| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جاسم الولائي

 

 

 

 

الأثنين 30/6/ 2008



مُوّا مارتينسون
عاشت لتناضل من أجل حلمها

جاسم الولائي

في بداية حياتها اعتقدت مُوّا أن لا نصيب لها في الزواج على الإطلاق. كان حلمها الدائم أن تعمل وتصبح ثرية ويكون بمقدورها مساعدة أمها. كانت تحلم أيضاً في أن تصبح كاتبة مرموقة.

من هي مُوّا؟
كيف سارت الأمور بأحلامها، وإلى أين وصلت؟

هذه هي حكايتها:
في العام 1890 ولدت طفلة صغيرة. إنها مُوّا. أمها كانت شابة في التاسعة عشر من عمرها. بسبب الفقر المدقع الذي لازم الأسر الريفية في تلك الفترة لم يكن باستطاعة الأم الشابة البقاء في المنزل ورعاية طفلتها. لذلك كانت مجبرة على الخروج إلى العمل من أجل إعالة نفسها وطفلتها. وقد تركت الطفلة مُوّا في منزل الجد والجدة. بعد عام توفي الجد. بعد ذلك أصبحت الجدة عمياء. وقتها كان على مُوّا أن تنتقل إلى بيت آخر. فقد عاشت وهي تتنقل بين أسر خالاتها.
حين بلغت مُوّا عامها السابع تزوجت الأم وجلبت الطفلة معها لتعيش في حضن الأسرة حديثة الزواج. مع ذلك لم يكن الأمر بتلك السهولة. الأسرة الجديدة ذاتها كانت تعاني من الفقر والحرمان أيضاً، وكانت حياتها قاسية للغاية. لكن والدة مُوّا كانت تحاول أن تحتفظ بالبيت نظيفاً وجميلاً. وتحرص على أن يتناول الجميع طعامهم على المائدة.
عشقت مُوّا قراءة الكتب وكانت ذكية في المدرسة بشكل ملفت للنظر. لذلك رافقها التفوق والنجاح على الدوام. وكانت ترغب بالاستمرار في الدراسة أكثر من رغبتها في أي شيء آخر. لكن ذلك لم يكن ممكناً بالمرّة. خصوصاً لفتاة فقيرة في بلاد فقيرة كالسويد تلك الفترة.
حين أصبحت مُوّا في الثالثة عشر بدأت أول عمل لها "صبية لدى عائلة أحد القسس"، أي خادمة ربما، ليس أكثر من ذلك. ثم وفي مرحلة أخرى من شبابها المبكر عملت في أحد المطاعم. بهذا العمل أصبحت فتاة قوية واجبها مساعدة الآخرين. وعرفت بجرأتها في أن تحكم بالحق وتقف إلى جانب من يتعرض لمعاملة ظالمة. وكان غالباً ما يحدث هذا.
لم تسر الحياة كما كانت تحلم وتفكر. لقد التقت رجلاً وهي في التاسعة عشر من عمرها وتزوجت منه. ثم انتقل الزوجان إلى كوخ صغير في المقاطعة نفسها. هو بيت ريفي تحيط به مزرعة صغيرة فقيرة. هناك أنجبت مُوّا خمسة أبناء ذكور خلال ست سنوات.
زوجها كان عاملاً. لكن البطالة كانت عالية. لذلك واجهت الأسرة صعوبات بالغة الشدة وأياماً سوداً حفرت الفقر والمعاناة في ذاكرتها ملامح لا تمحوها ولا تغيّرها الأيام. طوال الوقت كانت مُوّا تواصل كفاحها ضد الفقر والجوع. تزرع البطاطس وهي الوجبة البديلة عن خبز القمح حينها والخضار أيضاً. وكانت تصطاد السمك والحيوانات لتوفر طعام أسرتها الكبيرة. كانت حياتها في المزرعة جافة صعبة. وبتواتر سريع كانت الحال تتبدل من أسوأ إلى أسوأ.
وكأن حياتها لم تكن لتكتفي بالفقر والجوع لتضيف إليها الحزن أيضاً ليكتمل بعدها مثلث المأساة. ولم تكن الأحزان تأتي فرادى، وإنما جاءت مضاعفة حيت سار ولداها الأصغرين في يوم من أيام لقاء الخريف بالربيع فوق المياه المتجلدة في مشوار لصيد السمك عن طريق حفر طبقة الجليد. ليتكسر الجليد تحت أقدامهما ويغرق الولدان.
بعد بضع سنوات عادت الأحزان من جديد حين انتحر زوجها وصارت أرملة، لتعيش وحيدة مع ما بقي من أولادها وهم الثلاثة الكبار.

رغم كل تلك المآسي المتوالية بقي حلمها حياً في أن تصبح كاتبة. فقد كتبت الشعر والقصص القصيرة والمقالات الصحفية. كانت تكتب في البيت على طاولة المطبخ. وكانت ترسل ما تكتب إلى مختلف الصحف. بهذه الطريقة حصلت مُوّا على القليل من الدراهم. لكن هدفها الأهم كان تأليف كتاب لتصبح كاتبة حقيقية. في العام 1933، حين كانت مُوّا في الثالثة والأربعين صدر كتابها الأول كان موسوماً بالعنوان التالي: "نساء وشجرة تفاح".

كتبت بعد ذلك العديد من الكتب التي كانت تحكي أحياناً عن خبرتها في الحياة. على سبيل المثال كتابها "أمي تتزوج". تمكنت مُوّا أن تتحدث عن الأيام العادية لنساء فقيرات. وهذا ما لم يفعله أحد من قبل. اعتبر قسم من الخبراء والنقاد كتبها على أنها ليست أدباً جيداً. لكن عدداً كبيراً من الناس عشق أدبها. لقد حصلت مُوّا الآن على مردود مالي أفضل وصار بإمكانها مساعدة أمها، وكان هذا بحد ذاته حلماً حياً وقديماً عاش معها منذ طفولتها المبكرة.
حين بدأت بالكتابة التقت كاتباً شاباً، هو هاري مارتينسون. كان هاري يكتب الشعر. تزوجت منه عام 1929. هاري مارتينسون أصبح وبالتدريج كاتباً ذا شهرة واسعة. وقد نال جائزة نوبل للآداب عام 1974.
كانت مُوّا تتضايق من الظلم وانعدام العدالة في المجتمع. كانت تكتب في الصحف عن كل ما كانت تعتقده خطأ. وكانت تساهم بجد وفاعلية في العمل السياسي. غالباً ما كانت تتحدث في لقاءات إذاعية. أحب الكثيرون الاستماع إلى أحاديثها، لأنها كانت تدير الحديث بطريقة غير عادية. تتحدث عن الحياة اليومية للناس العاديين. تقول ما كانت تعتقده صحيحاً بصراحة ودون مواربة.
عام 1944 حصلت على جائزة أدبية مهمة عن كتبها.
حين توفيت مُوّا مارتينسون عام 1964. كانت تحمل صفة كاتبة ومتحدثة.


 

free web counter