| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. كامل العضاض
kaladhadh@yahoo.com

 

 

 

الخميس 13/11/ 2008



أحلام وائل عبد اللطيف - إمارة بصراوية!!

د. كامل العضاض

1- تمهيد:
تأملت بمشروع تناقلته الأنباء عن دعوة مٌسندة بتواقيع ستة وثلاثين ألف ناخب من مجموع الناخبين البصراويين، أي بنسبة 10% منهم. وبغض النظر عن الدقة الحسابية لعدد الناخبين المؤهلين، أساسا، في غياب تعداد سكاني حديث. تأملت في أبعاد هذا المشروع، وبمن يقود هذه الدعوة، وبدوافعها و موضوعيتها، وآثارها المحتملة، ليس فقط على وحدة العراق، وإنما على فرص خروجه من مآزق الضياع والدمار والتخلف المستحدث. كما فكّرت بتأريخ البصرة و أدوارها وحيويتها ومآسيها عبر حقب تأريخية عديدة أحاقت بها، حينما تخربت مرارا، وتأُمرت بضع مرات، فهي لعبت أدوارا في تأريخ العراق، و خصوصا بعد الفتح العربي الإسلامي، فكانت في المرحلة الأولى مركزا مشعا ومدرسةُ فكريةٌ وفقهيةٌ ولغويةٌ وفنيةُ، وإجمالا، حاضنة للإبداع والتنوير والعطاء. وتوالت عليها عصور سوداء، حيثما تناهبها الغزاة والطامعون، فخٌربت مرارا، حتى جرى القول؛ "بعد خراب البصرة !". و بعد سقوط الدولة العباسية، قبل وأثناء العهد العثماني الطويل، جرى إحتلال البصرة وإنفصالها مرات عدة، وذلك خلال الثلاثة قرون التي تلت غزو هولاكو، وبعد قتل آخر خليفة عباسي، المستعصم بالله في عام 1258، أي في القرن السابع الهجري، والذي كان حكمه الضعيف خاضعا لهيمنة المماليك التركمان. ففي بداية القرن الثامن الهجري إحتلت عشائر المنتفك البصرة وأسست دولة منفصلة، إمتدت الى كل جنوب العراق. وفي مطلع القرن التاسع الهجري، قاد محمد الموسوي، الملقب بالمشعشع الذي يقال أنه كان ينحدر من أشراف مكة الحسنيين، قاد ثورة طويلة ضد دولة الآق قوينلو التركمانية، بدأها من واسط وإمتدت الى الأهوار ثم البصرة والحويزة، فأقام دولة المشعشعين التي دامت عدة عقود، (
أنظر المرجع رقم 1 ). ولكن البصرة، ما لبثت حتى عادت الى حضنها العراقي، على رغم المآسي والمحن التي مرت بها. بل إن محاولات فصل البصرة إستمرت لغاية أواخر العهد العثماني، وحتى بعيد الحرب العالمية الأولى، أي بعد إندحار الدولة العثمانية، حيث جرت محاولات لإلحاقها بالمحمرة كإمارة منفصلة. وهكذا تكرّ حبات التأريخ صادمة بعضها الأخرى. وعلى رغم كل ما جرّ ومرّ، بقيت البصرة ثغر العراق الباسم، وحاضنة الفن والأدب والشعر والتجارة والرومانسية؛ مدينة السندباد النائمة في أحضان النخيل، بل وحتى وريثة لشجرة آدم على ضفاف شطها العظيم. إن في هذه التأملات التمهيدية بعض إشارة الى ما يسمى بالرابط أو الحيّز الحيوي للبصرة في العراق برمته، كما هي تمهيد لما نحاول، هنا، أن ندحض به، ولو بمداخلة أولية، ( فقد كنا قد كتبنا الكثير عن الفدراليات والتقسيم في العراق الجديد)، مبرارات الداعين لإقامة إقليم فدرالي خاص بالبصرة، له نفس مواصفات إقليم كردستان! حقا إنها دعوة ستجني ليس فقط على العراق، فحسب، وإنما على البصرة وأهلها الطيبين العراقيين الأصلاء أيضا! كيف؟ سنحاول التوضيح ادناه، (أنظر أيضا المراجع).

2- مبررات الدعوة لإقليم مستقل للبصرة، ومن هم الداعون؟
دعى كثيرون لإقامة فدراليات في العراق، منها ما كان مبررا تأريخيا، لأسباب تتعلق بالخصوصية القومية والجغرافية والسياسية، وربما النفسية، بغض النظر عن دراسة الجدوى الإقتصادية لمثل هذه الفدرالية أو تلك، كما هي الحال بالنسبة لإقامة الفدرالية الكردية في شمال العراق. ودعى آخرون بدوافع سياسية ومذهبية طائفية الى إقامة فدرالية مشابهه لفدرالية الكرد تشمل محافظات وسط وجنوب العراق، بل وهناك من دعى الى فدرالية تخص المحافظات الجنوبية. وثمة دعوة أخرى، ربما، يتبناها حزب الفضيلة الديني الشيعي، لإقامة فدرالية لكل محافظة على حدة.
تستند هذه الدعوات، عموما، الى عدد من المبررات، نوجزها بالآتي:
1. إن سكان هذه المحافظات قد عانوا من مظلومية كبيرة و إهمال مقصود من قبل الحكومات المركزية، عبر تأريخ العراق القديم و الحديث. وبالنسبة للكرد فإن مظلوميتهم أخذت بعدا إضافيا، يتمثل بما يسموه بالإضطهاد العرقي أو الأثني. أما بالنسبة لسكان محافظات الوسط والجنوب من الأغلبية الشيعية، فمظلوميتهم هي ذات بعد مذهبي ديني، كما يدعون؛
2. إن هذه المحافظات تحتضن ثروات هائلة، وأخصها موارد النفط الخام، ولكنها لا تحضى بنصيبها العادل منها، بل إن سكانها عانوا ويعانون الفقر والتخلف والإملاق، وقد آن الأوان لتمتعهم بثرواتهم؛
3. إن سيطرة الحكومة المركزية على ثروات المحافظات جعلها تتحكم وتستبد وتهيمن وتقيم الديكتاتوريات، وتسلب مالكي الثروات من حقوقهم وتضطهدهم دائما. فالفدرالية هي ضمان لمنع قيام مركزية دكتاتورية؛
4. إن النظام الفدرالي، في نظر بعضهم، هو نوع من الديمقراطية اللامركزية الراقية، وهو ضمانة ضد قيام الإرهاب وعدم الإستقرار.
ما تقدم هو خلاصة مركّزة لطروحات الداعين الى قيام أقاليم مستقلة و متفدرلة، بموجب ما يقره الدستور نفسه، وليس خروجا عليه. ولكن ليس في دعوة الداعين لإقامة إقليم مستقل لمحافظة البصرة، ( وهي دعوة يقودها ويروج لها، حاليا، السيد وائل عبد اللطيف، وزير سابق ونائب حالي في البرلمان العراقي )، ليس فيها من جديد، فهي تصب في نفس الفلسفة؛ المظلومية، والإهمال، و الحرمان من موارد البصرة الهائلة التي تصدر ما يقرب من 90% من نفط العراق، ولم يستفد اهل البصرة منها شيئا، الى آخر ما هناك من المظالم والإقصاء.
ويلاحظ بأن ثمة مواصفات مشتركة لكل الدعوات المطلقة حول الفدراليات المنشودة، نوجزها كما يلي:
1. أنها تسند إدعاءاتها بنصوص الدستور العراقي الحالي؛
2. أنها تطالب بصلاحيات وسلطات مماثلة، تماما، لتلك التي تتمتع بها حكومة إقليم كردستان؛
3. إنها تطالب بهيكل تنظيمي مماثل للحكومة المركزية؛ أي إقامة برلمان إقليمي، ومجلس وزراء، وسلطات تنقض بموجبها التشريعات الفدرالية المركزية، مما لا يدخل في إختصاص الحكومة المركزية الفدرالية.
أعتقد بأن عرضنا لسمات هذه الدعوة الجديدة، ضمن سياق الدعوات التي سبقتها، يتسم بالإنصاف، ولا ينطوي، كما نأمل على أي تجني أو تضليل، وبذلك نحن نأمل أن يأخذ المطالبون بالفدراليات ردنا على دعواتهم هذه بنفس روح الأنصاف وعدم التجني، كما سنعرض أدناه.

3- مخاطر هذه الدعوة ومهالكها
أولا: بالنسبة الى الإستناد الى الدستور العراقي؛ معلوم لكل متابع للظروف التي جرى خلالها، في عام 2005، إعداد، أو، في الحقيقة، سلق هذا الدستور ومواده الملغومة بالغموض والمطاطية الملائمة لتأويلات قوى المحاصصة السياسية، المذهبية و العرقية المهيمنة، ولا تزال، على العملية السياسية والبرلمان. ومع ذلك لم تتمكن هذه القوى من تمرير ذلك الدستور والإستفتاء عليه، إلا بعد النص فيه على وجوب مراجعة عدد مهم من مواده خلال ستة أشهر من تأريخ إنعقاد البرلمان اللاحق الذي إنبثق عن الإنتخابات العامة التي جرت في نهاية ذلك العام. ولكن هذا النصّ لم يطبق لحد الآن، أي بعد مرور ثلاث سنوات، ولم يتم تعديل مواد الدستور المطلوب تعديلها! و مع ذلك، يستند إليه بعض السياسيين العراقيين، من أمثال السيد وائل عبد اللطيف، وقادة القوى الأخرى، كالحكيم، وغيره، وكأنه مرجعية محكمة لا تبديل لها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لنرى ما تقوله المادة (رقم 115 ) من الدستور؛ فهي تنص، " يحق لكل محافظة أو أكثر تكوين إقليم بناءا على طلب بالإستفتاء عليه يقدم بإحدى الطريقتين:

أولا: طلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الأقليم.
ثانيا: طلب من عُشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الأقاليم".
و مداخلتنا هنا تتلخص كالآتي؛ إن النصوص أعلاه لم تعرّف ماهيّة ومواصفات الإقليم المستهدف، ولا تشكيلاته ولا صلاحياته، إنما يقيس الداعون إليه على ما يتمتع به إقليم كردستان من صلاحيات، حاليا، وهذه بعضها مؤوّل بعيدا عن مقاصد النصوص. والقياس والتأويل، كما نعلم، ليس هو ما يعوّل عليه، إنما تفسير النصوص تفسيرا قانونيا صرفا، أو إستكمالها بتعديلات دستورية واضحة، هو ما يعوّل عليه. والسيد وائل هو رجل قانون والمفروض أن يعرف ذلك. وبعيدا عن السجال القانوني، فليس هذا الكاتب هو بمدون قانوني، إنما لننظر للمخاطر الجسيمة على وحدة العراق وإستقراره، وذلك حينما ينصّ الدستور على مادة موجزة وغامضة، تسهّل الى حد كبير تأسيس أقاليم، وذلك بمجرد الحصول على تواقيع من عٌشر الناخبين، أوبطلب من ثلث أعضاء مجلس المحافظة التي تروم تكوين إقليم. فما أسهل تجميع بضعة آلاف من التواقيع ليمثلوا إرادة بضع ملايين من سكان المحافظة لتشكيل إقليم!؟ أو ما أيسر تحقيق إقامة أقاليم لو توافق ثلث أعضاء مجلس المحافظة على ذلك، لأسباب سياسية. فإستقرار العراق وثبات وحدته، وتكامل مؤسساته سوف تكون، عندئذ، في مهب الرياح، وستكون عرضة للطموحات السياسية لأشخاص معددوين، قد لا يفقهون، تماما، التحديات الهائلة لإعادة بناء العراق المهدم. إذ سيتعذر تحقيق ذلك ضمن إطار دولة هلامية تتناوشها المصالح المناطقية والمذهبية والعرقية والسياسية. فحينما تكون الحكومة المركزية الحالية، رغم أسمها المعلن، كحكومة وحدة وطنية، عاجزة هي نفسها عن التنسيق بين مؤسساتها القائمة، فالوزراء يفتون شيئا ورئيس الوزراء يقول بشيء آخر، والقادة السياسيون لا يستطيعون الإتفاق، حتى الآن، على نوع دولة العراق المنشودة؛ وها هي حكومة إقليم كردستان تغرد لحالها، وتعقد عقود مع شركات نفطية بمعزل عن الحكومة المركزية، وها هو رئيس إقليم كردستان، يتجاوز الدستور ويدعو الأمريكان لإقامة قواعد في كردستان! إذا كانت الأمور على هذه الدرجة من العرّ والجرّ، على صعيد حكومة وحدة وطنية مركزية، فكيف ستكون عليه الحال ونوعية التنسيق مع حكومة إقليم البصرة التي تمثل منفذ العراق الوحيد الى البحار، وتحتضن قوت ومورد الشعب العراقي، النفط، وهو ملك كل الشعب العراقي، حسبما نص عليه الدستور ذاته، نقول، كيف ستكون نوعية هذا التنسيق، إذا كان يراد لهذا الإقليم الجديد أن يصاغ على النموذج الكردي!؟
ثانيا: مقولة الفدرالية كضمان ضد الهيمنة المركزية الدكتاتورية؛ لقد تم الترويج كثيرا لهذه المقولة، بل إن الأشقاء الكرد أو قادتهم ترجموها، قولا وعملا، فهم ليس فقط يطالبون بالإقليم لتحقيق طموحاتهم القومية، بل يسعون الى الإستقلال والتمدد الجغرافي، لذلك نجدهم يعارضون بحدة تسليح الجيش العراقي الفدرالي، على رغم المفارقة بمطالبتهم للحكومة المركزية لحمايتهم من الهجومات التركية، ويدعون الولايات المتحدة لإقامة قواعد في إقليمهم بدون أي تنسيق مع الحكومة المركزية. كما دأب قادة الإتلاف الشيعي على تبرير دعوتهم الى إقليم خاص بالشيعة، لأن الفدرالية، كما يدعون، ستضمن الخلاص من الهيمنة المركزية. وحقيقة الأمر، هو إن الهيمنة والإستبداد والإهمال، كلها، لا علاقة لها بالشكل التنظيمي للدولة، إنما هو غياب أو عدم غياب الديمقراطية والمسائلة والشفافية هو الذي يحدد درجة الإستبداد والهيمنة والكفاءة بالأداء. إذا كانت النظم السابقة قد أهملت البصرة، فهي أهملت، ايضا، جميع محافظات البلاد الأخرى، بدرجات مختلفة. ومعلوم إن البصرة لم تكن أسوءها، بل على العكس، فقد كانت ثاني أكبر محافظة، وإزدهارها كان يضاهي إزدهار بغداد العاصمة. ففي العهد الملكي كانت البصرة قبلة الأنظار، وكانت نشاطات التجارة والعمران والخدمات فيها تفوق ما كان في اغلب المحافظات، وحتى الخليجيون والسياح والزائرون كانوا يأمونها ويقضون أمتع الأوقات فيها، حتى إن هذا الكاتب سمع مرارا بعض الخليجيين يرددون أمامه مقطع أغنية، "البصرة خلت بكليبي حسرة"! فالمبالغة بالشعار هو أمر معروف لترويج أهداف سلطوية سياسية وغيرها من الأهداف الخاصة.
ثالثا: الإعتبارات الأقتصادية التنموية، والخيارات التنظيمية، ما بين المركزية واللامركزية والفدرالية؛ لو تيسر لنا أن نتأمل بعمق تأريخ النظم الهيكلية لعدد كبير من دول العالم، وبالأخص منها المتقدمة، مثل سويسرة وبريطانية والولايات المتحدة والهند وغيرها، لوجدنا فهما ساذجا يسود بعض الداعين للفدراليات في العراق. و إذ لايتسع المجال للإستفاضة هنا عن هذا الموضوع، (
يمكن الرجوع الى دراستنا عن الفدراليات والتقسيم، كما سنشير بالمراجع ادناه)، يمكن بإختصار أن نشير الى بعض الأسس المفاهيمية بهذا الخصوص. فالإتحاد السويسري، مثلا، لم يقم على أساس التجانس العرقي أو اللغوي، بل كان قد إبتدأ كتحالفات مناطقية بين إمارات مستقلة لشعوب متباينة في اللغة والعرق وحتى المذاهب الدينية، وقد إستغرق تكوين التحالف ثم الشكل الفدرالي للدولة عدة قرون! ، وكان التطور يشير بإستمرار الى إعطاء المزيد والمزيد من السلطات للحكومة المركزية، مقابل ترصين مستمر للمسائلة الديمقراطية. فهل هناك، اليوم، من يتهم الحكومة المركزية في سويسرة بالدكتاتورية وإهمال المحافظات او الأقاليم المتفدرلة. إن الصياغة الفدرالية السويسرية كانت بالأصل بين شعوب ودويلات منفصلة، وليست بين محافظات بلد له تأريخ وحدوي ساحق في التأريخ. وبنفس القياس، سنلاحظ بأن توزيع السلطات ما بين الحكومة الفدرالية والحكومات المحلية في جميع الدول المشار إليها وغيرها يخضع الى أمرين أساسيين؛ الأول هو مقدار الكفاءة التنظيمية والإدارية لتحقيق تنمية متوازية لجميع السكان في الأقاليم والأطراف، فهم متساوون، تماما في حقوق التنمية، والثاني هو مقدار تيسر المسائلة الديمقراطية، ليس لحكومة المركز، فحسب، إنما أيضا، للحكومات المحلية. نعم، فهل الحكومات المحلية يحكمها ملائكة؟ بل هي أيضا، خاضعة للمسائلة أمام جهتين أساسيتين؛ سكانها المحليين، لإنهم إنتخبوها، وأمام البرلمان الوطني الفدرالي، بإعتباره يمثل أبناء الوطن كلهم، وبإعتباره المصادق على موازنات تمويل التنمية في كل شبر من أرجاء الوطن. وعند هذه النقطة، تبرز الحقيقة التالية، وهي إن مايسمى بالنظم الفدرالية، ما هي إلا سجلات تأريخية لمراحل إندماج الشعوب في دول موحدة. أي هي ليست طريقة لتوزيع الموارد، بل هي طريقه للتوّحد السياسي، بين كيانات هي كانت منفصلة أصلا. أما قضية عدالة التوزيع وكفاءة إدارة الموارد، أينما توفرت جغرافيا في البلد الواحد، فهذه تعتمد على أمرين آخرين أساسيين؛ الأول هو وجود صلاحيات وسلطات محلية واضحة، تخلق أفضل الشروط للأداء الأكفء للتنمية الإقليمية أو المناطقية أو المحلية، وذلك بدون توريط الحكومة المركزية وبيروقراطيتها في مشاكل هي بالأساس مضمونة الأداء بشكل أفضل من قبل سكان الأقاليم أو المحافظات، أو ممثليهم. وهنا لا يحتاج الأمر الى فدرالية، بل الى لامركزية شفافة وكفؤة، مع صلاحيات وسلطات للمحافظات تتناسب مع حجمها وطبيعة مشاكلها ونوعية إقتصاداتها المحلية. كما إن الحاجة غير مطروحة أصلا لسكان دولة واحدة من أرومة وتأريخ ولغة واحدة، مع الإقرار بحقوق كاملة للأقليات؛ إذ لا دولة في العالم بدون أقليات، بل و حتى أكثريات متقاربة، فكيف هي الحال في الشعب العراقي الواحد في أغلب محافظاته الوسطى والجنوبية والغربية؟
فضلا عن ذلك، إن التطورات التقنية الهائلة بالإتصالات الإلكترونية وغير الإلكترونية جعلت العلم كله، قرية واحدة، فكيف ستكون عليه الحال في بلد واحد موحد، لا تعيق جغرافيته عوائق كالبحار والجبال الفاصلة أو غير ذلك. فالمطلوب هو إيجاد نظام لامركزي، وليس فدرالية تقام، عادةُ بين شعوب منفصلة أو متباينة، نظام يقوم على الكفاءة والشفافية، ولتأخذ البصرة كل ما يناسبها من صلاحيات وسلطات، طالما هناك ديمقراطية ومسائلة وشفافية.
رابعا: مواصفات الفدراليات المطروحة، ومنها فدرالية السيد وائل عبد اللطيف؛ حينما يطرح أي طرف من هؤلاء الداعين للفدرالية، مواصفات فدراليته، يبدأ بذكر الشكل التنظيمي الذي يتألف من برلمان إقليمي، ومجلس وزراء، وصلاحيات تمنع تدخل الحكومة المركزية. فهذا هو السحر والحل، إمتيازات سلطوية وليس حلول ديمقراطية للحافظ على وحدة البلاد وترصين الإنتماء الوطني، وهذه شروط مسبقة لتحقيق تنمية إنسانية وإقتصادية مستدامة. بدون ذلك، ستوّلد هكذا فدراليات ساذجة سعارات للصراع والتناقض وضياع لجهود التنمية والإستقرار، فهل يتصور السيد وائل، أوغيره، كقادة الإئتلاف الشيعي، بأن هذا هو المطلوب؟ إذا كان كذلك فأنها ستكون وصفة لضياع أي أمل لبناء العراق وإعماره وإزدهاره، في ظروف دولية ستكون أكثر خطورة وجسامة بالنسبة لإقتصادات تقوم على تصدير النفط الخام. هل فكر دعاة الفدرالية البصراوية أو غيرها بالتكاليف الإدارية الهائلة لإقامة برلمانات ومجالس وزراء، ومنح إمتيازات لمئات بل آلاف من النواب والوزراء، ورؤساء الوزارات، وكل سيرى بنفسه سلطان زمانه، كم هي الكلف الإقتصادية والإجتماعية، إذا حولنا تشكلينا التنظيمي من نظام لامركزي شفاف وبسيط الى نظام معقد من الفدراليات المتناحرة؟! كم سيخسر العراق، وكم سيخسر أهلنا البصراويين الأحباء والعراقيين الأصائل، في هذه الحالة، هل سيربح السيد وائل عبد اللطيف أمارته البصراوية؟ويلفتنا، بهذا الشأن السيد محافظ البصرة المهوس بتدخل السلطة المركزية، التي لولاها لتحكمت في بصرته أحزاب ثأر الله الطائفية والمخابرات والمليشات الإيرانية. هل إستطاع هذا المحافظ أن يمنع سرقة ونهب النفط العراقي في البصرة؟ هل منع الإرهاب وحقق الإستقرار في البصرة؟ ولولا الحكومة المركزية لإنسلخت البصرة العتيدة من حضن عراقها الدافي. فهل تكفي الحليم الإشارة الصادقة؟
 

14 نوفمبر- 2008

بعض المراجع:
1. الدكتور عبد الأمير الرفيعي؛ " العراق، بين سقوط الدولة العباسية وسقوط الدولة العثمانية "،الجزءآن الأول والثاني- الفرات للنشر والتوزيع، 2002.
2. http://www.iraqoftomorrow.org/wesima_articles/articles-20050715-31374.html
3. http://www.iraqoftomorrow.org/wesima_articles/articles-20060223-36127.html
4. http://www.iraqoftomorrow.org/wesima_articles/articles-20060919-39542.html
5. كامل العضاض؛ " سبعة أخطاء مخطوءة " ، نشر في مواقع عديدة
 


 

free web counter

 

كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس