|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  24  / 7 / 2015                                خالد صبر سالم                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

عشْ أنت
مقاربة لمقالة الدكتور عدنان الظاهر

خالد صبر سالم

بيت الشاعر الاخطل الصغير:

عشْ أنت إني متّ بعدكْ      وأطلْ إلى ما شئت صدكْ

ليس فيه من ْخطأ وإنما هو بيت متماسك في معناه ومبناه رغم معناه المتداول إذ ليس فيه منْ جديد ولتوضيح ذلك اسمحْ لي يا سيدي بأنْ أقول:
إنّ جملة (عشْ أنت) هي جملة دعاء فالعرب والعراقيون على الخصوص عندما يذكرون الشيء غير المريح او المكروه يدعون للمقابل بعكسه فندعو للمسافر بقولنا : (ترجع بالسلامة) وللمريض(شفاك الله) ولأهل المتوفي (البقاء في حياتكم واطال الله بعمركم وخاتمة احزانكم) وللخسران (عوضك الله) وعندما يسألنا شخص عن آخر ولا يدري انه قد مات نقول له (انطاك عمره) او (طال عمرك مات فلان).

إنّ الحبيب المخاطب في قصيدة الاخطل ليس ميّتا وإلّا كيف جاز للشاعر أنْ يقول له (عشْ وأطلْ صدّك) وإنما هو بعيد قد هجر الشاعر وصدّه وإذنْ يكون القصد بجملة : (إني متّ بعدك) هو : إني متّ بعد فراقك وصدّك ولذلك وضّح هذا المعنى في عجز البيت والموت هنا يا سيدي ليس الموت الحقيقي وإنما هو استعارة والقرآن يقول عن الشعراء(إنهم في كل واد يهيمون) ولا يقصد الأودية المكانية الجغرافية فقد يكون الشاعر مقعدا أو سجينا أو لا يستطيع مغادرة مكانه وإنما الوادي هنا له معنى مجازي ويقصد انهم يهيمون في التعابير الخيالية في الاستعارات والكنايات والتشبيهات والتوريات، واللفظة في الشعر تخرج عن معناها القاموسي ليطير بها الشعراء إلى فضاءات الخيال القصي ويلبسونها ثيابا جديدة، ألا ترى يا سيدي انّ لفظة (المطر) مثلا في انشودة السياب أصبح لها معنى الثروة التي يجوع بها الفقراء وتستحث الثورة وانها في قصيدة نزار قباني الشريرة صار لها معنى ماء النشوة الجنسية من عملية سحاق بين امرأتين :

مطرٌ مطرٌ وصديقتـُها     معها ولتشرينَ نواحُ
والبابُ تئنُّ مفاصلهُ       ويعرْبدُ فيهِ المفتاحُ

ولاحظـْ معي ــ يا سيدي ــ انّ الباب هنا والمفتاح ليسا بالمعنى القاموسي  لهما.
ولاحظ كذلك كيف أنّ المتنبي قد جعل من الغيث الممطر كائنا حيّا يسمع ويحس ولذلك يؤنبه الشاعر ويوبّخه لأنه لا يريده أنْ يسقي أطلال الحبيبة الراحلة أو إذا سقاها فليسْقها السمّ الزعاف لأنّ الشاعر يسأل هذه الاطلال عن حبيبته أين رحلتّ فلا تبكي الاطلال ولا تجيبه فهي ليست أهْلا بدعاء السقيا لها:

مُلثّ الغيثِ: اعْطِشها ربوعا     وإلّا فاسْقِها السمَّ النقيعا
اسائلها عن المُتديِّريها           فما أبْدتْ جوابا أو دموعا

والأمثلة على ذلك كثيرة ولذلك جاء مطلع قصيدة الأخطل الصغير سليما من حيث المبنى والمعنى.

دمت بكل خير
وتقبّل مني محبتي واحترامي واعجابي بكتاباتك الرائعة.

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter