| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جاسم الولائي

 

 

 

 

الخميس 5/1/ 2012



قصتي مع هذه القصيدة

جاسم الولائي  

أراجعةٌ تلك الليالي:

قال القاضي أبو الحسن عبد العزيز الجُرْجانيّ:

أراجعةٌ      تلك      الليالي      كعهدِها     

إلى الوصلِ، أم لا يُرتجى لي رجوعُها

وصحبةُ    أقوامٍ      لبستُ      لفقدِهم

ثيابَ       حدادٍ      يستجدُّ      خَلِيعُها

إذا  لاحَ  لي من  نحوَ  (بغدادَ)  بارق

تجافت   جنوبي  واستُطير   هجوعها

وإنْ     أخلفتها   الغادياتُ    وعودَها

تكلَّفَ    تصديق    الغمامِ    دموعُها

سقى   جانِبَيْ   (بغدادَ)  كلُّ  غمامةٍ

يحاكي   دموعَ   المُستهامِ   هموعُها

معاهدُ   من  غزلانِ   أنسٍ  تحالفت

لواحظُها  أنْ  لا   يُداوى  صريعُها

بها   تسكنُ  النّفسُ  النفورُ ويغتذي

بآنسَ   من  قلبِ   المقيمِ   نَزوعُها

يَحِنُّ    إليها    كلُّ    قلبٍ،   كأنما

تُشادُ    بحبّاتِ   القلوبِ   ربوعُها

فكلُّ  ليالي  عيشِها   زمنُ  الصِبا

وكلُّ  فصولِ  الدهرِ فيها  ربيعُها

المصدر: جمال الدين الآلوسي. بغداد في الشعر العربي.. من تاريخها وأخبارها الحضارية. مطبعة المجمع العلمي العراقي. 1407 هجرية-1987 ميلادية.

قصتي مع هذه القصيدة :

في المكتبة الظاهرية بدمشق وفي العام 1983، كنت أبحث عن أية تفاصيل عن مدينة بغداد لتقديمها من إذاعة دمشق حيث كنت أعمل. إلى جانبي في صالة القراءة كان ثمة شاب يقرأ وأمامه مجموعة من الكتب، أحدها كراس صغير. استأذنت جاري الشاب في الإطلاع على ذلك الكراس، لا أتذكر مصنفه أو كاتبه ربما كان الأستاذ الدكتور عمر فروخ، كان الكراس يحتوي على بضعة من القصائد والأخبار عن بغداد، منها قصيدة (أراجعة تلك الليالي للقاضي الجُرجاني). لم يكن متاحًا لي الاستعارة الخارجية، لأنني لم أكن مُسجَلاً في المكتبة. قرأت أبيات القصيدة التسعة، وحين وصلت إلى البيت الثامن:

يَحِنُّ    إليها    كلُّ    قلبٍ،   كأنما

تُشادُ    بحبّاتِ   القلوبِ   ربوعُها

أبكاني الحنين إلى مدينتي بغداد، فغادرت المكتبة مسرعًا خجلاً من دموعي إلى عملي مباشرة، وهذا البيت الشعري ماانفك يدور في رأسي ويُسكرني. عدت إلى المكتبة بعدها وأنا أبحث عن ذلك الكتاب الصغير وتلك القصيدة حتى يئست تمامًا، فقد فقدت أثره تمامًا، وضاعت فرصتي.

حتى عام 1990 وقبل أنْ أغادر دمشق إلى السويد. كنت أجدّ في البحث عن القصيدة التي لا أعرف سوى أنّ شاعرها يُدعى الجرجاني وهي قصيدة حنين إلى بغداد. خاطبت شقيقي الذي كان يدرس في أذربيجان وأصدقاء في موسكو وسمرقند ودوشنبة وغيرها من مدن المكتبات والمخطوطات. الكلّ كان يوجه السؤال التالي:

عن أي الجُرجانيين تبحث، الطبيب، الفلكي، القاضي، الرياضي، أم عالم الأنساب؟ أجيبهم أبحث عن الجرجاني الشاعر، فيعود الجواب مجددًا: أيهم؟ فكلهم شعراء!

بعد 26 سنة وأثناء إدارتي لمكتبة (Orientalia) العربية في ستوكهولم وأثناء ترتيبي للرفوف الخاصة بتاريخ العراق، التي تضم ما يقارب الألف كتاب، عثرت على كتاب (جمال الدين الآلوسي) الذي يحتضن أغلب القصائد التي قيلت في بغداد منذ تأسيسها حتى وقفة الشاعر الكبير بقامته السامقة (نزار قباني) في بداية السبعينات وهو يتغنى (مرحبًا يا عراقُ جئتُ أغنّيك وبعضٌ من الغناءِ بكاءُ). حينها وجدت قصيدة الجرجاني بعد بحث استغرق ست وعشرين سنة من عمري. كنت أحتضن الكتاب ودموع صامتة بل خرس تتدفق وكأنني في لقاء حبيب قديم.

حين عاد صاحب المكتبة المصري الجميل الحاج حمدي علي مرسي من القاهرة. وضعت الكتاب أمامه قائلاً:

أطلب المبلغ الذي تراه لهذا الكتاب دون أي تردد. أجاب:

هذا الكتاب لم يكن ملك المكتبة ولا لأي أحد سواك في يوم من الأيام على الإطلاق، إنه كتابك وحبيبك وقد كان وديعة في المكتبة حتى تظهر أنت وتُعاد الأمانة إلى صاحبها، والحمد لله استطعت أن أحفظ الأمانة، هنيئًا لك كتابك وحبيبك.

أول موعد كان لي مع العراقيين في ستوكهولم، هو في أمسية شعرية لجمعية الفنانين التشكيليين في ستوكهولم. طلبت منهم تحويل الأمسية إلى جلسة سمر عراقية نسميها (جلسة غزل ببغداد)، قدمت أجمل ما قيل في بغداد من قصائد حبّ، وتحدث فيها عن أهم أخبار وأحوال عاصمتنا الجميلة.

 


 

free web counter