|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  21 / 12 / 2015                                 د. خليل الجنابي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



خواطر - 8

أُمنياتنا لعيد الميلاد والعام الجديد 2016

د. خليل الجنابي
(موقع الناس)

أُمنياتنا في العراق أصبحت كثيرة والسبب يعود بلا شك إلى حجم الخراب الذي حل بنا على كل الأصعدة وفي كل المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية ووصلت أخيراً إلي الأمنية وإحتلال مساحات واسعة من البلاد من قِبل ( داعش ) وأعوانها .
ولو بدأنا بتعداد هذه الأمنيات واحدة واحدة وجعلنا لكل يوم منها أمنية واحدة على سبيل المثال لرأيناها تتعدى أيام السنة بكاملها مما يتطب الإقتراض من أيام السنة التي بعدها والسنوات التي تعقبها .

في الأمور السياسية من منا لا يقر بوجود خراب وصل إلى حد
التخمة ، ونظرة قاصرة من الأحزاب السياسية الحاكمة والإحتراب فيما بينها على المال والسلطة والسلاح والكرسي والمنافع الفئوية الضيقة .
من منا لا يشكو من وجود ميليشيات تصول وتجول دون رادع وأصبحت رديفاً للقوات الأمنية ، وهي الآمر وهي الناهي في مصير الناس والعباد .

من منا لا يعرف بأن الفساد المستشري في أوصال الدولة لم يستطع أحد التقرب منه ومن شخوصه لأنه محمي من المتنفذين ولم يُقدَم أيا منهم للعدالة بل جرى محاسبة بعض السراق الصغار ، والكبار أصبحوا فوق القانون ( لا صادود ، ولا رادود ) .

من منا لا يشعر بالغبن الذي جرى ويجري بحق القوميات والأديان والطوائف في بلاد ما بين النهرين ، والقيام بتهجير المسيحيين والصابئة المندائيين والإيزيديين وغيرهم والإعتداء على ممتلكاتهم وأديرتهم وكنائسهم ومعابدهم وسبي نسائهم وأطفالهم .

وعن النازحين حيث شهد العراق أكبر موجة نزوح في تأريخه وذلك بعد أن سيطر عناصر تنظيم داعش على عدد من المدن والأقضية والنواحي في غرب وشمال العراق ، وحسب المنظمة الدولية للهجرة نزح أكثر من ٣ مليون عراقي خلال 2014 و 2015 ، وبقيت مشكلة النازحين والمشردين داخل الوطن والمهاجرين إلى خارج الحدود والذين إبتلع البحر أعداداً كبيرة منهم ، بقيت هذه المشكلة دون حل مُنصف لقضيتهم .

من منا لا يشكو من تدهور في علاقات العراق بجيرانه وصل إلى حد التدخل في شؤونه الداخلية ، ووجود عساكر مدججة بالسلاح تتربص به وبحجج مختلفة ، وهناك فتحات ومنافذ لدخول الإرهابيين لقتل أبنائه ، وهناك حواضن لها وبمسميات كثيرة تعيش بين ظهرانينا .

كما علينا أن لا ننسى أبناءنا في الجيش والشرطة والحشد الشعبي وقوات العشائر وقوات البيشمركة الذين يقفون ببسالة ويضحون بأرواحهم من أجل إستعادة مدننا السليبة (
الموصل ، الفلوجة ، الرمادي وأطراف من تكريت وصلاح الدين) التي إحتلتها داعش وأذلت الناس فيها وطبقت عليهم شرائعها المتخلفة .

في الأمور الإقتصادية هناك خراب شامل ، حيث إنحسرت وتراجعت الصناعة الوطنية ولم يعُد لها أثر ، فلا معامل ولا مصانع ولا ورش صغيرة مختوم على منتجاتها ( صُنع في العراق ) ، وكل ما موجود من بضائع هي مستوردة من كل مناشيء العالم الجيدة منها والرديئة ، العمال فيها إنضموا إلى الباحثين عن العمل في المساطر ليعودوا إلى بيوتهم بعدها خالي الوفاض وليشبعوا بطون أطفالهم بالهواء .

من منا لم يتألم من إستقصاع مبلغ ٣ ٪ من رواتب الموظفين والمتقاعدين الذين يجري إفقارهم أكثر بعد الإرتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية الضرورية وكل شيء في حياتهم اليومية وحتى الهواء الذي يتنفسوه صباح مساء .

من منا لا يعرف مدى خسارة الخطوط الجوية العراقية المادية والمعنوية عندما تم حضرها من التحليق والسفر إلى الدول الأوربية .

وعن الزراعة أصبح كل شيء مستورد حتى الطماطة والخيار ، والفلاح هرب من أرضه التي لم يعد يملك منها شبراً وسكن في مجمعات الصفيح الخالية من المرافق الضرورية والشبيهة بزرائب الحيوانات .

لا نريد أن نتحدث عن البطالة وتسكع الخريجين في الشوارع والمقاهي وعن الفضائيين في كل وزارات الدولة خاصة في الدفاع والداخلية وقوى الأمن الأخرى .

وعن الأطفال الأيتام والمتسربين من الدراسة والنساء المتسولات والأرامل اللواتي لا يجدن قوت يومهن حدث ولا حرج ، حيث وصلت أعدادهم بالملايين حسب إحصائيات منظمة الأمومة والطفولة (اليونيسيف) . ولا نريد أن نتحدث عن ميزانية العراق على مدى ١٣ عام والتي تُعد بالمليارات أين ذهبت وبأي جيوب وبنوك خُزنت .

من بقي منا لم يمسه الضرر بإستهداف الأطباء وتهديدهم وقتلهم وإختطافهم وتهجيرهم وإفراغ المستشفيات منهم ومن خدماتهم ، في فترة نحن بأمس الحاجة إليهم بعد إنتشار العديد من الأمراض التي أخذت تفتك بنا وآخرها الكوليرا والنكاف التي إقتحمت العديد من المدارس .

مَن مِن المواطنين لم يشكو من مراجعة الدوائر الحكومية المختلفة وعدم إنجاز معاملاتهم وتعطيلها لأسباب واهية الغرض منه دفع (المقسوم) ، ولا أقول الرشوة .

الشعب ينادي بالإصلاح ويقول للحكومة (غركنا) ، فترد الحكومة عليه متخذة من مقياسها الخاص الذي لا يشبه مقياس (ريختر) لقياس شدة الزلازل ، فتقول لهم إن الماء وصل إلى الحزام وبعدكم (ما وصلتوا مرحلة الخطر) .
إن الصراع على المنافع الشخصية هو ما يميز السلوك العام لمن أصبحت مقدراتنا تحت رحمتهم طبقاً للأبيات الشعبية التالية :

حجنجلي .. بجنجلي
إقليم إلك وإقليم إلي
برميل إلك برميل إلي
قسموا الشعب كما يلي
سنة عمر … شيعة علي
ذبحو الشعب مثل الدجاجة والطلي

أما الثقافة فهي تعني كل شيء ، هي روح وإكسير الحياة ، هي الفن والموسيقى والغناء والمسرح والسينما والرسم والنحت والزخرفة ، هي الكتاب والنشرة والجريدة والمطبوع ، وإن بحثنا عنها سنجدها معطلة ويافطات تحيط بها من كل حدب وصوب ، تُحدد حركتها ومساراتها ، فهي ممنوعة هنا وهناك وبحجج واهية منها مخالفة القيم والأعراف والدين والتقاليد البالية ، إضافة إلى الفصل بين الذكور والإناث من المعلمين والمعلمات وحتى بين الطلاب في كل المراحل الدراسية . إنها بلا شك ردة رجعية الغرض منها تجهيل الناس لغرض سوقهم كما يشاؤون معصوبي الأعين وفاقدي الوعي والإرادة .

(خربانة حيل خالي) كما يُرددها الرسام الكاريكاتيري الرائع (سلمان عبد) . حيث أن الخراب أصبح كارثي ويتطلب علاجاً ناجعاً ومسامير لا تقل عن (التسع إنجات) لتصل إلي الغرض المطلوب .

وأخيراً وليس آخراً لا يسعنا إلا العودة إلى الفنان المنولوجست الراحل ( عزيز علي ) في أغنيته المشهورة (الركعة صغيرة والشك جبير) ، لنرى أن مآسينا كثيرة وكبيرة ولا يمكن تعدادها ، وأن علاجها أصبح عسيراً لأن (الإبرة ما تحفر بير) على حد وصفه . لكن رغم هذا وذاك فإن الأمل لا زال يحدونا ، فالتململ الحاصل بين الناس على أوضاعهم المأساوية والتظاهرات التي شملت العديد من المدن العراقية وفي مقدمتها بغداد الحبيبة ، وإحتجاج قطاعات واسعة من الجماهير بما فيهم النساء والشباب والأطفال والشيوخ على تردي الخدمات وأوضاعهم المعاشية الصعبة وهي تهتف (خبز … حرية … دولة مدنية) و (جمعة ورا جمعة والفاسد نطلعة) وغيرها من الهتافات .

إن تنسيقية (مستمرون) التي شكلها المتظاهرون مؤخراً أصدرت بياناً أعلنوه في ساحة التحرير يشيرون فيه إلى عدم وجود إستجابة من السلطات الثلاث للمطالب المشروعة للمتظاهرين وعدم الرد على بياناتهم العديدة معتبرين ذلك نوعاً من التسويف والمماطلة .

نعم إن الأمل لا زال يحدونا من أن إرتفاع هذه الأصوات الخيرة وتوسيع رقعتها هو الكفيل بالضغط على من بيدهم القرار في السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية والشروع بمحاسبة الفاسدين والسراق ، والإبتعاد عن المحاصصة الطائفية والأثنية أُس البلاء .

لم يكن القصد بتسليط الأضواء على السلبيات فقط في وضعنا العراقي البائس ، لأننا لو بحثنا عن الإيجابيات سوف لن نجد لها أثراً يُذكر في هذا الإنحدار والمنعطف الخطير الذي نمر فيه .

أمنياتنا في أعياد الميلاد والعام الجديد 2016 .. هي أن يعم السلم والأمن على شعوب العالم أجمع بعيداً عن مآسي الحروب وأزيز الطائرات وضجيج المدافع والصواريخ والقنابل العنقودية وأسلحة الدمار الشامل ، وأن يعم الخير والرفاه والأمان على عراقنا الحبيب ، وأن يعود معافى موحد بين قومياته وأديانه وطوائفه ، وأن ترفرف فوق ربوعه حمامات السلام .
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter