|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء   20 / 5 / 2014                                 د. كاظم الموسوي                            كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

صعود احزاب اليمين المتطرف في اوروبا

كاظم الموسوي 

تنبه استطلاعات رأي، ويحذر مراقبون متابعون وتقارير اعلامية تنشرها وسائل الاعلام الاوروبية من صعود لأحزاب اليمين المتطرف في اوروبا، بشكل لافت، الى سلطة القرار السياسي، سواء من خلال فوزها في انتخابات محلية ووطنية او عبر تعاون وتنسيق واسع ومعلن فيما بينها. لاسيما ويتوجه الاتحاد الاوروبي بدوله الثماني والعشرين الى الانتخابات البرلمانية الثامنة التي تنتهي مساء يوم 25/5/2014، لاختيار 751 عضوا للبرلمان الأوروبي لخمس سنوات قادمة، وبعد تغييرات معاهدة لشبونة لعام 2009، والخشية من تشكيل مجموعة خاصة بهذه الاحزاب المتطرفة داخل البرلمان الاوروبي وسعيها الى عرقلة وتخريب عمل الاتحاد من داخله. فضلا عن مصير الاتحاد ذاته. وما ستجنيه من دعم مالي من حساب الاتحاد ودافعي الضرائب، حسب حجمها وعدد اعضائها.

تعلن الاحزاب اليمينية المتطرفة انتقادها الحاد لما تسميه بسيطرة المؤسسات الأوروبية الاتحادية على القرار الوطني للدول، وتعتبرها "آلة بيروقراطية ثقيلة ووحش يتدخل أكثر فأكثر في الحياة اليومية للمواطنين الأوروبيين ويحد من حرياتهم"، وفق منشورات دعاية حزب "الفلامانيون أولا" في بلجيكا، والمعروف بعدائه للاتحاد الاوروبي والمهاجرين ونزعاته الانفصالية. كما يرفع حزب استقلال المملكة المتحدة (يوكيب)، اليميني المتطرف، شعارات معادية مشابهة للاتحاد الاوروبي ويضع عنوانا رئيسيا على منشورات دعايته الانتخابية "ان المملكة المتحدة تتكلف يوميا من خلال عضويتها في الاتحاد اوروبي 55 مليون جنيه استرليني" و"تكلف سياسة الباب المفتوح للمهاجرين دافعي الضرائب في بريطانيا 22 مليون جنيه استرليني يوميا لسبعة عشر عاما، من 1995 الى 2011"، ولهذا يدعو الناخبين الى التصويت له لإعادة هذه الاموال للخدمات الاساسية التي تعاني قصورا وتباطؤا في التطبيق العملي اليومي، لأسباب اخرى طبعا. وهو ما تقوم به الاحزاب اليمينية المتطرفة الاخرى، مثل حزب الجبهة الوطنية في فرنسا ورئيسته مارين لوبين، وحزب الحرية الهولندي وزعيمه جيتر ويلدرز، وغيرهما في البلدان الاوروبية. وتسعى هذه الاحزاب الى اقناع الناخبين للتصويت لصالحها وإصدار منشورات انتخابية مشتركة في بلدانها وتصعيد فعاليات حملاتها الانتخابية. وهي تعكس حالات مغايرة لطبيعة المجتمعات الاوروبية واتجاهاتها الثقافية عموما. وتستفيد من تدهور الاوضاع الاقتصادية لغالبية واسعة من الفئات الشعبية داخل البلدان الاوروبية، خاصة جنوب اوروبا وشرقها، وحتى في شمالها.

رغم ذلك فهناك من ينظر الى التيار اليميني المتطرف وصعوده البارز، سواء في بلدانه او الاتحاد الاوروبي، بأنه سيظل بحجمه ومستواه ودوره المعروف بمواقفه اليمينية المتطرفة بشأن الهجرة واليورو والعولمة وحرية التنقل، ولا يقلل من تهديده وخطره. في الوقت نفسه تعول احزاب اليمين المتطرف على الانتخابات وسيلة لتوحيد صفوفها ولملمة اصوات الذين ينددون بفكرة "الاتحاد الاوروبي"!. ويمكن ان تحل احزاب اليمين المتطرف والأحزاب المناهضة للاتحاد الاوروبي في فرنسا وبريطانيا والدنمارك وفنلندا وهولندا والنمسا والمجر والمانيا في مرتبة غير متوقعة بين الكتل والأحزاب الاوروبية.. وهي تروّج ضد الإتحاد الأوروبي وتعتبره مؤسسة قادت القارة الأوروبية إلى كارثة حقيقية، على جميع الاصعدة الاجتماعية والاقتصادية والمالية وحتى السياسية. وتشدد في منشوراتها المشتركة على قضية الهجرة، لاسيما ضد المهاجرين العرب والمسلمين، والذين اخذوا يشكلون نسبا غير قليلة من مجموع المهاجرين لتلك الدول، اضافة الى ما يثار عليهم من تصرفات او ممارسات تتعارض مع القوانين او الحياة الاوروبية. فتركز دعاية هذه الاحزاب على ان "هناك حوالي 900 ألف يدخلون دولنا كل عام ويثقلون كاهل النظم الاجتماعية والاقتصادية والأمنية دون أن تتمكن أوروبا من معالجة هذا الأمر".

وتستفيد الأحزاب اليمينية المتطرفة من الأزمات التي ادت الى سياسات التقشف وتفاقم قضايا البطالة والعنصرية. وتنتقد عجز الأحزاب الاوروبية عن التصدي لمشاكل الأوروبيين الحقيقية، مشيرة إلى ضرورة إحداث تغيير يصب في صالح المواطنين. وتستهدف احزاب اليمين المتطرف في النهاية تفكيك الاتحاد الأوروبي وانفصال دوله وإلغاء عملة اليورو وإعادة تداول العملات القديمة ووقف الهجرة المفتوحة والتنوع الثقافي.

في مقابل احزاب اليمين المتطرف تعمل الاحزاب المؤيدة للاتحاد الاوروبي، سواء من اليمين الوسط او الاشتراكيين، على تنظيم قواها على غرار الائتلافات الكبرى التي تشكلت بكثرة في السنوات الاخيرة في الاتحاد الاوروبي، مثل ما حصل في المانيا واليونان وإيطاليا وبلجيكا وفرنسا واسبانيا.

تقدم معاهدة لشبونة لعام 2009 تغييرات تخدم ممارسة الديمقراطية في اتخاذ القرارات ومحاسبة التصرفات لأعضاء البرلمان مما يحد من تأثير واسع لممثلي احزاب اليمين المتطرف، من جهة. ويستوجب على النواب الاوروبيين الجدد اختيار اسم الرئيس المقبل للمفوضية الاوروبية الذي يعتبر الوجه البارز لمؤسسات الاتحاد الاوروبي، من جهة اخرى. ولهذا تسابقت مجموعات الاحزاب الاوروبية الرئيسية باعلان اسم مرشح لكل منها. (مرشح مجموعة المحافظين جان كلود يونكر ومرشح مجموعة الاشتراكيين مارتن شولتز، ومرشح مجموعة الليبراليين غي فرهوفشات). مستبقة تطبيق التغييرات الجديدة لمعاهدة لشبونة ووقف التدخل المركزي فيها، كما صرح رئيس المجلس الاوروبي هرمان فان رومبوي مؤخرا: "إن الفارق بين البرلمان وأولئك الذين يقررون واضح جدا بالنسبة للمواطنين"، عاكسا بذلك رأي عدد من القادة الأوروبيين الذين يريدون الاحتفاظ بسلطتهم. والذين سيلتقون في بروكسل اعتبارا من 27 أيار/ مايو، بعد يومين من الانتخابات. وحذر فان رومبوي أيضا من خطر "المواجهة" بين المجلس والبرلمان الذي سيقوم بتنصيب الرئيس الجديد للمفوضية في منتصف تموز/ يوليو المقبل. في انتظار ذلك يجوب المرشحون أرجاء اوروبا. ويحاول كل منهم العمل على اقناع الناخبين واعضاء البرلمان الجديد الى انتخابهم للرئاسة. وجميعهم متفقون على ضرورة طي صفحة عشر سنوات لجوزيه مانويل باروزو على رأس المفوضية الاوروبية، ويدعون إلى تشكيل سلطة تنفيذية أوروبية أكثر مراعاة للمسائل الاجتماعية ونشاطا سياسيا.

صعود احزاب اليمين المتطرف تعكس في احد وجوهها تفاقم الازمات الاقتصادية وضعف معالجاتها وسياسات التقشف التي اقلقت المواطنين الاوروبيين وأسهمت بأشكال مختلفة في حالات القنوط من عمليات التغيير.
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter