|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الأربعاء  25 / 9 / 2013                               قحطان جاسم                                    كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 


الشاعر صلاح فائق في قصيدته "غزالة تطارد برقا" (1)

قحطان جاسم  *

صلاح فائق شاعر غني عن التعريف. فقد بلغت المجاميع الشعرية التي اصدرها 12 ديوانا اضافة الى جانب مجموعتين باللغة الانكليزية. وله ايضا ترجمة كوردية لكتاب "رحيل"، علاوة على تراجم في الفارسية . كما قامت دار المنار في باريس، احتفاء بشعره، بترجمة منتخبات من قصائده الى الفرنسية. وهو من الشعراء الطليعيين في العراق وساهم في ستينات القرن الماضي في جماعة كركوك التي ضمت مجموعة من الشعراء والكتاب المحدثين التي اطلقت الدعوة الى تجديد الكتابة عموما و القصيدة بخاصة، والمضي بها نحو آفاق إبداعية غير مطروقة سابقا، إعتبرها بعض النقاد صادمة واستفزازية. وقد ابتعد صلاح فائق منذ بداية التسعينات عن النشر قرابة عشرين عاما، دون ان يعني ذلك ابتعاده عن الكتابة الشعرية. وتمثل عودته الاخيرة بكل هذه الثراء التخيلي التي تحملها قصائده المنشورة حاليا دليلا حيا على استثنائية هذا الشاعر المتميز. .

صلاح فائق شاعر يعيش عوالم شعره دون الحاجة الى مقدمات او تهاليل تباركه ..شعره يحمل سمته الخاصة ، لا يشبه شعرا آخرا او يتعالى عليه. الانشغال بالقصيدة عنده لا تمثل احترافا بل تجريبا دائما مقرونا بالايغال في الوجود والاشياء وإصرار متواصل لاستبطان غرائب هذا المخلوق الذي اسمه الانسان .. يكتب بسريالية فائقة وعينه على تفاصيل الواقع الدامية والملطخة بكل ما هو ارضي معروف او غرائبي . يمزج الرمز بما هو اسطوري لكي يدلنا على ما هو يومي .

في قصيدته الراهنة" غزالة تطارد برقا" يواصل بحثه عمّا هو مفقود في الحياة التي يمكن تسميتها طبيعية .. يفتتح هذا البحث باعلان عن الخسارة: "هذا يوم سقيم" ، كأنه يطلب منا التوقف برهة للتبّصر في احوالنا، فهذا الاعلان ليس بداية قصيدة، بمعنى انها ليست تهويما ..أو شيئا من تركيبات محضة للخيال ..انه الألم الانساني وهو يخوض محنته في عالم مشوش وملتاث نعايشه في لحظة لها خصوصيتها . هذه اللحظة التي تختزن الراهن والابدي .. المكرور والزائل على حد تعبير الفيلسوف الدانماركي سورن كيرككورد.. وهو ألم مصاغ بتهكم سقراطي حين يغني بدون اقنعة في حضرة مياه شلال ستذهب الى سجن ليس فيه احد.!!..وهذا التحول من الحرية الى السجن ، الذي يقابله نقيضه- الهروب "الى حقول كروم"، المعادل الممكن للحرية ، يظل ناقصا فهو هروب مع سجانين ...و حريتهم ليس لها افق، أنهم يهربون الى فردوس فيكتشفون ان " رملا في ادمغتهم" .وهوهروب يتطابق مع ما يسميه أريك فروم "الهروب من الحرية". والشاعرهنا لا يكتفي بذلك الوصف الخارجي، بل يذهب بعيدا لكي يغور في تلك التشوهات النفسية التي تطرأ عليهم ، بحيث أن بعضهم يرتدي "معاطف خشنة أزرارها أسنان ذئاب"، موحيا الى تلك التحولات البشعة التي شهدها بشر قد سُلبت منهم انسانيتهم ، رغم أن هذه القراءة للايحاء تشوبها بعض المخاطر، و غير مضمونة او قاطعة، و يمكن ان تشير الى تأويلات آخرى،هدفها أجبار القاريء على الغور في تجربة القصيدة وخلفياتها لكي يتمثلها بنفسه. وبين مسافة الحرية واللاحرية تلك ، حيث يصف التفاصيل الكونية باختصار مكثف وسخرية تشوبها المرارة ، يعود الشاعر ثانية لتذكيرنا بما يحسُّ ،انه " يوم سقيم" لكنه هذه المرة يكتشف نزول الاله "أنليل" ..إله الهواء ، مادة الحياة الجوهرية ، بهيئة البرق ..فيدعوه ان يكون رحيما بالمدينة والناس والحيوانات .. ربما تعويضا عن تلك العزلة المحيقة بالشاعر التي تغرقه باحساس من العدم حيث تغيب "الغزالة " و "المكان" .

انها قصيدة عن سعي الانسان للحرية التي صارت تشبه البرق في وجود غامض تعيث فيه متناقضاتٌ يقصر عن بلوغها الادراك !!!، مكتوبة بلغة شفافة ، كأنني أرى ان مهمة الشاعر اقتصرت على انتخاب الصور والمعاني باحتراس الذي يفتح محارة ليقبض على البحر كله، كما قال احد الشعراء الفيتناميين وهو يعرّف الشعر.


(1) نشرت المقالة في "ادب وفن"
"موقع الناس" يعيد نشرها بعد ان اضاف اليها الكاتب بعض التعديلات



غزالةٌ تطاردُ برقاً

صلاح فائق

هذا يومٌ سقيمٌ , يليقُ بسفراء
بنساءٍ بديناتٍ بلا ضفائر .
ليستْ هذه بداية قصيدةٍ لي او لغيري
انما هكذا اغني الانَ وانا تحت مياهِ شلالٍ
وهناكَ اشجارٌ تتطلعُ اليّ ,
لذا لا اتعرى تماماً واعرفُ هذه المياه تذهبُ الى
سجنٍ ليسَ فيه احدٌ ـ هربوا الى حقولِ كرومٍ
مع سجانينَ, بعضهم الى فردوس ٍخلفَ تلك الهضبة
مرتدينَ معاطفَ خشنة ازراها اسنان ذئاب
هناكَ اكتشفوا رملاً في ادمغتهم , في صرخاتهم
وفي عطورٍ كانت هدايا من خليلات .
يوم سقيمٌ لاني اعدُّ اضلاعي فاجدها ناقصة مرة اخرى
وقبل ان اغضبَ يمرُّ برقٌ امامي يطاردُ غزالةً
فافتحُ لها بابي انصحُها تختفي في السقيفة
ينزلُ البرقُ امامي فاذا هو انليل , اله الهواء
ادعوهُ لايُطاردَ حيوانات هذه الجزيرة
وبقية البلدان ايضاً ويهتمّ بسكانِ بابل
يلوّحَ بمشعلٍ في الليلِ لسواقِ شاحنات
او يشاركَ في مظاهرةٍ يقودها عميانٌ لانقاذِ قروياتٍ
من اطراءٍ مبتذلٍ واعرضُ عليهِ ان يمثّلَ في غرفتي
نصهُ الوحيد او شيئاً عن كلكامش , بعيداً عن جمهورٍ واضواء ـ
اللامرئي وحدهُ سيكونُ معي , لكنهُ لا يقبلُ عروضي
ويختفي . اعودُ الى غرفتي , اصعدُ الى السقيفةِ
لا أجدُ تلكَ الغزالة , ولا في مكان
 

 * شاعر وباحث في علم الاجتماع السياسي
 








 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter