر اسمه ــ إلا اني أعرفه من أبناء الموصل ، ناديته فجاء مسرعاً قلت له : اذهب الى تلك القاعة وانظر من فيها فذهب وبقيت أتبعه بنظري وعند الباب منعه الحارس من الدخول فعاد لي وقبل أن يصل ناديته وبنبرة لا تخلوا من الحدة ، أدخل عنوة، فعاد الى القاعة بعزيمة أشد ومسك الحارس من يده ودفع به الى ساحة السجن ودخل وعاد لي مسرعاً وقال لا يوجد أحد في القاعة . وقفت في ساحة السجن وامامي الرفيق الموصلي وجاء الرفيق جدو تواً وساحة السجن خالية تماماً ، وقلت لنفسي : أمامي بضعة دقائق ينبغي أن أتخذ خلالها موقفاً وأتحمل مسؤوليته شخصياً وكان القرار النهائي ان أذهب اليهم بالعنف وأرغمهم على مشاركتنا بالهروب واذا رفضوا نخوض معهم معركة والنتائج هم يتحملونها . وخلال تلك اللحظات كنت أشاهد الرفيقين الموصلي وجدو متوتري الأعصاب واقفين وقفة شبه عسكرية شاخصين بنظرهم نحوي وكأنهم يقرأون ما في وجهي . وكان بقربنا قطعة من الحديد يكسرون بها الثلج ، قلت الى جدو هاتني بذلك ــ الهيم ــ الحديد وعندما جلبه لي قلت لهم اتبعوني وتوجهنا نحو غرفة النفق ومعلوم لدي ان باب غرفة النفق لها قفلين واحد من الخارج والثاني من الداخل فوضعت ــ الهيم ــ الحديدي في رزة القفل وقبل أن أكسره قلت لجدو أطرق الباب عليهم فسأل حسين ياسين من الطارق ، قال له أنــــــا جدو ، فأجابه حسين ياسين اذهب يا جدو وبعد ساعه عد الينا . والى هنا كسرت القفل وقلت لحسين ياسين : يكلمك أبو علي افتح البــاب والا كسرتها وفتح الباب وهو يشد بربطة عنقه ومن شدة الانفعال بصقت على وجهه ورفعت يدي وقلت أهكذا الغدر يا . . . وخلال دقائق معدودة صارت ساحة السجن ساحة معركة بين الطرفين وكان أحدهم ينوي طعني بسكين لكن الشهيد عبد الأمير سعيد هو الذي حال دون تحقيق هدفه . وخلال تلك الحالة طلبت من أحد الرفاق أن يأخذ معه رفيقاً آخر ويمسكوا باب القلعة ولا يسمحوا بالدخول أو الخروج منها وأحاطني عدد من الرفاق حتى ادخلوني الغرفة وقبل أن أولع سجارتي جاء حسين ياسين الى باب غرفتي ، الا ان الرفاق أبعدوه بالدفع والاهانة وسمعت منـه كـلامـاً : أريـد أبـو عـلـي وكـان بـقـربـي الـرفـيق الحمامي ، فقلت له : اذهب الى حسين ياسين وافهم منه ماذا يريد مني ذهب وعاد لي يقول : انه يريد اللقاء بك شخصياً ، قلت : افرغ الغرفة المجاورة من الرفاق وأت به . وعندما التقينا في الغرفة وقبل أن يجلس قال حسين ياسين : اغفر لنا يا أبا علي ما فعلنا وعالج الأمر بحكمه لئلا تذهب كل الجهود أدراج الرياح ، قلت له : جيد أتوافقون أن نخرج في البدء عشرة رفاق خمسة منكم وخمسة منا ويمسك النفق خلال ساعتين وبعدها يخرج من يريد . قال : موافقون ، قلت : اذن خلال خمسة دقائق يكون الجميع جاهزين .

........ يتبع

 






 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter