|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 السبت  21 / 9 / 2013                               قحطان جاسم                                    كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 
 

الاسلام السياسي بين الممارسة العلمانية والايديولوجية الالهية..!!

قحطان جاسم  *

يخصص الاسلاميون واحزابهم السياسية من كل الاطياف مساحات كبيرة في كتاباتهم و تصريحاتهم لمهاجمة العلمانية باعتبارها قيما وسلوكا مضادة للدين والله، وافكارا دخيلة على الثقافة الاسلامية يصدرها الغرب لافساد وعي المجتمع والهيمنة عليه.

وكل مخاطر العلمانية من وجهة نظرهم انها تلغي الدين ونفوذه في الفضاء العام . وهو إدعاء غير صحيح البتة. فما تؤكد عليه العلمانية ، من بين امور اخرى ،هو فصل الدين عن الدولة في مسعى للحفاظ على طبيعة الدين كايمان فردي وعلاقة بين الفرد وخالقه ، و أن الدولة نشاط انساني محض، تهيمن عليه الاهواء والمصالح والصراع على النفوذ والسلطة . ان الدعوة العلمانية الى فصل الدين والدولة ليست تعبير عن رغبة ذاتية او امنية لبعض الفلاسفة الملحدين كما يروج الاسلاميون في كتبهم وخطاباتهم الموجهة بصورة خاصة الى العامة، بل انها نتاج تجربة ومعاناة مريرة مرت بها البشرية واوربا خاصة خلال القرون الخمسة الاخيرة، منذ ان اندلعت الحروب الدينية في القرن الحادي عشر نتيجة لتداخل الدين والدولة وتبادل المهمات بينهما، حيث تم التوصل الى نتيجة مهمة هي ان تطور الانسان وضمان حريته ورفاهيته لا يمكن تحقيقة دون انجاز الفصل بين الدين والدولة.

الاسلاميون واحزابهم السياسية تدعي ان العلمانية تسعى لالغاء الدين وافساد المجتمع ويدعون لذلك محاربة العلمانية للحفاظ على الدين وصيانة المجتمع من الانهيار، رغم ان العلمانية في حقيقتها تسعى لتقليص نفوذهم والحد من الآثار المدمرة التي يتركها تدخل الدين في السياسة وشؤون الدولة وفصل الايمان الشخصي عن الفضاء العام و ليس الى الغاء الدين.

لكن ما هي حقيقة إدعاءات الاسلاميين حول العلمانية؟ والى اي حد يلتزمون بالايديولجية الالهية التي توجه سلوكهم اليومي؟

الاسلاميون يبنون احزابا سياسية ويصوغون برامج لهذه الاحزاب والمنظمات التابعة لها ، كما قامت بذلك الاحزاب الشيوعية والقومية في العالم. فالمعروف ان حسن البنا مؤسس الاخوان المسلمين في مصر ومحمد باقر االصدر احد مؤسسي حزب الدعوة في العراق ومنظره الايديولوجي الرئيسي طالبا بالاطلاع على كل برامج الاحزاب السياسية لاستفادة منها في بناء حزبيهما.والاسلاميون يستلمون رواتبا عن وظائفهم ، ويخوضون نقاشات في برلمانات الدول التي يحكمونها او التي يشاركون فيها كمعارضة او حلفاء للسلطة القائمة و يستخدمون مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية لانجاز مشاريعهم كما تقوم بها دول العالم اللامتدينة والكافرة، ويتعاملون مع بنوكها. ويطبقون القوانين عبر محاكمات وإجراءات بشرية. يركبون السيارات والطائرات الغربية الصنع..يستخدمون وسائل الاتصال العالمية من انترنت ، تلفزيون ، راديو، صحف ، ادارات اعلامية ، ووسائل اتصال اخرى، حتى ان جبهة الانقاذ الجزائرية استخدمت اشعة الليزر لكي تكتب اسم الله في السماء ايام الانتخابات في بداية التسعينات لكي تقنع الناس بانهم مندوبين عن الله . كما انهم يحضرون حفلات المؤتمرات ويصدرون البيانات. اما عندما كانوا خارج السلطة فقد اشتغلوا بتزويرالجوازات وبيعها وتهريب الاشخاص وتزوير الهويات الشخصية والشهادات العلمية، كما قام بذلك حزب الدعوة والعمل الاسلامي عندما كانا في ايران وسوريا .. افتتاح مشاريع خدمية واقتصادية ومالية وتقنية ، كما قام بذلك الاخوان المصريون في مصر.

وكل هذه النشاطات هي نشاطات انسانية وجودية بحتة، اي علمانية ، لا علاقة لها من بعيد او قريب بالله.
وحتى حين يقوم الاسلاميون بارغام المجتمع على اتباع القيم الثقافية التي يعتقدون بها، وهي الحقل الوحيد الذي تبقى لهم من الايديولوجية الالهية ، كارغام المرأة على إرتداء الحجاب ، ومنع تناول الطعام في الفضاء العام أيام رمضان، او منع الخمروالفنون، والحد من حرية التعبير التي تتناول التابو الديني وغيرها ، فانهم ينفذون ذلك بادوات علمانية ارضية سواء عن طريق التبشير الديني او باستخدام القوة كما رأينا ذلك في سبعينات القرن الماضي أيام السادات، كيف فرضت الجماعات الاسلامية المصرية قيمها الدينية بقوة السلاح في العديد من الاحياء المصرية، مما اضطر الدولة الى التدخل .او كما تقوم به ايران لفرض اللباس الديني الخاص على النساء وتعريض كل من لم تلتزم به تماما الى السجن. و قد تجاوزه الامر في افغانستان ايام إمارة طلبان الى جلد المرأة علنا وحرمانها من التعليم و تدمير تماثيل بوذا ومنع كل الفنون وفرض نوع خاص من اللباس على الرجال ونوع اللحية وطولها ألخ. او ما قامت وتقوم به بعض الجماعات الدينية الشيعية المسلحة في العراق من توجيه تهديد مباشر او غير مباشر لكل إمرأة لا ترتدي الحجاب، وتعرض بعض الشباب الى القتل بسبب تسريحات الشعر او اغلاق و تفجير محلات بيع الخمور. وكل هذه النشاطات هي افعال انسانية علمانية بحتة .

ومن هنا يمكن طرح السؤال التالي :اليس صراع الاسلاميين مع العلمانية نابع في جوهره من حقيقة مفادها، ان تطبيق العلمانية سيحرمهم مصدر رزقهم الاخير الذي يتعيشون عليه من الدين ؟

 

 * شاعر وباحث في علم الاجتماع السياسي
 








 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter