|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس 13/10/ 2011                                د. جاسم الصفار                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

 أليسار ألعراقي ورياح ألتغيير

د. جاسم ألصفار

بعد إنهيار ألتجربة ألسوفيتية لبناء ألإشنراكية تراجعت جاذبية ألفكر أليساري وضعفت وتشتت تنظيماته. فبين هروب إلى ألأمام بشعارات لفظية مزايدة، بعيدة ليس فقط عن ألواقع ألمعاش بملابساته ألمحلية وألإقليمية وألعالمية، بل وعن ألتراث ألفكري ألماركسي وألإشتراكي عمومآ. أو ألإنكفاء على فكر ماركسي نصي محنط سوفيتيآ وألإلتزام بمرجعية فكرية واحدة (ألماركسية أللينينية) بمعزل عن ألمسار ألتاريخي لتطور ألفكر ألإنساني ألذي أفضى إلى ولادة ألماركسية ذاتها، تمامآ كما ألسلفيون ألإسلاميون. عدا أولئك ألثوريين أللفظيين وألماركسيين ألسلفيين، يسعى تيار واسع من ألإشتراكيين، أحزاب وشخصيات، بجرأة ومثابرة في تشخيص أخطاء وعثرات ألتجربة ألآفلة ودراسة ألواقع بكل تعقيداته بنهج علمي جدلي دون إخضاعه لنصوص نظرية جامدة. ولا بأس في ذكر ألوثيقة ألفكرية للحزب ألشيوعي ألعراقي كواحدة من أنضج ما أثمرت عنه تلك ألمساعي، مع أنها وكما ذكرت في ملاحظاتي المنشورة سابقآ، تحتاج إلى تعديلات في صياغاتها تؤهلها لأن تكون في منظومتها ألفكرية وألسياسية قاعدة للتطور وألتطوير.

وبألمناسبة فإن ألشخصيات (دون ألدخول في متاهات نظرية عن دور ألفرد في ألتاريخ) هي ألتي لعبت دورآ رياديآ منذ ستينات ألقرن ألماضي في صناعة ألتغيير، فهي ألتي كانت وراء ربيع براغ في نهاية ألستينات وهي ألتي حولت ألأونيتا ألإيطالية إلى منبر حر للفكر ألإشتراكي ( كما كانت عليه ألشرارة ألروسية حتى بداية ألقرن ألمنصرم ). ومع أن ألكفاح ألفكري ألذي خاضه عدد من ألإشتراكيين ألفرنسيين داخل ألأومانيتيه وخارجها لم يؤدي إلى تغيير حاسم في سياسة ألحزب ألشيوعي ألفرنسي إلا أنه فرض على قيادة ألحزب ألموافقة على مبادئ إعلان مدريد ألشهير في ألسبعينات، وبألتالي رفع من رصيده ألشعبي في عموم فرنسا. أما مواقف ألمجددين ألإشتراكيين ألأسبان فقد كانت ملهمة للمحاربين ألقدامى من أجل ألجمهورية ونالت تأييدآ واسعآ في صفوف ألمثقفين في إسبانيا وخارجها.

وهنا لابد من ألإشارة لملاحظة هامة تبلورت لدي في ألفترة ألأخيرة إثر حوارات طويلة مع شخصيات في قيادة ألحزب ألشيوعي ألعراقي وأعضاء فيه من مراتب مختلفة وحتى مع من هم ألآن خارج ألإطار ألتنظيمي للحزب، أن رياح ألتغيير لم تهب على ألحزب ألشيوعي ألعراقي من خارجه رغم تبعات إنهيار ألتجربة ألإشتراكية ألسوفيتية، بل هي ثمرة دراسة متأنية لتجارب ألشعوب ألأخرى ومعاينة مسؤولة للواقع ألعراقي في مساراته ألتاريخية ألسياسية وألإجتماعية وألإقتصادية، من قبل كوادر حزبية متقدمة تمكنت دون أن تتوسل منابر أخرى من خارج ألحزب (كما فعل روجيه غارودي مضطرآ في سبعينات ألقرن ألماضي) أن تنجز تغييرآ ثوريآ رائدآ في نظام ألحزب ألفكري ونهجه ألسياسي.

لقد تعلمنا من منابع ألفكر ألإشتراكي ألعلمي وتجارب شعبنا وألشعوب ألأخرى، أن أفكار ألتغيير ألإجتماعي- ألإقتصادي لن تتحول إلى قوة فاعلة مهما كانت طليعية ومصداقية ألأفراد ألذين يقفون ورائها، ما لم تتبناها وتؤمن بها شرائح واسعة من ألمجتمع، وليس فقط ألقوى ألإجتماعية ذات ألمصلحة في تحقيقها كما تعود ألبعض على ترديده. وهنا لابد من ألعمل ألمثابر ألذي يجب أن تتولاه قيادات وقواعد ألحزب ألشيوعي ألعراقي ألذي لا بديل عنه في تطوير وإنجاز مشروع ألأمل ألإشتراكي أو أي مشروع آخر قد يولد من رحمه ويكون قادرآ على تحقيق ألعدالة ألإجتماعية في عراق جديد ديمقراطي علماني.

وأخيرآ فأنا كغيري من ألمثقفين ألمنتمين إلى فكر أليسار ألإشتراكي ألعلمي مع تنوع مرجعياتهم ألفكرية، أتساءل عن جدوى وتبعات تشتت قوى أليسار ألعراقي في ظرف يتطلب من ألجميع نبذ ألحساسيات التي تفرزها خلافات في ألآراء أو ألمواقف وألإلتفاف حول برنامج حد أدنى من ألتعاون يضمن حق أطرافه في ألمساهمة بحرية كاملة لا تحددها سوى أصول ألحوار ألمتمدن وقواعده ، في نشر أفكارها ورؤياها لبناء عراق جديد، على صفحات وسيلة إعلامية - فكرية مشتركة تؤسس لهذا ألغرض.

وكأي مشروع سياسي، فمشروع ألتعاون ألتاريخي هذا بين ألتيارات وألشخصيات ألسياسية ألمحسوبة على أليسار ألإشتراكي ألعلمي لابد وأن يسعى صوب أهداف محددة، أهمها بتقديري، ألبحث في رؤيا إشتراكية علمية قادرة على إستيعاب ألتحولات ألجارية في ألمجتمع ألعراقي بملابساته ألإقليمية وألعالمية، ومن ثم ألوصول إلى علاقات تضامنية بين قوى أليسار ألعراقي كهدف آخر من أهداف ألمشروع يقربها من إصطفاف موحد في إطار ألعملية ألديمقراطية بمستوياتها ألمختلفة.

وفي رأيي ، فأن ألحزب ألشيوعي ألعراقي هو ألطرف ألأكثر قبولآ للمبادرة في لم شمل أليساريين ألعراقيين مستفيدآ من نجاح تجربته ألأخيرة في دعوة شخصيات يسارية من خارج ألتنظيم للمساهمة برأيها في وثائق ألمؤتمر ألتاسع للحزب.



* مدير مركز تطوير وأبحاث - روسيا ألإتحادية
 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter