|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  3 / 10 / 2013                                 د. كاظم الموسوي                            كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

استطلاعات الرأي وكلاب الحرب

كاظم الموسوي 

تكون لاستطلاعات الرأي، في الدول التي تتمتع بالحريات والأنظمة التي تحترم حقوق الانسان والمواطنة لمواطنيها، اهمية كبيرة لدى اصحاب القرار السياسي والتشريعي، وتبرز اهميتها في التحولات والانعطافات التاريخية والأزمات والانتخابات الرئاسية والتشريعية، او بما يتعلق بمصائر وعلاقات لها تداعيات واسعة وقد تسبب مضاعفات وعواقب، وتولد ازمات وكوارث اشد من مصادرها. ومن بينها طبعا قرارات الحروب وخطط الغزو. التي هي بطبيعتها مكون من جوهر الرأسمالية وأهداف التوسع الامبريالي الامبراطوري. ولهذا يحسب للاستطلاعات حسابها. لاسيما وان من يدفع تكاليف الحروب والعدوان هو الشعب، خاصة من يدفع الضرائب، فتم وضع شرط التفويض القانوني في الدساتير والأعراف في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث ذكر "أن الدستور الأمريكي تمكن على الأقل من كبح جماح "كلب الحرب" عن طريق نقل "سلطة إطلاق العنان له من السلطة التنفيذية إلى السلطة التشريعية، أي من أولئك الذين يصرفون الأموال لأولئك الذين يدفعونها"!.

يعتمد على الاستطلاعات حين تكون وسائلها وتقنياتها معبرة بمصداقية عنها وبالقواعد المقرة والشفافية العالية. فليس كل استطلاع يأخذ بجدية واهتمام، كما ان قيمة الاستطلاع في زمنه ومكانه محسوبة بدقة وقد تقود نتائجه الى قرارات ومواقف حاسمة ومؤثرة. كما هو دورها في اغلب الانتخابات العامة.

فضحت استطلاعات الرأي التي جرت حول الحرب والعدوان التي هددت بها الادارة الامريكية وتوابعها سوريا خصوصا والتجييش الواسع لآلات الحرب الاعلامية بكل اللغات، وأبرزها العربية، بما لها من توجهات واضحة وتخادم مجرّب ومسبق على التفكير بأي قرار ممكن، فضحت تلك المخططات وردت عليها بقناعات وخبر ودروس من اشباح الحروب العدوانية الاخيرة في افغانستان والعراق وما الت اليه..

أظهرت نتائج استطلاع للرأي في الولايات المتحدة وأوروبا، (حسب وكالات الاخبار 19/9/2013) ان غالبية الاوروبيين والأمريكيين عارضوا بشدة تدخل دولهم عسكريا في الحرب المستمرة في سوريا. والاستطلاع هو مسح سنوي للرأي العام سمي بـ"الاتجاهات عبر الاطلسي" أجراه صندوق مارشال الألماني في الولايات المتحدة (مؤسسة ابحاث امريكية تروج للتعاون بين امريكا الشمالية وأوروبا) في فرنسا وألمانيا وايطاليا وهولندا وبولندا والبرتغال ورومانيا وسلوفاكيا واسبانيا والسويد وبريطانيا والولايات المتحدة وتركيا. (شارك في الاستطلاع نحو 1000 شخص من كل من هذه الدول في الفترة بين الثالث من يونيو/ حزيران والثاني من يوليو/ تموز 2013).

كشف هذا الاستطلاع ان 62% من الامريكيين و72% من الاوروبيين اعتقدوا ان بلادهم يجب ان تتجنب التدخل العسكري/ العدوان على سوريا التي قتل فيها أكثر من 100 الف شخص. ورأى 30% فقط من الامريكيين و22% من الاوروبيين ان على بلادهم التدخل في سوريا. وفي تركيا قال 72% ان بلادهم يجب ان تبقى بعيدة عن الصراع بينما فضل 21% التدخل. ووجد المسح في كل المناطق مواقف متشددة ضد العدوان مقارنة مع العام الماضي.

وأوضح استطلاع اجراه مركز "بيو" للأبحاث (من 29 اب/ اغسطس حتى 1 ايلول/ سبتمبر، وشمل ألف مواطن) ان 48% من المستطلعين عارضوا توجيه ضربات جوية اميركية لسورية مقابل موافقة 29% في حين لم يبد 23% رأيا. وفي استطلاع آخر اجرته شبكة "ايه بي سي" وصحيفة "واشنطن بوست"، (من 28 اب/ اغسطس الى 1 ايلول/ سبتمبر وشمل 1012 شخصا) أكد 59% من الاشخاص معارضتهم لهذه الضربات مقابل موافقة 36% و5% بلا رأي، كما أنه حتى مع مشاركة "دول اخرى مثل بريطانيا او فرنسا" في هذه العملية لم يبد سوى 46% تأييدهم لها مقابل رفض 51%.

هذه الاستطلاعات بينت عمليا كيف اجبر الرأي العام اصحاب القرار على التراجع عن شن الحرب، رغم استمرار التهديدات والضغوط بأشكال اخرى، ومن ثم البحث عن مخرج اخر، تلخص في الاقتراح الروسي حول الاسلحة الكيمياوية وما حصل بعده. وانعكست بوضوح في هزيمة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في مجلس العموم (البرلمان) في الشهر الماضي عندما سعى الى موافقته على قرار يفوضه القيام بعمل عسكري والمشاركة في العدوان.

من بين حملات الاعداد للحرب العدوانية والتحشيد السياسي والعسكري جلسة استماع أقامتها لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، حول العدوان العسكري المباشر، لوزيري الخارجية والحرب الأميركيين جون كيري وتشاك هيغل. لم تمر بيسر، اذ حضرها أعضاء من جمعية "كود بينك (Codepink): نساء من اجل السلام" بقمصان الجمعية الوردية، مسجلين اعتراضهم بشكل بارز وملفت وصاخب كما هي عادتهم في جلسات الاستماع المرتبطة بالحروب والعدوان. قبل ان يُنهي كيري كلمته الافتتاحية، صرخت من آخر القاعة ميديا بنجامين، المؤسِّسة الشريكة لـلجمعية والناشطة ضد الحروب، "لا نريد حرباً أخرى". وتحمل بيديها لافتتين كتب على إحداها "الشعب الأميركي يقول لا للحرب"، وعلى الثانية "سورية تحتاج إلى وقف لإطلاق النار وليس إلى الحرب".

واستمرت أثناء إخراجها من القاعة صارخة، "إطلاق صواريخ كروز يعني حربا أخرى"، "بان كي مون قال لا للحرب والبابا قال لا للحرب والأميركيون لا يريدونها". ورفع أعضاء الجمعية الموزعون في القاعة لافتات مناهضة للعدوان على سوريا ايضا، وصورا تدين الحروب وسفك الدماء. وقبل بدء أعمال الجلسة، صاح أحدهم: "لا يمكننا أن نتحمّل حربا أخرى، نحن في حاجة إلى رعاية صحية وإلى التعليم في بلادنا. كيري: لا لحرب جديدة في سورية!".

نقلت فضائيات الحرب والعار الرسمي الجلسة كمهمة لها، تخللتها تلك المشاهد المعبرة، فشاهد العالم الصوّر التي تؤكد في مشهدها وقائع ما اعلنته نتائج الاستطلاعات للرأي العام بان غالبية من الشعوب تعارض العدوان، وتعمل على كبح كلاب الحرب من شنها. كما عبرت عنها التظاهرات والاحتجاجات في المدن ألأميركية، بما فيها العاصمة واشنطن. وكذلك التظاهرات والاعتصامات امام السفارات الامريكية، ومكاتب الحكومات، في اغلب العواصم الاوروبية والعالمية الاخرى، وشعاراتها: ارفعوا ايديكم عن سوريا، لا للحرب العدوانية، لا لسفك الدماء!.

 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter