|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء 9/1/ 2013                                 د. كاظم الموسوي                            كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

محاولة استذكار وجه آخر للنجف

كاظم الموسوي 

سجل المناضل الشيوعي صاحب جليل الحكيم (1933) في مذكرات له بعنوان (النجف، الوجه الآخر، محاولة استذكار) التي صدرت في بغداد (2011) ما استذكره من الوجه الاخر لمدينة النجف الاشرف. وأراد من التسمية ان يقول ان هذه المدينة التي يرقد في جنباتها الامام علي بن ابي طالب (ع) وملايين المسلمين في اكبر مقبرة في العالم، وادي السلام، وما يعرف عنها، لها وجه يحاول سرده وربما قد يضيف لها ما يتطلبه الشأن والمقام في التاريخ والانسان. وقبل هذا السرد كتب عن المدينة والطفولة وبواكير النشاط السياسي والوطني. وداخل مدينة معروفة بمجالسها الادبية والسياسية، ومجالس العلماء والمجتهدين والمقلدين، وشيوخ العشائر المنتمين للاتجاهات السياسية المتباينة، والأحزاب والمنظمات السياسية والمدارس الدينية والمكتبات وتقاليد المجتمع المختلط بين تلك التيارات والمؤثرات والتطورات، كان للحركة الشيوعية والديمقراطية مجالاتها التي اعطت لها وجها اخرا للمدينة وكان للمناضل المؤلف سيرته وخطواته فيها. ثبت المؤلف على غلاف الكتاب تحت صورته الشخصية نبذة مختصرة جاء فيها انه ولد في النجف في 3 أيلول/ سبتمبر 1933، وبدا نشاطه السياسي في سن مبكرة نهاية اربعينات القرن الماضي. انتسب الى الحزب الشيوعي العراقي في بداية الخمسينات، وبسبب نشاطه السياسي والحزبي تعرض لملاحقة الاجهزة القمعية وسجن مرات عديدة. وكان سكرتير محلية النجف من نهاية 1959 والى منتصف 1962 وعضو لجنة منطقة الفرات الاوسط لاحقا ومنسق العمل التنظيمي لمنطقة الفرات الاوسط. وعضو لجنة منطقة بغداد من عام 1972 ومسؤول المكتب التنظيمي لمنطقة بغداد حتى سنة 1978. وقد غادر الوطن ليكون مسؤولا عن المنظمة الحزبية الشيوعية العراقية في سوريا ومن ثم في بلغاريا. وكان قد عمل في الكفاح المسلح في كردستان – العراق سنة 1983 وفي داخل الوطن حتى عام 1985. ودرس في موسكو في اكاديمية العلوم الاجتماعية قسم التاريخ والفلسفة سنة 1970. وهذا اختصار بتواضع لسيرة حياة حافلة بالكثير ولنضال رجل عرف عنه ايضا الكثير.

تحمل في مسيرته كغيره ما تحمله الشيوعيون في العراق وغيرهم من اضطهاد السلطات وتعسف الحكومات وتناقض الصراعات و"ظلم ذوي القربى"!. وفي تلخيص اخر لما اورده في المقدمة، وضح ان "من المفيد ان اذكر المحطات النضالية الرئيسة التي مررت بها، التي قسمت الكتاب على اساسها: فترة البدايات والى يوم ثورة 14 تموز 1958، وفترة الايام الاولى لثورة تموز والى يوم الاعتقال في شهر اب 1962 وفترة الاعتقال والسجون التي مررت بها والى يوم الخروج من السجن سنة 1965. وفترة الخروج من السجن والعمل في منظمات بغداد وحتى الخروج من الوطن في نهاية سنة 1978. وفترة العمل في الخارج، ومن ثم العمل في كردستان العراق وفي داخل الوطن. وفترة العودة الى كردستان قادما من الداخل ثم العمل في الخارج والى يوم كتابة هذه المحاولة من الاستذكار". ومن هذه الفترات ما تغطي مسيرته في الحياة والعمل الحزبي وما استذكره منها في الكتاب، وهي تشرح المكان والزمان الذي عاشه. أي متنقلا من ما بدأه عن مدينته الاولى الى مدن اخرى، مبتعدا عن الوجه الاخر الى وجوه اخرى لمدن وساحات بعيدة عنها بحكم الالتزام والواجب الحزبي، كأي مناضل شيوعي في العراق. فهل اعطاها حقها وكشف اخبارها ووثق صعوباتها وظروفها ومعاناتها وما تعلق في الذاكرة من منعرجاتها بأفراحها وأتراحها؟ وهل وضع الاصبع على الجرح فيها؟ لاسيما وان فترات او احداثا تقتضي احكاما عليها او نقدا ومعالجة خارج تعاليم الاطار الحزبي الضيق. هنا يوقفنا المؤلف انه اعتمد على الذاكرة لما عاشه ورفاقه من ظروف التحولات العراقية. كما ان ما كتبه وهو خارج وطنه، ليس من السهل عليه توفير مصادر ومراجع ووثائق وغيرها، إلا انه استفاد مسترجعا مما كتبه رفاق له وأصدقاء اخرون وحركوا لديه روح المراجعة وتسجيل شهادته هو الاخر ايضا. فهناك كثير من المتشابهات بينه وبين العديد من الرفاق الاخرين الذين سطروا ما لديهم من سيرة ومذكرات. سواء الذين عمل معهم في منظمات واحدة او في اطار العمل الحزبي عموما. وهي فترات ومراحل وسمت صفحات تاريخ الشعب العراقي في صراعه الوطني وتطلعاته نحو التحرر والحرية والديمقراطية والعدالة والكرامة الانسانية.

وضح في التقديم سببه في الكتابة من خلال اشارة اصدقاء عليه وإلحاحهم بضرورة تدوين وتوثيق ما يتذكره من احداث سياسية وحزبية خلال مسيرته الحياتية.. "عندما قبلت كتابة شيء من الذاكرة، فهذا لاني لا املك غيرها، فقد كانت ظروفي الشخصية لا تساعدني على تدوين ما قرأته وما درسته... وساترك ما كتبته لمن يريد ان يطلع عليها فهي تمثل حياة احد المناضلين الشيوعيين في ظروف العمل السري البالغة القسوة، حيث كانت مهمته ومهنته الاساسية هي النضال ولا شيء غير ذلك". ومن خلال استكمال قراءة الكتاب يشعرك مؤلفه انه قوي الذاكرة رغم عقود عمره، ويتذكر اغلب الاسماء للأصدقاء والرفاق والكثير من التفاصيل اليومية في حياته السياسية. وكأي مناضل في العراق وفي اوضاعه السياسية المتنوعة عاش مع بقية رفاقه صراعاتها بين المحكومين والحكام. فدخل السجون وواجه الجلاد والتعذيب والأحكام المتنوعة على الشيوعيين في مختلف الفترات، حتى اقلها عداء للشيوعية وانفتاحا عاما.

انتقل الحكيم في استذكار ما عاشه في الفترات التي اختارها مراحل في فصول الكتاب، حفلت كل فترة بالكثير من نشاطات وفعاليات حزبية وعملية في التنظيم والعمل الحزبي والسياسي الوطني. وبعد تقديم بداياته وبواكير وعيه السياسي في عائلته الدينية وتفتح اجوائها الثقافية اشار الى ابرز الاحداث التي اثرت في تنامي الوعي التدريجي عنده، متذكرا محاكمة الرفيق فهد الاولى مع رفيقيه حازم وصارم سنة 1947، ولاسيما دفاع فهد فيها عن الحزب والشيوعية في العراق. وانتصارات الاتحاد السوفيتي على النازية.. ومن ثم وثبة كانون الثاني 1948 وما صاحبها من تظاهرات واحتجاجات في المدن العراقية ومشاركته في بعضها في مدينته ونشاط بعض عائلته السياسيين ومشاركته في النوادي الطلابية والمكتبات وقراءة الكتب اليسارية .. كل هذه عوامل بلورت توجه الشاب نحو الشيوعية والانتساب الى الحزب الشيوعي. كما أرخ قائمة طويلة من الرعيل الاول للشيوعيين في النجف، وزادها قائمة اخرى من الشهداء الشيوعيين من ابناء المدينة ووصف مدينة النجف وتاريخها وعائلة الحكيم فيها. (ماذا حصل للعديد من الرواد قبل الاستشهاد او الوفاة؟ وكيف ينبغي رد حقهم على الحزب والشيوعيين من بعدهم؟ وهل تُذكر تضحياتهم وكفاحهم الوطني الآن؟) ولاحظ ايضا على مسؤولي المنظمة وتجاربهم القيادية.  خلالها عاد الى تذكر اول انتساب الى الحزب عبر مروره بنشاط ميداني عام 1950. "بعد ذلك انتظمت في حلقة المؤيدين للحزب الشيوعي العراقي، وكان يقود الحلقة رفيق العمر باقر إبراهيم وتتألف الحلقة من عيسى عباس، ونوري الدجيلي، وحاتم راضي وصاحب الحكيم، ثم اصبحت مسؤولا عن حلقة للمؤيدين". وتدرج بعدها في مسيرة العمل الحزبي والنضال الوطني. وأتت انتفاضة تشرين 1952 لتزيد من اهتمامه ومشاركته فيها، واصفا المظاهرات التي كانت تنتظم في النجف وقيادتها وأبطالها وكيف سارت تطوراتها. ومن بينها اعتقاله مع مجموعة من المشاركين فيها. وهذه اول علامات المناضل الشيوعي في العراق. السجن والسجان والأحكام وسبل التخلص منها والمجازر وما لحقها من قصص التعذيب والإسقاط السياسي وغيرها مما يضيف صفحات سوداء في التاريخ السياسي للعراق. ولعل هذا هو المشترك البارز والاهم في كل من سجل مذكراته ونشر أوراقه.. وتتكرر هذه الحالة مع كل مشاركة في نشاط سياسي عام او حزبي خاص. ومن ثم عرج الى انشقاق راية الشغيلة في 6 اذار 1953 وانضمام منظمة النجف له،  وتلك سمة اخرى في تاريخ الصراعات الداخلية في الحزب، تكشف مستوى الوعي الفكري والسياسي والتنظيمي للقيادات والمنظمات الحزبية في تلك الفترة. وكاستذكارات سجل المؤلف بعض النشاطات التي اشترك فيها كالسفرات المدرسية والاستقبالات لبعض الوفود الشخصيات السياسية التي زارت المدينة . وحلت انتفاضة 1956 التضامنية مع الشعب المصري ضد العدوان الثلاثي ومساندة اهالي النجف لها، وشارك فيها واعتقل كما سجن والداه. وانتقل الى تحمل مسؤولية تنظيم مدينة ألشامية التي ابرز ما فيها تكوين  جمعية الملاكين الاحرار فيها اسوة بغيرها وبعد توسع العمل الحزبي في الحركة الفلاحية في المنطقة. وصولا الى ثورة 14 تموز يوليو 1958 والنضال الوطني في المساند لها في المنطقة. حيث ينتهي الفصل الاول من الكتاب ويبدأ الثاني لفترة ما بعد اندلاع الثورة  والتحرك لتأييدها.

تهيأت منظمات الحزب، ومنها مدينة النجف، الى مساندة الثورة وحمايتها. فقادت التظاهرات والاجتماعات السياسية وتوسعت عدديا وتنظيميا، الامر الذي اغاظ السياسيين المنافسين للحزب، وفسح المجال لإطلاق اتهامات وإشاعات، بداية للافتراق وتصدع جبهة الاتحاد الوطني التي قادت العمل السياسي لإسناد الثورة. وجاءت زيارة عبد السلام عارف الى النجف فرصة اخرى للاستقطاب السياسي والتباعد بين القوى السياسية. إلا ان مناسبات اخرى كوفاة الشيخ محمد الشبيبي، والدكتور عبد الامير السكافي ونقل رفاة الشهيد عواد الصفار الى النجف اعادت او قدمت نشاطا واسعا للحزب وجماهيره. وأنتقل المؤلف الى تتويج هذا النشاط بانعقاد الكونفرنس الحزبي لمنظمات الفرات الاوسط في بيته وبحضور السكرتير العام للحزب سلام عادل. وهذا امر صحي في حياة الحزب وعمل منظماته. حيث استرشد الحزب في خطه وخطاب سكرتيره العام في ظروف ثورية جديدة وفي مدن متميزة. والمعروف ان مدينة النجف اداريا كانت تابعة للواء/ محافظة كربلاء، مع مدن اخرى، ويجمع الكاتب بين مواقع عمله الحزبي ونشاطات منظماته التي اسهم فيها. فذكر ان اللجنة المحلية مؤلفة من الرفاق محمد حسن مبارك، وحسن عوينة والدكتور خليل جميل والمحامي حسين الرفيعي وصاحب الحكيم ومن كربلاء جاسم الحلوائي وعلي النوري. وكل مدينة لها لجنتها الحزبية ايضا، تشرف وتقود خطوطها الاختصاصية، العمالية والفلاحية والنسوية والطلابية والمهنية الاخرى. وأضاف بان منظمة النجف لها خصوصية في ظل الظروف التي اعقبت ثورة تموز حيث كانت تصلها وفود عالمية وعربية وعراقية. فضلا عن تمركز القوى المضادة للثورة فيها، مما حوّل ساحات المدينة الى مختبرات صراع فعلي بين التيارات والقوى المؤيدة للثورة والمعارضة لها. وبحكم وضع المدينتين، كربلاء والنجف، بوجود مراقد الائمة الشهداء، وأيام وطقوس الاحتفاء بهم، ايام عاشوراء والأربعينيات لهم، كانت من بين مهام المنظمات الحزبية المشاركة في تلك الفعاليات، بما فيها اعداد الردات والشعارات الحسينية والوطنية. ومن بين نشاطات المنظمة رفع المذكرات الوطنية لقيادة الثورة وتعزيز عمل المنظمات الحزبية والديمقراطية، كاتحاد الطلبة العام وأنصار السلام والحركة الفلاحية والنسوية وغيرها. وثبّت اسماء الناشطات في الحركة النسوية، حيث "كانت البدايات بين عوائل الشيوعيين والوطنيين، في بداية الخمسينات، من بين النساء اللواتي عملن في الحركة النسائية التقدمية في تلك الفترة الرفيقة الراحلة نرجس الصفار، وأخواتها رضية الصفار وساجدة الصفار ووجيهة الصفار، وأم ضياء القزويني، وأم شهيد ابو شبع، ومليحة الحكيم، ووصف راشد، ونجمة ام كفاح. وبعد ثورة تموز 1958 اتسعت النشاطات النسوية وتشكلت رابطة المرأة العراقية، فرع النجف، وبالإضافة الى الاسماء المذكورة قبل ثورة تموز، برزت بعض الوجوه الجديدة مثل سلمى الصراف ونعيمة الدجيلي وسديدة الرفيعي وفهمية الدجيلي ومنتهى سميسم وسعاد ملة سلمان ووجيهة القزويني ونبيهة القزويني وزهوري الحكيم وماجدة المانع وغيرهن". واستذكر الكاتب لقطات كثيرة من الصراعات السياسية والنشاطات الاضرابية والاحتجاجية وصولا الى الفتوى التي صدرت من المرجع الديني الاعلى محسن الحكيم بتكفير الشيوعية وأصدائها في المدينة وريفها. ولم ينس الاشارة الى وقائع متميزة ذات خصوصية ونكهة فريدة، مثلا الاشارة الى "الشاعر الحسيني الماركسي عبد الحسين ابو شبع" كما وضع العنوان. وأضاف:" انتمى الشاعر المبدع الشيخ عبد الحسين ابو شبع للحزب الشيوعي العراقي في النجف وعمل فيه عضوا بارزا قبل ثورة تموز 1958 ثم اصبح عضو لجنة رجال الدين الحزبية، وقاد خلية من رجال الدين وهم خطباء المجالس، وكان اسمه الحزبي علي".

سجل الحكيم زواجه وعائلته، فقد تزوج من ناشطة حزبية هي السيدة فهيمة الشيخ عمران الدجيلي، وتكونت عائلته الصغيرة من ولدين وبنتين، وشكرهم على تحمل معاناة غيابه عنهم وملاحقة السلطات لهم بسببه. ومع تحمل مسؤوليات جديدة في تلك الفترة من الثورة في محلية النجف وكربلاء والحلة، حتى آب عام 1962 حيث اعتقل.

بدا الفصل الثالث من كتابه بعنوان الاعتقال وما جرى وحصل له، وهي قصة اخرى من مسلسل نضال الشيوعيين في العراق. حيث تنقل في سجون عدة، في مدينته والحلة وبغداد والرمادي وختاما في السجن الصحراوي، نقرة السلمان. ووصف مفارقات كثيرة، من بينها تعاطف سجانين معه ومع السجناء الشيوعيين. ووصف بالأسماء والأحداث يوميات السجن في نقرة السلمان وكيف يحول الشيوعيون السجن الى مدرسة متكاملة، الى اطلاق سراحه في منتصف عام 1965.

بعد اطلاق سراحه ومعاناته عاد الى النشاطات الحزبية والمسؤوليات التنظيمية. مع البحث عن عمل وظيفي مناسب. فاشترك في قيادة لجنة الطلاب مع شلة من الرفاق، الذين لم يكن بينهم طالب واحد، ومن ثم حضر للمؤتمر الرابع لاتحاد الطلبة العام في العراق، ولفعاليات جماهيرية، كالاحتفال بذكرى ثورة اكتوبر بساحة السباع في بغداد. واسهم في التحضير للمؤتمر الثاني للحزب وكذلك السفر الى موسكو للدراسة الحزبية. وعند عودته نهاية سنة 1971 اتصل بالرفيق بهاء الدين نوري، عضو اللجنة المركزية، عضو منطقة بغداد، واستلم مسؤولية لجنة المثقفين المؤلفة من نزار ناجي يوسف وحنا نبات (ابو نهاد) والدكتور نمير العاني. وحضر اول اجتماع للجنة منطقة بغداد منتصف سنة 1972، وكانت مؤلفة من "الرفاق عمر علي الشيخ مسؤولا وبهاء الدين نوري، والدكتورة نزيهة الدليمي، وثابت حبيب العاني، وعادل حبه، وحسين سلطان، وحميد مجيد موسى، وعزت عثمان، وصاحب الحكيم، وبعد ذلك انضم الى لجنة المنطقة الرفاق كامل كرم (ابو علاء) وعلي حسن (ابو حيدر) وجميل الياس منصور (ابو جمال)". وتوسع عمل اللجنة بعد عقد الجبهة الوطنية مع حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في تموز 1973 وأصبحت تضم ثلاثين عضوا واستلم مسؤوليتها الرفيق مهدي عبد الكريم وجرت تعديلات فيها وفي مهامها. و"كانت اجتماعاتها تمتد حتى منتصف الليل وبإشراف من المكتب السياسي لمناقشة الاراء التي تطرح في الاجتماع". وساهم في تحشيد الجماهير الحزبية لها مع رؤيته لها بأنها "شكلية خلبية سرعان ما انفرط عقدها بعد ان حقق البعث هدفه منها فشن حملة واسعة ضد الشيوعيين". (ص207). وأشار الى عقد المؤتمر الوطني الثالث عام 1976 والتحضيرات له وبعجالة كتب لقطات اخرى سريعة عن زيارة المناضل الشيوعي خالد بكداش الى النجف وحادثة خان النص وموقف الحزب الشيوعي منها، انتقالا الى اجتماع اللجنة المركزية في اذار 1978 لدراسة التدهور السياسي بين الحزبين الحليفين والهجوم الحكومي الامني على منطقة بغداد وعلى منظمات الحزب الأخرى، وانتهاء خيوط التحالف الجبهوي وصعود ارهاب الدكتاتورية وبداية هجرة كادر وأعضاء الحزب او التعرض لظروف قاسية!.

جاء الفصل الخامس في "سوريا الملاذ". وهنا بدا المناضل صاحب الحكيم رحلة جديدة كما حصل مع العديد من المناضلين الشيوعيين للعمل خارج العراق. موضحا الاتصالات مع  الاحزاب الشيوعية الشقيقة في سوريا والتعاون معها والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ثم سفره الى بلغاريا وتكليفه بمسؤولية منظمات الحزب فيها. ومن ثم قرار المكتب السياسي بعودته الى سوريا والتوجه الى كردستان. حيث مرحلة اخرى من النضال الشيوعي له ولغيره من الشيوعيين العراقيين في جبال كردستان العراقية. ذكر انه عاد بعد معركة بشت اشان وما حصل للحزب فيها. وعاد مع الرفيقين ابو جمال وأبو الجاسم " للعمل والمساعدة في وقف الانهيارات التي حدثت بعد معركة بشت اشان واستلام مسؤوليات حزبية" (ص221). وكانت مهمته الاخرى العمل الحزبي داخل الوطن مرورا بشماله وعبره. وهنا مرحلة جديدة فيها روح التحدي والمغامرة ايضا. ذكر بعض تفاصيلها. وأشار الى انه بقي "مدة سنتين كاملتين داخل العراق من سنة 1983 الى سنة 1985 في وسط هوس وجنون الاجهزة الامنية". وعاد في سرده الى وصوله الاول الى كردستان واصفا الحياة فيها ومنتقلا بين الفترتين اللتين عاشهما فيها.  حيث المفارقات الحادة في المكان وداخل الحزب. فبعد تلك المشاق والمسؤوليات ابعدته قيادة الحزب من الحضور للمؤتمر الرابع الذي عقد في تشرين الثاني عام 1985 رغم كتابة رسالتين منه ومن الرفيق باقر ابراهيم الى سكرتير اللجنة المركزية الرفيق عزيز محمد حول ضرورة حضوره. "الحقيقة اراد المسؤولون عند انعقاد المؤتمر عدم حضوري لأنهم يعلمون اني سوف اتحدث وانتقد السلبيات التي تواجه عمل الحزب، وأنهم لا يرغبون بذلك، خصوصا وأنا قادم من بغداد" (ص232). وانتقل رغم كل ذلك الى تحمل مسؤولية منظمة الحزب في طهران، مستذكرا ما حصل فيها، وخاتما وجوده فيها بالعودة الى دمشق من جديد والاستمرار فيها حتى كتابة هذه المذكرات. مشيرا فيها الى مساعدات قدمها للعديد من الرفاق من خارج موافقة المسؤولين في قيادة الحزب املاها عليه ضميره الانساني. ومن جديد تعرض الى التهميش في العمل الحزبي بسبب "من افكاري ومعارضتي السياسية" وضم الى هيئة حزبية بلا مهمات. وفي موسع منظمة دمشق في شباط 1992 قدم مطالعة مكتوبة نشرت باسمه الحركي (ابو هادي) في مجلة الثقافة الجديدة ورشح من الموسع لحضور المؤتمر الخامس إلا ان قرار القيادة بإبعاده من المؤتمر كان مستمرا، ضمن "خطة اعدت لهذه النتيجة سلفا وحسب الارتياحات والولاءات". وختم كتابه بخاتمة وملاحق وصور شخصية.

في الخاتمة كتب:"وعلى الرغم من الانتكاسة للمنظومة الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفييتي، وعلى الرغم من ان بعض موضوعات مبادئ الماركسية – اللينينية لم تزكها الحياة، فأنني مواصل لمعتقداتي المبداية. وعلى الرغم من الاخطاء والسلبيات التي رافقت عملنا لكنني اشعر بالاعتزاز بوطنيتي وحبي لشعبي ووطني..واسعى جاهدا مع الخيرين من بني وطني لإزاحة بقايا الاحتلال الاجنبي عن وطننا العزيز، والعمل على تقدمه في جميع مناحي الحياة وإزالة كل ما يعيق تطور العراق وازدهاره. والقصد من كتابة هذه الذكريات على تواضعها، هو اطلاع القارئ على حياة احد المناضلين في صفوف الحزب الشيوعي العراقي، وهي كحياة أي مناضل شيوعي اخر، حياة رجل كانت مهمته ومهنته النضال ولا شيء غير ذلك".

صفحات الاستذكار العديدة زخرت بذاكرة قوية للأسماء والفترات ورغم التنقل الزمكاني والصعوبات التي واجهته شهد بما عاش وبما حصل معه وله في فترات متفاوتة وأحيانا متداخلة، وعُرف بين رفاقه وغيرهم بصدق سجاياه وطيبة قلبه ونزاهة لسانه ويده في عمله الحزبي وصلاته الشخصية. في الكتاب المنشور ترك المؤلف العديد من المحطات دون تفاصيل ضرورية للقارئ عن ممارسات وأخلاقيات جرت وسادت عمل الحزب وأبعدته عن مكانته الفعلية وموقعه النضالي وتاريخه السياسي، ووضعته الان خارج ما كان يعوّل عليه. لاسيما وإنها اصبحت من التاريخ وضرورة الاعتبار منها للأجيال القادمة وللقراء ايضا. ورغم كل ذلك تبقى شهادته وما ضمته عنوانا له ولمن شاركه الصفحات ويمكن ان يقرأ بين سطورها ما خفي من التاريخ ومن حكمه القاسي. 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter