|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  18 / 10 / 2014                                 د. كاظم الموسوي                            كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

سرطان اوباما

كاظم الموسوي 

خالف الرئيس الامريكي باراك اوباما وعوده الانتخابية التي جاء بها وانتخب على اساسها وشعاره الرئيس فيها "التغيير"، وعناوينه المتفرعة عنه في اشاعة السلم والأمن وإنهاء الحروب الخارجية التي كانت من اسباب تفاقم الازمة الاقتصادية التي تعيشها الولايات المتحدة الامريكية والغرب عموما، ونقض اطروحات/ حماقات سلفه الرئيس بوش الثاني وسياساته العدوانية. وخالف ايضا هدف منحه جائزة نوبل للسلام، حين انتهى الامر به الان الى قبول تشكيل احلاف غدر وغزو وحروب وقيادته لها من البيت الابيض الى مجلس الامن الدولي الى اجهزة المخابرات الامريكية والدولية ودق طبول الحرب وإشعال الحرائق في اكثر من منطقة على المعمورة. هذه المخالفات ليست اضطرارية او تكتيكية، بل هي كما يبدو منها انها ستراتيجية وتأكيد على امتثاله الى طبيعة الامبريالية الامريكية وقوتها الرئيسية التي تقودها المجمعات الصناعية والعسكرية والنفطية واللوبيات الصهيو غربية. وان الرئيس الامريكي لم يختلف عن اسلافه بشيء غير لونه، ولم تنفعه قدراته الخطابية ولا شهادته القانونية ومحاولاته في انقاذ الرأسمالية في بلاده وانعكاساتها دوليا وتداعياتها داخليا وخارجيا. (ينبغي المطالبة بسحب جائزة نوبل منه!). وليس اخيرا تصريحاته عن التنظيم الارهابي الذي اختصر واشتهر اعلاميا بداعش فقد اعتبره سرطانا خطيرا يعمل هو وإدارته وحلفاؤه من اجل القضاء عليه، لاسيما بعد صور ذبح الصحفيين الامريكيين ونشرها على اليوتيوب ووسائل الاعلام الاخرى. وكأن الرئيس الامريكي لم يعرف ما قامت به اجهزته وتابعيه في هذه القضية، رغم اعترافه ان الاجهزة الامنية لم تقدر جيدا قوة هذا المولود الجديد لها. حيث تفضح اعمال هذا التنظيم تاريخ السياسات الغربية عموما والأمريكية خصوصا في الغزو والعدوان والحروب على الشعوب والبلدان في اركان الكرة الارضية.

تعهد الرئيس الأميركي في مؤتمر للرابطة الأميركية لقدامى المحاربين في احدى المدن الامريكية بـ"ملاحقة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، قتلة الصحافي الأميركي جيمس فولي"، مشيرا الى إن "استئصال سرطان مثل "الدولة الإسلامية" (داعش)، لن يكون سهلا ولن يكون سريعا"، وأضاف: "أميركا لا تنسى، باعنا طويل ونحن نتحلى بالصبر، والعدالة ستطبق". وكرر مثل هذا التعهد بعد مقتل الصحفي الثاني وكذلك الضحايا الاخرين، لاسيما البريطاني والفرنسي. وتوقع مراقبون ان يكون الضحية القادم الماني وبعده استرالي وهكذا ينكشف بعض من الاسرار وراء هذه الطريقة من الذبح والإعلان. والمشاركة الغربية ليست توافقات سياسية وحسب وإنما تدخلات عسكرية ومشاريع تقسيم الغنائم من كل ما يخطط وينتج بعد هذه المشاركات. التي تشكل داعش بها حلقة من حلقات الهجمة الغربية الامبريالية، لزعزعة الاستقرار في المنطقة وتمهيد السبيل الى تنفيذ المخططات الاستعمارية، وتأتي المشاركات ضمن الحلقة التالية لها، وضمن مسار الهجمة المتواصلة والتي تُبدل جلدها كلما تعترضها عقبات الشعوب وكفاح حركة تحررها.

والمضحك حقا ان الرئيس الأمريكي أوباما اعترف بأن بلاده أساءت تقدير خطورة تنظيم "الدولة الإسلامية" ولم تتوقع ان يؤدي تدهور الوضع في سورية الى تسهيل ظهور مجموعات متطرفة خطيرة على غرار التنظيم. وهذا الاعتراف كما يظهر محاولة منه ابعاد دور بلاده من التحضير والإعداد والتجهيز والتمويل والإشراف وفتح الطرق والتدريب وبناء المقرات والمعسكرات على الحدود التركية العربية، والأردن والكيان الصهيوني، ودول اخرى لم تعد تخفي ادوارها وأعمالها وأموالها وإعلامها ومرتزقتها.

يضاف الى كل ما سبق اقرار أوباما في مقابلة تلفزيونية (28 أيلول/ سبتمبر)، بأن مسلحي تنظيم القاعدة القدامى الذين طردتهم الولايات المتحدة والقوات المحلية من العراق، تمكنوا من التجمع في سورية وشكلوا "الدولة الإسلامية". وذكر إن "رئيس أجهزة المخابرات جيم كلابر أقر إنهم لم يحسنوا تقدير ما جرى في سورية"، كما أشار الى أن واشنطن قد أساءت كذلك بتقدير قوة الجيش العراقي الذي دربته الولايات المتحدة في قتال المسلحين لوحده. ورأى أوباما أن مسؤولي الدعاية في تنظيم "الدولة الاسلامية" أصبحوا "ماهرين للغاية" في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، وتمكنوا من استقطاب مجندين جدد من أوروبا والولايات المتحدة واستراليا والدول الإسلامية. فهل هناك اكثر من هذا الاقرار الرسمي وعلى لسان الرئيس نفسه؟!. لم يكتف الرئيس الامريكي بوصف داعش بالسرطان، بل واصل في تشخيص المرض وخطورته، وخطط لمواجهته والعمل على التخلص منه، لأنه خرج عن المخططات الموضوعة للمنطقة، كما هو حال اساسه القاعدة وزعيمها ابن لادن. ولكن الجديد في الامر هو توسيع هذه الخطط الى اعادة احياء لأحلاف استعمارية صُنعت في المنطقة وأفشلتها حركات التحرر الوطني للشعوب العربية وجيرانها.

اذن ارادت الولايات المتحدة علاج المرض الذي شكل حلقة في مخططاتها بتوسيع دائرة المشاركة فيه. وبدأتها بشن غارات جوية ضد أهداف لتنظيم داعش في العراق وسوريا. ونجحت في توزيع تكاليف الحلقة على الجميع، بما فيه الدول العربية الراغبة اكثر من غيرها. وأعلنت كلفتها اليومية بين 7 الى 10 ملايين دولار، او اكثر احيانا، وإنها ستستمر لسنوات. وكما هو معلوم ان هذه الغارات ليست قادرة على التخلص من المرض، وان تمدده اوسع من تلك الغارات واقدر على التملص منها. مما يعني ان وراء هذه البدايات خطط اخرى، تستدعي العمل على الارض، وترسيم حلقة اخرى ايضا من تلك الهجمة. وهذا ما قاله زعيم الاغلبية في مجلس النواب الامريكي جون بونر إن "الولايات المتحدة قد لا يكون لديها أي خيار آخر سوى إرسال قوات برية امريكية، إذا فشلت الغارات الجوية التي تقودها امريكا والعمليات العسكرية للقوات العراقية والكردية (!) على الأرض القيام إضافة إلى تدريب المعارضين السوريين (!) لتحقيق أهدافها". بينما لا يرغب الرئيس بالمشاركة البرية، حسب تصريحاته.

سرطان اوباما حلقة من تلك الحلقات الخطيرة التي يوضح نوايا وأهداف الامبريالية الغربية ودعاتها. وكل ما صرح به اوباما حوله لا يغيّر من المخططات الموضوعة، غير ايهام من تورط معه فيها.. وتبقى الحسابات النهائية خسارة المصالح الوطنية والإيغال في وهم الاحلاف الغادرة.
 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter