|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  16  / 12 / 2010                                 قحطان المعموري                                 كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

ألا يستحق المثقفون العراقيون (العرب) من الأكراد منحهم حقيبة وزارة الثقافة ؟؟

قحطان المعموري
(موقع الناس)

ليس بجديد الحديث عن عمق العلاقة التي تربط المثقفين العراقيين العرب بالكرد عموماً وبالحركة الكردية على وجه الخصوص ، فمنذ عقودٍ خلت والمثقفون العراقيون العرب يقفون مع القضية الكردية ، يناصرونها ويدافعون عنها بالقصيدة والقصة والمسرحية والمقالة وبغير ذلك من الآداب والفنون الأخرى ، لا بل إن وقفتهم هذه قد وصلت الى الجود بالنفس (وهي أعلى غاية الجود) عندما شمّر الكثيرمن المثقفين العراقيين العرب عن سواعدهم وصعدوا جبال كردستان وهم يحملون السلاح جنباً الى جنب مع المواطن الكردي البسيط لمواجهة الماكنة العسكرية لواحدة من أعتى الديكتاتوريات في العالم ، وتعرّضوا الى ما تعرّض إليه الشعب الكردي جرّاء الحملات العسكرية الشرسة للنظام والقصف الكيمياوي الوحشيّ الذي لازال البعض من المثقفين يعانون من تأثيره حتى يومنا هذا . وقد إستمر المثقفون العراقيون في موقفهم هذا حتى بعد أن نال الشعب الكردي الكثير من حقوقه القومية المشروعة ، حيث بادرت صفوّة خيّرة من المثقفين العراقيين الى تشكيل تجمعٍ أطلق عليه (التجمع العربي لنصرة القضية الكردية) يأخذ على عاتقه الدفاع عن حقوق الأكراد ، كما يجب أن لا ننسى تلك الوقفة الرائعة التي وقفها المثقفون العراقيون في تصديهم وإستنكارهم لحملة التشويه التي قامت بها مجلة عربية عندما حاولت الأساءة الى الرئيس طالباني بأعتباره رمزاً عراقياً وطنياً والى رئيس مؤسسة ثقافية وإعلامية عراقية كبيرة تنال الدعم المتواصل من الكرد .

وفي الجانب المقابل فقد قدمت المؤسسات الثقافية الكردستانية ولا تزال تقدم كل أشكال الدعم والإسناد للمثقفين العراقيين وللثقافة العراقية عموماً من خلال إحتضانها المستمر للكثير من المهرجانات والفعاليات الثقافية والفنية ومعارض الكتاب وإستضافة المفكرين والمبدعين العراقيين من مدن العراق المختلفة إضافة الى المبدعين العرب (الشاعر الكبير أدونيس مثلاً) لإيمانهم الكبير بأن الثقافة الكردية هي جزء لا يتجزأ من مكوّنات الثقافة العراقية عموماً. ولازال الكثير ممن يذكرون وبأعتزاز مهرجان الجواهري الكبير الذي أقيم في كردستان خلال حكم النظام السابق ، والذي جاء لتأكيد (عراقية) الشاعر الكبير الذي حاول النظام السابق واهماً تجريده منها إضافة الى تمثاله البرونزي الذي ينتصب شامخاً اليوم في ذرى كردستان . أما على مستوى الأفراد فأن الساحة الثقافية العراقية مليئة بالأسماء الثقافية الكردية التي سطرّت إبداعاتها باللغة العربية لإيمانهم بوحدة الوطن العراقي رغم تعدد قومياته ، ويكفي أن نذكر أسماءاً مثل بلند الحيدري ، عبدالمجيد لطفي ، محيي الدين زنكنة ، كمال مظهر أحمد ، جعفر حسن ، سلمان شكر وغيرهم من المبدعين . إن كل ذلك يثبت من أن تداخل الثقافة العراقية (العربية) مع الثقافة العراقية (الكردية) ليس محض إدعاء عاطفي ، بل هو حقيقة معروفة لكل المثقفين والمتابعين للشأن الثقافي العراقي .

وفي الوقت الذي ينشغل فيه السياسيون العراقيون هذه الأيام بعقد الصفقات السياسية أو ما يسمونها تأدباً (التوافقات) لقضم ما يمكن قضمه من كعكة العملية السياسية تمهيداً لولادة التشكيلة الوزارية التي ينتظرها العراقيون بفارغ الصبر ، فإن المثقفين العراقيين من جهتهم وهم الذين كان لهم تجارب مريرة مع وزراء الثقافة العراقيين الذين كانوا بعيدين عن الثقافة والمثقفين (بإستثناء مفيد الجزائري) ، يقومون اليوم بخطوة غير مسبوقة وهم يمارسون ضغطاً جماهيرياً على الساسة العراقيين من خلال التظاهرات والإعتصامات وجمع التواقيع وغيرها من الأساليب المتحضرّة لإبعاد وزارة الثقافة عن المحاصصة السياسية وإسنادها الى شخصية ثقافية كفؤة تحظى بإحترام الجميع.

وتأسيساً على ما تقدم أعلاه ، فإن هناك سؤالاً مهماُ يبرز اليوم وهو:

لماذا لا يبادر الكرد الى المطالبة بوزارة الثقافة (بدلا عن أية وزارة أخرى من إستحقاقهم) وإسنادها الى شخصية ثقافية عراقية (عربية) تحظى بالقبول والإستحسان من قبل المثقفين العراقيين مثلما تحظى بالقبول والإحترام من الكرد إنفسهم ؟

إن نظرة السياسيين الأكراد للثقافة ، بإعتقادي ، تختلف كثيراً عن نظرة أغلب الكتل السياسية الأخرى (الفائزة ) بالإنتخابات لأسباب ذاتية وموضوعية منها التوجهات الفكرية للأحزاب الكردية التي إنفتحت ومنذ وقت مبكر على الأفكار الديمقراطية و التقدمية والعلمانية ، كما إنهم و بالتأكيد لا ينظرون الى وزارة الثقافة كونها وزارة (تافهة) كما وصفها يوماً أحد السياسيين الجدد على إحدى القنوات الفضائية، او أنها وزارة (كمالية) لا تزِيدْ ولا تُنقٍصْ والدليل على ذلك هو النشاط الثقافي الواسع الذي يسود الساحة الثقافية الكردستانية و حركة نشر المطبوعات الكبيرة ومعارض الكتب المتواصلة ، و إسناد حكومة الأقليم وزارة الثقافة الكردستانية الى شخصية ثقافية محترمة قريبة جداً من الوسط الثقافي وفاعلة فيه، إضافة الى العلاقات الحميمية التي ربطت وتربط القيادات الكردية ونخبها الثقافية بالمثقفين العراقيين والوسط الثقافي عموماً. وعليه فإن قيام الأكراد بهذه الخطوة هو إنتصار لهم وللثقافة العراقية أيضاً وللأسباب التالية :

ــ إن من مصلحة الأكراد وجود وزير للثقافة غير منحاز لقوميته وطائفته ، وزير ينظر الى جميع القوميات والطوائف واحدة ويؤمن بالتعددية القومية في العراق.

ــ إن من مصلحة الأكراد وجود وزير للثقافة يساهم في إشاعة روح الوحدة الوطنية في المجال الثقافي ، وهم الذين عانوا ولسنين طويلة من التغييب القومي وتنّكر الحكومات المتعاقبة لحقوقهم الثقافية ، وزير منفتح يحترم حقوق الإنسان ويقّدر الإبداع الثقافي الإنساني في مجالات الأدب والفن والبحث.

ــ إن من مصلحة الأكراد وجود وزير للثقافة يقرأ لشيركو بيكه س وكوران وفلك الدين كاكائي مثلما يقرأ لمحمد خضير و حسب الشيخ جعفر وللجواهري الكبير ، وزير يعتز بالتراث الفكري والثقافي العراقي (الكردي) مثل إعتزازه بالتراث الفكري والثقافي العراقي (العربي) .

ــ إن من مصلحة الأكراد أن يثبتوا اليوم مثلما أثبتوا بالأمس لكل أولئك الذين ما فتئوا يتهمون الكرد بالإنعزالية والشوفينية ، من أنهم (أي الكرد) بعيدين عن كل ذلك وإن منحهم منصباً وزارياً بحجم وزارة الثقافة لشخصية عربية هو دليل وطنيتهم العراقية وإتساع أفقهم السياسي والثقافي.

ــ ثم ، وهو السؤال الأهم ، ألا يستحق المثقفون العراقيون من الأكراد وقياداتهم السياسية (ليس مكافأة) وإنما تقديرا وعرفاناً لموقفهم من الشعب الكردي وقضيته العادلة طيلة عقود عديدة منح أحدهم حقيبة وزارة الثقافة العراقية؟

أعتقد ويعتقد الكثيرون غيري بأن الرد سيكون بالإيجاب . إن الفرصة لازالت سانحة أمام صنّاع القرار في التحالف الكردستاني للمطالبة بهذه الوزارة ( ولو على حساب وزارات أخرى ) فالتفاهمات لازالت مستمرة والتوافقات السياسية تتغير بين ساعة وأخرى ، وحتى لو جاءت هذه الخطوة الكبيرة متأخرة بعض الشيْ فهي خير من أن لا تأتي أبداً.

 

 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter