|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  22  / 10 / 2019                                 جواد وادي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

قراءة في كتاب

مع الشهيد الخالد أبو سعيد
وكتابه "من أعماق السجون العراقية"

جواد وادي *
(مواقع الناس)

من محاسن الصدف وضمن اجمل واصدق ما قرأت طيلة حياتي وبوجد لا يمكن وصفه: كتاب الشهيد عبد الجبار وهبي ( 1924ـ 1963) "من أعماق السجون في العراق" شاكرا من قام بنشره ضمن وسيلة التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) بنسخة البي دي اف.

أقول من محاسن الصدف واعطر اللحظات باستعادة الذاكرة التي تكلست بسبب الكوارث وقسوة ما عانينا من ويلات، ذلك ان علاقتي بهذه الشخصية الخالدة والفذة تعود لبداية الستينات وقبيل اقدام زمرة البعث الفاشية بتصفية هذه القامة الإعلامية المناضلة جراء انقلاب شباط الأسود 1963 القمعي المجرم.

الكتاب من اعداد وتقديم الأستاذ محمد علي الشبيبي، صمم غلافه الفنان المقتدر فيصل لعيبي، طباعة مؤسسة النبراس ـ العراق ـ النجف الأشرف.

تتصدر الغلاف صورة الشهيد أبو سعيد بروب التخرج عام 1943، الصورة الوحيدة المهداة من الشهيد أبو سعيد لصديقه فريد الأحمر وقد كتب في جهتها الخلفية اهداء جاء فيه "ارجو ان يكون في هذه الصورة ما يحفظ العهد المقطوع بيننا على المحبة والوفاء" وذيّلها باسمه وتوقيعه وتاريخ الاهداء. لا يحمل الكتاب اسم المؤلف الحقيقي، بل اسما مستعارا اختار له اسم "محمد راشد" تحاشيا لملاحقات السلطة القمعية في العهد الملكي.

قبل الولوج في عتبات الكتاب والمقدمة والتفاصيل الأخرى، انقل للقارئ سبب تعلقي واعجابي بالشهيد أبو سعيد، حين كنت في نهاية العقد الأول من عمري وتحديدا عام 1960/1961، كنت اسكن مع عائلتي المسحوقة في صرائف العاصمة بغداد في المجزرة (الميزرة) وكنا نسكن في بيت طيني بسيط للغاية، حيث كنا قبلها نسكن صرائف العاصمة "خلف السدة"، وكان يسكن معنا معلمي الأول في الوطنية رغم يفاعتي صديق العائلة عمي "بشكو" وكان يكتري غرفة صغيرة ضمن الدار، وكنت رفيقا دائما له، لم اكن اعرف بعد ما يجري من احداث، فكان يكلفني بشراء اتحاد الشعب، ويشرع بقراءتها وكنت اتابع ما يقرأ فيفتتح قراءته بعمود أبو سعيد ولشدة تعلقه بهذا العمود كان يشركني معه لنتم القراءة ونحن منشرحين، لما يتعرض له الشهيد من شواهد وحالات عراقية بأسلوب شيق. وهكذا تواصلت معه في المتابعة، حتى حدث الانقلاب الفاشي 1963، وحين القي القبض على الشهيد أبو سعيد وتوصل عمي بشكو بخبر فاجعة تصفيته بطريقة بشعة، وقفت على حزنه الشديد، فكان يبكي بحرقة وهو يخبرني بتصفية عبد الجبار وهبي، منذ ذلك العهد حتى اللحظة وانا احمل في وجداني حبا طاغيا لتلك القامة المناضلة، سيما بعد ان انخرطت في صفوف الحركة الوطنية الباسلة، وطليعتها (الحزب الشيوعي العراقي المكافح)، وظل خزين عشقي لابي سعيد الخالد لا حدود له، حتى كتبت نصا شعريا له ضمن تأبين سلسة من شهداء الحزب الأبرار، يجده القارئ الكريم في اسفل هذه القراءة.

يتصدر الكتاب اهداء الوفاء الذي جاء فيه:
الى الذي صمد وطهّر النفوس من الادران عام 1949.
الذي قال: لا... ودخل السجن ليمضي فيه عشرين سنة. الى بطل السجون وباعث روحها الثوري.
الذي قال للطغاة: "لن نعترف بشرعية سجننا" وتحدى الموت وهزأ بأسوار السجن مرتين.
الى المناضل الجريء الصلب، المحبوب، المتواضع، الذي يقود رفاقه، كفاح الشعب العراقي ضد الاستعمار والرجعية والحرب، في سبيل السلم والاستقلال والحرية.
الى المناضل الوطني الكبير، تلميذ "فهد"، الرفيق حميد عثمان إليك...
وإلى كل المناضلين والمناضلات الوطنيين الصامدين، الى ذلك السجن الكبير ـ العراق ـ أهدي هذا الكتاب.

م.ر
(عبد الجبار وهبي ـ أبو سعيد)
ويعني بهذين الحرفين الاسم المستعار "محمد راشد"

آثرنا ان نذكر الاهداء بكامله لما له من قيمة وطنية وسياسية وضرب من الوفاء لرفاق الشهيد أبو سعيد ويعلق على صدورهم اوسمة النضال الحقيقي والبطولات النادرة، لأنهم ببساطة تلامذة معلمنا الأول الخالد الشهيد يوسف سلمان يوسف "فهد".

في تمهيده للكتاب، قدم الأستاذ محمد علي الشبيبي السيرة الذاتية للمؤلف الشهيد أبو سعيد، مقدما شكره وامتنانه للأستاذ علي أبو طحين لإرساله نسخة من الكتاب البي دي اف ليشرع بإصدار الكتاب.

يسترسل الأستاذ الشبيبي في تمهيده عن تفاصيل بحثه المضنى وتقصيّه عن الكتاب، حتى تمكن من الحصول على نسخة منه كما أسلفنا أعلاه، احيل القارئ الكريم للاطلاع على تلك التفاصيل بما فيها السيرة الذاتية للشهيد عبد الجبار وهبي المولود في البصرة عام 1920. وذلك لضيق حيز التناول.

يقع الكتاب في 134 صفحة باستهلال من المؤلف موجه الى القارئ العربي، وهنا تتضح نية الكاتب بتخصيص هذا الكتاب وما يتضمنه من اهوال كان يتعرض لها السجناء السياسيون وتحديدا الشيوعيون منهم، ليوثق للبطش البربري الذي كانت تمارسه السلطة القمعية بقيادة واشراف نوري السعيد وبطانته المجرمة. وقبل هذا وذاك، يعتبر الكتاب وثيقة صادقة لا يطالها الشك، بحجم التضحيات الجسيمة التي تعرض لها الابطال الشيوعيون والقسوة الشديدة التي فاقت كل تصور سيتعرف عليها القاريْ ويقف على اهوالها، سيما الأجيال اللاحقة والراهنة لتتعزز المواقف الوطنية التي قدمها الشيوعيون من اجل الوطن والانسان وتحقيق الشعار الخالد الذي ما انفك الشيوعيون يعتبرونه قضية وجود، إنه شعار: "وطن حر وشعب سعيد". هذا الشعار الذي اعتبره الشيوعيون بوصلتهم ومرشدهم للأهداف النبيلة التي كرسوا كل حياتهم من التضحيات الجسام من اجل تحقيقه.

آثرنا ان نستشهد بمحتويات الكتاب ليطلع القارئ الكريم عن التفاصيل التي يتناولها المؤلف ويفتح شهيته للقراءة والتي ستكون مغايرة لكل القراءات الأخرى، لأن هذا الكتاب هو سجل ثمين وتوثيق هام من تاريخ فترة مهمة من تاريخ العراق الحديث، لما يحتوى على معلومات مثيرة قد تكون غائبة عن العديد من المتابعين وحتى الأقل متابعة، لأن واعز التقصي والبحث والوقوف على تلك المحطات من تاريخ العراق لدى بعض القراء ممن لا يكلفون انفسهم البحث الجاد لمعرفة حقيقة ما وقع، لأن ذلك سيمدهم بعزيمة متقدة وفكر وايمان بقضية عادلة ستكون حتما اقوى واشد وامضى عند الوقوف عليها، سيما ان الحركة اليسارية في العراق اليوم تتعرض لتشويه وتمييع ونسف التضحيات الهائلة التي قدمها الشيوعيون والاهوال التي تعرضوا لها هم وعوائلهم، يأتي ذلك من طرف من لا يريد الخير للعراق والشعب العراقي وممن يسعى لتشويه المحطات الهامة من تاريخ العراق السياسي الذي ينبغي ان يكون مرام كل من ينتمي بنقاء ووطنية لهذا الوطن ومن يحتكم على الايادي البيضاء البعيدة عن التلوث بالتجاوز على المال العام ومشاريع النهب والفساد التي شرعنها الطارئون من السياسيين المرائين، وهم وبوقاحة وقلة احياء فاقتا كل تصور، يجندون كل أسلحتهم الرثة لإضفاء غمامة سوداء على ذلك التاريخ المشرّف للشيوعيين، الأموات منهم والاحياء، وكم كانوا وما زالوا يمارسون ذات القذارات التي تمتد لأكثر من ثمانية عقود من زمن المرارات، هدفهم الموبوء الاستزادة اكثر من نهب أموال الفقراء والمسحوقين وزيادة الجروح التي ما انفك يعاني منها هذا الوطن الذبيح منذ انقلاب شباط الأسود 1963 وما قبل هذا التاريخ حين كان الطغاة في العهد الملكي وفي مقدمتهم نوري السعيد، اشد ما يخيفهم المد الجماهيري والغضب الوطني المشروع الذي يقوده الشيوعيون الامر الذي أدى الى توجيه أسلحتهم القذرة بشتى اشكالها لرقاب الشيوعيين وراح ضحية تلك الهجمات البربرية الاف القرابين على مذبح الحرية والانعتاق، ولا يخفى ذلك عن أي عراقي حتى الصبية الذين جاءوا بعد عقود المحن والموت والمرارات التي تعرض لها أعضاء هذا الفصيل الوطني المقدام. فلا غرو ان نلاحظ اليوم ونحن في بداية الالفية الثالثة ذات الحراب الصدئة تستهدف المناضلين الشيوعيين وكافة الوطنيين الاحرار المنادين بالدولة المدنية التي تعني خروج العراق من نفق الطائفية والمحاصصة والفساد المعلن والمختبئ، ومما يؤسف له ان هكذا تاريخ مقدس من النضالات لفصيل وطني، ما خان ولا فسد ولا طمع ولا عبث، ولا... ولا...، بل بقي بذات الايمان بقضية الشعب العادلة بالتخلص من كل تكوينات الإسلام السياسي التي عبثت حتى بالمقدسات الوطنية وحتى الدينية منها، حتى عاد العراقيون يضربون اخماسا بأسداس لما جرى ويجري، في حالة قد تكون نادرة كونيا من موت الضمائر الوطنية التي ينبغي ان تكون مشبعة بحب الوطن والتي تعتبر هي البوصلة الحقيقة للوصول بالعراق الى بر بالأمان. ولكن ما يحدث من تجاوزات من فصائل لا يمكن وصفها، تعمّق يوما بعد آخر من محنة الوطن وفواجع العراقيين.

محتويات الكتاب أتت على الشكل التالي:
الاهداء / تمهيد / الشهيد عبد الجبار وهبي (أبوسعيد) / الى القارئ / قلب بغداد / في مستشفى الكرخ / في السجن السياسي ببغداد / من هم السجناء السياسيون!؟ ما هي السجون العراقية؟ / نقرة السلمان / صيف 1953 في نقرة السلمان / الكوت/2آب1953 والتمهيد للحصار/ المجلس العرف العسكري يساهم / شهر الحصار/14آب1953/ المذبحة الكبرى/ الأسوار...المسلخ...المستشفى...! / التحقيق / نتف من التقرير / بعد عام / المحتويات...

ومن خلال محتويات الكتاب يتضح اهم المحطات التي تناولها المؤلف في هذا السفر الجحيمي الذي يوثق حجم المعاناة التي تسببت في قتل وجرح وعذابات السجناء الشيوعيين وما لاقوه من حرب حقيقية جند لها نظام نوري السعيد كل معاول الفناء ضد أؤلبك الابطال الصناديد الذين مروا بمراحل من الممارسات الوحشية من حرب إبادة حقيقية ظنا منه ومن زبانيته، بأنها الطريقة الوحيدة للقضاء على الشيوعيين وحركتهم التي لا يعلم او يتجاهل ذلك هو وكافة ازلامه، بأن الفكر الشيوعي تجذر في وعي وأفكار ووجدان العراقيين، لأنهم وجدوه الطريق الوحيد للخلاص من الوسائل الوحشية التي كان يمارسها النظام من تفقير واقصاء وتباين طبقي فضيع وتهميش لغالبية العراقيين وخصوصا سكنة خلف السدة ممن كانوا يمدون الدولة باليد العاملة والقوى الأمنية والجيش وعمال الخدمات والحراس الليليين والمعلمين والأساتذة وغيرها من شرائح المجتمع العراقي آنذاك والذين كانوا يشكلون الركائز الأساسية لمسيرة الاقتصاد وتسيير أمور البلد، لأن العمال والكسبة والفلاحين وأصحاب الحرف المختلفة ومنتسبي الجيش والشرطة من الوطنيين الأحرار، وبقية مكونات المجتمع العامل من المسيرين الفاعلين في تنمية البلد الذين كانوا ضحايا السياسات القمعية والهمجية الرأسمالية في حصولهم على فتات العيش ليتمتع السراق واللصوص وعملاء الخراج بكافة الامتيازات.

ومن خلال رحلتنا المريرة مع احداث الكتاب وسعي الشهيد أبو سعيد توثيق تلك المحطات ومدى القسوة والهجمات البربرية التي كانت المسلك الوحيد والمخيف ضد احرار العراق، بمجرد ان يرضوا ما كان يريدوه البريطانيون الذي سخّروا كل إمكاناتهم لسحق القوى الحية، وما علموا لجهلهم المطبق بان حركة التاريخ لا يمكن ان يسيروها حسب اهوائهم وافعالهم التي كانت تتسم بالتوحش والبربرية والسفالة.

ومما جاء في تمهيده للكتاب يذكر الأستاذ محمد علي الشبيبي:"لم اتدخل في أي موضوع من مواضيع الكتاب (الإهداء، إلى القارئ العربي، ومواضيع البحث المختلفة عن احداث السجون) فقد ثبتّها كما هي للأمانة التاريخية، ما عدا إضافة بسيطة توضيحية اشرت اليها في أحد الهوامش. كما اضفت هذا التمهيد مع مقالة سبق ونشرتها بعنوان (الشهيد عبد الجبار وهبي ـ أبو سعيد) وجدتها ضرورية تناولت فيها حياة الشهيد والتعريف بنشاطه.

مقدما جزيل شكره للسيد أبو الطحين الذي تجاوب معه ولم يبخل بإرسال نسخة مصورة من الكتاب.
ومما جاء في سيرة الشهيد الخالد التي ضمّنها السيد الشبيبي للكتاب، ذكر في بعضها: ولد الشهيد أبو سعيد في محلة المشراق في البصرة عام 1920 ثم يتناول المحطات الرئيسية في حياة الشهيد، ومنها: (ولم يسلم الشهيد من الأجهزة القمعية فأصدر المجلس العرفي ـ 1952ـ عليه حكما غيابيا بالسجن مدة 15 عاما وذلك لنشاطه في حركة السلم والتضامن ولإصداره كتابا بعنوان (السلام العالمي)، إضافة الى دوره في انتفاضة عام 1952).

من خلال رحلة القراءة الشيقة والمؤلمة في ذات الوقت، وجدت كقارئ محب لهذه الشخصية اسوة ببقية المناضلات والمناضلين الشيوعيين ممن نذروا حياتهم للدفاع عن المبادئ السامية ورفعة الوطن العراقي والذود بعناد وشكيمة من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية لكافة مسحوقي العراق وفي مقدمتهم الطبقة العاملة المناضلة، وجدت ان الكاتب وحرصا منه على توثيق أهم المحطات السياسية التي مرت بالعراق منذ تأسيس الدولة العراقية حتى ثورة تموز الخالدة، سعى على أن تكون الأجيال اللاحقة والتي تجهل الكثير من تلك المحطات الهامة والرئيسية في تاريخ العراق الحديث، أن تتبين مدى التضحيات الجسام المعمّدة بالدم والشهادة كي لا تنسى أو تتناسى أفواج القرابين المقدسة التي دونت بمداد دمها الطاهر اقدس اللحظات الفاصلة في تاريخ العراق الحديث، لكي يتفاخر بها ويتعلم منها من يأتي بعدهم من حجم الدروس البليغة، غير هيّابين أو مترددين أن يقدموا أجسادهم الطاهرة معابر منذورة للوصول الى الآمال النبيلة في الحرية والتقدم وكرامة الانسان وإزالة الغبش السياسي الذي ظل جاثما على صدورهم لعقود من زمن المحن والمكابدات وتفشي اقسى صيغ الهمجية والبربرية في مواجهة المد الجماهيري العنيد.

واصل الشهيد، يقول السيد الشبيبي، نشاطه الفكري والإعلامي في الصحافة السورية واللبنانية، وكان اهم ما كتب في تلك السنوات كتابه (من أعماق السجون العراقية) الذي طبعه باسم مستعار (محمد راشد) في حزيران عام 1955، وللأسف كان نشر الكتاب خلال تلك السنوات محدودا بسبب الظروف التي تعاني منها دول المنطقة، فجميعها تقريبا كانت تعاني من قهر الأنظمة الاستبدادية والتابعة، وكانت حرية النشر والتوزيع محدودة. فقرر توزيع كتابه خلال مشاركته في مهرجان الشباب والطلبة المنعقد في وارشو عام 1955/تموز، وبذل جهودا لترجمته باللغة الإنكليزية لاطلاع الوفود الأجنبية المشاركة في المهرجان على انتهاكات النظام الملكي لحقوق الانسان والواقع المر الذي يعيشه شعبنا).

انني هنا لا اريد ان أفسد لحظات القراءة الماتعة والواخزة في ذات الوقت لهذا المنجز الرائع والذي يعد بحق وثيقة امينة واساسية تندرج ضمن بقية الكتب التي وثّقت لتلك المرحلة، لأن مثل هكذا تناول يحرص على جعل الأجيال اللاحقة على بيّنة مما جرى لمن سبقهم ولحركتهم المناضلة والعنيدة "الحزب الشيوعي العراقي".

لهذا ولعدم علمي بطباعة هذا الكتاب على مستوى أكثر انتشارا، ادعوا الرفاق والمناضلين الحقيقيين ممن تعنيهم هذه الدروس والعبر النبيلة والمائزة في تاريخ وطن ونضالات شعب ما بخل يوما بتقديم الدم الطاهر لأعز أبنائه من اجل رفعة البلد والمواطن وصولا لتحقيق الشعار الخالد الذي ما فتئ الشيوعيون يحملونه وساما على صدورهم: (سنمضي الى ما نريد... وطن حر وشعب سعيد).

بإيجاز شديد ينبغي ان نذكر هنا ان الكاتب الشهيد استهل كتابه بوصف دقيق ومركّز لسجن بغداد المركزي، تحت عنوان "قلب بغداد" من حيث موقعه الجغرافي والممارسات البشعة بحق المناضلين، بما فيها ملاحقة الجرحى منهم في المستشفيات وحرمانهم من ابسط العلاجات وهم ينزفون دما، ومن ثم يعرّج في متون الكتاب الأخرى على الوصف المسهب للمنفى سيء الصيت والسمعة "نقرة السلمان" ومن ثم يعرّج على الأساليب البربرية والسادية لجلادي حكومة نوري السعيد ومن يدور في فلكها وما كانت تقوم به من تعذيب شديد القسوة والهمجية، وغيرها من لوحات مؤلمة يذكرها الكاتب، مع اعتزازه وافتخاره بما كان يبديه السجناء المناضلون من عزيمة وبأس شديدين اذهلتا الجلادين القتلة وكذا الإضرابات عن الطعام التي أدت الى وفيات عديدة وغيرها من الصور التي يقينا اذا ما اطلع الجيل الراهن عليها سيجعلها اوسمة شرف وفخر واعتزاز، ليتبين حجم المآسي التي كان يلاقيها الشيوعيون البواسل بعناد وصلابة عزيمة نادرتين. هكذا هم الشيوعيون في كل زمان ومكان، نهلنا منهم ومن عنادهم النادر هذه القوة في مواصلة الدرب وسنمضي وكل من يلحقنا من أجيال مدافعة بحزم عن الحقيقة، مثل هذه الدروس التي لن تُنسى أبدا.

ومن الجدير بالذكر وكإنارة على محطة مهمة مما قاساه السجناء الشيوعيون لكي نستلهم مدى العناد الأسطوري لهذه الشريحة المكافحة من اجل الحرية والكرامة والمبادئ الخيّرة، نقتطع للقارئ الكريم هذه الشهادة من الكتاب تقول: "هكذا استطاع السياسيون في نقرة السلمان ان يقاوموا عوامل الخمول والحزن واليأس والمرض وان ينتصروا عليها. ان ما ابقاهم احياء في نقرة السلمان هو فكرهم النير وارادتهم الفولاذية الواعية واعتقادهم المطلق بأنهم جزء من جبهة الكفاح، جزء يجب ان يصمد ويحتفظ بقواه وثوريته وان يقاوم، مع كل المناضلين، محاولات الاستعمار واعوانه لإذلال الشعب واخضاعه واستعباده وتقديمه وقودا للحرب. وكان السجناء السياسيون على علم تام بأن شعبهم لن يتخلى عنهم إن هم لم يتخلوا عنه، فكان لهم من عطف الجماهير والرأي العام سندا عظيما بوجه السلطات الحكومية، سندا يمدهم بالقوة والثبات والعزيمة..."

اننا في هذا الكتاب إزاء احداث وقعت في اربعينيات وخمسينيات القرن الماضي فشكلت لوحة وطنية لا يمكن محوها من الذاكرة، واذا ما تمعنّا بروية، نجد ان ذات الاحداث والمرارات والنكبات ما انفكت تتكرر بشكل متواصل حتى هذا اليوم، وما زال العراقيون والحركة الوطنية تعاني بقوة من شطحات الحكام المفلسين أخلاقيا ووطنيا وانسانيا، ولا يجب ان نعتبر ما جاء في هذا الكتاب القيّم مجرد سرد لأحداث عابرة، بل هي قيم ومبادئ وإرادة مناضلة تجذّرت وبقيت تعيش بقوة في الوجدان العراقي لتظل بوصلة لكل الأحرار من اجل الانعتاق من كل أنواع العسف والهيمنة والأفكار الخبيثة التي تخبّئ تحت جلابيبها الرثة كل أنواع الخيانات والانحرافات والسقوط الأخلاقي.

تحية للرعيل الأول من المناضلين الشيوعيين الأفذاذ وتحية لمدون هذه المحطات البليغة العبر والدروس، الشهيد الخالد عبد الجبار وهبي (أبو سعيد)

والمجد والخلود لشهداء الحزب الشيوعي العراقي والحركة الوطنية ولننحني اجلالا لنضالات مناضلي الحزب الخالدة.

ومما يزيدني فخرا انني كتبت نصا عن الشهيد أبو سعيد ضمن مجموعة نصوص لقادة الحزب الميامين ضحايا البطش البعثي المجرم نُشرت في مجلة الثقافة الجديدة اذكره هنا وانا في غاية الاعتزاز لهذه اللحظة وأنا اعيد نشره.


أبو سعيد
(عبد الجبار وهبي)


كان عمي بشكو الطيب
يرسلني كل صباح
لشراء اتحاد الشعب
كنت وقتها في عقدي الأول
كنت احبو في فناء الشموخ
طفلا يحمل راية الآلتين
لا يفقه ما يريد
يطلب العم مني قراءة عمودك
وهو ينصت بخشوع
لم أكن أفقه ما تقول بغاراتك البيضاء
كأنها حمم هابطة من اكوان بعيدة...
كان عمي بشكو يطوق وجهه بيديه
وكأنه ينصت لوصايا معلمه النبيل ويضحك
ما تزال أصداء قهقهات عمي بشكو
ترن بأذني كلما سمع تهكما لذيذا
وما تخط من أفانين على البياض
وذات يوم رأيته غائرا في حزنه
يصدر نشيجا وهو متكئ على الأريكة
ما أن رآني ضمني إلى صدره
وبصوت أنهكه البكاء
قال لي:
قتلوه، نشروه، غاب عنا ألق العراق
بعدها أدركت حجم الغياب.
هم ما نشروك يا معلمي النبيل
هم جعلوك نشورا لنا
لأيامنا العصيبة
تكحّل عيوننا بمرامدك الشفيفة
نشور يتناسل منه الإباء
هكذا هم الفرسان الرائعون
يتركون لنا الملاحم المسيّجة
بالشمع والآس والنخل والياسمين
والتضحيات القادمة
كلما مرت ذكراك
نسجنا نحن الأوفياء من بقايا جسدك الطاهر
طريقنا للخلاص
لنجمع شتات جسدك الذي ما زال غضا
ندسه في موضع النور والفخر والكبرياء...
فتشع فينا الأماني من جديد...

 


* شاعر وكاتب ومترجم عراقي
مقيم في المغرب










 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter