نسخة سهلة للطباعة
 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

جميل روفائيل

 

 

 

 

الأحد 29 /1/ 2006

 



 


الطالبانـي والحكيم بين المصالح وتأييد الكرد

 

جميــل روفـائيــل

بدايــة ، شـخصـيا وبصراحتي المعـهودة دائما ، أقـول : كانت نظرتـي المتكونـة من الملاحظة عـبر سـنوات طويلـة عـن السـيد جـلال الطالبـاني قبـل تسـلمه منصب رئيس الجمهوريـة ، تختـلف عـن النظرة التي حصـلت عـندي بعـد توليـه المنصـب ، وطالمـا تسـاءلت مـع نفسـي ، مـا سـبب هـذا التغـيـّر ! !

وكنت أحسـب لذلك أسـبابا ، مثـل : متطلبات الرئاسـة ومسـايرة للأوضاع العراقيـة وكسـب ود كـل الأطراف ، إنطلاقـا من موقـع الرئاسـة بالنسـبة للجميع . . وإرضـاء لعلاقاتـه الخاصـة مع المجالات الدوليـة .

لكـن تسـاؤلاتي ، وضـع السـيد الطالبانـي نفسـه حـدا لهـا عنـدما ظهـر لنحـو خمسـين دقيقـة في قنـاة العربيـة ( برنامج من العـراق ـ الأثنين 9 / 1 / 2006 ) فقـد أفـاد ( لا أتذكر ما قالـه بالضبط نصـا ، ولكن إطاره هـو ) أن الشـعب الكردي لا يمكن أن ينسـى معـارضة آيـة اللـه العظمـى السـيد محسـن الحكيم ( والد السـيد عبدالعـزيز الحكيـم ) القتـال ضـد الكرد . .

وشـخصـيا ، أعـتبر أن هـذه المعارضـة ينبغـي النظر إليـها بالإمتـنان . . وأعـتـقد أنهـا جاءت إنطلاقـا من مبـدأ عـدم محاربـة المسـلم للمسـلم الـذي يقـتضي أن يلتـزمـه كل مرجـع دينـي مسـلم . .

ولكـن الحقـيقة ، إذا كانت جماهيـر السـليمانية خرجت تلقائيـا ( كمـا قـال السـيد الطالبانـي ) للترحيب بالسـيد عـبد العزيز الحكيـم وصـفقت لـه على مـدى خمس دقائق متـواصلة إنطلاقـا من مشـاعـر العرفـان بالجميل لوالـده لتحريـمه القـتال ضـد الكـرد . . ( وهنـا لسـت في مجـال ما عـرفناه في العراق منـذ عـقـود من تصريحات للمسـؤولين السياسيين عـن ديموقراطية تلقائيـة خروج الجماهير في المناسبات التي تهـم السـياسيين ) وإنـما أرى أن مـن حقـي وحـق الكثيـرين غـيري ، إنطلاقـا من الديموقراطيـة التي لاتزال متـوفرة هـذه الأيـام لأبداء الـرأي في الكتابـة والكـلام والسـؤال والإسـتـفسـار ، أن نسـأل :

لمـاذا خـصّ السـيد الطالباني إمتـنانه فقـط لصـاحب التحـريم . . ونسـى أو تناسـى ( على طريقـة الجعفـري مع المرحومـة حفصـة العمـري ) : ـ
أولا ـ رجـال الدين المسـيحيين الذين أعـرف مالايقـل عـن عشـرة منهـم بين شـهيد وسـجين وبيشـمركة ، ناهيك عـن آلاف المسـيحيين ( من الكلدان الآشـوريين السـريان ) الذين أسـتشهدوا وسـجنـوا وشـردوا مـن أجـل القضـية القوميـة العـادلة للأخـوة الكـرد ( ولا أريـد أن أذكر الأسـماء خشـية أن أغبـن حـق أحـد منهـم ، ولا بـد أن الأخـوة في القيادات الكرديـة يعـرفونهم جيـدا باعـتبار أن الأمر متعـلق بهـم وبمسـؤولياتهم التاريخيـة ) وانـا لازلت أتذكر ( وكـأن ما حصل هو أمـام عيني الآن ) العـقيد صعب ( أعـتـقد لقـبه التكريتي ) آمـر الجحفل الخفيف في وقت عبدالسلام وعبدالرحمن ( عارف ) كيف كان يأتي إلى تللسـقف ومع سـرية من جنـوده وجماعات من ( الفرسـان الجحوش ) ويجمعـون في بيادر القريـة العشـرات من وجهـاء القرية وسـياسيـيها ويربطوهم ( بالفلـقات ) ويشـبعوهم ضربا و يرغـمون أهل القرية التفـرج عليهم ، طالبيـن منهم الإعـتراف بمن يعمل مع الحركة المسـلحة الكرديـة . . أمـا الجريمة التي أرتكبت بحق قريـة سـور ( أعتـقد أن هذا هو إسـمها أو قريب منـه ) في قضـاء زاخـو والتي كان من ضحاياها قـس القرية . . وغيرها من القـرى المسـيحية التي دمـرت وقتـل أهلـها وشـردوا فلا أعـتقد أنها خافيـة على الأخـوة الكـرد .
ثانيـا ـ الفئـات والشـخصيات الوطنيـة العـراقية التي وقـفت إلى جانب حـق الأخـوة الكـرد منـذ إنطـلاق حركتـهم المسـلحة ، وقاتـلت إلى جانبهم بالسـلاح والكلمـة والمنابـر المحليـة والدوليـة . . وأعـدم الطغـاة الصداميون وغيـرهم آلافـا منهم بسـبب دعـمهم لحقـوق الشـعب الكردي وحركتـه المسـلحة .

واللافـت أن السـيد الطالبـاني ، الـذي ألـمح في برنامـج العربيـة الذي تحدث فيـه أنـه فكريـا علمانيـا ويسـاريا ، دافع عـن الطائفيـين الشـيعة وفكـرهم المناقض كليـا للعلمانيـة واليسـارية والديموقراطيـة والحريات الشـخصية والإنسـانية وأعـتبر كل الإتـهامات الموجهـة إليـهم بأنـها مضخـمة وبعـيدة عـن الواقـع ، وأسـتغـرب مـن ( اعـتبار إعـتـقال أفـراد موازيا لتفجيـرات الإرهابيـين ) وأعـتبر أيضا أن الدسـتور ( الذي وضع في إطار مصالح الكرد ونـوايا الطائفيين الشـيعة بالشـكل المسـتمد من ممارسـات الحسـينيات ) مـمتاز ويعـارض تعـديله ، وأن الإنتخابـات عـادلة ونزيهـة ولـم يتطرق أبدا ( وكأنـه لـم يسـمع بـها أو أن ما قيـل عـنها ليس حقيقـيا ) إلى حـرق مقـرات الشـيوعي والوفاق وعمليـات القـتل في الثورة والناصرية والبصرة وغيرها . . ومحاولات القتـل ( ومنـهم الوطني العلمانـي أيـاد عـلاوي ورجـل الدين الوطني أيـاد جمال الدين ) التي قـام بـها الطائفيـون الشـيعة وميليشـياتهم تحت أنظار الشـرطة المتـفرجة . . وفرض الشـريعة الطائفيـة والحجـاب والويل والثبـور في الدنيـا والآخـرة لمـن لا ينـفذ . . فهـل ( أيها العلمانيـون اليسـاريون ) ينبغـي تبـرير كل هـذا وغـيره والسـكوت عليـه أو تجاهلـه مـن أجـل معارضـة ( أحدهم ) القـتال ضـد الكـرد ؟ ؟ عـلى رغـم أن الـذين ينصب عليـهم غضـب الطائفيـين الشـيعة ( هـذه الأيـام ) هـم وفئـاتهم كانـوا بيـن الذين ضحـوا بحياتـهم وعـذبـوا وأغتيـلوا ولوحقـوا وشـردوا مـع الأخـوة الكرد وضـمن مجـال حقـوقهم وحريـة العـراقيـين جميعـا . . في وقت كان غالبـية الطائفـيين الشـيعة إمـا يرتـدون عبـاءة صـدام وصحوتـه الإيمانيـة ، أو يشـيعـون لولايـة الفـقيه في إيـران حيـث يسـرحون ويمرحـون بحمـد الخمينيـة .

والأدهـى أن السـيد الطالبـاني ، دأب دائمـا على إنكـار أي تدخـل إيرانـي في شـؤون العـراق ، ووجـود أطماع إيرانيـة في العـراق ، وأن ( الطائفيـين الشـيعة ) ليس لهـم أي أرتبـاط مشـبوه مع إيـران ، على رغـم أن الطائفيـين الشـيعة أنفسـهم كثيرا مـا تباهـوا بمسـاعدات إيـران لهـم وعلاقاتـهم الرائعـة معـها وإعـجابـهم بنظامـها ( القائـم على ديموقراطية الشـريعـة وولايـة الفـقـيه ) .

بعـد يوميـن من تصريحـات السـيد الطالباني للعربيـة ، إتصـل بـي صديـق يعيش في دولة أوروبية وذكر لـي أن والدته التي تعيش في العمارة أبلغـته ، أن جماعـات مقـتدى الصدر وغيرهم ( فقـد ضاع حسـاب كثرة إنتماءاتهم على والدتـه ، إذ كل مـلاّ حسـينية لـه جماعـة مسـلحة يسـميها جيش ) يجوبـون شـوارع العمـارة وأزقتـها ( وغالبيـتهم كانـوا من جلاوزة النظام في زمـن البعث ) ومعـهم أسـلحتهم الناريـة إضافة إلى ( قامـاتهم الحسـينية ، التي إزدادت طولا وعـرضا وحـدة بحيث صارت أقرب إلى الطبـر ، فصار الناس المساكين يطلقـون عليهم : أبو طبـر ) وهيـهات للرجل الذي لـم يطلـق لحيـته أو يضـع الرباط ( اللعـين ) في عـنقـه . . والويـل للمرأة التي تظهـر شـعرة من شـعر رأسـها خارج مجال حجابها المفروض عليها ، فهي لا بـد أن تختـطف ( ومصيرها يبقى منوطـا بضمير الذين لا ضمير لهـم ) . . والحـال نفسـها تخيـم على البصـرة والكوت والناصرية وكربلاء والنجف والحلة والسـماوة والديوانية والثـورة ( وغيـرها من المناطق الخاضعـة لعصابات الطائفيين الشـيعة في بغـداد وغيـرها ) حيث فرض أتـباع ولايـة الفـقيه الإيرانية سـلطانهم وأوامـرهم بنيـران دعـاة الشـريعـة التي تلاحق ( بالأسـاليب الديموقراطية ) كل من لا يؤمـن بالطاعـة الكاملة .

وهـل يعـقل أن السـيد الطالباني ، وهـو رئيس جمهورية كل العـراق ، لايعـرف كـل هـذا ؟ ! ! أم أن المصـالح هي التي تتحـكم بالأقـوال وربـما بالأفعـال أيضا ، واضعـة على أعلى الرفـوف المبادئ والأفكار والسـجل الشـخصي والحقائق الواقعـية ؟ ! !

شـخصيا ، أنـا لا خـلاف لـي ، لا سـابقا ولا آنيـا ولا مسـتقبلا ، مع مطالب الأخـوة الكـرد ، وصولا إلى حقـهم بالأسـتقلال وتكوين دولتهم الكردية التي يتـوقون إليها . . وإنـني من دعـاة أن يكون سـهل نيـنوى محافظـة ضمن المجال الجغـرافي لأقليـم كردسـتان . . . ولكـن رغـم كل هـذا فمن طبعـي وسـلوكي الذي ألتـزمه دائما أن لا أغـمض عيـني وأؤيـد من أنـا إلى جانبـه على ورق أبيض ، بحسـب مقـولة ( أنـا وأخي على إبـن عـمي وأنـا وإبـن عمـي على الغـريب . . مـن دون الإهتـمام بمـن هو على حـق ومـن هـو على باطـل ) . . فأنا ملـتزم مـع نفسـي ومبادئـي أن أبقـى ثـابتـا على النهج الذي سـلكتـه في التأيـيد المشـبع بالبصـيرة الكاملـة . . وكـذلك في المعـارضة على النهج نفسـه .

ومـن هـذا المنطلق ، إنـني أرى أن إصطفـاف السـيد الطالباني إلى جانب الطائفييـن الشـيعـة ( ومعهم على الجميع ) لـن يكـون في مصلحـته ومصلحـة تاريخـه الشـخصي على المـدى الطويل . . ولا أدري إن كانت مؤازرة الفيديراليـة الطائفية الشـيعية تحت المسـميات الجغـرافية الخداعيـة ( التي يشـم منـها روائـح خطـوة التهيـؤ للإنضـمام إلى جمهوريـة إيـران الإسـلامية ) تـفيد حقـوق الأخـوة الكـرد في المرحلة الراهـنة ؟

وإذا كان الشـئ بالشـئ يذكـر ، فإنـنا نذكـر كيف خـدع الخمينيـون مهـدي بزركان وحزبه الحريـة والشـيوعيين وحزبهم تـودة ومجاهدي خلـق ومعهم الرئيس بني صـدر والأذريبجانيين ( الذين هم داخل إيران ) ومعهم شـريعتمداري والأكراد حتى إغتالـوا زعيمهم قاسـملو ( في ألمانيا ، كما أعتـقد ) وصـولا إلى المنتظري والخاتـمي . . ورسـخوا الطائفيـة الشـيعية بحسـب متطلبات ولاية الفقـيه ، وذلك كلـه من خلال إسـتغـلال المسـاجد والحسـينيات وميليشـيات الحرس الثـوري السـيئة الصيت . . وهـو مـا نـرى خطـواتـه في العـراق . . فأنتـبهوا يـا أولـي الألـبـاب . .

وبالتـأكيـد ، إن تجـربتي مع شـرور الأميركيـين والفسـاد الطائفـي الـذي نشـروه في منطقـة البلقـان ( الذي عيـني وأذنـي وأقلامي وكتاباتي شـهدت و تشـهد عليـه وسـتبقى كذلـك ) وتـرويجهم لأهـل المنطقـة ( في كرواتيا والبوسـنة وصربيا ومقدونيـا وكوسـوفو ـ كل أراضي يوغوسلافيا السابقـة ومـا يحيط بـها ) إمـّا نحـن ( الأميركيون ) هنـا أو العـودة إلى حروبكم وصراعاتكم الداميـة ، وتـرتيب أوضاع المنطقـة على هـذا المنـوال ، جعلتـني أصـدق بأن الأميركيين يريدون ( بلـقـنة ) العـراق إلى الحـد الذي يصبح وضعـه متـدهورا وطائفيا ومتصارعـا وحروبا أهليـة وبشـكل يكـون على سـكانه الإختيـار ( بيـن أميـركا والزرقاوي ) ومـا أصعـب الإختـيار عـندما يكـون بيـن شـرّيـن ، كلاهـما فتـاك وقـاتـل ومـدمـر . .

ولا غـرابـة في كل ذلك لأنـها المصالح ( التي كشـفتها الوثـائق التي نشـرت ) التي دفعـت أميركا للتضحية بصديقـها الحميـم شـاه إيـران وأن تأتـي بالخميني في طائـرة ليحـل ( رويـدا رويـدا بدل الشـاه ) وذلك لأن الشاه على رغـم ولائـه لأميركا فقـد كان عاقـلا ، فلـم يسـتخدم طاقاته لمواجهة جنـون صـدام وتعطشـه للدمـاء والدخول في حرب على مدى ثمـان سـنوات من أجـل عـيون الصديقـة أميـركا . . ولـم ينـفذ كل أوامـر أميركا ضـد الحكومة المواليـة للسـوفييت في أفغانسـتان . . هـذه أشـارة عـبرة لاغـير لمـن يتذكـر ويحسـب ولا يقـع في المصـائد والشـراك ، نعـم السـياسـة ألاعيـب ولكـن ينبغـي أن لا تخـلو مـن حسـابات وحسـابـات وحسـابـات .