|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الثلاثاء 29/5/ 2012                                د. جاسم الصفار                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 


قراءة لرسائل مفتوحة

د. جاسم الصفار *
Jaaltimimi5@gmail.com

قبل البدء في قراءتي المتواضعة أود ألتنبيه إلى أني لا أعني بألرسائل ألمفتوحة رسالة بعينها تحمل هذا ألعنوان، بل هي جميع ألكتابات وبعض ألتعليقات وألملاحظات ألمنشورة على "ألحوار ألمتمدن"، ألتي تسنى لي ألاطلاع عليها، وألتي في معانيها وغاياتها، رسائل مفتوحة معنونة غالباً إلى ألمثقفين ألعراقيين أليساريين وأحياناً إلى قواعد ألحزب ألشيوعي ألعراقي  .

قبل ايام معدودة اختتم المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي العراقي أعماله، شاداً إليه إنتباه أصدقائه ومناوئيه خاصة من ألمحسوبين على ألفكر ألسياسي أليساري. وحتى قبل أن تصدر وثائق ألمؤتمر نشرت ألعديد من ألكتابات ألتي تضمن بعضها ملاحظات نقدية وألبعض ألآخر تفسيرات مدافعة عن ما تسرب من قرارات فرضتها، في رأيهم، ملابسات محددة رفعت من قدر المسؤلية التي تحلى بها مندوبي المؤتمر وأللجنة ألمركزية ألمنبثقة عنه.

بعض ألكتابات تعرضت للمستوى ألتنظيمي للجلسة ألافتتاحية للمؤتمر وألتغطية ألاعلامية ألتلفزيونية ألتي رافقتها. ومع أن معظم هذه ألملاحظات كانت إنطباعات مشاهد تباينت في تقييماتها، إلا أن في أغلبها قدر كبير من ألمصداقية. فقد لاحظ ألمتابع لقناة ألحرة ألتلفزيونية ألتي قامت بنقل وقائع ألجلسة ألافتتاحية للمؤتمر الوطني ألتاسع للحزب، بعض من ألتراخي في إدارة ألجلسة بحيث طغت أجواء ألاحتفال على تصرف جزء غير قليل من مندوبي ألمؤتمر. كما أن ألنقل ألتلفزيوني لم يكن خالياً من ألثغرات ذات ألطابع ألمهني، خاصة من قبل مصوري قناة ألحرية ألذين وجهوا عدسات كامراتهم من خلف ألقاعة لتعرض للمشاهد صفوف من ألكراسي ألفارغة ومندوبي ألمؤتمر ألمحتشدين في ألجزء ألأمامي من ألقاعة. وعلى أي حال فان إفترضنا ألنوايا ألطيبة في تقييم ألمستوى ألتنظيمي للجلسة ألافتتاحية للمؤتمر فانها تنطلق من أمنيات مخلصه في ألكمال وألسمو في كل ما يخص ألحزب ألشيوعي ألعراقي.

ومع أن إهتمامي ينصب أساساً على ألبرامج ألتي تبناها ألمؤتمر وخاصة في جوانبها ألفكرية وألسياسية وألتنظيمية، وألتي هي كما أظن أيضا محط تركيز أغلب ألمثقفين ألعراقيين ألذين سيتوقفون عندها طويلاً ليعيدوا صياغة خياراتهم وآفاق آمالهم في تجديد ملهم لأفكار ألاشتراكية. إلا أني سأتوقف هنا عند موضوعة إعادة إنتخاب ألرفيق حميد مجيد موسى (أبو داوود) أميناً عاماً للحزب في دورته ألحالية وألتي جاءت مخالفة لمعظم ألتوقعات وألاستطلاعات ألتي سبقت إنعقاد ألمؤتمر ألتاسع للحزب وألتي وصفها بعض ألأصدقاء أليساريين، في كتاباتهم على " ألحوار ألمتمدن"، بأنها كانت محبطة ومنافية لنهج ألتجديد ألذي عقدت عليه ألآمال. ومع أن بعض هذه ألكتابات وألملاحظات وألتعليقات قد إختارت لنفسها إسلوب ألتجريح ألمباشر وألشخصي، إلا أن معظمها تضمن أفكار تستحق ألدراسة وألتأمل وألنقاش. وخاصة في شأن تحديد ألفترة ألتي يشغلها ألأمين ألعام للحزب، إما بعدد ألدورات أو بسقف محدد لسنوات ألعمر أو غيرها.

ولنبدأ بما يعتبره ألمنتقدون لاعادة إنتخاب ألرفيق أبو داوود أميناً عاماً للحزب، خرقاً للقواعد ألديمقراطية ألقائمة على حرية ألتنافس وألتغيير وألتداول ألدوري لهذا ألمركز ألهام وألحساس. فاطلاق أحكام بأن ألتغيير ألدوري للشخصية ألأولى في ألحزب، أياً كان هذا ألحزب، يسارياً أو يمينياً، دليلاً على مصداقية نهجه ألديمقراطي، قول فيه ألكثير من ألمغالاة وألانتقائية عند سوق أمثلة من تجارب ألأحزاب وألتنظيمات ألأخرى ألعاملة في واقع آخر غير ألعراق. وعدا ألأمثلة ألتي يعوزها ألتحليل ألمقارن، خاصة وأن بعضها يستدل بعمل فرق رياضية (!!!)، فان هذه ألأحكام تجاوزت ألتغيير أو ألتجديد ألذي طرأ على هيئات ألحزب ألقيادية ولم تتطرق إلى آفاق ألتطور ألفكري وألسياسي للحزب وتركزت حصراً على موضوع ألشخصية ألاولى في ألحزب، ألذي لا يجب أن يتجاوز في أهميته محاور ألتغيير ألأخرى. ثم أن ألقارئ ألمتفحص لا بد وأن يجد في بعض هذه ألكتابات أحكام مستعارة من ضوابط إنتخاب رئيس دولة في نظام ديمقراطي وفقاً للدستور ألذي ينظم تداول ألسلطة بين متنافسين (وغالباً متصارعين) عليها من أحزاب وتيارات متباينة في برامجها وإتجاهاتها ألفكرية وألسياسية. ومع أن ألتنافس على رئاسة ألحزب حق وواقع بألضرورة إلا أنه يتميز نوعياً من حيث ضوابطه ومحدداته ألتي يجب أن تشترط ألشفافية وعدم ألاضرار بوحدة ألحزب.

وعليه فان ألعديد من ألأحزاب ألمعروفة في أوربا وآسيا وأمريكا أللاتينية لم تجد ضرورة في تحديد ألفترة ألتي يشغلها رئيس ألحزب أو أمينه ألعام، تاركة لمؤتمراتها ألدورية تقدير مسوغات ألتجديد أو ألتغيير في رئاسة هذه ألأحزاب. هذا مع وجود أمثلة نادرة لأحزاب حددت فترة بقاء قادتها على رأس ألهرم ألحزبي. وتجدر ألاشارة هنا إلى أن هذا لا يسري فقط، كما يستنتج بعض ألكتاب، على ألأحزاب ألشيوعية أو ألاشتراكية ألماركسية ألتي هي، كما جاء في كتاباتهم، لا زالت ترزح تحت كاهل تراثها ألفكري وألسياسي ألمستمد من ألتجربة ألسوفيتية. بل يشمل أيضاً أحزاب ليبرالية، تنشط في دول راسخة في أنظمتها ألسياسية ألديمقراطية.

وألشواهد على ما أسلفت كثيرة، سواء كان ذلك في فرنسا أو إيطاليا أو هولندا أو روسيا أوألمانيا، هذا عدا ألهند وباكستان وبنغلاديش ولبنان وغيرها. ففي هولندا مثلا، ترأس باس فان در فليس حزب ألاصلاح ألسياسي منذ ألعام 1986 ولغاية عام 2010، أما رئيس حزب ألعمل ألهولندي فقد قاد حزبه منذ 1986 ولغاية 2001 بعد أن طلب إعفائه من منصبه ألحزبي للتفرغ لاموره ألشخصية. وفي ألمانيا بقى هلمت كول رئيساً للحزب ألديمقراطي ألمسيحي ألألماني منذ عام 1973 وحتى عام 1998. أما في روسيا فألأمثلة شاملة ولكني سأكتفي منها بألحزب ألليبرالي (يابلكه) ألذي يقوده منذ تأسيسه في عام 1993 وحتى يومنا هذا ألشخصية ألسياسية أليمينية ألمعروفة كريكوري يافلينسكي أما ألحزب ألديمقراطي ألليبرالي ألروسي فمنذ تأسيسه عام 1989 يقوده بلا منازع ألشخصية ألمثيرة للجدل فلاديمير جيرينوفسكي، وعلى نفس ألشاكلة يقود كينادي زوكانوف ألحزب ألشيوعي ألروسي منذ تأسيسه عام 1993.

على أن هذا لا يعني ألقبول بواقع أن يكون قائد ألحزب أميناً على حزبه لفترة زمنية غير محدودة. فمركز ألأمين ألعام للحزب يلقي على كاهله مهام ومسئوليات كبيرة تتطلب جهوداً لا تتناسب مع تقادم ألعمر وضعف ألقوى، ألأمر ألذي لا يمكن تجاوزه حتى بوجود قيادة جماعية كفوءة يركن إليها ألأمين ألعام أو يوزع عليها بعض من مهامه. وفي ذات ألوقت لا يجوز إلغاء حق أعضاء ألحزب ممثلين بمندوبيهم في ألمؤتمر وألقيادة ألحزبية ألجديدة ألمنتخبة في تقدير ألأصلح عند إنتخاب ألأمين ألعام للحزب. وبألعودة لموضوع إعادة إنتخاب ألرفيق حميد مجيد موسى أميناً عاماً للحزب ألشيوعي ألعراقي لدورة جديدة، فوفقاً لما نشر على "ألحوار ألمتمدن" ، فأن ذلك لم يتقرر إلا في فترة متأخرة في ألحيز ألزمني ألذي رافق عملية ألاعداد للمؤتمر ألوطني ألتاسع، كما أن ألرفيق أبو داوود، حسب هذه ألكتابات، لم يكن راغباً في ألاحتفاظ بمركز ألأمين ألعام للحزب لدورة أخرى ولكن مستجدات طرأت في فترة ألاعداد للمؤتمر فرضت على قيادة ألحزب إتخاذ قرار مسؤل بألطلب من ألرفيق أبو داوود ألموافقة على إعادة ترشيحه أميناً عاماً للحزب.

فاذا كان منوبي ألمؤتمر ألتاسع للحزب قد إنتخبوا ديمقراطياً وأنهم يمثلون بحق جسد ألحزب ألتنظيمي، وإذا كانت قيادة ألحزب قد إنتخبت وفقاً للنظام ألداخلي ألذي صادق عليه ألمؤتمر، فلا مجال للشك في أن هذه ألقيادة قد مارست حقها في إتخاذ ألقرارات ألتي تراها مناسبة، بما فيها إنتخاب ألأمين ألعام للحزب ودرء أي خلافات أو إشكالات نشأت على خلفية ألترشيحات ألكثيرة لاحتلال هذا ألمركز ألحزبي ألمرموق، حسب ما نشره بعض ألكتاب على"ألحوار ألمتمدن". كل هذا منطقي ومقبول وأصولي قبل كل شيئ. ولكن هل كان هذا ما حصل في حقيقة ألأمر؟وهل كانت هنالك أصلاً إشكالات في عملية ألترشيح لمنصب ألأمين ألعام؟ وهل كان ألرفيق أبو داوود مرشحاً توافقياً إحتاجته قيادة ألحزب لفض خلافات عجزت عن حلها وتهيبت من تفاقمها؟

توجهت بأسئلتي وحيرتي إلى أحد أعضاء ألمكتب ألسياسي ألبارزين، ألذي تربطني به علاقة صداقة وزمالة ورفقة قديمة تسبق هجرتي من ألعراق في بداية سبعينات ألقرن ألماضي. فأجابني مشكوراً بأن إعادة ترشيح ألرفيق أبو داوود أميناً عاماً للحزب لم تأتي تلافياً لإشكالات تنظيمية كما ورد أعلاه، وانما لحصول قناعة بأن ألظرف ألدقيق ألذي تواجهه ألبلاد وصعوبة وتعقيد ألأوضاع ألسياسية فيها واحتمالاتها ألمفتوحة، تتطلب من ألحزب ألاستعانة بكل رفاقه ذوي ألخبرة وألتجربة، خصوصاً وأن ما يقرب من 47 بألمائة من قيادة ألحزب قد تم تجديدها، ونسبة كبيرة منهم من ألشباب. كان هذا رده وبكلماته ألتي حرصت أن أكتبها كما جاءت في رسالته ألجوابية، وأنا لا أملك ألآن أية أسباب تجعلني أشك في صراحته. كما أن هذا لا يمنع من وجود تفاصيل أخرى قد تتكشف مستقبلاً.

وأخيراً، فان إعادة إنتخاب ألرفيق حميد مجيد موسى أميناً عاماً للحزب لدورة جديدة، يحمل في طياته، إذا ما تجاوزنا ألملاحظات ألمدرجة أعلاه، رسالة طيبة لأصدقاء ألحزب ألذين يحلمون بألتجديد ألفكري وألمنهجي ألسياسي للحزب كقاعدة أساسية تشد إليها شريحة واسعة من ألمثقفين ألديمقراطيين وألتقدميين ألاشتراكيين. فلا يجب أن ننسى بأن ألرفيق أبو داوود كان قد تبوأ منصب ألأمين ألعام للحزب ألشيوعي ألعراقي في فترة معقدة وصعبة للغاية، تبددت فيها ألامال وتوارت ألاحلام ليقود الحزب إلى ربيعه الفكري والسياسي محافظاً في نفس الوقت على وحدته وتماسكه.



* مدير مركز تطوير وأبحاث - روسيا ألإتحادية
 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter