|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء 28/5/ 2013                                 د. كاظم الموسوي                            كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

مفخخات سياسية على دم العراقيين

كاظم الموسوي 

محنة الشعب العراقي مستمرة. كوارث متواصلة منذ احتلاله وتهديده بالمشاريع الصهيو امريكية المتعددة هي الاخرى، والتي عملت الادارة الامريكية خصوصا مدعومة بحلفائها الغربيين وأصحاب المال العربي الرسمي على تخطيطها ورسمها له ولوطنه ولجيرانه. كانت البدايات منذ احتلاله الاول على يد الانجليز في عشرينات القرن الماضي. دخلت قواتهم كما ادعت قيادتها العسكرية "محررة للعراق من طغيان العثمانيين" ودرست تركيبته واستفادت من تنوعها في سياستها المتجددة، فرق تسد، وتمكنت من توظيفها بشكل خدمها اكثر من اربعة عقود من الزمن وبشكل وفر لها جزء كبيرا من مصالحها الحيوية في العراق والمنطقة. لم تتخل الادارة الامريكية وخادمتها البريطانية وأدواتها الاقليميون من تلك السياسات، بل اعادت انتاجها بشكل يواصل الاستخدام والتخادم، وقد يكون اكثر سعة وتنفيذا للمصالح الغربية من سابقتها. ومثلما صرح الجنرال مود في العشرينات عن تحرير العراق كرر الرئيس الامريكي السابق بوش الثاني ومن تبعه الخطاب نفسه، واستخدم الوسائل نفسها واعتمد على الادوات ايضا. وهذه الادوات محلية وإقليمية تداخلت في تبرير جريمة الاحتلال والاستفادة منها وتقديم اوراقها له لتكون عونه وجنده في تدمير العراق وتخريبه وتحويل حياة شعبه الى كارثة ممتدة زمنيا ومتوسعة مكانيا.

متابعة الاحداث في العراق وخطب "المسؤولين" فيه وتصريحات بعض من يدعي نفسه "زعيما" مناطقيا او طائفيا تحت تسمية سياسية، مشتركا في العملية السياسية التي هندسها السفير الامريكي بول بريمر في سنته الاولى في العراق تحت حراسة آلاف العسكر، بشرا وأجهزة وأسلحة، توصل المتابعة الى ان ما يحصل في العراق ليس بعيدا عن تلك المخططات والتهديدات وان مجرياتها وتداعياتها تعكس الترابط والرهان عليها، متشابكة بأخطارها التي تسعى اليها. وما حدث في الايام الاخيرة من تفجيرات ادت الى اسالة شلالات من دم العراقيين في مختلف المدن والمحال الشعبية خصوصا يكشف النوايا والأهداف منها. ويفضحها مفخخات عديدة استمرارا للسياسات الغربية وأدواتها المحلية.

ما نشر ونقلته وكالات الانباء عن جميع من يضع نفسه في واجهة المشهد السياسي في العراق، يعطي صورة عما يجري ويقدم وقائع اخرى لما يعيشه الشعب العراقي. رئيس الوزراء نوري المالكي، حمّل السياسيين مسؤولية التصعيد الطائفي في البلاد، مبيناً أن "بعض المجاميع المسلحة تم تشكيلها من قبل نواب في البرلمان وستتم ملاحقتهم". وقال المالكي، في مؤتمر صحافي عقده في بغداد، إن "السياسيين يتحملون مسؤولية التصعيد الطائفي بسبب تصريحاتهم ودعوتهم إلى العنف وموقفهم الطائفي الذي يتلقفه الجهلة ويخرجون بسلاحهم ويدعون الى الاقتتال"، مبينا أن "من يصعدون المنابر ويهددون بالطائفية والقتل، يمثلون نسبة ضئيلة من المحافظات الغربية، وهم لا يمثلون أبناء تلك المحافظات الذين وقفوا وطردوا الإرهاب، وعودتهم هي استثمار لعدم الاستقرار السياسي الذي أدى إلى عدم استقرار اجتماعي بسبب الفتنة الطائفية المرتبطة بجهات خارج الحدود". وأضاف المالكي إن "الحكومة لن تسامح الذين خرجوا على القانون والدولة، وإن هناك تشكيلات مسلحة شكلها بعض المنتسبين لمجلس النواب، لكننا نعلن أن كل من يخرج على القانون ستتم ملاحقته"، لافتاً إلى أن "المسؤولين على تلك المجاميع تم كشفهم من خلال ما صدر عنهم من تصريحات طائفية ودعوات إلى القتل". (!!)

القائمة العراقية، المعارضة للحكومة ورئيسها المالكي شخصيا، أتهمت القوى الطائفية في العراق بتنفيذ المشروع "الأمريكي الصهيوني" لتقسيم البلاد من خلال صراعها الحالي، وأكدت أن هذه القوى تسعى لتحويل الشعب العراقي الى مكونات متناحرة، فيما حملت بدورها رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي ورئيس مجلس النواب إسامة النجيفي مسؤولية ما يحدث في البلاد.
من جهته أكد رئيس مجلس النواب العراقي أسامة النجيفي، أن العراق يعيش على شفا حريق كبير، ومن الضروري إعادة العملية السياسية إلى مسارها الصحيح، فيما رأى رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني أن خرق الدستور وإهمال مبدأ الشراكة هما مصدر جميع المشاكل. وأكد طارق الهاشمي في تصريح لقناة تلفزيونية أن "العرب السنّة" لا يدعون إلى التقسيم، لأنهم بطبيعتهم وحدويون كغيرهم من العراقيين. لكن ما هي قيمة العراق الموحد من دون ضمانات الحياة الحرة الكريمة؟. وأشار إلى أن "المالكي يرفض أن يشاركه أي شخص في إدارة الملف الأمني، وهذا يعني أن عليه أن يتحمل كامل المسؤولية عن الاختراقات الامنية الحاصلة" (!).

بينما اتهم مستشار رئيس الوزراء العراقي لشؤون المصالحة الوطنية، عامر الخزاعي في بيان له، " قوى دولية معادية للعراق تريد إجهاض العملية السياسية في العراق مستخدمة كل الوسائل لتحقيق هذا الهدف، وخاصة الإعلام المغرض". وأكد حرص الحكومة على "حماية المسيرة الديمقراطية وصيانتها بما يحقق الأمن والازدهار والرقي للشعب العراقي"، داعيا من يريد إسقاط الحكومة إلى أن "يسلك الطرق الدستورية والقانونية لتحقيق ذلك".

اكد مقتدى الصدر في بيان له، إن "عراقنا الحبيب في خطر محدق بالجميع بشتى الأطياف والأعراق والقوميات"، وأوضح إن "الحفاظ على سلمية المظاهرات أمر ليس اختياريا على الإطلاق بل هو أمر لابد منه".

هذه تصريحات وكلام منشور باسم اصحابه يفضح المفخخات السياسية التي تقود الصراع وعلى حساب الدم العراقي، ويقدم نموذجا للوعي السياسي والثقافة التي تتحكم بشؤون الشعب العراقي والمشهد السياسي. واستمرار هذه الصورة الكارثية عراقيا يواصل ما يحيط بالعراق من مناخات ودعوات عنف دموي لا افاق واضحة في مستقبلها. والوقائع تنضح بما خطط ورسم للمنطقة، والعراق نموذجا. كما انها تكشف مدى تخبط القوى السياسية ورهاناتها وتأثير التدخلات الخارجية عليها وعلى ما يحصل في الواقع اليومي المأساوي. وهي انعكاس مباشر للمشاركة الكارثية في شلالات الدم العراقي. ولابد من تحمّل المسؤولية التاريخية والأخلاقية عما يجري وعن ادراكها بدورها في العمل السياسي الوطني والقومي ومستقبل المنطقة ودورها العالمي.


 

 


 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter