|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الجمعة  4 / 10 / 2013                               قحطان جاسم                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 


أهمية أستخدام اللغة في الحوار والمخاطبة ..!!

قحطان جاسم  *

يولي العالم الغربي اهمية قصوى الى الطريقة التي تستخدم بها اللغة في الحوار والمخاطبة. وتبدأ هذه الاهمية في وقت مبكر من حياة الانسان . أذ يتعلم منذ طفولته في البيت والروضة كيف يقول شكرا عندما يستلم هدية او حين يُدعى الى مائدة الطعام او ينتهي من الاكل مع اهله او غيرهم . اما في المدرسة فيتعلم طريقة طرح الأسئلة النقدية والحوار واحترام الرأي الآخر وان الحقيقة نسبية. وعندما يصل الى مراحل متقدمة في الدراسة ، ومنها الجامعة ، فانه يتعلم الاستنباط والمذاكرة وطرح الأسئلة التي تقوده الى اجوبة جديدة لاكتشاف الذات والعالم .

ويواصل الانسان رحلته لكي ينقل معارفه الى العمل ، حيث لا تختلف لغة الحوار والمخاطبة التأكيد على اهمية احترام الآخر حتى في الكتب الرسمية الجافة التي تتميز ببيروقراطيتها. واود ان اعطي ثلاثة امثلة ملموسة استقيتها من ملاحظاتي خلال اقامتي في الدانمارك.

المثال الاول : عندما بدأت التحدث الى ابني عندما كان صغيرا باللغة الدانماركية كنت استخدم مفردات مثل : اجلس .. تعال .. امشي .. اشرب .. وغيرها، وهي كلها افعال أمر .. انتبهت زوجتي الدانماركية الى الامر، ولانها باحثة اجتماعية وتعمل في حقل الاطفال علقت محتجة : هل انت في معسكر تدريب ؟ بداية الامر لم افهم قصدها فأصابتني الدهشة من تعليقها. لكنها اوضحت لي بأنني كنت اتحدث اليه بلغة الآمر .. وانتبهت الى انني كنت اترجم في لاوعيي المفردات العربية والطريقة التي كنا نخاطب بها اطفالنا الى اللغة
الدانماركية .... وهي لغة أوامر.. فالدنماركيون يستهلون الجملة بعبارة " ? vil du gerne
" اي هل بامكانك ... الخ .

فاذا اردت ان تطلب ماء فعليك ان تبدأ القول "هل يمكنك ان تجلب لي ماء" وهي تقابل الى حد ما عندنا "من فضلك" الا اننا قليلا ما نستخدمها عند التعامل مع اطفالنا او مَن نعرفه ونكتفي باستخدامها مع الغرباء فقط.

المثال الثاني : بعد هجوم القاعدة في 11 ايلول عام 2001 ، بدأت الدانمارك كباقي الدول الغربية بمساعي كبيرة لحماية المواطن من ارهاب الاسلاميين وجرائمهم البشعة. ومن بين تلك الاجراءات تنبيه المسافرين على عدم ترك حقائبهم او نسيانها في القطارات او الاماكن العامة ، وكان يتم استخدام مكبرات الصوت الموجودة في القطارات لتنبيه المسافرين على ذلك عبر الجملة التالية : "لا يجوز مغادرتك القطار دون أخذ حقائبك معك" . لكن بعد فترة ليست طويلة تم تغيير تلك النبرة وتعويضها بجملة اكثر حضارية " تذكر.. عند مغادرتك القطار.. ان تأخذ أشياءك معك" .

المثال الثالث : كانت دوائر الدولة تستخدم مفردة " problem " للاشارة الى النواقص في العمل او التلكؤ في انجاز المهمات ولانها محملة بمعنى سلبي فقد تم استبدالها بمفردة (المواجهة او التحدي) "udfordring" التي تتضمن معنى ايجابيا وتحض على المواجهة والفعل الانساني والاثارة .

كما يمكن ملاحظة الاهتمام باستخدام المفردات الايجابية في دوائر الدولة ، ان الرسائل الموجهة الى الدانماركيين من تلك الدوائر تسعى ان تكون مرنة وواضحة في لغتها، وان لا تستفز مشاعرهم ، ولهذا يجري على الدوام تغيير صيغها بعد دراستها...

هذه الامثلة الثلاثة تبين اهمية اللغة في التواصل الانساني وتأثيرها الكبير على السلوك الانساني لانها تبحث عن الايجابية في العلاقات الانسانية ..

فمتى نولي لغة حواراتنا وتخاطبنا هذه الاهمية ، ونتوقف عن اعتبار افكارنا واطروحاتنا كونها الحقيقة الناجزة والوحيدة عبر لغة اقصائية مريضة ؟؟

 

 * شاعر وباحث في علم الاجتماع السياسي
 








 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter