| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

قرطبة عدنان الظاهر

 

 

 

                                                                                     الخميس 22/9/ 2011



الفلسفة الفكرية في السياسة والدولة
نيكولو ماكيافيلي (1469ـ1527)
(
Niccolo Machiavelli)
(الجزء الثاني) 1

قرطبة الظاهر 

كتاب الامير: Il Principe 1513

كتب ماكيافيلي كتابه الامير في النصف الثاني من عام 1513. وقد نُشر الكتاب لأول مرة عام 1532 أي بعد وفاته بخمس سنوات. في نهاية الثلاثينيات أبدأ الحوار والنقاش والنقد يعلو في صفوف المحللين والادباء والمفكرين ليستمر النقاش عن غاية ماكيافيلي الحقيقية لكتابة هذا الكتاب إلى يومنا هذا. فهناك من يعتبر الكتاب تسقيط للدين والقيم وغيره يعتبره المرشد الاوحد في السياسة الحقيقية. في عام 1552 تم مصادرة جميع كتبه وحفظها في ارشيف من عدم نشرها.

مرآة الامير أم كتاب السلطة؟

عندما يتمعن المرء في هذا الكتاب خارجيا يعتقد لوهلة بأن محتوى هذا الكتاب هو مرآة للحاكم. فأنه يعكس اوجه صفات الحاكم وطريقة حكمه. هناك مرايا كثيرة كتبت للحكام في عهد الاغريق القدماء مثل كتابات كسوفونيس وايزوكراتيس. في عام 1516 نشر ايراسموس مرآة الحاكم في كتابه "مؤسسة المبادئ المسيحية" Institutio principis Christiani وأهدى هذا الكتاب إلى الملك هاينرش الثامن ثم إلى أحفاد القيصر ماكسيميليان بعد أن اجهل الملك هاينرش قرائته. في الوقت الذي تبين مرآة الحاكم النمطية الصفات والمواعظ التي يجب أن يتحلى بها كل حاكم في اوروبا اخلاقيا وقيميا يذهب كتاب الامير بعيدا عن ما تعكسه نوايا واهداف وغايات كل حاكم، بل تلغي كل المواعظ والحكم والنصائح الانسانية والخلقية وتتركز على الهدف للوصول إلى الغاية المرجوة. فرسالة هذا الكتاب واضحة: "على الامير أن لا يكون فاضلا بل عليه ان يموه لرعيته الفضيلة" عكس ذلك يصبح الحاكم مُستغلا من قبل خصومه ومنافسيه وقد يكون ضحيتهم. ويمضي في نصيحته للحاكم طالبا منه أن يكون مرنا وأن يرتدي درعه في وجه الرياح العاتية : "حاول قدر الامكان عدم التخلي عن ما هو خيّر لكن أستعد في اي وقت للشر" ( الامير، ج 18).

يعتقد ماكيافيلي بأن البشر يصدقون ويؤمنون بالتمويه ومن ينتصر هو المحق وهو الحق: "الرعاع ينجرفون مع كل ما هو مموه وناجح وكم هم كثيرون في هذا العالم.." (الامير، ج 18). منذ 2000 سنة لم يتفوه احدا بالفرق بين التمويه والحقيقة. منذ عهد السفسطائيين الذين ذكرهم أفلاطون في كتابه بوليتايا او الدولة الافضل عن ثرازوماخوس إذ قال: "الذي يتموه او يتبجح بالعدالة هو انجح ممن هو فعلا وحقيقة عادل". ماكيافيلي يعود بعد 1500 سنة من المسيحية إلى السفسطائية القديمة إلى العصر القديم ليحييه من جديد في عمله الامير. بينما يمضي إيراسموس في كتابه مرآة الحاكم متناقضا بذلك ما يكتبه ماكيافيلي: "إن كنت حاكما وتستطيع في ذات الوقت ان تكون انسانا صالحا، عليك ان تنفذ افضل عمل، وإن لم تستطع فالافضل لك أن تترك الحكم قبل أن تصبح انسانا سيئا" (Institutio principis Christiani, Welzig, 1968, Bd. 5, 221) لكن ما يريد تحقيقه ماكيافيلي هو ليس تربية الانسان إلى الانسان الصالح او تغييره إلى الافضل وانما يستهدف نصح الحاكم في كيفية الاستلاء على السلطة والحفاظ عليها. هناك آلهة جديدة تطغي على آلهة الفلاسفة الاغريق الذين علموا الانسان الحكمة ومعرفة الذات والاعتدال في الامور العامة. هذه الالهة لدى ماكيافيلي اسمها السلطة والنجاح. تتحول بذلك مرآة العالم إلى كتاب للارتقاء إلى النجاح،إلى كتاب تعاليم فنون السلطة.

إنفصال ماكيافيلي عن العلوم الانسانية وعن الديانة المسيحية

يتساءل علماء الفلسفة الفكرية عن مدى إبتعاد ماكيافيلي عن القيم. هل تخلى عنها كليا أم احتفظ بجزء منها؟ بلا شك يفرّق ماكيافيلي ما بين ما هو صحيح honestum وما هو نافع utile. الوحدة ما بين الصحيح والنافع هي امر رئيسي بالنسبة للعلوم الانسانية الفكرية: "هل يعقل أن يقول البائع للمشتري بأن البيت المعروض للبيع ملوث؟" ، يطرح سيزيرو في كتابه "عن الدولة" De Republica هذا السؤال ليبين مشكلة التمييز ما بين المنفعة والقيم. العدالة وهي فضيلة وجزء من القيم الانسانية لايمكن أن تنفرد خارج حلقة المنفعة الذاتية الفردية او منفعة الجماعة. لابد لها أن تتحد مع المنفعة كي يكون لها نتيجة، حسب مفهوم سيزيرو. ماكيافيلي يؤكد الانفصال ما بين القيم الانسانية والمنفعة. قد يكون الامر نافعا في حال التجاوز على القيم. لكنه في نفس الوقت لا يعني الانحلال عن القيم المفروضة. في نفس الوقت قد يكون الامر صعبا للحاكم في حال تعرض سلطته للخطر فيضطر شاء أم أبى أن يتنازل عن القيم. لذا على الحاكم أن يكون مرنا ويكون مستعدا لكل أمر يطرأ على سلطته. يذكر ماكيافيلي في الجزء الثامن من كتابه: " عند اجتياح دولة ما على الغازي أن يفكر بما سوف يرتكبه من مجازر لا بد له أن يقترفها وعليه أن يقوم بها في آن واحد كي لا يعيدها يوميا". هنا يؤكد ماكيافيلي في ان يكون الحاكم مستعدا للقتل حسب ما تقتضيه الضرورة. النهاية فضيعة افضل من فضاعة بلا نهاية. الضرورة تنتزع المسؤولية والقيم، الضرورة تصبح سيدة المواقف في وقت الخطورة او حسم أمر ما. المسافة بين ماكيافيلي وسيزيرو اصبحت بذلك بعيدا جدا كما هي المسافة بين ماكيافيلي والديانة المسيحية: كتاب الامير لا يشير ابدا إلى علاقة الحاكم بالكنيسة او حتى حياته المسيحية. إنه خالٍ من ذكر حكم الله للانسان الجبار و يوم الحساب كما إنه لا يتطرق إلى الضمير والاحساس وعلاقتهما بالمنكر. يعود اصحاب العقد الاجتماعي في القرن السابع عشر إلى علاقة الانسان بخالقه في تأكيدهم على وجوب التزام الحاكم لما يمليه عليه ضميره في تأدية واجبه تجاه إلهه. ماكيافيلي يتطرق في وقت متأخر للدين وذلك في كتابه "المباحثات" .Discorsi ويطرح السؤال عن ما قد يستطيع الدين فعله من اجل تقوية السياسة. تزال المسؤولية الدينية المسيحية كمؤسسة ويحل محلها النجاح كي يصبح المؤسسة المطلقة والتي لا تعترف بأي منافس حسب فكر ماكيافيلي.

تبويب الكتاب والفكرة

يحتوي الكتاب على 26 جزء، يصنف منها 13 جزء للدوقيات و13 جزء اخرا للامراء. هناك من يعتقد بأن ماكيافيلي كتب الثلاثة عشر جزء عن الدوقيات اولا ثم اكمل باقي الكتاب في وقت لاحق. من الملفت للنظر أن الاجزاء الثلاث الاخيرة من هذا الكتاب تبتعد كليا عن ما يكتبه عن الامراء إذ يخصها لوصف الوضع في ايطاليا وينهي كتابه بخطبة يوجهها إلى إيطاليا كجمهورية للقيام بالدفاع عن نفسها ضد البرابرة.

تتضمن جميع الاجزاء كيفية الاستيلاء والحفاظ على الحكم والوسائل والجهود التي يحتاج إليها المرء. هذا ما توضحه الاجزاء الاولى الخمس: إنها تميز بين خمسة صنوف من الدوقيات وتبين بأن ماكيافيلي لا يهمه فيها إلا صنف معين من الامراء، إلا وهو ذلك الصاعد الذي بحاجة للاستلاء على دوقية من أجل أن يبسط حكمه ونفوذه وقوته. فكرة ماكيافيلي تتوضح لنا من خلال طرحه لبدائل. أما أن تكون الدوقية بهذا الشكل وإلا بشكل اخر. تتمحور الفكرة في الجزء الاول من كتابه على أن الدول تكون إما دوقيات أو جمهوريات. تكون الدوقيات موروثة أو جديدة. الدوقيات الجديدة تكون أما نصف قديمة, نصف جديدة أو جديدة كليا. الجديدة كليا تكون أما قد أعتمدت للامراء أو متحررة سابقا. المتحررة سابقا يتم الاستيلاء عليها أما بالسلاح الخاص وبقوة المهارة أو بسلاح اجنبي وبقوة الحظ.

بذلك يوضح ماكيافيلي بأن هناك دائما حالتين، امكانيتن او احتماليين، المهارة والحظ. قد تكون احدهن اقوى من الاخرى. طريقة طرح الفكرة بالبدائل هي احدى خصائص ماكيافيلي في هذا الكتاب. الدوقيات قد تستولى وتكسب بالحظ وتحكم بمهارة لكنها ايضا قد تكسب بمهارة وتدار او تحكم بقوة الحظ.

 

الفلسفة الفكرية في السياسة والدولة - نيكولو ماكيافيلي (1469ـ1527) (الجزء الأول)
 

 

free web counter